زمنٌ أو آخر: أفضلُ خَمس نظرياتنا عن البُعد الرابعِ
بقلم: أنيل أنانساثوامي
ترجمة: .د. محمد قيصرون ميرزا
ما الزمن ولماذا يجري؟ وهل هو مجرد وهْم؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة لا تزال واحدة من أكبر التحديات في الفيزياء.
إن مقولة الفيزيائي جون وييلر John Wheeler: “الزمن هو ما يمنع كل شيء من الحدوث في آن واحد”، هي ملخصٌ مقبول، مثل غيرها من المقولات، لما يفعله الزمن -لاسيما أن تَحرِّينا لأكثر المكونات الأساس للواقع جعل لدينا لدينا نوعا من التشويش عن حالته (للمزيد انظر: جوهر الواقع: اصطياد المكوِّن الأكثر جوهرية في الكون). وأحد المتورطين في ذلك كان آينشتاين الذي دمجت نظريتُه في النسبية العامة الزمنَ Time في المكان Space. وحتى قبل آينشتاين، فإن فهمنا لقوانين الفيزياء كان صائبا بغض النظر عمّا إذا كُنتَ تتحركُ في الزمن إلى الأمام أو إلى الوراء. غير أن هذا لا ينسجم مع تجاربنا. لذا، ما الزمن فعلاً؟ وفيما يأتي خمسة من أفضل آرائنا:
الزمن… هو هكذا
جاءت ميكانيكا الكم في أعقاب النسبية العامة لتُعيدَ بسرعةٍ فكرتَنا المألوفةَ عن الزمن. ويتجلى طنينُ عالمِ ميكانيكا الكم وفقَ الدقاتِ الموثوقةِ لساعةٍ تقبعُ خارج أي منظومةِ جسيماتٍ تصفُها. وعلى الرغم من مكانته، فإن وصفَ ميكانيكا الكم للزمنِ يبقى غير مقنع. خذ معادلات وييلر–دي ويت Wheeler–DeWitt التي تصف الحالةَ الكمية لكلِّ الكونِ، فلو صدفَ أنْ كانتِ المنظومة هي كل ما نعرفه، عندئذ أين بالضبط تدق الساعةُ الكميةُ دقاتها؟
انزل عميقاً، إلى ما دون الجزيئات والذرات والجسيمات الأولية، وأين ستجد نفسك؟ من المحتمل أننا على وشك اكتشاف ذلك.
الزمن هو… وهْم
يعتقد الفيزيائي المستقل جوليان باربور Julian Barbour، أنه ربما يجب علينا قتل الزمنِ كلياً. ويبدأ من منطلق مفاده أنه يجبُ فكُّ ارتباطِ الزمنِ والمكان، اللذين توحدا في النسبية العامة لآينشتاين. ويجادلُ في أنَّ الطريقةَ الوحيدة لوصفِ الفضاءِ هي اعتباره العلاقةَ الهندسية بين الجسيمات المُشاهَدة، مما يعني عدم الإشارة إلى الزمن. وهذا يؤدي به إلى صورةٍ يكون فيها الكونُ مجموعةً من بُنى محتملةٍ لهندسةٍ ثلاثية الأبعاد للفضاء. ويطلق على كل بُنية اسم “لمحة لحظية” Snap shot توجد كل واحدة منها في “فضاءٍ من الاحتمالات”. فالزمن في مفهوم باربور ليس حقيقياً وليس أكثر من شيء نتصوره– وهمٌ يتجلى لأن الكون يتغير باستمرار من لمحة إلى أخرى.
الزمن هو… سهم إنتروبي
ومع ذلك، فإن نهج باربور لا يتصدى لسؤال آخر أكثر غموضاً. إنَّ كلَّ قوانينِ الفيزياء التي لدينا متناظرةٌ بالنسبة إلى الزمن، مما يعني أنه، بلغةِ الرياضيات، يمكنُ للأشياءِ أن تتحركَ إلى الخلف أو إلى الأمام على قدم المساواة، باستثناءٍ واحدٍ. إذ ينص القانونُ الثاني للديناميكا الحرارية Thermodynamics على أن الإنتروبية أو مقدار عدم الانتظام Disorder لمجموعاتٍ معزولةٍ من الجسيماتِ والطاقةِ تزدادُ دائماً بمرور الزمن. ويفسر القانونُ الثاني سببَ عدم سخونةِ إناءِ ماءٍ بشكلٍ آني، مثلاً.
