الدول تضع العِلم قبل صيد الأسماك في القطب الشمالي
حظرُ الصيد التاريخي يُعطي العلماءَ الوقت لدراسة الإيكولوجيا مع احترار المياه الشمالية
توصلت تسع دول والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق لحظر المحيط المتجمد الشمالي المتوسط Arctic Ocean (اختصار المحيط: CAO) على الصيادين التجاريين لمدة الست عشرة سنة القادمة على الأقل.
ومن شأن هذا الاتفاق، والذي أُعلن عنه في الأسبوع الماضي، أن يعطي العلماء الوقت اللازم لفهم الإيكولوجيا البحرية Marine Ecology في المنطقة بشكل أفضل، وآثار تغير المناخ – قبل أن يتراجع الجليد البحري Sea Ice ليفتح الطريق أمام صيد الأسماك على نطاق واسع.
ويقول سكوت هايليمان Scott Highleyman، نائب رئيس برامج وسياسة المحافظة على البيئة في مركز المحافظة على المحيطات Ocean Conservancy في واشنطن العاصمة، والذي كان جزءا من الوفد الأمريكي المشارك في المفاوضات:”لم تحظ أي منطقة أخرى في أعالي البحار بقرار إعطاء العلم الأولوية فيها،” وأضاف: “إنه مثال عظيم على وضع المبدأ التحوطي موضع التنفيذ.”
وقد توصلوا إلى اتفاق لحماية 2.8 مليون كيلومتر مربع من المياه الدولية في القطب الشمالي بعد ست جلسات على مدى عامين.
وتشمل الأطراف خمس دول مع ساحل القطب الشمالي – كندا Canada والدنمارك (تمثل غرينلاندا) والنرويج وروسيا والولايات المتحدة – وغيرها من الدول ذات أساطيل للصيد والمهتمة بالعمل في المنطقة.
وحتى الآن، أبقى الجليد السميك وكمية الثروة السمكية غير المؤكدة سفنَ الصيد التجارية بعيدا عن هذا المحيط، ولكن المنطقة أصبحت سهلة الوصول إليها بشكل متزايد. ففي مواسم الصيف الماضية، أصبح ما يصل إلى 40% من المحيط المتجمد مياهاً مفتوحة، ومعظمها على هضبة تشوكشي Chukchi Plateau في شمال ألاسكا وروسيا.
وكما يصبح الجليد البحري في الصيف أرق وتتراجع حافته شمالا، يخترق المزيدُ من ضوء الشمس المياهَ، مما يزيد من إنتاج العوالق البحرية Plankton وهي قاعدة شبكة الغذاء في محيط القطب الشمالي. وهذه العوالق التي تغذيها الشمس يبتلعها سمك القد القطبي الشمالي Arctic Cod، التي تصطادها الحيوانات الأعلى في السلسلة الغذائية، بما في ذلك الفقمات Seals والدببة القطبية Polar Bears والبشر. وقد شهدت بعض أجزاء البحار المتاخمة للمحيط المتجمد الشمالي، مثل بحر بارِنتس Barents Sea (قبالة السواحل الشمالية لروسيا والنرويج) زيادات حادة في الإنتاج الأولي Primary production–من البناء الضوئي من قبل العوالق والكائنات الحية الأخرى- وذلك في عام 2016، إذ تقترب من 35% فوق متوسط أعوام 2003 إلى 2015، وفقا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة U.S. National Oceanic and Atmospheric Administration.
وأبعد شمالا، تظل حالة الثروة السمكية في المحيط المتجمد الشمالي غير معروفة، ولكن القانون الدولي القائم لا يحظر الصيد هناك. ويخشى بعض الباحثين والمجموعات البيئية وصانعي السياسات من أنّ الصيد التجاري غير المنظم في المحيط قد يضر بالنظام الإيكولوجي البحري سريع التغير والهش. وفي أواخر الثمانينات القرن العشرين، ازدحمت سفن الصيد الجرّافة Fishing Trawlers من اليابانJapan والصين China وأماكن أخرى في المياه الدولية في بحر بيرينغ Bering Sea بين روسيا والولايات المتحدة، واصطيدت ملايين الأطنان من سمك البلوق Pollock . وبحلول أوائل تسعينات القرن العشرين، انهارت أعداد سمك البلوق. ويقول ديفيد بينتون David Benton، عضو لجنة أبحاث القطب الشمالي U.S. Arctic Research Commission في جزيرة الأميرالتي Admiralty Island في ألاسكا Alaska:”ولم يتعافَ تعداد سمك البلوق إلى سابق عهده منذ ذلك الحين.”
