المراوغة الكبرى: مرحبًا بكم في نظرية ليس كل شيء تمامًا
لقد فشل الفيزيائيون من آينشتاين، وحتى هوكينغ، في توحيد نظريتي الجاذبية والكم. حسنًا، تتبلور الآن ملامح لإجابةٍ أفضل، لكنها ليست جميلة.
الجاذبية ليست بالقوة الاعتيادية كباقي القوى الموجودة في كوننا، فهي تتميز بطابعها الفريد الذي يجعلها غير خاضعة لجميع النظريات الفيزيائية. فقد شكلت الجاذبية معضلة للعلماء نظرًا لأنها غير متفقة مع الفيزياء الحديثة، فهي ليست متغيرة أو قابلة للتغيير.
الجاذبية غير متعاونة. إنها الشاذ عن المجموعة، الوتد المربع في حفرة دائرية. إنها مخربة الأفراح، ومُمِّلة لم نتمكن من إصلاحها وعلى ما يبدو غير قابلة للإصلاح.
ومن وجهة نظر العديد من الفيزيائيين الأساسيين، فإن جريمة الجاذبية تكمن في رفضها الخضوع لنظرية الكمِّ التي تدّعي أنها النظرية الصحيحة. وفهمنا لكل ظاهرةٍ تحت الشمس، بما في ذلك احتراق الشمس نفسها، موثقٌ باستخدام نماذج مصحوبة بجسيماتٍ كمِّيِّة في جوهرها، لكن الجاذبية كانت الرافض الأبدي لذلك.
لقد رسمت نظرية آينشتاين في النسبية العامة صورتنا الحالية عن الجاذبية. وكان آينشتاين أحد كثيرين حاولوا يائسين إيجاد فهمٍ وسيط بين النظريتين، لكن الجاذبية قاومت أي محاولة لإلباسها سترة كمِّيِّة.
والآن، تتحمس مجموعة من الفيزيائيين لمقاربة لطيفة: لتكن الجاذبية هي الجاذبية، وعوضًا عن ذلك، لنتحرى الكيفية التي يمكن بها للنظرية الكمِّيِّة تغيير وسائلها بحيث تتسع لها، فباعتقادهم ربما ستتحد حينها النظرية الكمِّيِّة مع الجاذبية، حتى وإن لم يكن على نحوٍ كامل، فعلى الأقل سيغدو بينهما تعايشٌ ودي. وبعد القليل من النجاحات النظرية بالفعل، حان الآن وضع الفكرة موضع اختبار.
أما عالم الكونيات جون ويلر John Wheeler فقد خرج بما يُحتمل أنه أفضل طريقة لتمثيل طريقة عمل النسبية العامة، فقد كتب: يملي الزمكان على المادة كيفية حركتها، وتملي عليه المادة بدورها كيفية انحنائه. فيَحني تكتلٌ كبيرٌ من المادة (كالأرض مثلًا) الزمكان حوله. وتتحرك مواد أخرى (كتفاحةٍ تسقط، على سبيل المثال) على طول المنحنيات المتشكلة وبهذه الطريقة تشعر بالجاذبية.
وتنتقل قوى الطبيعة الثلاث الأخرى وهي: القوى الكهرومغناطيسية والقوى النووية القوية والضعيفة، بطرقٍ مختلفة، وذلك عن طريق تبادل الجسيمات الكمِّيِّة. وفي المجالات التي تحكم فيها الفيزياء الكلاسيكية المكان، تبلي النسبية العامة بلاءً حسنًا، حيث الكتل الكبيرة والمسافات الطويلة. إنها تتنبأ بتأثيرات مفاجئة أثبتت التجربة صحتها، كحني الضوء القادم من النجوم البعيدة لدى عبوره بجوار الشمس، وذلك بسبب تمزيقه لنسيج الزمكان.
