أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اخترنا لك

تسخير البنية السرية للابتكار

الابتكار يُنظر إليه عادة على أنه فنٌّ أكثر منه علما. ولكن، في الواقع بإمكان الشركات زيادة فرصها في تحقيق النجاح المستدام عن طريق الاستفادة من المعلومات وهي تتكشف أثناء تطبيق عمليات الابتكار.

في عصر يتسم بضعف معدلات النمو، تحتاج الشركات إلى الابتكار أكثر من أي وقت مضى. ويمكن للقياديين الاعتماد على كم هائل من النظريات والسوابق في سعيهم إلى الابتكار، بدءًا من النصائح حول اختيار الفضاءات المناسبة لأمثلة Optimizing تطوير المنتج، إلى ترسيخ ثقافة الإبداع.[i] ولكن، على أرض الواقع، يظل الابتكار فنًّا أكثر منه علمًا.

لكن لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك.

في أبحاثنا التي أجريناها، توصلنا إلى اكتشاف مثير للاهتمام.[ii] فالابتكار، مثل التسويق والموارد البشرية، يمكن أن يعتمد بنسبة أقل على الحدس الفني، من خلال استخدام المعلومات بطرق جديدة. إلاّ أن هذا يتطلب تغيير المنظور: إذ نحتاج إلى النظر إلى الابتكار، ليس على أنه نتيجة للحظ أو الرؤية الاستثنائية، وإنما نتيجة عملية بحث مدروسة. وهذه العملية تستغل البنية الأساسية للابتكار الناجح لتحديد إشارات المعلومات الأساسية، والتي بدورها يمكن تسخيرها لوضع استراتيجية ابتكار متميزة.

مقارنة استراتيجيات الابتكار Comparing Innovation Strategies

دعونا في البداية نوضح الفكرة باستخدام مكعبات لعبة ليغو. حاول أن تعود بالذاكرة إلى أيام الطفولة. أنت الآن في غرفة مع اثنين من أصدقائك تلعبون بصندوق كبير من مكعبات ليغو (على سبيل المثال، نموذج مركز الإطفاء، الذي يحبه الكثيرون). وفي أذهانكم أنتم الثلاثة الهدف نفسه: بناء أكبر عدد ممكن من الألعاب. وأثناء اللعب، يبحث كل منكم في الصندوق، ويختار مكعبات البناء التي يرى أنها ستساعده على تحقيق هذا الهدف.

دعنا نفترض الآن أن كليهما منكما يحاول القيام بهذا بصورة مختلفة: فصديقك «جُوّي» يستخدم ما نطلق عليه الاستراتيجية المُتعجِلة Impatient strategy، فيختار بحرص نماذج الأشخاص، ثم قبعات رجال الإطفاء الخاصة بهم، كي يُكوِّن على الفور ألعابًا ملائمة للعبة. أما أنت، فتتبع حدسك وتختار مكعبات عشوائية تبدو لك جذابة ومثيرة للاهتمام. أما صديقتك «جيل»، فتختار قطعًا، مثل محور العجلات وعجلات السيارة وألواح قواعد صغيرة التي لاحظت أنها شائعة في الألعاب الأكثر تعقيدًا، على الرغم من أنها لا تستطيع استخدام هذه الأجزاء على الفور لإنتاج ألعاب بسيطة، ونطلق على المقاربة التي تتبعها جيل، الاستراتيجية المتأنية Patient strategy.

وفي نهاية عصر ذلك اليوم، من سيكون مطوِّر الجزء الأكبر من المنتجات الجديدة؟ أي من سيكون قد صمَّم أغلب الألعاب الجديدة؟ توضّح محاكاتنا هذه أن إجابة هذه الأسئلة تعتمد على العديد من العوامل. ففي البداية، سيحتل جوي الصدارة، إذا انطلق إلى الأمام بالاعتماد على استراتيجيته المتعجلة. ولكن مع التقدم في اللعب، سيتحول مصير الأمور. فخطوات “جيل” الأولى ستبدو كأنها محض صدفة عندما تتمكن من بناء عربات الإطفاء المعقدة من اختيارها من العجلات والمحاور التي بدت في بادئ الأمر غير ذات جدوى. وسيبدو الأمر كأن الحظ قد حالفها، ولكننا سرعان ما سنكتشف أنها نجحت بكفاءة في تسخير الصدفة بفاعلية.

