بقلم: تيل برل
ترجمة: عبدالله المهنا
إنه أمر يقي من النوبات القلبية والسكتات، ويصد الخرف، ويمكّن الناس من النوم بشكل أفضل، والاستمتاع بحياة عاطفية أحسن وبحياة أطول. آه، إضافة إلى أنه من غير مقابل.
“شيء تعيش في أجله”. ترتكز هذه الفكرة البسيطة في قلب قصصنا العظيمة، وتدفع أبطالنا إلى الأمام. إنها الخيط الذي تُنسَج منه الفلسفات الأكثر تعقيدا. وكما كتب نيتشه يوما، “إن من عنده غاية يعيش لها، فسوف يتحمل أي وسيلة لتحقيقها.”
بصفتنا بشرا، فمن الصعب علينا أن نتخلص من فكرة أن لوجودنا معنى يتجاوز حاضرنا الآن. فالحياة تبدأ وتنتهي، بَلى، ولكن لا شك في أن هنالك معنى أعظم. فالمشكلة هي أن تلك القصص التي نرويها لأنفسنا لا تخفف أبدا من الواقع المرير: فإذا تعلق الأمر بالكون، فلسنا شيئا أكثر من تجمعات طاقة ومادة عابرة ومحتشدة بعشوائية. ويوما ما، سنصبح كلنا تُرابا.
يوما ما، ولكن لم يئن الأوان بعدُ. إن مجرد كون الحياة في النهاية بلا معنى لا يمنعنا من البحث عن معنىً بينما نحن أحياء. فالبعض يبحث عن المعنى في الدين، وآخرون في العمل أو المال أو العائلة، أو في التلهي هربا من الواقع. ولكن، يبدو أن كل من يجده يتعثر بالشيء نفسه -شيء يسميه علماء النفس “الهدف”.
قد تبدو فكرة الهدف في الحياة مُعرَّفة تعريفا ضعيفا وغير علمي حتى. ولكن أبحاثا كثيرة حددت ما هو الهدف، وكيف يؤثر في حياتنا.
ويعيش الأشخاص الذي يتحلون بقدر كبير من الحس بالهدف حياة أطول، وينامون بشكل أفضل ويستمتعون بحياة عاطفية أحسن. يمنع الشعور بالهدف خطر السكتات والاكتئاب. ويساعد الناس على التعافي من الإدمان أو في التعامل مع مستويات الغلوكوز في حالة الإصابة بداء السكري. إذا تمكنت شركة أدوية من تعبئة علاج كهذا، فسوف تربح الملايين. ولكنك تستطيع أن تعثر على هدفك الخاص، ومن غير مقابل.
لقد بدأت دراسة كيفية تأثير الهدف في صحتنا مع فكتر فرانكل Viktor Frankl، الطبيب النفسي النمساوي الذي نجا من أربعة معتقلات نازية. فقد لاحظ أن بعض السجناء معه كانت فرصتهم بالنجاة أكثر بكثير من غيرهم. “أسفا لمن لا يرى معنى في حياته ولا مقصدا ولا هدفا، وعليه، لا يجد سببا للاستمرار بالحياة. وسرعان ما يضلّ بعد ذلك بقليل،” كما كتب في وقت لاحق. بعد الحرب العالمية الثانية، كرس فرنكل عمله لفهم دور الهدف وتطوير طريقة معالجة مبنية على اكتشافاته.
ما وراء السعادة
في يومنا هذا، يعرف الباحثون الهدفَ على أنه إحساس بالاتجاه في الحياة -هدف بعيد المدى يحيط بالقيم الجوهرية للشخص، الذي يجعل الحياة مستحقة للعيش، ويشكل سلوكه اليومي. إنه مكون المقاييس الأكثر شمولا لرغد العيش أو السعادة، الذي حضي خلال العقدين الماضيين بقدر كبير من الإهتمام. ومن أجل ذلك، في عام 2012، كلف الأمين العام للأمم المتحدة، في ذلك الوقت، بان كي-مون بإعداد تقرير السعادة العالمي الأول، الذي بات موضع تجديد سنوي.
ومن الممكن أن تعكس مقاييس السعادة قضايا اجتماعية أوسع من قبيل عدم المساواة، ولكن عندما ينظر الباحثون إلى العناصر الفردية التي تشكل رغد العيش، يجدون بأن الهدف بذاته له أثر فريد في الصحة.
