الهند تخطط للهبوط بالقرب من القطب الجنوبي للقمر
المركبة المدارية تشاندريان 2 - يمكن أن تروي ظمأ العلماء للبيانات المفصّلة عن المياه القمرية
في وقت ما من هذا الصيف، ستطلق المركبة الفضائية التي تدور فوق الجانب البعيد للقمر، والمعزولة عن تحكم المراقبين على الأرض، مركبةً للهبوط Lander. وبعد شروق الشمس مباشرة ستخفف المركبة من سرعتها لتهبط ببطء على سهل قديم مستوي على بعد 600 كيلومتر من القطب الجنوبي. وهناك، سوف تُطلق عنان مركبة سيارة إلى أراضٍ لم تُكتشف من قبل قطُّ من السطح، فكل المركبات القمرية السابقة قد هبطت بالقرب من خط الاستواء.
وهذه هي الرؤية الطموحة لرحلة الهند الثانية إلى القمر خلال عقد من الزمن، والمقرر تنفيذها في الأسابيع المقبلة. وقد قال كيلاسافاديفو سيفان Kailasavadivoo Sivan، رئيس المنظمة الهندية لأبحاث الفضاء Indian Space Research Organisation (اختصارا: المنظمة ISRO) إذا نجح تشاندرايان-2 (Chandrayaan-2)، فسيمهد الطريق لمهام هندية أكثر طموحا مثل الهبوط على كوكب المريخ Mars أوعلى كويكب Asteroid، إضافة إلى إرسال مسبار إلى كوكب الزهرة Venus. ويضيف أنّ الهدف من تشاندرايان 2 هو إظهار أنّ الهند تمتلك براعة تكنولوجية “للهبوط السلس على الأجرام السماوية الأخرى.”
ولكن لدى علماء القمر أمورا كثيرة على المحك أيضا. فيقول ميلسوامي أنادوراي Mylswamy Annadurai، مدير المنظمة ISRO: “هناك إعادة إحياء لمهمات استكشاف القمر في جميع أنحاء العالم، ولا يمكن للهند أن تتخلف عن الركب.” وستقوم الأدوات الموجودة على متن مركبة الهبوط والمركبة السيّارة بجمع البيانات عن الغلاف البلازمي البسيط للقمر، فضلا عن النظائر مثل الهليوم 3 (Helium 3) وهو وقود محتمل لمفاعلات الطاقة الاندماجيةReactors Fusion في المستقبل.
وستتابع المركبة المدارية ذاتها الاكتشاف المذهل الذي قامت به أول مهمة قمرية للهند، أي المركبة المدارية تشاندرايان -1، والتي وجدت جزيئات من الماء على سطح القمر في عام 2009. وقبل ذلك، يقول جيمس غرينوود James Greenwood، عالم الكون Cosmochemist من جامعة ويسليان Wesleyan University في ميدلتاون بولاية كونيتيكت: “وقتها بدا الأمر ضربا من العلم الغريب عندما تفكر في أنه من الممكن أن تجد ماء،” ثم أضاف: “الآن، نتجادل حول كمية الماء، وليس ما إذا كان الماء موجودا أم لا.” ويمكن للكاميرات والمطياف Spectrometer على متن تشاندرايان -2 المدارية المساعدة على حسم هذا السؤال.
وكان من المفترض من البعثة التي تبلغ قيمتها 150 مليون دولار في الأصل أن تنطلق قبل 3 سنوات، ولكن روسيا فشلت في تسليم مركبة الهبوط الموعودة، مما حدا بالهند إلى القيام بذلك بمفردها. وتُجرى الاستعدادات النهائية على المركبة الفضائية تشاندرايان -2 التي ستنطلق من ميناء سريهاريكوتا Sriharikota الفضائي على خليج البنغال على متن مركبة اطلاق القمر الاصطناعي جيوسينكرونوس Geosynchronous Satellite Launch Vehicle الهندية.
إنّ الهبوط بعيدا عن خط الاستواء القمري أمر صعب للغاية. وقد صرّح وو جي Wu Ji، مدير المركز الوطني لعلوم الفضاء National Space Science Center في بكين Beijing بذلك قائلا: “إنها مهمة صعبة ومعقدة.” وبما أنّ القليل من أشعة الشمس يصل إلى القطبين، فهذا يعني أنّه على مركبة الهبوط والمركبة السيّارة أن تقتصدا في استخدام الطاقة. والخطة هي أن تهبط على سطح مرتفع بين فوهتين، هما مانزينوس C ( Manzinus C ) وسيمبليوس N(Simpelius N) عند خط عرض نحو 70 ° درجة جنوبا.