ولكن ماذا عنك؟ لما كنت قد اخترت المكعبات بعشوائية، فستكون قد بنيت أقل عدد من الألعاب. اعتمد صديقاك على استراتيجية مُمكَّنة بالمعلومات Information-enabled strategies، في حين لم تعتمد أنت سوى على الحدس والصدفة.

ماذا نتعلم من هذا المثال؟ إذا كان الابتكار عملية بحث، فإن اختيارك للعناصر المكونة له  اليوم ذو أهمية كبيرة من حيث الخيارات التي ستتيحها لك غدًا، فهل تختار عناصر تساعد على تكوين منتجات بسيطة بسرعة وتعود عليك بالنفع «الآن»، أم إنك تختار العناصر التي تمنحك قيمة أكبر «في المستقبل»؟

في بحثنا، حلَّلنا رياضيات الابتكار باعتبارها عملية بحث عن تصاميم لمنتجات قابلة للتطبيق، عبر مجموعة هائلة من العناصر. بعد ذلك اختبرنا رؤانا التي توصلنا إليها باستخدام البيانات التاريخية حول الابتكارات، في أربع بيئات حقيقية. ثم أجرينا محاكاة بناءً على البيانات التفصيلية من أربعة مجالات: تكنولوجيات البرمجيات، وفنون الطهي، والموسيق،ى واللغة (انظر: نبذة عن هذا البحث). وأثناء هذا توصلنا إلى اكتشاف مذهل. إذ يمكن التوصل إلى استراتيجية ابتكار متميزة عن طريق استخدام المعلومات حول عملية الابتكار القائمة. إلاّ أنه لا توجد استراتيجية واحدة هي الاستراتيجية المثلى. فالاستراتيجية الأمثل تعتمد على التوقيت وعلى فضاء الابتكار، فهناك  العديد من مجالات الابتكار، ولكل منها مجموعة منها خصائصها الخاصة. وفي الابتكار، كما هي الحال في استراتيجيات العمل، فإن الاستراتيجيات الناجحة تعتمد على السياق.

.

نبذة عن هذا البحث About the Research

حلّلنا الابتكار باعتباره عملية دمج عناصر لإنتاج منتجات جديدة. فاستخدمنا محاكاة قائمة على البيانات التاريخية لدراسة هذه العملية في أربعة مجالات: تكنولوجيا البرمجيات، وفن الطهي، واللغة، والموسيقى.[1]

وفي البرمجيات، كانت المنتجات، التي درسناها، هي البرامج، والعناصر هي أدوات التطوير، فقمنا بتجميع بيانات 1200 منتج برمجيات يتكون من ألف أداة من أدوات التطوير من موقع StackShare، وهو موقع يُفهرِس الأدوات التي تستخدمها شركات التكنولوجيا.

وفي مجال الطهيكانت المنتجات التي درسناها هي وصفات الطعام والعناصر هي مكونات الطعام، فجمعنا بيانات 58 ألف وصفة طعام، تتكون من 381 مُكوِّنا من مواقع وصفات الطعام: allrecipes.com وepicurious.com وmenupan.com.

وفي مجال اللغة كانت المنتجات التي درسناها هي الكلمات والعناصر هي الحروف. وكبيانات استخدمنا قائمة الكلمات الرئيسية للعبة سكرابل Scrabble، وحروف الهجاء الستة والعشرين في اللغة الإنجليزية.

وفي مجال الموسيقى كانت المنتجات التي درسناها هي فرق موسيقى الجاز في أوائل القرن العشرين، والعناصر هي العازفين. فجمعنا بيانات ألف فرقة تتكون من 4700 عازف من موقع Red Hot Jazz Archive، وهو موقع إلكتروني يفهرس فرق موسيقى الجاز قبل عام 1930.