بالتأكيد، فإن الحسم فيما إذا كان الهدف حقا في ذاته، وليس حقيقة أن الأشخاص الهادفين يمارسون الرياضة أو يأكلون طعاما صحيا، قد يكون أمرا صعبا. ولكن على مدى السنوات العشر الماضية، صارت اكتشافات الفوائد الصحية للهدف متسقة بشكل ملحوظ، مما يكشف أن -من بين منافع أخرى- مدمني الكحول الذين زاد لديهم الحس بالهدف خلال العلاج كانوا أقل عرضة للعودة إلى الإفراط في الشرب بعد ستة أشهر، وأن الأشخاص الذي يتبنون هدفا ساميا كانوا أقل عرضة للإصابة باضطرابات النوم مع التقدم في العمر، وأن النساء اللائي يتحلين بحس هدف أقوى قيمن حياتهن العاطفية بأنها أكثر إمتاعا. وتستمر هذه الاكتشافات “حتى من بعد الضبط الإحصائي للعمر والعرق والجنس والتعليم والدخل والحالة الصحية والسلوكات الصحية،” كما يقول فكتور سترتشر Victor Strecher، الباحث في الصحة العامة في الجامعة متشيغان University of Michigan في آن آربر مؤلف كتاب: الحياة الهادفة Life on Purpose.
وفي تحليل لسبعة آلاف شخص في منتصف العمر من الولايات المتحدة، ارتبطت حتى الزيادات الطفيفة في الحس بالهدف بانخفاضات كبيرة في فرص الوفاة خلال فترة 14 سنة.
فقد وجدت دراسة أجريت على أكثر من تسعة آلاف شخص إنجليزي تجاوزوا الخمسين من العمر أن -حتى بعد ضبط أمور كالتعليم والاكتئاب والتدخين وممارسة الرياضة- خطر وفاة أولئك الذين وقعت نتائج إجاباتهم حول الشعر بالهدف في الربع الإحصائي الأعلى، خلال ما يقارب العقد من الزمن، يقدر بـ 30 % أقل مقارنة بأولئك الذين جاءت إجاباتهم في الربع الأدنى. وبينت دراسات أخرى أن الحس العالي بالهدف يقلل خطر أمراض القلب بواقع 27 %، والسكتة بواقع 22 % ومرض آلزايمر بواقع النصف.
والسبب الوحيد في عدم كون الهدف في قمة أولويات الصحة العامة، كما يقول سترتشر، هو أنه بشكل ما يبدو مبهما وعابرا. “لا يبدو ذا بنية علمية بما يكفي،” كما يقول. “إذا كانت هذه مسألة فيزيائية أو عقارا أو جينا جديدا، فسوف ترى تدفق الكثير من التمويل.”
ويتعلق بعض الشك بالقلق من أن يكون الهدف محض فرصة تستحق النضال في الحياة أو الثروة. وفي الواقع، في بحث حديث، وجد، باترك هيل Patrick Hill الذي يعمل الآن في جامعة واشنطن Washington University في سان لويس، أن الأشخاص الذين يتمتعون بحس هدف أقوى يميلون إلى امتلاك مال أكثر في البداية، واكتساب المزيد خلال فترة الدراسة.
فوائد صحية
ولكن أحد استفاءات غالوب Gallup poll في عام 2007، على 141 ألف شخص من 132 دولة، وجد أن -حتى ولو قيّم الأشخاص من الدول الأغنى أنفسهم بدرجة أعلى في مقاييس السعادة- الناس من الأمم الأكثر فقرا يميلون إلى النظر إلى حياتهم على أنها ذات معنى. ويشك شيغيهير واويشي Shigehiro Oishi من جامعة فيرجينيا University of Virginia في شارلوتفل، الذي حلل بيانات الاستفتاء، أن هذا يرجع جزئيا إلى أن الأشخاص في الدول النامية يملكون أشياء ملموسة أكثر للتركيز عليها. “قد تكون أهدافهم أوضح: أن تبقى وأن تؤمن. ففي الدول الغنية، هنالك الكثير من الخيارات المحتملة التي قد يكون من الصعب رؤيتها بوضوح،” كما يقول.
