هل يجري الزمن في كلا الاتجاهين؟
بقلم: ستيوارت كلارك
ترجمة: همام بيطار
هل يُمكن للموتى أن يعودوا إلى الحياة، وهل يُمكن للحياة أن تمضي متراجعة إلى لحظة الولادة كما هي الحال في أسلوب بينجامين بوتن؟ تكشف نظرة مقربة على نظرية الكم عن إجابة مفاجئة.
إذا وجد شيء باستطاعته استهلاك الزمن، فحينها سنتمكن من معرفة ماهيته. ويظهر الزمن في كل قوانين الفيزياء، لكن ليس كما نتوقع أبداً. في نظرية الكم، تدق «الساعة الرئيسية» في مكانٍ ما من الكون لتقيس جميع العمليات. لكن في نسبية آينشتاين، يتشوه الزمن نتيجة للحركة والجاذبية، ولذلك ليس ضرورياً أن تتزامن الساعات، وذلك يعني أنه يجب أن تكون الساعة الرئيسية -بطريقة ما وغير معقولة- خارج الكون.
والأكثر غرابة من ذلك أنّه لا يبدو أن النظرية تضع أي قيد على العودة بالزمن إلى الوراء. وتظهر الفكرة الشائعة عن جريان الوقت في اتجاه واحد في اختصاص وحيد من الفيزياء وهو الثرموديناميكا. وإذا ما كان الزمن يجري في الاتجاهين، فذلك يعني أن قهوتك ستسخن في بعض الأحيان عندما تنساها فوق الطاولة، وقد يلتئم البيض الذي سقط منك على الأرض بشكلٍ لحظي مجدداً ويعود إلى يدك، وربما يعود الموتى إلى الحياة، والحياة إلى لحظة الولادة -إنه أسلوب بينجامين بوتن Benjamin Button.
الجاني هو الإنتروبية Entropy التي تُمثل القياس الثرموديناميكي Thermodynamics. للفوضى الموجودة داخل نظام ما.
وعندما وُلد الكون، كانت المادة موزعة بشكلٍ عشوائي داخل أبعادها الصغيرة، وكانت درجة حرارتها هي ذاتها في كافة الأرجاء. بعد ذلك دخلت الجاذبية إلى المشهد، وجمعت المادة معاً وسخنتها لتشكل بذلك المجرات والنجوم والكواكب وغيرها من الشوائب المرتبة. وتُحاول الثرموديناميكا إعادة تأسيس الفوضى، لتزيد من قيمة الإنتروبية بكل طريقة ممكنة.
وعند المستويات المحلية، فإن زيادة الإنتروبية تبدو مترافقة مع فقدان المعلومات، فالبيض المحطم لا يلتئم مجدداً لأن المعلومات المتعلقة بالترتيب السابق فُقدت أثناء التحطم. ليس لديك كل المعلومات اللازمة لجمع همبتي دومبتي Humpty Dumpty مجدداً، وذلك هو الحاجز الذي يمنعنا من العودة بالزمن إلى الوراء.
هل يحدث ذلك حقاً؟ يقول ساندو بوبسكو Sandu Popescu من جامعة بريستول في المملكة المتحدة: «عندما تُحكى القصة بهذه الطريقة، فهي تبدو مقنعة، لكن حالما تبدأ النظر إلى المزيد من التفاصيل، فإنها تصبح أكثر تعقيداً.» يُمكنك من حيث المبدأ في الفيزياء الكلاسيكية عكس العملية الثرموديناميكية إذا ما استطعت الحفاظ على المعلومات عبر قياس مسارات وسرعات كل مكونات البيضة المكسورة، وهذا يقترح إمكانية عكس الزمن.
حسناً، لماذا ليس باستطاعتنا ذلك؟ يعتقد بوبسكو أن أحد الاحتمالات يتجلى في وجود فجوة معلومات جوهرية في كيفية عمل العالم الكمّي. وهنا نعود مجدداً إلى ظاهرة التشابك (انظر:ارتياب كمّي: هل يُمكن أن تكون غرابة ميكانيك الكم أغرب مما هي عليه؟). عندما يبرد فنجان القهوة، فإن بوبسكو يعتقد أن التفاعلات المتواصلة بين جزيئات الهواء والقهوة تزيد من تشابكها الكمّي. وعلى الرغم من أنه باستطاعتك معرفة الحالات التي يحتوي عليها زوج من الجسيمات المتشابكة، فإنه ليس بمقدورك وبشكلٍ قاطع معرفة أيها لديه هذه الحالة أو تلك، مما يقود إلى استنزاف مستمر للمعلومات من العالم.
ووفقاً لبوبسكو فهذه لا تزال مجرد فكرة، إذ يعلق على الأمر قائلاً: «ميكانيكا الكم منسجمة مع الظواهر الكمية الميكروسكوبية المُشتقة بالاعتماد على القواعد الكمية، لكن ليس باستطاعتنا إثبات ذلك.» إضافة إلى هذا، هنالك إشكالية هائلة، فإذا كان محقاً بشكلٍ من الأشكال، فذلك يعني أنه باستطاعة الزمن في نهاية المطاف الجريان إلى الوراء.
التطور في اتجاه معاكس
في حسابات الفيزياء الكلاسيكية، كل ما تحتاج إليه نظريا هو الحالة الابتدائية للنظام وقوانين الميكانيكا كي تعرف ما سيحصل عند أي وقتٍ لاحق. لكن في ميكانيكا الكم وحيث يكون تطور النظام «احتماليا»، يُمكنك حينها تحديد الشروط اللازمة للحالتين الابتدائية والنهائية للنظام، وسيؤثر كلٌ من هذه الشروط في تطور النظام. طبق هذه الفكرة على الكون ككل وحينها وفقاً لبوبسكو، فإنّ «المعلومات قد تأتي من اللانهاية الموجبة وتنتشر عائدةً بالزمن إلى الوراء.»
ويعترف بوبسكو ضاحكاً بعدم وجود أي دليل يدعم أيًّا من تلك الأفكار حتى الآن، ويُضيف: «لم يدرس أي شخص حتى الآن ذلك الأمر بجدية. إنه مجرد تكهن.» لكن إذا ما بيّنت الفيزياء مستقبلاً أنه يُمكن للزمن العودة إلى الوراء، حينها يجب أن نعرف ذلك بطريقة ما.