وقد أوضحت أبحاثنا ثلاث رؤىً رئيسية (انظر: استراتيجيات الابتكار المُمكَّنة بالمعلومات تحقق نتائج أفضل): أولًا، الاستراتيجيات المُمكَّنة بالمعلومات تتفوق على الاستراتيجيات التي لا تستخدم المعلومات التي تُنتجها الأبحاث. ثانيًا، في المراحل المبكرة من تطوير أحد فضاءات الابتكار، تحقق الاستراتيجيةُ المُتعجِّلة نتائجَ أفضل، وفي المراحل اللاحقة تكون النتائج الأفضل من نصيب الاستراتيجية المتأنية. ومن المهم بمكان ثالثًا، من الممكن تبنِّي استراتيجية تكيفية Adaptive strategy، تتغير مع تطور السوق، وتحقق نتائج أفضل في جميع مراحل تطور السوق. وفعليا، تطوير استراتيجية تكيفية يتطلب أن تكون أنت على دراية بالتوقيت الأمثل لتنتقل فيه من مقاربة «جوي» إلى مقاربة «جيل»، ويمكن تحديد نقطة التحول، إذ إنها تحدث عندما يبدأ مستوى تعقيد المنتجات بالثبات بعد ارتفاعه.

استراتيجياتُ الابتكار القائمة على المعلومات تحقق نتائج أفضل

Information-Enabled Innovation Strategies Perform Better

نتائج الابتكار (عدد المنتجات)

Innovation output…

الاستراتيجية التكيفية تجمع بين الاستراتيجية المُتعجِّلة والاستراتيجية المتأنية

Adaptive strategy combines impatient…

الاستراتيجية التكيفية

Adaptive strategy

الاستراتيجية المُتعجِّلة

Impatient strategy

الاستراتيجية المتأنية

Patient strategy

تفوق الاستراتيجية المتأنية

Patient strategy outperforms

تفوق الاستراتيجية المُتعجِّلة

Impatient strategy outperforms

الاستراتيجية العشوائية

Random strategy

نقطة التحول

Switch point

الزمن

Time

 

يشير تحلينا إلى أن الاستراتيجيات التي تأخذ بالاعتبار المعلومات المتعلقة بعملية الابتكار أثناء حدوثه، تميل إلى التفوق على استراتيجيات الابتكار العشوائية التي لا تستخدم مثل هذه المعلومات. وكما توصلنا أيضًا إلى أنه في المرحلة المبكرة من تطوير فضاء الابتكار، فإن الاستراتيجية المُتعجِّلة تثمر نتائج أفضل، في حين أنه في المراحل اللاحقة تتفوق الاستراتيجية المتأنية. وفي النهاية من الممكن أن تتبنى الشركة استراتيجية تكيفية، وهي استراتيجية تنتقل من الاستراتيجية المُتعجِّلة إلى المتأنية مع تطوُّر فضاء الابتكار، وبذا تحقق نتائج أفضل في جميع مراحل التطوير.

المصدر: معهد بي سي جي هندرسون BCG Henderson Institute  ومعهد لندن London Institute

تطبيق الرؤى Applying the Insight

من خلال النتائج التي توصلنا إليها، أسسنا عملية تتكون من خمس خطوات، لوضع استراتيجية ابتكار تحظى بميزة ثراء المعلومات.

الخطوة الأولى: اختيار فضاء الابتكار: أين ستلعب؟ Step 1. Choose your space: Where to play?

إن لخصائص وسمات فضاء الابتكار أهمية كبيرة، لذا من الضروري أن يكون اختيارك لمجال المنافسة اختيارًا مدروسا. ومن المثير للاهتمام أن تحليل الأسواق أو توقع احتياجات العملاء ليس كافيًا. فإذا كنت تسعى إلى الابتكار بنجاح، ينبغي عليك أن تفهم بنية فضائك الابتكاري جيدًا.

