هل هناك عوالم مكوَّنة من ضديد المادة ؟
بقلم: ستيوارت كلارك
ترجمة: همام بيطار
لن نتمكن من معرفة سبب هيمنة المادة على الكون، إلا إذا وُجِدت نجومٌ ومجرات في أصقاع بعيدة من الكون. الآن تبدأ المطاردة.
لطالما كانت ضديدات المادة مليئة بالمفاجآت. وأولاها كان وجودها، والثانية عدم وجودها.
لنبدأ من البداية، ففي عشرينات القرن الماضي تمكن عالم الفيزياء البريطاني بول ديراك Paul Dirac من المواءمة بين نظرية الكم والنسبية الخاصة لآينشتاين ليشرح آلية عمل الجسيمات الأساسية الصغيرة وسريعة الحركة مثل الإلكترونات. لكن كانت لمعادلته المُوحدة والجميلة، التي كُرِّمت بعرضها على لوحة في كاتدرائية ويستمينستر آبي في لندن، نتيجة غير مرغوب فيها؛ فقد تنبأت بوجود جسيم مقابل لكل جسيم مادي موجود كالإلكترون، ولهذا الجسيم خواص مماثلة تماماً للجسيم الأصلي، لكنه معاكس له في أشياء معينة مثل الشحنة الكهربائية.
في البداية نحّى ديراك هذه الحقيقة جانباً -نتيجة لـ «جُبنٍ خالصٍ» وفقاً لما قاله لاحقاً، لكن بعد ثلاثة أعوام من ذلك جرى اكتشاف النسخة المضادة من الإلكترون، المعروفة بالبوزيترون positron، في الأشعة الكونية. ومنذ ذلك الحين، ومع بناء النموذج القياسي في فيزياء الجسيمات بالاعتماد على الاكتشافات التي أنجزها ديراك وآخرون، ظهرت كل أنواع المشكلات.
لا يتعين وجود ضديد مادة فقط، وإنما يجب أن تكون وفيرة، ففي كل مرة يولّد فيها جسيم مادة، يجب أن يترافق ذلك مع جسيم مضاد. ويقول ميكائيل كابل Michael Capell، عالم فيزياء الجسيمات الفلكية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology: «يجب أن يكون لدينا كونٌ نصف ما فيه من كتلة عبارة عن مادة مضادة.» إذن، أين هي تلك الجسيمات؟
لا يمكن أن تكون بجوارنا لأن المادة وضديد المادة يُفني أحدهما الآخر عندما يتلاقيان، وسنلاحظ ذلك على شكل طاقة أشعة إكس، التي تنتج بدورها من ذلك.
ربما سمح العديد من الظواهر المتعلقة بالجسيمات الصغيرة بوجود كمية أكبر بقليل من المادة العادية مقارنة بضديد المادة، لكن لا يُوجد أي من تلك التأثيرات كبير بمقدار كافٍ لتفسير حجم التناقض الذي نراه.
ربما تكون ضديدات المادة المفقودة موجودة في مكانٍ آخر -في نجوم ومجرات مصنوعة بالكامل من هذه المادة، كما هي الحال مع شمسنا ومجرة درب التبانة المكونة من المادة العادية فقط. وستُنتج النجوم المؤلفة من ضديدات المادة الضوءَ نفسه الناجم عن النجوم العادية، لكنها ستُطلق رياحاً مكونة من ضديدات جسيمات، كما هي الحال مع الرياح الشمسية المكونة من الجسيمات العادية. وعندما تتلاقى ضديدات الجسيمات مع الجسيمات العادية خارج مجراتها، تطلق حينها أشعة إكس ستكون مرصودة في كافة أرجاء الكون.
جزء من البليون
لم نرَ أي شيء من ذلك حتى الآن، لكن مطياف الكتلة المغناطيسي ألفا Alpha Magnetic Spectrometer (اختصارا: AMS) يختبر حالياً وبشكل مباشر ما إذا كان كاشف الجسيمات العملاق هذا، المُقام على متن محطة الفضاء الدولية عام 2011، قادرا على تمييز المادة العادية عن ضديد المادة الموجودة في الأشعة الكونية.
ويُمكن إنتاج ضديدات البوزيترونات والبروتونات بسهولة نسبياً في كوننا الحالي، كما هي الحال -على سبيل المثال- عندما تتصادم جسيمات عالية الطاقة الموجودة داخل حقول مغناطيسية قوية تُحيط بنجوم ميتة. وتتمثل الجائزة بشيء أكبر من ذلك، فمعظم الهليوم أُنتج في الدقائق القليلة الأولى من عمر الكون، ومن ثم فإنّ إيجاد ضديد الهليوم يعني أن العملية نفسها كانت مسؤولة عن إنتاج كميات كبيرة من ضديد المادة. وفي هذا الإطار، تُعتبر النجوم الأماكن الوحيدة التي يُمكن صناعة الكربون والنوى الأثقل داخلها، ولذلك فإن نواة ضديد كربون واحدة ستؤكد وجود نجوم مؤلفة من ضديدات المادة في مكانٍ ما من كوننا.
ووفقاً لكابل الذي يعمل في مشروع المطياف AMS، فإن القضية تشبه البحث عن إبرة داخل كومة قش، فتوقعك يتضمن وجود ضديد جسيم معقد مقابل كل بليون جسيم عادي يكشفه المطياف AMS. ومؤخراً فقط جمع هذا المطياف كمية كافية من الأحداث التي تسمح له بقول شيء ذي معنى، لكنه سباقٌ ضد الزمن. يجب أن تجري عملية الكشف في الفضاء لأن ضديدات الجسيمات تفنى عند وصولها إلى الغلاف الجوي، لكن في الوقت نفسه يُشكل الفضاء بيئة معادية للتكنولوجيا. ويقول كابل: «يعمل المطياف AMS كبطل حقيقي، لكننا نراه وهو يشيخ أيضا.» ففي عام 2014 توقفت إحدى مضخات التبريد الأربع عن العمل، وهو تطور مقلق بالنسبة إلى تجربة مصممة لتستمر بالعمل حتى عام 2024.
لذلك نأمل بحصول شيء ما يؤدي بنا إلى الوصول إلى دليل قوي يتغلب على ما تشاهده أعيننا التي تُخبرنا بأننا نعيش في كونٍ تُهيمن عليه المادة العادية هيمنة مطلقة.