القانون الألماني يسمح باستخدام الحمض النووي لِتوَقُّع ملامح المشتبه بهم
بافاريا تفتح الباب للتنميط الظاهري باستخدام الحمض النووي، مثيرة بذلك الجدل حول أخلاقيات التقنيات ودِقَّتها
لدى الشرطة في ولاية بافاريا الألمانية الآن سلطة تحليل عينات الحمض النووي الجنائي Forensic DNA للتنبؤ بالأصل الجغرافي والخصائص الجسدية – مثل لون الشعر ولون العين ولون البشرة والعمر – لمشتبه به مجهول قد يشكل خطرًا مُحدقا. فالقانون المثير للجدل الذي مُرّرَ في الخامس عشر من مايو على المجلس المحلي Landtag، أي برلمان الولاية في ميونيخ ، هو القانون الأول في ألمانيا الذي يسمح بما أُطلق عليه اسم التنميط الظاهري باستخدام الحمض النووي DNA Phenotyping مما أثار جدلا متجددا هنا وفي دول أخرى حول مزايا – ومخاطر – هذه الأساليب.
ولا تسمح السلطات الفيدرالية الألمانية والشرطة في ولايات البلد الخمس عشرة الأخرى إلاّ بأخذ بصمة الحمض النووي، فقط للبحث عن تطابق دقيق بين الحمض النووي لمسرح الجريمة والعينات في قاعدة بيانات للمجرمين المعروفين أو من المشتبه فيهم. وتنميط الحمض النووي والتنبؤ بالأصل مستخدمٌ في كل من هولندا وفرنسا والمملكة المتحدة وكندا والعديد من الولايات الأمريكية. ولدى بعض هذه السلطات القانونية لهذه البلدان قوانين واضحة تسمح بتنظيم هذه الممارسة. وفي حالات أخرى، فقد بدأت الشرطة في استخدام النمط الظاهري للحمض النووي دون تنظيم واضح. وقد غذّت قصص النجاح التي حظيت بتغطية إعلامية جيدة – والتقدم في العلوم – الاهتمام بهذه الطريقة. ولا تسمح سويسرا ، مثل ألمانيا، باستخدام الحمض النووي بهذه الطريقة، لكن المشرّعين هناك يعيدون النظر في إبطال الحظر علي هذا الاستخدام.
ويحذّر بعض النقاد من أنه على الرغم من كون العلم الأساسي الذي يربط الواسمات الجينية Genetic Markers بسمات جسدية معينة راسخا، إلا أنه لا يزال من السهل إساءة فهم النمط الظاهري للحمض النووي والتنبؤ بالأصل من قِبل الشرطة والجمهور. إذ تقول فيرونيكا ليبهاردت Veronika Lipphardt، من جامعة ألبرت لودفيغ في فرايبورغ Albert Ludwigs University of Freiburg بألمانيا Germany، والتي تدرس تاريخ واستخدام علم الوراثة السكانية عن المؤيدين: “إنهم يبالغون في الحقائق الحسابية المؤكدة.” وتُضيف: “هذا يخلق انطباعا بأن الأصل الذي ينتمي إليه أو المكان الذي يأتي منه شخص ما هو أمر قاطع، وهذا غير صحيح.” حتى أنّ إحدى الشركات الأمريكية تستخدم النمط الظاهري للحمض النووي لإنشاء رسومات لوجوه المشتبه بهم، وهو ما يتجاوز ما يعتبره العديد من العلماء الآن معرفة موثوق بها.
ويقول الباحث القانوني كارستن مومسن Carsten Momsen من جامعة برلين الحرة Free University of Berlin، الذي يقلق من أنّ التقنية قد تؤدي إلى استهداف مجموعات الأقليات: “ستحتاج إلى تدريب كثير من قوات الشرطة على استخدام [النمط الظاهري للـحمض النووي] بشكل مسؤول.” ولا يشمل قانون بافاريا الجديد التحقيقات في الجرائم التي ارتكبت بالفعل؛ فهذه لا تزال تحت حكم القانون الاتحادي. وبدلاً من ذلك، فإنها تسمح باستخدام تقنية التنميط الظاهري للحمض النووي في حالات “الخطر الوشيك”، أي عندما تشك الشرطة في أنّ شخصا ما يخطط لجريمة خطيرة. وعلى سبيل المثال، يمكن للسلطات تحليل الحمض النووي الموجود على الأسلحة المُخبَّأة أو مواد صنع القنابل. ويقول مومسن إنّ حالات عدم اليقين في التقنية يمكن أن تنطوي بوجه خاص على إشكالية في ظروف التوتر العالي.