وسوف تحزم مركبة الهبوط أكبر قدر ممكن من العلم في أول يوم لها على القمر- 14 يوما أرضيا بما أنّ التحكم قد لا يكون قادرة على إحياء المركبة بعد ليلة القمر الطويلة. وستستخدم المركبة مسبار لانغموير Langmuir probe لقياس البلازما القمرية، وهي طبقة ‘ريشية’ من الأيونات المشحونة التي قد تفسر سبب ميل الحطام الصخري Regolith أو الغبار للطفو في الغلاف الجوي الرقيق للقمر. كما لديها مقياس زلازل Seismometer لتسجيل الهزات القمرية. ومن شأن قياساتها الزلزالية أن تكمّل القياسات التي قدمتها بعثات أبولو Apollo السابقة، لأنّ القراءات المأخوذة من خطوط العرض العالية تكون حساسة للإشارات التي تمر عبر أجزاء مختلفة من القمر. وإذا كان مقياس الزلازل محظوظا بما فيه الكفاية لتسجيل هزة كبيرة خلال عمره التشغيلي، فقد يقدم دليلا جديدا في نقاش طويل الأمد حول ما يتكون منه جوهر القمر، وما إذا كان صلدا أم لا. ويقول ديفيد كرينغ David Kring، عالم الجيولوجيا الكوكبية Planetary Geologist من معهد القمر والكواكب Lunar and Planetary Institute في هيوستن بولاية تكساس، والذي لم يشارك في المهمة: “نحن بحاجة إلى مزيد من البيانات لفهم المناطق الداخلية للقمر.”
وستحمل المركبة السيّارة التي بحجم الحقيبة، ويبلغ وزنها 25 كيلوغراما فقط، مقياسين طيفيين Spectrometers لفحص التكوين العنصري للسطح القمري. فالمنطقة مغرية، كما يُعتقد أنها تتكون من الصخور التي تبلغ من العمر 4 بلايين سنة أو أكثر، وتحجرت بسبب محيط الصهارة Magma الذي غطى القمر المُتشكّل حديثا. وسيقوم العلماء بمقارنة البيانات بتلك التي حصلوا عليها من حقبة بعثات أبولو التي هبطت على المرتفعات القديمة الأخرى والأقرب إلى خط الاستواء.
وبالنسبة إلى بعض العلماء، فتأتي البيانات الأكثر توقعا من مُخطط المياه على المركبة المدارية. والجدير بالذكر أنّ البروتونات القادمة من الرياح الشمسية تُولّد أيونات الهيدروكسيل Hydroxyl عندما تصطدم بالأكاسيد Oxides في الحطام الصخري. وتنجرف بعدها الأيونات إلى القطبين، حيث تُحبس في الفوهات على صورة مياه جليدية، والتي ستقوم المركبة المدارية بجردها. ويقول كارل بييترز Carle Pieters، عالم القمر Lunar Scientist من جامعة براون Brown University، إنّ تسليط الضوء على دورة المياه في القمر: “هو مسعى يستحق العناء.” وتُضيف مثاييا فانيثا Muthayya Vanitha مديرة مشروع تشاندرايان – 2 في المنظمة ISRO بخصوص تحديد كمية معتبرة من المياه أنه: “يمكن أن يمهّد الطريق لاستيطان القمر في المستقبل،” إذ إنّ المياه عامل مقيّد لتشغيل قاعدة.
وبغض النظر عما إذا كانت تشاندرايان -2 تستكشف آفاقا علمية جديدة، فإن الهبوط السلس الناجح بالقرب من القطب الجنوبي سيكون إنجازا تقنيا للهند، فضلا عن لحظة فخر للبلاد. بل قد تستفيد البلدان الأخرى من برامج القمر. ويقول غرينوود: “إحدى أولويات ناسا NASA الرئيسية هي الذهاب إلى [القطب الجنوبي] في بعثة لإحضار عينة، لذلك يمكن أن يساعدنا ذلك أيضا في وقت لاحق، إذ تُقدّم لنا المزيد من المعلومات حول ما يوجد هناك.”