العلاج الزائف: حيوانات الدعم العاطفي قد تكون مضيعة للوقت
نسعى بشكل متزايد إلى العلاج بمرافقة البط والدلافين والكلاب. يقول عالم الأنثروبولوجيا جون برادشو إننا نوجه تركيزنا إلى الجهة الخاطئة
التقطت صورة ظلال دانيال بينما كان يحدق في الغيوم المارة عبر نافذة الطائرة. وذاعت شهرة الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي في أكتوبر 2016. ربما ساعد على ذلك كون دانيال بطة، أو بشكل أكثر تحديدًا، بطة للدعم العاطفي. وتقول صاحبته إنه يساعدها على التعامل مع اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة Post-traumatic stress disorder.
ففي الولايات المتحدة، يمكن للحيوانات في كثير من الأحيان الصعود على متن الطائرة طالما توفرت وصفةٌ طبية موقعة من قبل طبيب تفيد بأنها تساعد أصحابها على التعامل مع حالة طبية ما.
حملت خطوط دلتا الجوية 250 ألف من هذه الحيوانات في عام 2017 بزيادة %150 عن عام 2015. فمعضمها كلاب، ولكن قد تشمل هذه المجموعة المتزايده في غرابتها الخنازير والجرابيع والطواويس.
وقادتني الزيادة في التقارير عن حيوانات الدعم العاطفي في وسائل الإعلام مؤخرا الى الالتقاء بجون برادشو John Bradshaw. فهو يدرس علم الأنثروزولوجيا (علم الحيوان الإنساني) Anthrozoology، أو علم الطرق التي يتفاعل بها البشر والحيوانات معا، وذلك في جامعة بريستول University of Bristol بالمملكة المتحدة. فقد جئت لمعرفة ما إذا كانت الحيوانات يمكنها حقًا مساعدة الأشخاص المصابين بالأمراض النفسية، وإذا كان ذلك صحيحا، فكيف يكون ذلك؟
ودعاني إلى مكتب لطيف في علِّية منزله التي تمتلئ رفوفها بكتب من بينها: كيف هي الحال لو كنت كلبا What It’s Like to Be a Dog والفينغ شوي للقطط Feng Shui for Cats، إلى جانب نسخٍ من أعمال برادشو نفسه حس الكلاب Dog Sense وحس القطط Cat Sense، واللتين حققتا معا أكثر من 400 ألف من المبيعات. فقد أخبرني برادشو بأنه لا يوجد تقريبا أي دليل على الادعاءات التي تدور حول الحيوانات والصحة العقلية، ولا ينطبق هذا على حيوانات الدعم العاطفي بل جميع أنواع العلاج الحيواني – وحتى الحيوانات الأليفة.
قد يكون هذا الأمر مفاجئًا نظرًا للاعتقاد شائع بأن الحيوانات لها تأثير إيجابي في البشر. ففي عام 2014 وجدت استبانة أن %97 من أطباء الأسرة في الولايات المتحدة يعتقدون أن امتلاك حيوان أليف له فوائد صحية. فقد أصبح من المعتاد أخذ جميع أنواع الحيوانات، بما في ذلك الحمير، إلى دور رعاية المسنين والسجون والمدارس والمستشفيات. ولدى الجمعية الخيرية البريطانية حيوانات أليفة كعلاج Pets as Therapy أكثر من 4 آلاف كلب مخصص لغرض العلاج. ولديها نحو 20 حيوانا ومنها ليلو الخنزيرة ذات التنورة القصيره التي تتجول في مطار سان فرانسيسكو الدولي لتهدئة أعصاب الركاب.
ويقول برادشو: “تشير الدراسات إلى وجود ارتباط بين ملكية الكلاب والصحة الجيدة.” لكن السؤال الحقيقي هو عما إذا كانت هذه النتائج عبارة عن علاقة سببية. فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت في كاليفورنيا في العام الماضي أن الأطفال في الأُسر التي لديها حيوانات أليفة هم أكثر صحة ونشاطًا من أولئك الذين ليس لديهم. ولكن، كان احتمال أن يمتلك أصحاب الكلاب منازلهم الخاصة أكبر بنسبة 3.5 ضعف. واستنتج الباحثون أن الآثار الإيجابية كانت نتيجة عوامل اجتماعية واقتصادية.
تأثير البهجة Cheering effect
تعاني الأبحاث القليلة حول قوى شفاء الحيوانات مشكلاتٍ مماثلة. إذ يقول برادشو إن البعض يخلط بين الشعور الجيد في وجود الحيوانات بالفوائد صحية بعيدة المدى. ويقول أيضا: “عندما تداعب حيوانًا أليفًا، ترتفع مستويات الأوكسيتوسين Oxytocin والأندورفين Endorphin لديك، وينخفض ضغط دمك ويصبح نبض قلبك أكثر انتظاما. لكن لا يوجد دليل على أن هذا يعني دوام هذه الأعراض لبضع ساعات ناهيك عن طوال العمر.”
ووجدت دراسة أُجريت في عام 2017 أنه على الرغم من الاستخدام الواسع النطاق للعلاجات الحيوانية، إلا أن الأبحاث حول فعاليتها لا تزال “في مراحلها الأولى”، والأفكار القائمة على الأدلة حول كيفية عملها غير متوفرة. فعلى سبيل المثال، وجدت بعض الدراسات أن وجود الحيوانات يمكن أن يكون له تأثير مبهج في المستشفيات ودور الرعاية. ولكن هذا قد يكون بسبب أن الحيوانات تعزز مزاج الموظفين وتجعل البيئة الجافة عادة تبدو أكثر متعة،” كما يقول برادشو.