وتظهر المشكلة حين تصبح المادة الممزِّقة لنسيج الزمكان مؤلفةً من جسيمات كمِّيِّة. فالنظرية الكمِّيِّة نظريةٌ احتمالية، فهي لا تخبر عن حال الأجسام تمامًا في هذه اللحظة، إنها تنقل احتمال ما تبدو عليه فقط حين إجراء القياسات. ويطلق ذلك العنان لكل ما من شأنه أن يبعث الحيرة في عقولنا، كقطة شرودنيغر، فهي ميتة وعلى قيد الحياة حتى اللحظة التي تُلقي فيها نظرة لإجراء القياس.
وقد يكون ذلك مشوِّشًا، لكن صحة هذه الضبابية ثبتت تجريبيا بدقةٍ مدهشة. ونتيجة لذلك، لا يبدو أن للجسيمات الكمِّيِّة مواضع محددة قبل قياسها. وإن لم تكن ذات مواضع محددة، فلا يمكنك التنبؤ بالطريقة التي ستحني فيها هذه الجسيمات الزمكان. لذا، عند الاستعانة بالنظريات الحالية كتلك التي انطلقنا منها، فلا يمكننا تشكيل نموذج ناجع من الجاذبية الكمِّيِّة. ويعني ذلك أنه في الحالات التي تهيمن فيها تأثيرات الجاذبية (الثقالية) والكمِّيِّة، كالانفجار الكبير أو الثقوب السوداء، ستكون الأجوبة التي نحصل عليها مراوغة.
ويقول دانييل سودارسكي Daniel Sudarsky من الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك: “إنه حاجز في الطريق ولا يبدو أن هنالك سبيلا واضحا، وهذا الأمر يقلق الكثير من الفيزيائيين، إذ يتوقع المرء نوعاً ما من أنواع الوصف الموحد للطبيعة”، وتهدف جميع البرامج البحثية في مجالات كنظرية الأوتار String theory والجاذبية الكمِّيِّة الحلقية Loop quantum gravity إلى إيجاد طريق عبر هذا الحاجز، لكنهم لم يصيبوا سوى نجاح قليل حتى الآن.
لقد كان العمل جاريا على هذه المسألة لبعض الوقت. وفي الحقيقة، وبالعودة إلى ستينات القرن الماضي، كان الفيزيائيون على مرمى حجر من إيجاد حل يجمع بين النسبية العامة وميكانيكا الكم. إنها تدعي معادلة آينشتاين شبه الكلاسيكية.
تتألف نظرية آينشتاين الأصلية من سلسلة من المعادلات التي يمثل طرفها الأيسر درجة انحناء الزمكان، أما طرفها الأيمن، فيتضمن الكيفية التي يتغير بها توزع المادة والطاقة باستمرار مع الزمن مشكلا بذلك الانحناء. يبدو هذا التوزيع في المعادلات على أنه مصطلح رياضياتي كلاسيكي محكم يعرف باسم تنسور الطاقة-كمية الحركة Energy-momentum tensor . وفي معادلة آينشتاين شبه الكلاسيكية، يستبدَل بقيمة توقع كمِّيِّة تمثل متوسط توزع المادة المتوقع الحصول عليه من العديد من القياسات. إنه المكافئ لهز الكتفين استهجانًا لدى القول: “إننا لا نعرف مكان المادة تمامًا، لكن هذا أفضل تخميناتنا.”
تسمح هذه الخدعة للمادة بالبقاء في حالةٍ كمِّيِّة ملتوية في حين أن تأثيراتها الثقالية الكلاسيكية قابلة للتنبؤ، وأثبتت فعاليتها الكبيرة في العديد من معادلات الفيزياء الفلكية. فقد استخدم ستيفن هوكينغ Stephen Hawking هذه الطريقة في سبعينات القرن الماضي، كاستخدامه لها في عمله الذي يظهر إصدار الثقوب السوداء لإشعاع هوكينغ Hawking radiation. ويقول لاجوس ديوسي Lajos Diósi من مركز أبحاث فيغنر للفيزياء Wigner Research Centre for Physics في بودابست بهنغاريا: “طالما أننا لا نمتلك جاذبية مُكمَّمة بالكامل، وهو ربما لا نحصل عليه، ستكون تلك أداة فعالة جدًا.”