هل من الممكن أن يكون الهدف ليس أكثر من تعبير آخر عن الإيمان الديني؟ فقد وجدت دراسة أويشي أن الأمم التي تتمتع بالمعدلات العالية من المعنى في الحياة هي أيضا الأكثر تدينا. إضافة إلى أن الأشخاص المتدينين يميلون إلى القول إن عندهم شعورا أكثر بالهدف. ولكن الجهود لفصل الاثنين كشفت عن اختلافات. فالتدين لا يُنبي بخطر أقل للإصابة بنوبة قلبية أو سكتة، على سبيل المثال. وبالتأكيد هنالك الكثير من الأشخاص غير المتديين يتحلون بمستويات إحساس عالية بالهدف.
في الحقيقة، قليل منا يقع في المستوى الأدنى من المقياس. “فنحن نميل إلى التركيز على الغياب المطلق للمعنى في العالم،” كما تقول سمانتا هاينتسلمان Samantha Heintzelman من جامعة فرجينيا University of Virginia. ولكن، “على الأغلب، يشعر الناس كما لو أن حياتهم ذات معنى كبير.”
كيف يمكن لذلك المعنى، أي الحس بالهدف، أن يحسن صحتك بالفعل؟ من جهة، قد يرجع ذلك إلى أن الحس الكبير بالهدف يجعل الناس أكثر وعيا بالاهتمام بصحتهم. ولكن ستيف كول Steven Cole من جامعة كاليفورنيا University of California في لوس أنجلوس، يظن بأن هنالك المزيد. “إذا عاش الناس لمدة أطول، فلابد أن هناك أساسا بيولوجيا لذلك،” كما يقول. فقد قضى كول سنوات في دراسة كيف تزيد الخبرات السلبية كالشعور بالوحدة والضغوط تعبيرَ الجينات التي تحفز الالتهاب الذي قد يسبب أمراض القلب والدورة الدموية وآلزايمر والسرطان.
في مقابل ذلك اختبر كول، في عام 2013، أثر رغد العيش. إذ ركز على نوعين: الهيدوني Hedonic من المباهج والجوائز، واليوديموني Eudaemonic من التحلي بهدف يتجاوز إرضاء الذات. قيس هذان الوجهان بجعل المشاركين يلاحظون شعورهم برغد العيش على مدى الأسبوع الفائت، وكم شعروا بالسعادة (النوع الهيدوني) أو أن لحياتهم حسا بالاتجاه (النوع اليوديموني)، على سبيل المثال. وعلى الرغم من أن تحقيق نقاط عالية في أحدهما غالبا ما يعني تحقيق نقاط عالية في النوع الآخر أو أن الاثنين مرتبطان بمستوات اكتئاب أقل، له آثار عكسية في التعبير الجيني. وأظهر الأشخاص الذين يتمتعون برغد عيش هيدوني أعلى تعبيرَ التهابٍ جينيٍ أعلى وتعبيرا جينيا أقل للأجسام المضادة للأمراض، وهو نمط يوجد أيضا في حالة الشعور بالوحدة والضغوط. بالنسبة إلى الأشخاص الذي حققوا النقاط العليا في مستوى النوع اليوديموني، كان الأمر على العكس. “كانت المفاجآت في كل مكان،” كما يقول كول. “أكبر مفاجأة هي أنك تستطيع أن تشعر بالسعادة ولكن الحالة البيولوجية تبدو مختلفة مشكل ملفت.”
ويشك كول في أن اليوديمونيا -مع تركيزها على الهدف- تقلل انفعال الجهاز العصبي تجاه الخطر المفاجيء الذي يزيد معدل نبضات القبل والتنفس ويرفع مستوى الإدرينالين. فالتحفيز المفرط لنظام الاستجابة للضغوط هذا -كما نراه في حالة الضغوط المزمنة- تسبب التهابا ضارا. “قد يكون هناك شيء يقول لك ‘كن أقل خوفا، وأقل هما، وقلقا وشكا’،” كما يقول كول.
ذلك الشيء قد يكون قطاعا في الدماغ يدعى الجسم البطني المخطط Ventral striatum، وهو منطقة تتحفز عندما يُطلب إلى الأفراد أن يركزوا على أشياء لها قيمة. ووجد كول في بحث لم ينشر بعدُ أن الأشخاص الذين لهم نشاط أكبر في هذه المنطقة يظهرون أنماطا متشابهة من التعبير الجيني لمن لهم مستويات رغد يوديموني عالٍ. ومن الممكن أن يحفز التركيز على شيء له قيمة أو أشمل منك الجسمَ البطني المخطط، الذي يشغل مناطق كاللوزة الدماغية Amygdala التي تدعم استجابات الضغوط. ويأتي مؤشر آخر على هذا من بحث بَيَّن أن تحقيق درجات مرتفعة في مقياس الهدف تقترن بنشاط أقل في اللوزة الدماغية.