ابدأ بأخذ فكرة عامة عن المنتجات المنافسة الأساسية وعناصرها. فما مدى تعقيد تلك المنتجات؟ وهل لديك إمكانية الوصول إلى تلك العناصر؟ وكقاعدة عامة، احرص على اختيار الفضاءات التي لا يزال مستوى تعقيد المنتجات فيها منخفضًا، والتي يكون لديك فيها إمكانية الوصول إلى أكثر المكونات انتشارًا. ومن خلال التركيز على الفضاءات غير الناضجة بعد، يمكن أن تتفوق على المنافسين من خلال تطبيق استراتيجية مُتعجِّلة أولا تحقق نتائج فوريا، ثم تنتقل في وقت لاحق إلى استراتيجية متأنية بعوائد بطيئة. تقدم شركة أوبر تكنولوجيز Uber Technologies مثالا جيدا. فقد دخلت الشركة الفضاء الوليد لمشاركة المركبات بين الأقران peer-to-peer ride-sharing بعد ثلاث سنوات من إنشائها في عام 2009 كشركة تشغيل سيارات أُجرة (الليموزين). واختارت أوبر فضاءها بحكمة: إذ كانت صناعة مشاركة المركبات غير ناضجة بعد، وكان مستوى تعقيد المنتج منخفضًا، والعناصر الرئيسية يسهل الوصول إليها. وتطلبت الاستراتيجية المُتعجِّلة الدخولَ إلى السوق بسرعة بتطبيق لمشاركة المركبات Ride-sharing app. أما الآن فهناك ما يبدو أنه استراتيجية متأنية قيد التطبيق في شركة أوبر- تطوير تكنولوجيا القيادة الذاتية التي تنطوي على مستوى أعلى من التعقيد، وتحتاج إلى فترة أطول من التطوير.

الخطوة الثانية: اختيار الاستراتيجية: كيف ستلعب؟ Step 2. Select your strategy: How to play?

بعد ذلك قم بخطوة غير متوقعة: انظر إلى الخلف وليس الأمام. قس مدى تطوُّر التعقيد في فضاء الابتكار الذي اخترته، من خلال تحليل توزيع أحجام المنتجات، من حيث عدد العناصر الفريدة في المنتجات. إذا كان مستوى التعقيد منخفضًا وثابتًا، فإن هذا مؤشر على أن الفضاء لا يزال في بدايته، وهنا يمكنك اختيار استراتيجية مُتعجِّلة. وإذا كان مستوى التعقيد مرتفعًا، فإن الفضاء آخذ بالنضوج واستراتيجية متأنية هي المقاربة الأفضل. وهكذا، فإن مدى تعقيد الفضاء هو الإشارة المهمة لتوجيه استراتيجية الابتكار التي تتبناها.

كيف يمكنك التقاط هذه الإشارة من البيانات المتاحة في فضائك؟ من المطمئن أن العديد من المبتكرين لديهم بالفعل الأدوات اللازمة للقيام بذلك. إذ تقوم الشركات روتنيا بإعادة هندسة منتجات المنافسين، وتحليل براءات الاختراع، وإجراء مقابلات وحوارات مع خبراء التكنولوجيا لتوجيه القرارات التشغيلية. ونحن نؤمن بأن المبتكرين يمكنهم، بل ينبغي لهم، استخدام الأدوات والمعلومات نفسها كي تكون الدليل المرشد للاستراتيجية، من خلال القياس المنهجي لتطوُّر تعقيد المنتجات في فضائهم. وهذا يتطلب تطوير تصنيف للعناصرTaxonomy of components، من خلال أخذ عينات من منتجات المنافسين وتشريحها، ليس فقط العناصر المادية، ولكن أيضًا غير المادية، مثل الابتكارات المتعلقة بالعمليات أو اختيارات نموذج العمل Business model. وفي حين أننا لا نعرف أي شركة تقوم بهذا الأمر صراحة، فإننا نرى بالفعل أن العديد من الشركات المبتدئة تتبع هذا المنطق ضمنيًّا من خلال الانتقال من منطق مُتعجل لمنتجات تستوفي الحد الأدنى من قدرة البقاء إلى استراتيجية ابتكار متأنية أكثر ترتكز على تصاميم أكثر تعقيدًا بمجرد تأمين التدفق النقدي والتمويل، وبمجرد أن يبدأ الفضاء بالنضوج.

الخطوة الثالثة: تطبيق الاستراتيجية: كيف تُنفِّذ؟

Step 3. Apply your strategy: How to execute?

بعد ذلك نفِّذ استراتيجيتك الابتكارية. إذا كنت تطبق مقاربة متعجلة، فإن هدفك يتمثل بتبني أو تطوير عناصر تتيح لك طرح منتجات بسيطة نسبيًّا في السوق بسرعة. اسأل نفسك كيف يمكن أن تصبح الأول، وتزيد سرعتك في البحث والتطوير، وتقلل الوقت المستغرق لطرح المنتجات في الأسواق. ويمكن تجسيد هذه الاستراتيجية بمقاربة طرح منتجات بالحد الأدنى من قابلية النجاح، وهي مقاربة تفضل البساطة والسرعة.