كما تشمل تفسيراتٌ أخرى النتائجَ التي تشير إلى أن الأشخاص يُصنَّفون أكثر على أنهم جديرون بالثقة إذا كانوا مصحوبين بالحيوانات. وبدلا من ذلك، فإن واقع وجود الحيوان في بيئة علاجية وبصحبة بشر قد يوحي أن الفائدة مقتصرةً على تحسين التفاعل الاجتماعي فقط.
وعلى الرغم من عدم وجود أدلة، فإن العلاج بالحيوانات يوصف كعلاج لظروف خطيرة، بما في ذلك اضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب والإدمان. وهو أيضا تجارة كبيرة. فمن الممكن أن تصل تكلفة جلسة علاج الدلفين، إذ يقترب الأفراد من الدلفين في حوض السباحة، إلى 600 جنيه إسترليني في الساعة.
شرح الصورة: العديد من الحيوانات بما فيها خنازير غينيا Guinea pigs، هي زوار اعتياديون في دور الرعاية.
ترجع فكرة أن للحيوانات فوائد صحية إلى ستينات القرن العشرين، عندما وجد اختصاصي نفسي في نيويورك هو بوريس ليفنسون Boris Levinson أن بعض الأطفال الذين يعانون مشكلاتٍ في التواصل قد انفتحوا أكثر في حضور كلبه ”جينغلز”. وهناك بعض الأدلة على أن الحيوانات قد تفيد الأطفال المصابين بالتوحد. وتظهر أبحاث برادشو أن اللعب مع كلب ساعد بعض الأطفال المتوحديين على تعلم القراءة. وحتى في هذا المجال، فإن الدراسات تختلف في طرق العلاج والنتائج المُقاسة، وغالبًا ما يكون من غير الواضح ما إذا كان اللعب مع الحيوانات أكثر فعالية من الأنشطة الأخرى الممتِعة.
لقد سألته ماذا عن علاج الدلافين؟ فأجاب برادشو: “هناك قدر ضخم من الهراء حوله. قد يكون الأمر ممتعًا، لكنه لا توجد دراسات مستقلة أظهرت أي تأثير مفيد على الإطلاق.”
لا شيء من هذا ينكر أن الحيوانات قادرة على مساعدة الأفراد. ولكن من دون بحث يمكن من خلاله التحكم في التأثيرات الجانبية، لا يمكننا تحديد الحيوان الأفضل في أي من الأوضاع. إن عدم وجود أدلة قوية تعني، على سبيل المثال، أن وزارة شؤون المحاربين القدامى في الولايات المتحدة US Department of Veterans Affairs ترفض تحمل تكلفة خدمة الكلاب لهؤلاء الجنود الذين يعانون اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة.
هناك سبب آخر للشك وهو الدافع الأساسي لفهم التفاعلات بين الإنسان والحيوان بالنسبة إلى برادشو، وهو مدير اتحاد الجامعات لرعاية الحيوان Universities Federation for Animal Welfare، فيقول إن الكثير من الناس لا يفهمون المسؤوليات التي ينطوي عليها ضمان تمتع الحيوانات التي يرعونها بحياة جيدة. “هناك خطر من أن الأطباء إذا شجَّعوا الناس على الحصول على الحيوانات الأليفة لأسباب صحية، فلن يقتصر الأمر على فشل هذه المقاربة فحسب، بل قد يؤدي أيضًا إلى إساءة رعاية الحيوانات.”
أما بالنسبة إلى الدلافين، فهي حيوانات برية، حتى وإن كانت مُدرَّبة. فقد دعت منظمة الحفاظ على الحيتان والدلافين Whale and Dolphin Conservation الخيرية إلى فرض حظر على كل العلاج بالدلافين، لأنه ضار بكل من الحيوانات والأفراد.
وقد يكون ذلك صحيحًا بالنسبة إلى الأنواع Species الأُخرى أيضًا. هناك بعض الأبحاث التي تشير إلى أنه في حالات معينة، يمكن أن تزيد الحيوانات من محنة الإنسان. وقد جادل هال هيرزوغ Hal Herzog، عالم النفس من جامعة ويسترن كارولينا Western Carolina University، في أن حيوانات الدعم العاطفي قد تطيل من المشكلات النفسية في الأفراد من خلال تمكينهم من التجنب أو التأخر في التعامل مع مشكلاتهم بطرق أخرى.
وقد أدى موقف برادشو غير المُحبِّذ [لاستخدام الحيوانات] بعض محبي الحيوانات إلى الاعتقاد بأنه “ضد الحيوانات الأليفة”. لكن نظرة واحدة حول منزله تنفي هذه الفكرة. فهناك صور للحيوانات الأليفة التي كان يرعاها في الماضي وحيوانات الأخرى في كل مكان. ولم يعد لديهم-هو وزوجته نيكي- حيوانات لأن أحد أحفادهم يعاني الحساسية، لكنهما يأملان في برعايتها في يوم ما.
“أنا لست ضد الحيوانات الأليفة،” يقول برادشو. إنها جزء من كونك إنسانًا. ما أنا عليه هو كوني مؤيدا للواقعية. وإنْ كان فهم الأفراد حيواناتهم الأليفة بشكل أفضل فسيستفيدوا هم وحيواناتهم.”