وتشير دراسة إلى أن الاشخاص الذين يتمتعون برغد عيش يوديموني يتصفون بنشاط مرتفع في الجسم البطني المخطط ومستويات منخفضة من هرمون الضغوط الكورتزول معا. “قد تتفوق الأشياء التي تهبها قيمة على الأشياء التي تخافها،” بحسب تعبير كول.
وتقوم نظرية بديلة -لتفسير كيفية تأثير الحس بالهدف في الحالة البيولوجية- على حفظ التيلوميرات Telomeres التي تغلف نهايات الكروموسومات الواقية للحمض النووي DNA من التلف، ولكنها تقل مع التقدم في العمر والضغوط. فقد وجدت دراسة لتقليل الضغوط من خلال التأمل بأن الحس بالهدف قد يحمي التيلوميرات. ولكن تحليلا فاحصا بيّن أن الفائدة ترجع إلى تغيّر في الحس بالهدف، وليس إلى التأمل مباشرة: كلما كبر هدف الشخص، زاد إنزيم التيلوميريز Telomerase عندهم لحماية تيلوميراتهم.
وبسبب اكتشافات كتلك، يظن بعض الباحثين أن الهدف يجب أن يكون من أوليات السياسات العامة أكثر، والانصراف عن المقاييس التقليدية كالناتج المحلي الإجمالي GDP، وحصر التركيز على حملات السعادة. وقد يؤدي ذلك إلى خفض نسب الوفاة المبكرة، ويعطي صحة إجمالية أفضل، ويقلل الحاجة إلى المساعدة الطبية، كما يقول مايكل ستيغر Michael Steger من جامعة ولاية كولوراد Colorado State University في فورت كولنز.
إضافة إلى أن ذلك قد يساعدنا على الانسجام. فقد وجد هيل أن الأشخاص الذي أقروا بمستوات عالية من الحس بالهدف كانوا أقل تعاسة في مواقف يكونون فيها من أقلية من الأقليات. فهذا أمر معقول: على الأشخاص الذين يؤدون مهمةً أن يقبلوا بأن تحقيق غاياتهم يتطلب الانسجام مع الآخرين. “سواء أكانت الأهداف مركزة على مساعدة الآخرين أم لا، فمن النادر أن أهدافنا في الحياة لا تتضمن الآخرين على الإطلاق،” كما يقول.
كل ذلك جيد وطيب إذا كنت بالفعل تسير بمقتضى اتجاه، ولكن كيف يستطيع الناس أن يرفعوا حسهم بالهدف إذا افتقروا إليه؟ هناك العديد من الاستراتيجيات المختلفة. كما تشير دراسة على التيلوميرات، فقد يكون للتأمل أثر ما. وتبيّن دراسة أخرى بأن الرغد اليوديموني يزداد قوة بالإقدام على أعمال خير عشوائية. وقد وجد كول أن التحلي بحس الهدف الذي ينفع الآخرين قد يكون مفيدا بشكل خاص. ولكن التعطش إلى شيء قد لا يكون بالضرورة بناءً، مثل تسلق الجبال، من الممكن أن يبدو كافيا لخلق حالة بيولوجية معززة للصحة كتلك التي يراها في دراساته.
للتعرف على حس الهدف لديك وتقويته، يقترح ستيغر بدايةً متواضعة، من خلال التركيز أولا على جعل العمل أكثر معنى، أو أن تكون أكثر استثمارا في العلاقات الإنسانية. يوصي سترتشر بوضع هدف مختلف لكل واحد من مجالات الحياة الأربعة -العائلية والمهنية والمجتمعية والشخصية- وبالإقرار بأن تركيزك سوف يتغير بينها مع الوقت، وأن الأهداف أنفسها قد تتغير أيضا.