يمكن أن تتنبأ آثار الحمض النووي DNA المأخوذة من عناصر في مسرح الجريمة بشعر وعيون ولون بشرة الشخص، وأكثر من ذلك ، كما يقول البعض.
والاختصاصي بعلم الوراثة Geneticist مانفريد كايزر Manfred Kayser من المركز الطبي لجامعة إيرازموس Erasmus University Medical Center في روتردام بهولندا ، الذي طور العديد من تقنيات التنميط الظاهري للحمض النووي المسموح بها بموجب القانون البافاري الجديد (Science, 18 February 2011, p. 838) ، يعترف بأنه: “يجب أن ينطوي الأمر على تعليم وتدريب. وعليك أن تكون قادراً على العمل مع الاحتمالات.” ومع ذلك، يلاحظ كايزر أنّه يجب على الشرطة أن تقرر دائماً مدى موثوقية أنواع الأدلة المختلفة. إذ يستطيع الباحثون على الأقل تحديد مقدار عدم اليقين في النتائج من تحليلات الحمض النووي، كما يقول. “ومع شهادة شهود العيان ليس لديك فكرة عما إذا كان ذلك صحيحًا أم لا.”
وتحاول هذه التقنيات انتزاع المعلومات من آثار الدم أو الجلد أو السائل المنوي أو غيرها من الخلايا التي تحتوي على حمض نووي وُجدت في مسرح الجريمة. إذ يقرؤون قواعد الحمض النووي الفردية لأحادي النوكليوتيدات متعددة الأشكال Single-Nucleotide Polymorphisms (اختصارا: القواعد SNPs)، التي يمكن أن تختلف بين الناس وتُؤثّر بشكل مباشر أو تربط الاختلافات في بعض السمات الجسدية. إذ يمكن للعلماء إنشاء نماذج حاسوبية من قواعد بيانات القواعدSNP وملامح الأشخاص للتنبؤ بلون شعر وعيون وبشرة الشخص المحتمل من الحمض النووي. ويمكنهم أيضًا استخدام التغيرات الكيميائية في الحمض النووي المرتبطة بالعمر لتقدير عمر الشخص ضمن 4 سنوات تقريبًا.
“ستحتاج قوات الشرطة إلى الكثير من التدريب على الاستخدام المسؤول [للتنميط الظاهري للحمض النووي DNA].”
كارستن مومسن Carsten Momsen،
جامعة برلين الحرة Free University of Berlin.
وتعتمد دقة النتائج على عدة عوامل، بما في ذلك الجودة للعينة المختبرة والكميتها، وما إذا كانت المتغيرات الجينية الموجودة في العينة ممثلة تمثيلاً جيداً في قواعد بيانات النموذج. وقد أصدر كايزر وزملاؤه في روتردام وجامعة إنديانا Indiana University – جامعة بوردو إنديانابوليس Purdue University Indianapolis مؤخراً أحدث تكراراتهم لأداة تسمى HIrisPlex-S. إذ يقوم الاختبار بإرجاع الاحتمالات لثلاثة ألوان (أزرق، بني، أو أخضر / بندقي) ؛ شعر أحمر أو أشقر أو بني أو أسود؛ وخمس درجات للون البشرة تتراوح من “فاتح جدًا” إلى “أسود داكن”.
وأفادوا في شهر أبريل [2018] في مجلة الطب الجنائي الدولية Forensic Science International: أنّ الأمور الوراثية الذي يتنبأ فيها الاختبار بالخصائص الثلاث بشكل صحيح لـ 17 عينة من أصل 19 عينة قد حاكت عينات من مسرح الجريمة. (لم تكن عيّنتان ذات جودة عالية من الحمض النووي تسمح بإجراء تنبؤ). وقد تعرّف الاختبار أيضًا بشكل صحيح على خمس عينات من أصل ست أخرى كاحتوائها على خلايا من شخصين أو أكثر، على الرغم من عدم تمكنها من تحديد ملامحهما. وقد استخدمت الشرطة في هولندا وفرنسا اختبار لون العينين والشعر في العديد من الحالات. وكما استخدمها باحثو الحمض النووي القديم للتنبؤ بخصائص الأشخاص المعروفين من بقايا الآثار.