حسنٌ، فعالة لكنها ناقصة. فمعادلة آينشتاين شبه الكلاسيكية لا يمكنها التأقلم مع كل اللحظات المهمة لدى قياس مواضع المادة الكمِّيِّة، وستجعلها عرضة للتداعي في نقطة محلية في المكان والزمن. وتسبب هذه القفزة المفاجئة انفجار المعادلة، في ضوء “الهراء” الرياضياتي المتمثل بتقديم كل من طرفيها لإجابة مختلفة.
وفي الثمانينات من القرن الماضي، ألمّت بلاجوس ديوسي وروجر بينروز Roger Penrose من جامعة أكسفورد University of Oxford، كل على حدة، نقائص مشابهة، لدى محاولتهما التوليف بين ميكانيكا الكم والجاذبية النيوتونية. فقد حلت النسبية العامة محل صورة نيوتن الأبسط للجاذبية، لكنها لا تزال وصفًا جيدًا بالنسبة إلى الأجسام التي تتحرك بسرعةٍ أقل من سرعة الضوء بكثير.
إلا أن جميع هذه النظريات شبه الكلاسيكية انتهت مصحوبة بتأثيرات محبطة. فقد تنبأت أنه بالإمكان أن ينتهي المطاف بشيء له صورة كلاسيكية موثوق بها كالقمر، في حالة تراكب كمِّيِّ “بنصف كتلته في مكان والنصف الآخر في مكانٍ آخر”، وذلك يمثل حقاً إصداراً أحمق لقطة شرودنيغر. فمن شأن مثل هذه التراكبات أن تفسد الزمكان نفسه، ما يخلق طبقة أخرى من التشويش التي قد تمكن الإشارات “نظريا” بالانتقال بسرعة تفوق سرعة الضوء. وليس هذا وحسب، فقد تمخض عن هذه المعادلة انهيار الطبيعة الاحتمالية التنبؤية للعالَم الكمِّيِّ، الأمر الذي يخالف عقودًا من التجارب.
إذن، هذه النظريات الهجينة غير محتملة عملياً. وقد كان بينروز من أوائل الذين أشاروا إلى أن اللوم في هذا المأزق لا يكمن في الجاذبية، وإنما في النظرية الكمِّيِّة. وبالتحديد، نتج ذلك من لحظة الانهيار. يقول التفسير القياسي لذلك إن عملية القياس ذاتها سببت تحول العالم الكمِّيِّ إلى يقين كلاسيكي. لكن ذلك يخلف العديد من التساؤلات دون إجابة من قبيل ما الحجم اللازم لجهاز القياس الذي من شأنه أن يسبب انهيار الحالة الكمِّيِّة، وفيما إذا كانت العملية تتطلب راصدًا بشريّا أو أشكالا أخرى من الإدراك.
لا نعرف الإجابة عن مثل هذه الأسئلة فهي بعيدة عن متناولنا بشكلٍ كبير، يليها بدرجة أقل من الحدة الانفجار الكبير. إذ يُعتقد أن انهيار الحالات الكمِّيِّة في بداية الكون أدى دورًا محوريًا في تطوره اللاحق، ليحدد في نهاية المطاف الكيفية التي تشكلت بها النجوم والكواكب والمجرات “وحقيقة كل شيء.” لكن كيف انهارت هذه الحالات دون وجود أي شيء حولها لقياسها؟ يقول سودارسكي: “في ميكانيكا الكم الاعتيادية، تتضمن عملية القياس جهازًا خارجيًا، فما الذي يؤدي هذا الدور في علم الكونيات، فإذا كنت لا أريد ذكر أي شيء آخر خارجي بالنسبة إلى الكون، وهذا ما لا أريده، فلا مكان هنا لأضع أداة القياس هذه.”
