بعثة ملحميّة إلى عطارد لكشف ألغازه
يجب أن تُثبّت عليه لوحة “مرحبا بكم في الجحيم”. عطارد، أقرب جار للشمس، يشهد انفجارات إشعاعيّة وتبلغ حرارته أقصى درجاتها: إنّه وجهتنا القادمة.
في الأول من أكتوبر عام 2018، سيبدأ المسبار بيبيكولومبو BepiColombo رحلة ملحمية مدتها سبع سنوات، للتحليق في مدار الكوكب الملتهب. وبشرط تمكّنه من تحمّل درجة الحرارة التي لا ترحم، والتي تبلغ 350 درجة سيليزية، عند وصوله عام 2025، فإنّ المركبة ستحاول كشف بعض الألغاز المتبقّية بعد الملاحظات التي قدّمتها بعثتان سابقتان إلى ذلك الكوكب.
كان مسبار مارينر 10 Mariner 10 قد مرّ بجانب عطارد عام 1974، ووجد شيئا أذهل الجميع، وهو أن للكوكب حقلا مغناطيسيا، على عكس كل من الزهرة والمريخ والقمر. كما نشأت المزيد من الألغاز عندما زاره المسبار مسنجر MESSENGER منذ عدة سنوات، إذ أكّد في عام 2009 وجود غلاف جوي علوي هزيل من الجسيمات المشحونة المتناثرة جدا، مما يجعلها أضعف من أن تشكّل غلافا جوّيا حقيقيا. وفي عام 2012 استطاع رصد ما يبدو أنّه جليد مدفون في الباطن العميق للقطبين.
قد يؤكّد بيبيكولومبو أن المادة هي جليد صلب فعلا، ومن ثمّ يعمل على معرفة كيفيّة نجاته. يقول يوهانس بينخوف Johannes Benkhoff من وكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency، التي تدير البعثة إلى جانب وكالة استكشاف الفضاء اليابانية Japan Aerospace Exploration Agency: “ربما يفسّر وجود الجليد الدائم في الظلال وعدم وصول أشعة الشمس إليه قطُّ سبب نجاته ووجوده هناك لبلايين السنين.”
“ستكون رحلة ملحمية مدتها سبع سنوات للوصول إلى الكوكب الملتهب وكشف بعض الألغاز “
كما رصد مسنجر تجاويف فاتحة اللون في سهول الكوكب. وربما ولّدت للمواد المتطايرة هذه التجاويف من خلال ارتفاعها عن السطح وتحليقها في الفضاء، وربّما تبخّرت نتيجة الحرارة المنبعثة من الأسفل. وإذا وجد بيبيكولومبو أن المواد تغادر الكوكب بالفعل، فإن هذا سيحدث “ضجة كبيرة” على حد تعبير بينخوف، لأنّه سيشير إلى وجود نشاط جيولوجي على كوكب كان يُعتقَد أنّه غير نشط.
وقد يؤكد بيبيكولومبو أيضا نظرية أينشتاين للنسبية العامة، إذ يمكن تفسير مدار عطارد المشوّه بناء على آثار نسبيّة، ولأنّنا نستطيع تحديد مركز المركبة بدقّة، فسيكون بمقدورنا رؤية ما إذا كان مسار الكوكب يُطيع النظريّة.
ولكن الوصول إلى هناك لن يكون بالأمر السهل. ويقول بينخوف: “من الأسهل الوصول إلى بلوتو.” إذ سيتحتّـم على المركبة مواجهة قوة الجاذبية الضخمة للشمس، لذا سيتعّين عليها أن تسلك طريقا دائريا يتضمن طيرانا منخفضا يمرُّ مرةً حول الأرض، ومرتين حول الزهرة، وست مرات حول عطارد نفسه.