فقد دفع عدمُ التناظرِ الفريدِ هذا للقانونِ الثاني للديناميكا الكثيرَ من الفيزيائيين إلى الشك في أن جريانَ الزمن المحتوم إلى الأمام مرتبطٌ بالإنتروبية. وهناك أيضاً نسخةٌ كميةٌ “لسهمِ الزمن الإنتروبي” طورها الفيزيائي ساندو بوبيسكو Sandu Popescu من جامعة بريستولBristol University. وقد بيَّن بوبيسكو وزملاؤه أنه يمكننا رؤية زيادة الإنتروبية نتيجة لازدياد التشابك الكمي.
الزمن هو… بعد كل ذلك حقيقي
يقول لي سمولين Lee Smolin من معهد بيريمتر Perimeter Institute في مدينة واترلو بكندا، إن أنتروبية سهمِ الزمنِ ربما لا تكون هي القصة الكاملة. ويشير إلى أنه لو كانت الإنتروبية تتزايد باطّرادٍ، لكان من المفترض أن يكونَ الكونُ لحظةَ الانفجارِ الكبير في حالةٍ ذاتِ إنتروبية منخفضة (ذات ترتيب عالٍ). ولا يوجد تفسيرٌ واضحٌ للسببِ الذي يجعلُها تبدأ بتلك الطريقة. ويعيدُنا هذا إلى السؤالِ عن سببِ كون قوانيننا الفيزيائية متناظرة بالنسبة إلى الزمن. ويقول سمولين: “لعلنا ببساطة نملك القوانين الخطأ”. وقد كان هو وزملاؤه يجربون قوانين أساسٍ أُخرى بديلةً تحوي اتجاهاً زمنياً مبنياً فيها. والمعضلة الوحيدة أن هذا يؤدي إلى أسئلة محيرة للعقل مثل ما إذا كانت هذه القوانين نفسها متغيرة مع الزمن.
الزمن… يستحق المساواة
كانت جُوان فاكارو Joan Vaccaro، من جامعة غريفيث Griffith University في أستراليا، تُجري تجاربَ تضع الزمنَ والمكان على قدم المساواة. وتسمحُ ميكانيكا الكم لجسيمٍ بأن يوجدَ في موضعٍ واحدٍ وليس في غيره. وتقول فاكارو إنه يفترضُ أن يسمحَ أيضاً بوجود الجسيم في زمنٍ واحد وليس في غيره من دون الحاجةِ إلى إدخالِ تفاعلات تخلقه أو تفنيه.
وعندما حاولت فاكارو إضافة معادلات كهذه تسببت في أخطاءٍ فادحةٍ في النظرية، لأنها خالفت رُكناً أساسا في الفيزياء -حفظ الكتلة. غير أن فاكارو بيَّنت الكيفية التي يمكن بها استعادة نموذجٍ مُعدَّلٍ لميكانيكا الكم من الحطام. وقد يكون هناك بعض الإثبات التجريبي لدعم أفكارها. ففي عام 2012 وجدت تجربةُ بابار BaBar experiment في مركز المُعجِّل (المُسرِّع) الوطني SLAC في جامعة ستانفورد Stanford University أن تحلل جسيمات تدعى ميزونات B أو B mesons مختلفٌ في أزمنةٍ مختلفةٍ. ولا يمكن أن يكونَ هذا ممكناً بتاتاً في حالِ كونِ قوانين الفيزياء متناظرة زمنياً. ولعلَّ فاكارو قد توصلت إلى شيءٍ ذي أهميةٍ– لكن دعْنا نأخذ الأشياءَ خطوة فخطوة.
أنيل أنانساثوامي Anil Ananthaswamy مستشار مجلة نيو ساينتيست.