ولكن، إذا كانت خصائص فضائك الابتكاري تُشير إلى أن استراتيجية متأنية ستكون مناسبة أكثر، فإن مقاربة طرح منتجات بالحد الأدنى ربما لا تكون المقاربة الأفضل، بدلًا من ذلك، يجب أن يكون هدفك هو زيادة خيارات الابتكار المستقبلية إلى الحد الأقصى. وتقوم كبرى شركات التكنولوجيا، مثل شركة أبل Apple Inc. ومجموعة سامسونج Samsung Group بتطبيق هذا المقاربة ضمنيًّا. فتجري الشركتان الكثيرَ من الأبحاث وتسجلان الكثير من براءات اختراع، لكن غالبًا ما يستغرق الأمر سنوات حتى تُدمج تلك الابتكارات في المنتجات الجديدة- ليس لأنها بطيئة في الابتكار، ولكن لأنها، على وجه التحديد، تمارس لعبة الابتكار المتأني.

هل يمكن للشركات أن تتبع كلتا المقاربتين المُتعجِّلة والمتأنية في مراحل مختلفة من عملها؟ نعم، يمكنها ذلك، ولكنها ليست مهمة سهلة على الإطلاق. فشركة جنرال إليكتريك General Electric Co.، على سبيل المثال، طوَّرت برنامجا يُطلَق عليه فاست ووركس (أعمال سريعة) FastWorks وطبَّقته على نطاق واسع، وهذا البرنامج في الأساس أداة تتيح بناء وتطوير المنتجات ذات الحد الأدنى في دورات تطوير سريعة. إلاّ أن شركة جنرال إليكتريك تستمر بتطبيق المقاربة المتأنية التقليدية الخاص بها، أي إنها ثنائية المقاربة فيما يتعلق بالابتكار،[iii] ولكن شركات قليلة فقط هي التي تتمتع بمدى إمكانات جنرال إليكتريك، لذا من الأفضل أن تتوخى الحذر إذا كنت تسعى إلى تطبيق مثل هذه الاستراتيجية.

الخطوة الرابعة: التقاط إشارات التحول والتكيف معها

Step 4. Sense shifts and adapt: How to extract a switch signal?

دعنا نذكر أنفسنا أن الاستراتيجية الأفضل تعتمد على المجال والتوقيت. وهذا يعني أنك لا تحتاج فقط إلى متابعة مستوى التعقيد في فضائك الابتكاري بل أيضًا أن تنافس على إمكانية الوصول إلى المعلومات كي تلتقط الإشارات الضرورية التي تحث على تغيير الاستراتيجية في وقت مبكر قبل المنافسين. فما الذي يمثل إشارة لتغيير الاستراتيجية؟ في أبحاثنا  توصلنا إلى أن ثبات مستوى زيادة تعقيد المنتجات يُعدُّ إشارة موثوقاً بها أن الوقت قد حان للانتقال من استراتيجية متعجِّلة إلى استراتيجية متأنية.

يمكن أن تكون شراكات شراء الحقوق Licensing partnerships والاستحواذات على التكنولوجيا Technology acquisitions من شركة أخرى عاملًا مهمًّا في إظهار هذه الإشارة إلى السطح، فمعظم المبتكرين يستخدمون هذه الإشارات لتوسيع نطاق وصولهم إلى العناصر من أجل تسريع عملية الابتكار. وفي الواقع، لا يقل أهمية عن ذلك أن مثل هذه الأساليب يمكن أن تقدم للمبتكرين نطاقًا أكبر من المعلومات حول تطوُّر التعقيد في الفضاء الابتكاري، ومن ثمَّ منحهم ميزة معلوماتية في التقاط إشارة التحول. وهناك تكتيك آخر مرتبط بهذا، يتمثل بإنشاء وتنسيق مجتمعات المطوِّرين (على غرار تلك التي تكونها منصات إدارة المحتوى مثل: شركة بوكس Box Inc.، وشركة البرمجيات مفتوحة المصدر ريد هات إنك Red Hat Inc.، وشركة أبل، وغيرها)، وهذه النظم الإيكولوجية Ecosystems في جوهرها عبارة عن فضاءات ابتكار خاضعة للإدارة، حيث لا يحصل المُنسِّق على إمكانية الوصول إلى العناصر والابتكارات التي يطورها الآخرون فحسب، بل أيضًا تكون له مثل بوابة فريدة للوصول إلى معلومات غزيرة حول ذلك الفضاء.

