لماذا يتعدّى أدب الخيال العلمي الذي تكتبه لوغوان مجرد كونه تجارب فكرية
حرم الأدب من أحد العظماء بوفاة أورسولا ك لوغوان Ursulo K. Le Guin عن عمر يناهز 88 عاماً. فقد أنتجت لوغوان روائع في أدب الفانتازيا وأدب الخيال العلمي، كما كتبت نقداً مهماً ومؤثراً- ثلاثية نادرة.
لقد ولدت لوغوان في بيركلي بكاليفورنيا عام 1929، لتكون أصغر أبناء عالمي الأنثروبيولوجيا ثيودرا Theodora وألفرد كروبر Alfred Kroeber (احتفظت لوغوان باسم عائلتها بإضافة حرف K في منتصف اسمها). وقد درست الإنجليزية والفرنسية في جامعة كولومبيا Columbia University، واستمرت حتى تلقت درجة الدكتوراه في الشعر الفرنسي في العصور الوسطى، وخلال رحلة بحث إلى فرنسا إلتقت بزوجها تشارلز لوغوان Charles Le Guin. واستقر الزوجان في بورتلاند بأوريغون، وفي أثناء تربيتها لأطفالها، بدأت لوغوان الكتابة.
لكنها لم تبدأ بنشر أعمالها إلا بعد ولادتها لطفلها الثالث والأخير في عام 1964. وكانت روايتها ساحرٌ من أراضي البحار A Wizard of Earthsea (1968أول نجاح كبير لها وبداية سلسلة روايات أراضي البحار المحبوبة جداً. وتقع أحداث الرواية في أرخبيل ضخم من الجزر مجدولة بالسحر وتحلق فوقها التنانين. وهذه الرواية عميقة بما يكفي لترضي الكبار وفاتنة بما يكفي لتأسر اهتمام الأطفال. تبعها جزءان مقابر أتوان 1970 The Tombs of Atuan والساحل الأقصى 1972 The Farthest Shore وسَّعا معرفتنا بهذا العالم، أما الإضافات التالية: تيهانو 1990 Tehanu والرياح الأخرى 2001 The other Wind، فعالجا –بحماس واقناع- تحيز الذكوري وتجاهل البيئة وهما موضوعان يميل إليهما أدب الفنتازيا.
وفي أدب الخيال العلمي، كان انجاز لوغوان الكبير هي رواية اليد اليسرى للظلام 1969 The Left Hand of Darkness التي تقع أحداثها على كوكب سكناه محايدي الجنس بيولوجيا إلا في مراحل التخصيب والتي تسمى بمرحلة كمر Kemmer، التي سيكونون خلالها إما ذكوراً أو إناثاً، آباءً أو أمهات تحملن بالأطفال، وعادة ما يكونون الاثنان خلال حياتهم. إن توظيف علم الاجتماع بطريقة دقيقة وجذابة والتكثيف السيكولوجي يبثان الحياة في الرواية بقوة. وقد فازت بجائزتي هوغو Hugo ونبيولا Nebula، ولم تنفد من السوق بسبب طباعتها المتواصلة، وعادة ما تدرس في الكليات والجامعات كنص إرشادي للتفكير بالجنسين في سياق المجتمع والهوية. لكنها أكثر بكثير من تجربتها الفكرية المركزية: فالنص كُتب بطريقة رائعة، وهو مفهوم كلياً، فهذه الرواية قطعة أدبية مؤثرة وعميقة.
ورواية الحرمان: يوطوبيا غامضة 1974 The Dispossed: An Ambiguous Utopia تتحدث عن عالمين مأهولين بالسكان، أحدهما شبكة من تجمعات ذات طبيعة حكم ذاتية والأخرى دولة رأسمالية. وتستكشف الروايةُ العلاقة المترابطة والمعقدة بين اليوطوبيا Utopia والديستوبيا Dystopia، وهي إحدى أكثر الروايات الطوباوية الحديثة تأثيراً.
وعادة ما يرى مناصرو نظرية الفوضوية والنقاد الماركسيون انعكاساً لأفكارهم في أعمالها، إلا أن كتابات لوغوان في الحقيقة تعكس ما يقرب إلى الالتزام الطاوي لتحقيق التوازن بين هذه الأفكار.
تساؤلات لوغوان العديدة حول اليوطوبيا هي استكشافات عميقة ومعقدة لهذا المفهوم، وليست مجرد استقراءات لحلول محتملة أو علاجات اجتماعية. فمثلاً رواية العودة إلى الوطن دائماً 1985 Always Coming Home هي رواية يوطوبية ولكن ليست مبتذلة بأي طريقة اعتيادية -فالحياة ما بعد نهاية العالم كما وصفت هي صعبة – بل في توجسها من أن الفرح لا يتحقق إلا بحياة تُعاش بكاملها ضمن المجتمع.
وإضافة إلى العديد من الجوائز الفردية التي حصلت عليها، مُنِحت لوغوان جائزة مؤتمر عالم الخيال للإنجاز طوال الحياة World Fantasy Convention Life Achievement عام 1995، وفي عام 2003 حصلت على لقب الأستاذ العظيم التشريفاتي لفارس دامون Damon Knight Memorial Grand Master من جمعية كتاب الفانتازيا والخيال العلمي Science Fiction & Fantasy Writers في أمريكا.
وفي رأيي فأن الأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو أن لوغوان كانت دائما لإعادة النظر في مواقفها. فمثلاً تعمق فكرها النسوي في السبعينات وفي بداية الثمانينات من القرن العشرين. فقد أدركت أن مقالتها العميقة فكريا حول روايتها اليد اليسرى للظلام The Left Hand of Darkness “هل نوع الجنوسة ضرورية؟”Gender Necessary? المنشورة في 1976 لم تعد مناسبة في ثمانينات القرن العشرين، فأعادت نشرها مع شرح مطول في عام 1987.
وقد أعيدت طباعة مقالة “مراجعة: هل نوع الجنس ضروري؟” “Is Gender Necessary? Redux في كتاب لغة الليل: مقالات حول الفانتازيا والخيال العلمي (نسخة مُراجعة، 1992) The Language of the Night: Essays on fantasy and science fiction (revised edition 1992)، وهو عمل مهم للمهتمين بالنقاشات النقدية حول هذين النوعين من الأدب.
آدم روبرتس Adam Roberts كاتب خيال علمي وأستاذ أدب القرن التاسع عشر في كلية رويال هولواي بجامعة لندن.