حَبّة الإحساس بالهدف
ويدعو سترتشر إلى النظر فيما يرغب الإنسان أن يقال عنه في تأبينه، أو في تحديد الأشخاص الذين يريد الإقتداء بهم. وهو أيضا يطور تطبيقا APP أسماه Jool، ويأمل بأن يؤدي في النهاية دورَ نوع من أنواع “حبة الإحساس بالهدف”. ويبدأ المستخدمون بتقييم أنفسهم، وبعد ذلك يحظون بتشجيع وإرشاد حال تقدمهم. ويخضع البرنامج حاليا للاختبار من قبل شركات لمساعدة الموظفين على شحذ حسهم بالهدف وتعزيز الإنتاجية.
ويتابع فريق سترتشر مجموعة أولية من المستخدمين على مدار سنة، وسوف يبدؤون بالقيام بدراسات عشوائية في الأشهر القادمة.
هنالك أيضا علاجات شكلية ترعى حس الهدف والمعنى في الحياة عند الأشخاص الذين يعانون حالات كالاكتئاب. على سبيل المثال، وجدت دولورس غالغر-تومسون Dolores Gallagher-Thompson من جامعة ستانفورد Stanford University في كاليفورنيا، أن العلاج السلوكي المعرفي يمكنه أن يعزز الشعور بالمعنى في الحياة. إنها تشجع المرضى على التفكير في إرثهم وفي كيفية أن يقدموا نموذجا يحتذى به للأبناء والأحفاهم.
ليس الهدف كيانا ثابتا، فهو يشتد ويضعف مع تغيرات الحياة. فكثير من الناس يشعرون بانخفاض في حس الهدف عندهم بعد التقاعد، على سبيل المثال، ولكن يمكنهم أن يستعيدوه بالمشاركة في المجتمع، وبمساعدة الآخرين وبالاستمرار بالتواصل الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك، كما وجد هيل، فإن الآثار الصحية للحس بالهدف تبدو ظاهرة سواء أكان المرء في العشرين أم في السبعين. “بالنسبة إلي، ذلك دليل يقترح بأنه متى ما وجد المرء هدفا، فإن ذلك سيغرس فوائد،” كما يقول. بتعبير آخر، لا يفوت الأوان أبدا على البدء بالبحث عن معنى للحياة.
كيف تقيس الحس بالهدف؟
لتحديد ما إذا كان الحس بالهدف يؤثر في الصحة وطول الحياة، فعليك أولا أن تقيسه. وللقيام بذلك، توجه الكثير من الباحثين لوضع موازين طُوّرت في العقد الثامن من القرن الماضي من قبل عالمة النفس كارول ريف Carol Ryff -من جامعة ويسكونسن University of Wisconsin في مادسون.
وتقيس موازين ريف ستة أوجه مختلفة من رغد العيش: الاستقلالية والتحكم بالبيئة المحيطة (الشعور بكون الشخص مسيطرا على بيئته اليومية)، والنمو الشخصي، والعلاقات الإيجابية مع الآخرين، والهدف في الحياة، وقبول الذات. ويقرأ الأشخاص، بالنسبة إلى كل عنصر من هذه العناصر، سلسلة من العبارات، ويختارون واحدا من بين ستة ردود تتفاوت بين “اعتراض شديد” و“تأييد شديد”. وأنواع المقاييس هذه عادة ما تستخدم لتقييم المستويات الوطنية لرغد العيش.
بالنسبة إلى حس الهدف، فقد اشتملت الخيارات على عبارات من قبيل، “لطالما كانت أهدافي في الحياة مصدر رضىً أكثر من كونها مصدر إحباط لي،” أو “في نهاية الأمر، لست متأكدا من أن لحياتي الكثير من المعنى.”
وتتحصل النقاط العالية من اتفاق قوي مع العبارات الهادفة من قبيل: “يتخبط البعض بلا هدف في الحياة، ولكنني لست واحدا منهم،” أو على الاختلاف مع ملاحظات مثل: “أعيش حياتي يوما يوما من غير تفكير فعلي بالمستقبل.”
الأشخاص الذين حلوا في الربع الأدنى من حيث محصلة الدرجات يعتبرون أصحاب أقل مستويات الحس بالهدف. ويتميز الشخص الذي يتحلى بدرجة عالية من الحس بالهدف -شخص يقع ضمن الربع الأعلى- بأنه الشخص الذي “عنده أهداف في الحياة وشعور بالاتجاه، ويحس بأن هنالك معنى للحاضر والماضي، ويعتنق اعتقادات تمنح الحياة هدفا ولديه غايات ورغبات للعيش.”
تيل برل Teal Burrell كاتبة مقيمة في رتشموند، فرجينيا.