وفي عام 2012، دعا نحو ألفي عالِم إلى وقف صيد الأسماك في المحيط المتجمد الشمالي لمنع وقوع كارثة مماثلة. وقد تكللت جهودهم بالنجاح: فبحلول عام 2015 تعهدت خمس دول في القطب الشمالي بمنع سفن الصيد الخاصة بها من المنطقة.
ولكن المنع ترك المنطقة مفتوحة أمام أساطيل الصيد العالمية الكبيرة الأخرى. وفي وقت لاحق من ذلك العام، انضمت وفود من دول صيد أخرى – اليابان والصين وكوريا الجنوبية وأيسلندا – فضلا عن الاتحاد الأوروبي إلى المناقشات الرامية إلى التفاوض على اتفاق جديد ذو نطاق أوسع. وقال ديفيد بالتون David Balton، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون المحيطات ومصايد الأسماك بوزارة الخارجية الأمريكية Deputy Assistant Secretary for Oceans and Fisheries at the U.S. Department of State, في واشنطن العاصمة التي ترأس المفاوضات منذ عام 2015: “رأت الوفود الحكمة في الانتظار [لبدء الصيد التجاري] إلى أن يتوفر ما يكفي من العلم والنظن الإدارية.” وسيستمر الاتفاق لمدة ستة عشر عاما، على أن يُجدد تلقائيا كل خمس سنوات بعد ذلك، ما لم تعترض دولة ما أو إلى حين وضع حصص ومصايد للأسماك مبنية على أسس علمية.
وإضافة إلى إغلاق المنطقة أمام صيد الأسماك، اتفقت الوفود على برنامج للبحث والرصد لتحديد الأنواع، والوفرة، ودراسة علاقات المفترس بالفريسة، والضغوط التي تواجهها، بما في ذلك تغير المناخ. ويقول بالتون إنه لم يتحدد حتى الآن كيفية تمويل البرنامج وإدارته.
ويقول بيتر هاريسون Peter Harrison، وهو خبير في سياسة ومصايد الأسماك بالقطب الشمالي Arctic Policy and Fisheries Expert بجامعة كوينز Queen’s University في كينغستون بكندا، والنائب السابق لوزير المصايد والمحيطات في كندا:”إنّ الوصول إلى المحيط المتجمد الشمالي لدراسة الأيكولوجيا البحرية يتطلب قدرة كبيرة لتكسير الجليد.” وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة وكندا قد كافحت من أجل الحفاظ على أساطيلهما الكاسحة للجليد وزيادة عددها، إلاّ أن الدول الأخرى المُوقّعة ، بما فيها الصين، لديها تلك القدرة أيضا.
ويُجادل هاريسون في أنّه يتعين على الموقعين إنشاءُ منظمة جديدة للعلوم متعددة الجنسيات تركز على المحيط المتجمد الشمالي. بحيث يمكنها أن تُحدد أولويات العلم، وأن تشارك في جمع البينات وتحليلها، وأن تقدّم المشورة حول حالة الثروة السمكية للمحيط المتجمد الشمالي. ويضيف: “إذا ما قلت إنّ الصيد التجاري لن يبدأ حتى يكون لدينا علم كافٍ، فللمضي قدما، سيتحتم على العلم أن يؤدي دورا مهما جدا.”
شرح الصورة في الأعلى: في نعمة للثروة السمكية، شهد بحر بارِنتس Barents Sea العام الماضي ارتفاعا حادا في البناء الضوئي Photosynthesis من قبل العوالق النباتية (الفايتوبلانكتون) Phytoplankton (الظاهرة باللون-الأخضر المُزْرِقّ في الصورة) والكائنات الحية الأخرى.