إنّ الذهاب إلى أبعد من لون البشرة والشعر ولون العين للتنبؤ بأصول جغرافية هو أصعب. إذ يمكن أن تقارن برامج الحاسوب أنماط القواعدSNP للمشتبه به بتلك الموجودة في قواعد البيانات من مجموعات سكانية متعددة. ولكن قد يكون جزءا من التعداد السكاني مفقود من قواعد البيانات، وقد لا يمكن تمييز بعضها الآخر بسبب الاختلاط. إنّ معرفة ما إذا كان أسلاف شخص ما هم من شرق آسيا أو إفريقيا أو أمريكيين أصليين أو غرب أوروبيين أو من أوقيانوسيا، هو واضح إلى حد ما. ولكن التنبؤ بما إذا كان لدى أحدهم أصول من أوروبا الشمالية مقابل الشرق أوسطية مستحيل في بعض الأحيان.
وما زالت شركة بارابون نانو لابز Parabon NanoLabs في رستون بفرجينيا ، الأكثر إثارة للجدل، وهي شركة تُولّد ملامح شكل الوجه إضافة إلى لون الجلد والعين ولون الشعر والأصل الجغرافي. إذ تقول إيلين غريتاك Ellen Greytak، مديرة المعلوماتية الحيوية Bioinformatics، إنّ الشركة تبدأ بوجه قياسي مبني على السلالة المشتقة من الحمض النووي والجنس. والمزيد من التحاليل للواسمات الجينية، كما تقول، تقود إلى وجهٍ: “يركز على السمات التي نتوقع أنها ستكون مميزة” للشخص.
ويقول كايزر في هذا تمادٍ إلى حد بعيد جدا، ويضيف: “فالعلم لم يصل إلى ذلك بعد على الإطلاق.” كما أنّ الشركة لم تشرِح أساليبها أو اختبارات التحقق المنهجية التي تُجريها. وتقول غريتاك إنّ الشركة لا تدّعي إنتاج صورة دقيقة. ” لن تُشير إلى فرد. بل ستستبعد الأفراد … فالغالبية العظمى من الناس لن ينطبق عليها الوصف.” ويصف الموقع الإلكتروني للشركة عدة حالات ساعد فيها التنميط الظاهري السلطات على العثور على الجاني.
ومن المفارقات أنّه لم تكن للتنميط الوراثي باستخدام الحمض النووي فائدة تُذكر في القضية التي ساعدت على حث القوانين البافارية الجديدة. ففي أواخر عام 2016 تعرّضت إحدى طالبات الطب للاغتصاب والقتل في فرايبورغ. وقد أُدين أحد طالبي اللجوء، وهو من أفغانستان في الأصل، بالجريمة. ولكن بعض السلطات اشتكت من أنه كان من الممكن أن يضيقوا نطاق البحث بسرعة أكبر لو أنهم تمكنوا من استخدام أثر الحمض النووي للتنبؤ بما يبدو عليه الجاني ومن أين ينحدر.
ومع ذلك، فإنّ الدليل الحاسم في قضية القتل في فرايبورغ كان غير وراثي: خصلة من الشعر بنمط صبغ غير عادي – داكن على الجذر، أشقر في النهايات. فقد وجدت الشرطة المشتبه به الذي كان يحمل نمط الصبغة نفسها، في فيديو للمراقبة من محطة ترام قرب مسرح الجريمة. ولكان اختبار الحمض النووي يشير فقط إلى الشعر الداكن، وهو ليس كافيًا لتحديد المشتبه به في لقطات الفيديو. ويوافق كايزر على أنّ القضية لم تكن مناسبة تمامًا للدفاع عن قانون يسمح باستخدام التنميط الظاهري للحمض النووي، إذ يقول: “كانت القضية غير مناسبة للقيام بمثل هذا الادعاء.”