في السنوات الأخيرة بدأ سودارسكي وغيره بالعمل على مكافِئات رياضياتية بديلة للنظرية الكمِّيِّة القياسية تُعرف بنموذج التداعي التلقائي Spontaneous collapse model (انظر: New Scientist, 16 July 2016, p 30). وهو يؤكد على أن الحالات الكمِّيِّة تتداعي بشكل عشوائي دون الحاجة إلى قياسات جلية. ومتوسط الزمن الذي يستغرقه جسيم كمِّيِّ وحيد في مجموعة حتى يتداعى طويلٌ جدًا، ويقدر بعمر الكون، ولكن إذا انهار أحدها ستنهار جميعها. وتزداد هذه الاحتمالية بازدياد حجم جسم ما وعدد الجسيمات التي يحتوي عليها وتصل فعليا إلى حالة اليقين، بحيث تتداعى الحالة الكمِّيِّة للجسم بأكمله. وهذا ما يفسر بقاء الأنظمة الكمِّيِّة المجهرية كمِّيِّة، في حين أن للأجسام العيانية أشكالا محددة تقليدية.
سد الفجوة Bridging the divide
صِيغت أولى نظريات الانهيار، والمسماة بنظرية غيراردي Ghirardi، ريميني Rimini ، فيبر Weber (اختصاراً : النظرية GRW) عام 1985. ولكنها لم تنتشر، ويعود ذلك جزئيًا إلى وجهات نظرها الراسخة حيال صحة ميكانيكا الكم القياسية، إضافةً إلى عدم تفسير المعادلات سبب حدوث الانهيار التلقائي. ويقول أنطوان تيلوي Antoine Tilloy من معهد ماكس بلانك للبصريات الكمِّيِّة Max Planck Institute of Quantum Optics في غارشينغ بألمانيا: “إنها اعتباطية، وأنا أتفهم عندما يقول الناس أنها تعديلات قبيحة.”
بالتأكيد، لم يحدث قطُّ لأحدٍ وأن ساعدت نظريات التداعي بسد الفجوة بين النظرية الكمِّيِّة والجاذبية. ويقول مانيلي دراخشاني Maaneli Derakhshani من جامعة أُتريخت Utrecht University في هولندا: “لو كان الناس أكثر انفتاحًا تجاه بدائل النظرية الكمِّيِّة القياسية، لكانوا جربوا ذلك منذ 35 عامًا.”
وفي عام 2013 كانت أولى محاولات دراخشاني لدمج نظرية الانهيار GRW في معادلات تهدف إلى الجمع بين النظرية الكمِّيِّة والجاذبية النيوتونية. وقد وجد تحسنًا ملحوظًا. فقد بقي العالم الكمِّيِّ ضبابيًا وكمِّيًِّا كما تستدعي التجارب تمامًا، وابتعدت حالة القمر الغريبة المشابهة لحالات قطة شرودنيغر كما اقتضى الحس السليم.
إلّا أنه وبموجب النظرية ما زال بإمكان الإشارات أن تنتقل بسرعة أكبر من سرعة الضوء، وهذا ما يرفضه أولئك الذين يعتقدون بالأفكار القياسية للسبب والتأثير. وقد حلَّ تيلوي هذه المعضلة في السنوات القليلة الماضية، فقد عمل أولا مع ديوسي، ثم عمل وحده، وقد دمج نموذج انهيار مختلف قليلا بنظرية الجاذبية النيوتونية شبه الكلاسيكية. واستدعى هذا النموذج أحداث انهيار فردية “ومضات” Flashes، ونصت على حدوثها بشكلٍ عشوائي في نقطة محددة من الزمكان، لتسبب حلول المادة في نهاية المطاف في مواضع محدد، ما أفسح المجال لظهور الجاذبية. ويبقى الزمكان بحد ذاته كلاسيكيًا ولا يمكنه دخول حالات تراكب كمِّيِّ أبدًا، مما يزيل التأثيرات التي تقود إلى سرعاتٍ أكبر من سرعة الضوء. وعلى حد قول تيلوي: “هذا ما ينقذنا.”
