بقلم: جوشوا هوجيجو
إنه عام 3700 بعد الميلاد، والإنسان العاقل هومو سابينس Homo sapiens ليس إلاّ ذكرى. يشير التاريخ إلى أن بعض المعرفة التي نمتلكها قد تُعمّرُ بعدنا، لكن التاريخ قد لا يكون أفضل دليل.
ستكون الأرض بحلول عام 3700 أكثر حرارة من أن يستطيع أي إنسان تسميتها موطنا. ولن يكون الإنسان العاقل أكثر من مجرّد ذكرى؛ على هذا الكوكب على الأقلّ، هذا إن بقي أي شيء لتذكّر “الرجل الحكيم”. ولكن ما الذي سيبقى من حكمتنا، وهل سيبقى منها شيء ليُعمّر بعدنا؟
الإجابة التقليديّة هي لا. فالمعرفة تتطلّب وجود عارفين، ولن تكون هناك عقول عارفة بشكل كاف. ولكن إذا نجت المعلومات، ربما في الكتب أو في الأقراص الصلبة، فمن المحتمل ألّا تكون المعرفة ميتة بل نائمة، وهي على استعداد لأن تُبعث من جديد بواسطة عقول أخرى ستتطوّر أو ستأتي لزيارة الأرض في المستقبل البعيد. قد يبدو هذا معقولا للوهلة الأولى؛ فنحن قد قمنا بأمور مشابهة للمعرفة السابقة. انظر إلى إعادة بناء آلية الأنتيكيثيرا Antikythera؛ وهو آلة حاسبة قديم أُنقذت من حطام سفينة قبالة الساحل الجنوبي لليونان، أو فك رموز الهيروغليفية المصريّة بفضل حجر رشيد Rosetta stone. ويمكن للعمل الدقيق أن يجلب الحكمة المفقودة إلى الحياة مرة أخرى.
لكن أحد الأمور الحاسمة هو وجود استمراريّة ثقافية معيّنة مع تلك العصور القديمة، والتي تسمح لنا باستخلاص الاستنتاجات والقفز إلى المجهول: فنحن نعلم بأننا نتعامل مع إرث بشرٍ آخرين. ومن دون هذه الصلة، فإن بقاء القطع الأثرية والبيانات الأولية لا يضمن بقاء المعرفة؛ وبالتأكيد ليست المعرفة المعقّدة متعدّدة الطبقات.
انظر إلى علم الكونيّات لدينا: إنّ تفصيل كيفيّة تفسيره لعمل نجمٍ ما أو ادّعاءہ وجود شيء مثل الطاقة المُعتمة هو أمر ليس باليسيرالتوصل إليه باستخدام البيانات الخام فقط. حتى إن النسبويّين الثقافيّين Cultural relativist قد يقولون إنه ضربٌ من المستحيل: إذ تبني كل ثقافة معرفتها الخاصة، وليست هناك نقطة انطلاق موضوعيّة Objective starting point. ويعتقد الفيلسوف مايكل بلوم-تيلمان Michael Blome-Tillmann -من جامعة ماكجيلMcGill University في مونتريال بكندا- أن هذا أمر مبالغ فيه. ويقول: “هناك حقائق أساسيّة نعرفها جميعا؛ إذا أوقعتَ كرة فإنّها ستسقط على الأرض. لا أدري كيف توجد أي نسبيّة ثقافيّة هنا.” وحتى إن كان هذا صحيحا، فإن عدم وجود استمراريّة لغوية مع أيّ ذكاء في المستقبل سوف يكون حجر عثرة. ويقول جيمس كولين James Collin -من جامعة أدنبرة University of Edinburgh في المملكة المتحدة- إنّ المعرفة مرتبطة ارتباطا وثيقا باللغة. انظر مثلا إلى عبارة “هناك عدد لا يحصى من الأعداد الأوّليّة.” سواء أكانت صحيحة أم لا، فإنّ لغتها تفترض ضمنيّا وجود أرقام. وقد لا يبدو هذا مثيرا للجدل، لكنّه ليس أمرا مُسَلّما به من الناحية الفلسفيّة.
أو انظر إلى لفظة “قرمزي” Scarlet، أو المعجم الدقيق من الأسماء التي تطلقها مجتمعات الشعوب الأصلية في كندا على حيوان الرّنّة: الكاريبو Caribou. إنّ ما يقصدونه فعليا يعتمدُ على مجموعة من الاستدلالات والافتراضات غير المشتركة بالضرورة بين الثقافات. وعندما تموت لغة ما؛ فإنّنا قد نفقد نظم التفكير التي تحتوي عليها. ويقول كولين: “إذا فُقِد ذلك، فلن نستطيع استعادته.”
كل هذا يعني أن العقول الأخرى قد لا تكون قادرة على إحياء المعرفة الإنسانيّة كليّا بعدما نختفي. فمن الأفضل إذن التركيزُ على عدمِ الموت في المقام الأول.