شتاء من السخط
في عام 2016، كما هي الحال في السنوات السابقة، رصد جهاز الرصد في السفارة الأمريكية في بكين ارتفاعا شديدا في الجسيمات العالقة 2.5 PM في أواخر هذا العام.
في أكتوبر 2010، بينما الضباب الدخاني Smog الكثيف معلّق فوق بكين، ذكر بث حساب سفارة الولايات المتحدة على تويتر أنّ جهاز رصد التلوث الموجود على السطح قد اكتشف مستويات “سيئة بجنون” crazy bad من الجسيمات الدقيقة الخطرة. وقد ارتفع ما يسمى الجسيمات العالقة 2.5 PM 5 إلى ما يقرب من 550 ميكروغرام لكل متر مكعب، وهو المستوى الذي أطلق عليه المبرمجون هذه التسمية الساخرة لاعتقادهم باستحالة الوصول إليه مطلقًا. واللغة غير الدبلوماسية هذه أزعجت المسؤولين في بكين. مما حدا بموظفي السفارة تقديم اعتذارهم وحذف التغريدة، واستبدال التسمية بـ “أعلى من المؤشر” beyond index.
ومع ذلك، فقد أثار هذا الحادث وغيره الشكاوى العامة التي أدت في نهاية المطاف إلى بذل المزيد من الجهود لمكافحة وكبح التلوث. وحتى الآن، فقد كانت أجهزة الرصد على السطح مثل تلك التي لفتت الانتباه إلى تلوث بكين نبعت من 26 جهة دبلوماسية في 16 دولة. فهدفهم المباشر هو حماية صحة الدبلوماسيين الأمريكيين. لكنهم يثيرون المخاوف بشأن تلوث الهواء من سراييفو Sarajevo إلى نيودلهي New Delhi وتقديم البيانات إلى الجهود البحثية. “المراقب الجوي الصغير القدير”، كما يسميه الفيزيائي والدبلوماسي الأمريكي السابق ديفيد روبرتس David Roberts، أصبح حراسة عالمية.
وأول جهاز رصد في بكين، رُكّب قبل عقد من الزمن، يهدف إلى توفير تحذيرات من الأيام السيئة لتلوث الهواء للمواطنين الأمريكيين. وترتبط الجسيمات الدقيقة التي تقيسها، ومعظمها بقايا حرق الفحم وانبعاثات المركبات، بأمراض الجهاز التنفسي والقلب. وقد جعلت تطبيقات الطرف الثالث القراءات متاحة على نطاق واسع للصينيين الذين يريدون مراقبة مستويات PM2.5 – إذ إنهم يحصلون على القليل من المعلومات من حكومتهم.
كانت الصين تكافح لكبح تلوث الهواء منذ أواخر التسعينات، بعد أن فازت بكين بمناقصة في الألعاب الأولمبية لعام 2008. لكن المسؤولين كانوا محرجين من التقدم البطيء الذي بينته قراءات أجهزة الرصد، خاصة عندما قوضت بيانات الولايات المتحدة تصريحات حكومة بكين الوردية لأيام “السماء الزرقاء”، عندما زعمت انخفاض التلوث. وطالب المسؤولون السفارة بالتوقف عن نشر البيانات. ويتذكر غاري لوك Gary Locke، الذي عمل سفيراً للصين في الفترة من 2011 إلى 2014: “قلنا إننا لا نستطيع ذلك، لأنّ البيانات تتعلق بصحة مواطني الولايات المتحدة.”
كما طعن مسؤولو بكين في فائدة البيانات الأمريكية، مشيرين، على سبيل المثال، إلى أنّ جهاز رصد السفارة كان في موقع واحد فقط ومن ثم يمكن أن يعطي صورة غير كاملة. وردا على ذلك، تعاونت السفارة مع علماء وكالة حماية البيئة الأمريكية U.S. Environmental Protection Agency (اختصارا: الوكالة EPA) للتحقق من صحة النتائج. وتقول إيريكا توماس Erica Thomas، المسؤولة في وزارة الخارجية التي قادت المراقبة الجوية بالسفارة في بكين في الفترة من 2010 إلى 2014: “بما أننا تعرضنا للانتقاد، فقد أردنا التأكد من أننا كنا نقوم بعملنا بشكل صحيح.”
