تلسكوب جيمس ويب الفضائي – الجزء 2
من المقرر إطلاق المرصد الفضائي في ربيع عام 2019 على صاروخ من طراز آريان 5، وبكلفة متزايدة وصلت إلى 10 بلايين دولار حتى الآن. وسيقوم مهندسو ناسا بإضافة نقطة التحام على المرصد بحيث يكون من الممكن استخدامها في المستقبل من قبل مركبة فضائية أخرى للإلتحام بالمرصد في محاولة لإصلاح بعض أنواع الخلل في المستقبل. ولكن في المجمل فإن التلسكوب نفسه غير قابل للخدمة ولن يستطيع رواد الفضاء استبدال الأجهزة العلمية كما هو الحال مع “تلسكوب هابل”.
وقد قدر علماء ناسا أن طول مدة المهمة لتلسكوب ويب هي 5 سنوات، ولكنهم يأملون أن يستمر المرصد بالعمل لمدة 10 سنوات. ومن الجدير بالذكر أن التلسكوب سوف يحتاج في مهمته إلى استخدام الوقود، وذلك للحفاظ على دقة مداره الكبير حول الشمس. ولذا فقد تم تصميمه بحيث يحمل معه من الوقود ما يكفي لمدة عشر سنوات.
إن فكرة إطلاق تلسكوب فضائي كبير يعمل بالأشعة تحت الحمراء ترجع في الحقيقة لعدة عقود مضت في الولايات المتحدة. وساهم في إمكانية نجاح هذه الفكرة على الصعيد النظري آنذاك، المعرفة المسبقة بأن المراصد التلسكوبية الفضائية أكثر كفاءةً من المراصد الأرضية، بسبب تأثر المراصد الأرضية بعملية امتصاص الأشعة تحت الحمراء في طبقات الجو التي تحيط بالكرة الأرضية. إلا أن هناك نقطة ضعف رئيسية تكتنف التلسكوبات الفضائية وهي أنها بحاجة إلى البقاء باردة للغاية، وكلما ازداد اعتمادها على التصوير باستخدام الأشعة تحت الحمراء، كلما كان بقاؤها باردةً جداً ضرورياً. فإذا لم يتحقق هذا الشرط فإن حرارة جسم التلسكوب سوف تطغي على عمل أجهزة الكشف (ما يسمى بالحساسات) مما يؤدى إلى إصابة التلسكوب بالعمى الفعلي. ويمكن التغلب على هذه المشكلة الفنية بإجراء تعديلات خاصة على تصميم المركبة الفضائية، وذلك بوضع التلسكوب نفسه في غرفة ذات حائط مزدوج بحيث يضخ غاز الهليوم وهو بحالة سائلة باردة جداً فيما بين حائطي الغرفة. وهذا في حد ذاته يمثل مشكلة كبيرة، إذ يعني هذا أن عمر المراصد الفضائية التي تعتمد على التصوير بالأشعة تحت الحمراء محدود ومرتبط تماماً بالعمر القصير للغرفة المبردة والذي يمتد ما بين أشهر قليلة فقط إلى عدة سنوات. وقد نجح العلماء في محاولات سابقة أن يتمكنوا من الاحتفاظ بدرجات حرارة منخفضة بدون استعمال غازات مبردة حتى يستطيع التلسكوب القيام بالتصوير عند درجات مقاربة للأشعة تحت الحمراء وذلك من خلال تعديل تصميم المركبة الفضائية، كما حصل في بعثات سبيتزر أو نيووايس. مثال آخر، بعض أجهزة مرصد هابل كانت تبرد بواسطة النيتروجين السائل الذي سرعان ما انتهى خلال سنتين فقط، فاضطر علماء ناسا إلى تحويل غرفة الاحتواء إلى كريوكولر، والذي يعمل بصفة مستمرة بدون انقطاع. أما من ناحية تلسكوب الفضاء ويب، فقد صُمم ليقوم بتبريد نفسه دون اللجوء إلى تصميم حائط مزدوج وذلك باستخدام درع شمسي للحماية ومشعات (رادياتور) بالإضافة على كريوكولر إضافية.