الخطوة الخامسة: احتضن التغيير الجذري: كيف تعيد ضبط ساعة البدء؟

Step 5. Brace for disruptions: How to reset the clock?

يصل الوعد بتحقيق استراتيجية ابتكار مدعومة بالمعلومات إلى درجة إحداث قلقلة. والقلقلة -كما تُشاهد من خلال عدسة نموذجنا هي حدث يعيد فجأة ضبط فضاء الابتكار ويُبسِّطه مجددا من خلال تقليل مستوى تعقيد المنتجات. ونشهد هذه الأحداث عند اندماج فضائي ابتكار كانا مفصولين في السابق، مما يمهد الطريق أمام ظهور عدد كبير من ابتكارات المنتجات الجديدة الأقل تعقيدًا. وهذا يعني، ضمنًيا، أن القلقلة لا تحدث من تلقاء نفسها، وإنما يصنعها مبتكرون يقفون عند حدود أحد الفضاءات، والذين يصنعون منتجات أبسط تستفيد من عناصر من مجال آخر. ومن الأمثلة الكلاسيكية هي قلقلة صناعة وسائط الموسيقى على يد اللاعبين الأساسيين في مجال مشاركة الملفات بين الأقران (مثل نابستر Napster في ظهورها الأول)، وكذلك مؤسسات الأبحاث التي تطور معايير ترميز Encoding  الموسيقى الجديدة (مثل فراونهوفر-غيزلشافت Fraunhofer-Gesellschaft التي تتخذ من برلين بألمانيا مقرًّا لها، والتي كانت المطوِّر الرئيسي لتكنولوجيا MP3 لملفات الصوت الرقمية). وفي حين لا يمكننا -بعد- القول إننا يمكننا توقع القلقلة، فإن النهج التحليلي يتيح للمبتكرين التعرف على هذه الأحداث وتفسيرها على أنها إشارات تحذير مبكرة.

دائمًا ما تتطلب القلقلة من المبتكرين: إعادة تحديد استراتيجية الابتكار، والعودة إلى المقاربة المُتعجِّلة. وقد نمذجمنا الاستجابات المختلفة للقلقلة في فضاء التكنولوجيا، وتوصلنا إلى أن الشركات التي تنجح في إعادة توجيه وتحديد استراتيجيتها، يكون لديها نتاج من الابتكارات أعلى بنسبة 50 % تقريبًا من الشركات التي لا تنجح في ذلك (انظر: خوض غمار القلقلة). والعودة مرَّة أخرى إلى استراتيجية مُتعجِّلة أمر يسهل قوله ولكن يصعب تنفيذه، لأنه يتطلب تحولًا في جميع جوانب المقاربة الابتكارية.

خوض غمار القلقلة

Navigating a Disruption

نتائج الابتكار (عدد المنتجات) Innovation output…
الاستراتيجية المُتعجِّلة Impatient strategy
الاستراتيجية المتأنية Patient strategy
القلقلة Disruption
الزمن Time

يشير تحليلنا إلى أن أفضل استجابة  للتعامل مع القلقلة هي التحول من استراتيجية متأنية إلى مُتعجِّلة. ويؤدي تنفيذ هذه الخطوة بنجاح إلى نتائج ابتكار تكون أعلى بنسبة 50 % تقريبًا من النتائج التي تتحقق من الالتزام باستراتيجية متأنية بعد التغيير الجذري.

المصدر: معهد بي سي جي هندرسون  ومعهد لندن.