وصلت التوترات إلى ذروتها في أواخر عام 2011، عندما ساء الضباب الدخاني في بكين لدرجة إلغاء مطارها مئات الرحلات الجوية. واستناداً إلى مراقبة الجسيمات الأكبر، أصرت السلطات البلدية على أنّ الهواء كان “ملوثًا قليلاً” – مما أثار سخرية المدونين المستشهدين بالبيانات الأمريكية. ويقول أنجل هسو Angel Hsu من جامعة ييل Yale University، وهو خبير في التلوث في الصين China: “كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.” وبعد أيام اقترحت الصين معايير جديدة لجودة الهواء شملت الجسيمات PM2.5 لأول مرة. وهي تدير الآن أكبر نظام مراقبةالجسيمات PM2.5 في العالم.
ووزارة الخارجية، أيضا، وسعت جهود رصد الجسيمات PM2.5، لأول مرة داخل الصين ثم في جميع أنحاء العالم، وتُستخدم أجهزة الاستشعار للبحوث كذلك. وبالاعتماد على بيانات PM2.5 من خمس جهات دبلوماسية في الصين، كشفت دراسة أجريت عام 2015 في بيئة الغلاف الجوي Atmospheric Environment عن تغيرات لم تكن معروفة من قبل في مستويات الجسيمات PM2.5؛ على سبيل المثال ، في بكين تميل الجسيمات إلى الذروة حول منتصف الليل والحضيض في الربيع، بسبب أنماط الطقس. والسفارة الأمريكية في سراييفو تختبر الآن أجهزة رصد أرخص بهدف نشرها “في بيئات التلوث المختلفة”، كما تقول كارولين دأنجيلو Caroline D’Angelo، التي تدير شبكة مراقبة وزارة الخارجية في واشنطن العاصمة.
وتتغلل النتائج في مجالات أخرى. فخلال مهمة عمل في القنصلية الأمريكية U.S. Consulate بساو باولو في البرازيل Brazil، يقدّم تومي فلين Tommy Flynn، مدير البرنامج مع وزارة الصحة في ولاية كارولينا الجنوبية والسيطرة البيئية South Carolina Department of Health and Environmental Control، المساعدة الفنية على أجهزة الرصد والمراقبة. ولكنه تعلم أيضًا من ممارسة القنصلية توزيع أقنعة على المجموعات عالية المخاطر أثناء الأحداث شديدة التلوث. هذا درس، كما يقول، يمكن تطبيقه في كارولينا الجنوبية أثناء حرائق الغابات. ويستخدم علماء من ناسا NASA والبنك الدولي World Bank بيانات الجسيمات PM2.5 الخاصة بالسفارة، والمنشورة الآن على موقع مراقبة آير ناو AirNOW التابع لوكالة حماية البيئة، للتحقق من قياسات الأقمار الاصطناعية للتلوث، وملء الثغرات في الخريطة العالمية لقياسات نوعية الهواء الموثوق به.
تواصل أجهزة الرصد الأمريكية العمل كقوة دبلوماسية أيضًا. ففي الهند، حيث يرتفع تلوث الهواء في نيودلهي ومدن أخرى بشكل كبير، “تدفقت البيانات من السفارة إلى وسائل الإعلام ثم خلقت احتجاجا،” كما تقول كريستا هاسينكوبف Christa Hasenkopf، وهي مسؤولة سابقة في وزارة الخارجية تدير الآن منظمة غير ربحية لتلوث الهواء أوبن آير OpenAQ في واشنطن العاصمة. وكما يقول لوك، فإن برنامج المراقبة “أصبح قائما بذاته”.