لتلسكوب ويب أربعة أهداف رئيسية، وهم أولاَ، البحث عن الضوء الذي انبعث من النجوم والمجرات الأولى التي تشكلت في الكون بعد الانفجار العظيم. ثانياً، دراسة تشكيل وتطور المجرات، ثالثاً، فهم تكوين النجوم والمنظومات الكوكبية، ورابعاً، دراسة المنظومات الكوكبية للوصول إلى فهم لأصل الحياة. ولذا فإنه من الممكن تحقيق هذه الأهداف بشكل أكثر فاعلية عند استعمال مرصد مثل تلسكوب ويب يعمل بالأشعة تحت الحمراء مقارنةً بالمراصد التي تعمل بالضوء العادي والأشعة فوق البنفسجية مثل تلسكوب هابل..
يعتبر تلسكوب ويب الجيل اللاحق لتلسكوبي هابل وسبيتزر، وهو حتماً سيتفوق عليهما بشكل كبير من حيث القدرة على رصد عدد أكبر من النجوم والمجرات القديمة. وهذا التفوق يأتي من تقنية استعمال الأشعة تحت الحمراء التي لها القدرة على اختراق حُجب الغبار والغازات التي تملأ الغلاف الجوي للأرض، والتي يستطيع التلسكوب كذلك عن طريقها رؤية الأجرام الكونية الخافتة اللون والباردة.
كلما كان الجرم الكوني أكثر بعدا عن كوكب الأرض، كلما بدا أصغر سنا، وذلك لأن الضوء يأخذ وقتاً أطول للوصول إلى المراقبين على الأرض. ولأن الكون أخذ في التوسع، يميل الضوء القادم من تلك النجوم والأجرام الكونية إلى منطقة امتصاص الأشعة تحت الحمراء فبالتالي يسهل اكتشافها ورصدها بواسطة تلسكوب ويب. والذي من المتوقع أن يكون لديه القدرة على رصد الضوء القادم من مسافات موغلة في البعد، لدرجة الرجوع بالزمن إلى 100 مليون سنة فقط بعد الانفجار العظيم لرؤية المجرات الأولى وهي تتشكل. فالأشعة تحت الحمراء تستطيع أن تمر بحرية كبيرة خلال مناطق الغبار الكوني، على عكس الطيف المرئي الذي يتبعثر تماماً ويختفي عند مروره بهذه المناطق. كذلك فإن الأشعة تحت الحمراء تستطيع اختراق الغيوم الجزيئية، وهي المناطق التي تولد فيها النجوم ومناطق الحطام والغبار الكوكبي الذي تنشأ منه الكواكب، وتستطيع الوصول إلى قلب المجرات.
ومع ترقب العالم لهذا الحدث الكبير، فإن عامل الخطورة كبير جداً، وعنصر المغامرة القاتلة موجود وبقوة. فهل سينجح صاروخ آريان بالانطلاق إلى غلاف الفضاء الخارجي للأرض؟ وهل ستنجح المركبة الفضائية بالوصول إلى نقطة التعادل الجذبي L2؟ وهل سيستطيع تلسكوب ويب الفضائي من نشر الدرع الشمسي الواقي من جانب، والمرآة العملاقة من جانب آخر؟ وفي ظل عدم القدرة للوصول إلى التلسكوب متى ما وصل إلى مستقره النهائي، هل سوف نصل يوماً من الأيام إلى تكنولوجيا تتيح لرواد الفضاء زيارة التلسكوب لإصلاحه إذا استدعى الأمر؟ كل هذه الأمور تدور حالياً في ذهن القائمين على البرنامج في ناسا، وفي ذهننا نحن.