 

استراتيجية ابتكار ذات ميزة

An Advantaged Innovation Strategy

هل يمكنك تبني استراتيجية ابتكار تتمتع بامتيازات تلقائية؟ تشير أبحاثنا إلى أن هذا ممكن. في الواقع، فإن المُبتكِر الذي يتبع هذه المقاربة الجديدة المدعومة المعلومات، سيبدو في أعين منافسيه والجمهور وكأنه يصنع حظه بنفسه. ولا شك في أن هذا النوع من المبتكرين سيتفوق على الآخرين ممن لا يستخدمون المعلومات بالطريقة نفسها، (انظر: تبني استراتيجية ابتكار تكيفية يثمر أعلى الأرباح).

تبني استراتيجية ابتكار تكيفية يثمر أعلى الأرباح

Adaptive Innovation Strategy Provides the Largest Payoff

لاحظ وجود مستويين من الأداء المتميز، الاستراتيجيات المدعومة بالمعلومات تتفوق إجمالًا على الاستراتيجيات العشوائية، ومن بين الاستراتيجيات القائمة على المعلومات، تحقق الاستراتيجيات التكيفية أفضل النتائج على المدى البعيد.

نتائج الابتكار المعيارية في مجال التكنولوجيا (عدد المنتجات) Normalized innovation output…
الممارسات الحالية المقبولة Plausible current practice
عشوائية Random
مُتعجِّلة Impatient
متأنية Patient
تكيفية Adaptive

المصدر: معهد بي سي جي هندرسون ومعهد لندن.

يتعين على المبتكرين الطموحين الذين يسعون إلى تبني استراتيجية ابتكار مدعومة بالمعلومات، اعتناق هذه المبادئ الخمسة:

  • إعادة تحديد إطار الابتكار باعتباره عملية بحثية مدعومة بالمعلومات.
  • جمع المعلومات حول العناصر والابتكارات لتحديد خصائص الفضاء.
  • تحليل مدى نمو وتطوُّر الفضاء، وتبني الاستراتيجية المناسبة بناءً على هذا الأساس.
  • بناء قاعدة معلومات قوية لتطوير وتحسين المقاربة الابتكارية التي تتبناها.
  • الاستجابة للقلقلة أو توليدها من خلال تكييف مقاربتك الإدارية.

ومن المثير للاهتمام أن هذا المنظور للابتكار له آثار ضمنية-في الجوانب الأخرى لحل مشكلات. ففي عالم تمَّ فيه حل العديد من المشكلات البسيطة، لم يعُد أمامنا سوى المشكلات متزايدة التعقيد التي لا تقدم لها المقاربة المُتعجِّلة في حل المشكلات سوى قيمة ضئيلة. وسيعتمد تقدمنا ورخاؤنا بصورة متزايدة على حل المشكلات الصعبة التي تحتاج إلى استراتيجيات أقل مباشرة وأكثر تأنيا. وسواء كان الأمر يرتبط بالتعامل مع تحديات الابتكار، أم مشكلات ذات طبيعة مجتمعية أوسع نطاقًا، فإن التمسك بالخط المتأني يمكن أن يكون صعبًا ومحفوفًا بالمخاطر. بينما تبني مقاربة منظمة في مراحل Structured لحل المشكلات،  كما أوضحنا في هذا المقال، ومُوجَّه بالإشارات الصحيحة، سيقودنا –بطريقة أكثر توقعا- إلى حلول أقوى.

نبذة عن المؤلف:

مارتن ريفز Martin Reeves شريك رئيسي ومدير مكتب مجموعة بوسطن الاستشارية Boston Consulting Group في نيويورك، ومدير معهد بي سي جي هندرسون BCG Henderson Institute.

توماس فينك Thomas Fink مدير معهد لندن للعلوم الرياضياتية London Institute for Mathematical Sciences، وباحث لدى المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي National Center for Scientific Research في باريس.

راميرو بالما Ramiro Palma مدير مشروعات في مكتب مجموعة بوسطن الاستشارية في دالاس، وعضو رئيسي في فريق الشركة للتكنولوجيا والإعلام والاتصالات.

جوهان هارنوس Johann Harnoss مدير مشروعات في مكتب مجموعة بوسطن الاستشارية في نيويورك، وعضو رئيسي في فريق التطوير والطاقة والاستراتيجية بالشركة، فضلًا عن أنه ممثل منتدب لدى معهد بي سي جي هندرسون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى