مقاربة جديد لدراسة الطاقة المعتمة قد تفسر تبريد الكون
بقلم: أنيل أنانثاسوامي
ترجمة: مي بورسلي
كنا تعتقد أن الطاقة المعتمة هي سبب التوسع المتسارع للكون إلى حالته النهائية الباردة والمظلمة لكنها قد تكون العامل المساعد في الحبكة الكميّةّ.
قد تكون مسيرة كوننا-بلا هوادة- باتجاه العتمة الباردة والفراغ سببا لتعجيل تمدده، بدلا من العكس من ذلك.
قد يساعد هذا الاكتشاف علماء الكوزمولوجيا على التفكير في الطاقة المُعتمة Dark energy بشكل مختلف، ومن الممكن أيضا تفسير السبب وراء امتلاك الطاقة المُعتمة لقيمة معينة.
في أواخر التسعينات من القرن الماضي، لاحظ علماء الفلك أن تمدد الكون يتسارع.
وقد عزوا ذلك إلى الطاقة المُعتمة – صفة متأصلة في فراغ الزمكان Space-time.
إحدى الافكار كانت أن الطاقة المُعتمة هي حقا الثابت الكوني Cosmological constant، وهي قيمة تنتج من نظرية النسبية العامة لآينشتاين. لكن عند حساب قيمتها النظرية نجد أنها أكبر بـ 120 مرة من قيمتها المرصودة. وهذا الاختلاف حيّر علماء الكوزمولوجيا لعقود عدة.
لماذا للثابت الكوني هذه القيمة؟ ولماذا هي قيمة صغيرة إلى هذا الحد؟ أسئلة طرحها شون كارول Sean Carroll من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا California Institute of Technology في باسادينا.
على الرغم من عدم مقدرتهما على تفسير ذلك إلا أن كارول وطالبه آيدن تشاتوين دايفيس Aidan Chatwin-Davies اقترحا أنهما يستطيعان تحقيق تقدم باستعمال طريقة مختلفة لدراسة هذا الأمر: ألا وهي قوانين الديناميكا الحرارية. “نحن نسهم في حركة لتغيير هذا السؤال إلى شيء آخر،” كما يقول كارول. لطالما كانت لدينا فكرة عن الحالة النهائية End state للكون منذ 1983، عندما وضّح روبرت والد Robert Wald -من جامعة شيكاغو University of Chicago- أنه عندما يكون للكون ثابت كوني موجب القيمة فسينتهي به المطاف إلى خلاء عديم الشكل مستوٍ وفارغ، أي ما يُطلق عليه فضاء دو سيتر de Sitter Space.
وضّح والد ذلك باستخدام النسبية العامة. لكن بعض الفيزيائيين لطالما ظنوا أنه بالإمكان التوصل إلى النتيجة نفسها باستخدام الديناميكا الحرارية.
والارتباط بالديناميكا الحرارية يعود أيضا إلى الثمانينات من القرن الماضي.
حين اقترح توم بانكس Tom Banks من جامعة كاليفورنيا بسانتا كروز،في ذلك الوقت أن قيمة الطاقة المُعتمة يمكن أن تكون ذات صلة بإنتروبيا الزمكان. والإنتروبيا Entropy مقياس لفوضوية النظام: إذ يكون منخفضاً في المادة الصلبة ذات الذرات المنظمة بشكل صارم، ومرتفعاً في الغاز الساخن ذي الذرات المتحركة بشكل عشوائي.
لكن ماذا لو كان النظام مغلقاً بحيث لايمكنه تبادل الطاقة مع محيطه؟ وطبقا للقانون الثاني للديناميكا الحرارية، تزداد إنتروبيا النظام المغلق لتصل إلى حالة الاتزان Equilibrium. إذا اعتبرنا الكون بأكمله نظاما مغلقا، فسيقترح القانون أيضا أن الكون سيصل في النهاية إلى حالة من الإنتروبيا القصوى وسيبقى على هذا الحال إلى الأبد.
بالنسبة إلى كارول وآخرين فهذا مشابه جدا لفضاء دو سيتر De Sitter Space.
فوجود مسار ديناميكي حراري يؤدي إلى الهدف الكوني النهائي نفسه قد يساعد على كسر الجمود في مشكلة عدم تطابق القيمة النظرية للثابت الكوني مع تلك المرصودة. لكنهم لم يتمكنوا من إثبات وجود هذا المسار بعد.
جاءت بعض الأدلة من فيزياء الثقوب السوداء. ففي عام 1974 بيّن الفيزيائي جايكوب بيكينستاين Jakob Bekenstein ازدياد إنتروبيا نظام يحتوي على ثقب أسود وبيئته المحيطة به مباشرة -النتيجة التي يُطلق عليها الآن القانون الثاني العام للديناميكا الحرارية generalized second law of thermodynamics.
المكونات الناقصة
تشير هذه النتائج إلى أن الحالة النهائية للكون التي توقعتها النسبية العامة كانت مرتبطة بازدياد الإنتروبيا. يقول كارول: “إن ما ينقصنا هو إيجاد طريقة لصياغة (عامة) القانون الثاني بطريقة قابلة للتطبيق على الكون كاملا دفعة واحدة.”
وفي العام الماضي تحقق ذلك عندما طبَّق رافايل بوسّو Raphael Bousso من جامعة كاليفورنيا University of California، بيركلي، ونيتا انغلهاردت Netta Engelhardt، حاليا في جامعة برنستون Princeton University، فكرة بيكينستاين على رقعة من الزمكان في كون متمدد يشبه كوننا. وخمنا أن إنتروبيا هذا النظام في ازدياد.
أخذ كارول وتشاتوين-دايفيس تعريف بوسّو وانغلهاردت للإنتروبيا -الذي يُعرِّف الزمكان تعريفا ميكانيكيا كمّيا كنقطة بداية. بعد ذلك قاما بحساب ماذا يحدث لهندسة الزمكان خلال فترة تطوره. فأثبتا أنه عندما يصل الكون إلى ذروة قيمة الإنتروبيا، فإنه فعلياً كون مطابق لما ينتج عن هندسة دو سيتر De Sitter Space (انظر: arxiv.org/abs/1703.09241).
ويقول كارول:” سيقترب الكون نحو فضاء دو سيتر ويبقى هناك إلى الأبد.”
وقد أثار هذا إعجاب بوسّو، الذي يقول: “إن هذا تطبيق جميل لقانوننا الكوني الثاني.”
طريقة التفكير باستخدام الديناميكا الحرارية قلبت النظرة القياسية للطاقة المُعتمة رأسا على عقب: تنبعث الطاقة المُعتمة من البنية الكمّيّة للزمكان، ومن ثم تدفع الكون إلى التوسع المتسارع. وحل لغز قيمة الطاقة المُعتمة يصبح حينئذ مبررا لاختيار وصف كمّيّ معين للزمكان. وكارول حريص على عدم المبالغة في الآثار المترتبة على ذلك، إذ يقول:” هناك ما أثبتناه، وهناك الدردشة التي تدور في المقهى حول ما قد يعنيه ذلك ضمنيا، وهي بالطبع دردشة موغلةٌ في التخمين.” ولكن هذا العمل قد يقدم طريقة جديدة للتعامل مع القيمة الصغيرة جداً للثابت الكوني.