لكنه يحذر قائلًا: “ما زال الوقت مبكرًا، فهذا العمل ما هو إلا برهان على مفهوم يظهر أنه بإمكاننا صياغة نظريات شبه كلاسيكية في الجاذبية دون كل هذه المفارقات. وفي الأساس، كان هدفي الأساسي هو نسف الحجج المضادة.”
يعتقد سودارسكي أن عمل تيلوي وديوسي هو خطوة مهمة. لكنه يقول إن هناك الكثير مما ينبغي فعله، ليس أقلها هو تجاوز الجاذبية النيوتونية إلى الصورة الآينشتاينية، ويُضيف: “السؤال الآن هو كيف نجعل ذلك كله منسجما مع النسبية العامة.”
وهذا ما يحاول القيام به مع فريقه باستخدام تنويع Variant آخر من نموذج الانهيار الذاتي (التلقائي). وما تمكنوا من القيام به حتى الآن هو إظهار كيف يمكن للجاذبية شبه الكلاسيكية أن تصف المادة وتأثيراتها على الزمكان قبل الانهيار وبعده.كما أنهم يحروزن تقدمًّا في الرياضيات الخاصة بالنقطة الفعلية للانهيار.
وأحد أكثر الأسباب التي تجعل من هذا العمل ملحًّا هو القدرة المتزايدة للتجارب على تأكيد النتائج أو دحضها. وذلك بالنظر إلى نظريات الانهيار نفسها. فإذا كان الانهيار التلقائي قد حدث فعلا، يجب أن نكون قادرين على مشاهدته يحدث. وعلى سبيل المثال، فقد استُخدمت تجارب الشق المزدوج لاختبار الطبيعة الكمِّيِّة للمادة: فالأجسام الكمِّيِّة المنفردة تعبر من خلال الشقوق مكوِّنةً أنماطًا من التداخل التي تبين أنها في حالة تراكب كونها تشغل مكانين في الوقت ذاته. وبإمكاننا أن نشاهد أنه إن كانت الجزيئات أكبر من حجم محدد تتداعى تلقائيًا لتصبح جسمًا كلاسيكيًا من خلال الدفع بجزيئات أكبر عبر هذه الشقوق المزدوجة، ويمكن الاستمرار بالمراقبة إلى النقطة التي يتوقف عندها التداخل الكمِّيِّ.
يقول ديوسي: “حتى الخمس إلى العشر سنوات الماضية، كان من المستحيل تمامًا اقتراح أي اختبار تجريبي، والآن الوضع مختلف تمامًا.”
“إذا كانت الجاذبية من حيث الجوهر قوة كمِّيِّة، فينبغي أن تخلق تشابكاًَ”
إذن، هناك جانب في الأشياء خاص بالجاذبية. وإذا كانت الجاذبية قوة كمِّيِّة من حيث الجوهر، فعليها أن تقوم بشيءٍ يمكن للقوى الأخرى القيام به: خلق التشابك الكمِّيِّ. وهي الحالة التي تبقى فيها الجسيمات المتفاعلة عبر القوة الكمِّيِّة متشابكة إلى الأبد، بغض النظر عن المسافات التي ستفصل بينها فيما بعد.
وفي نوفمبر من عام 2017 اقترح سوغاتو بوز Sougato Bose وزملاؤه من جامعة لندن تجربةً لاختبار قوى الجاذبية المانحة للتشابك. وتتلخص الفكرة بالسماح لكتلتين كلا منهما لها حالات تراكب كمِّيِّ منفصلة بالسقوط سقوطًا حرًا. وقد صُممت التجربة بحيث يكون التفاعل الوحيد الممكن بين هاتين الكتلتين أثناء سقوطهما تفاعلًا جاذبيًّا. وفي نهاية التجربة، بإمكانك اختبار ما إذا كانت الحالات الكمِّيِّة للكتلتين متشابكتين مع بعضهما البعض. وإن كانت النتيجة إيجابًا، حينها يمكن القول إن الجاذبية قوة كمِّيِّة، ولا بد من وجود طريق يصفها بالنظرية الكمِّيِّة غير معروف حتى الآن، لكن تبقى الجاذبية شبه الكلاسيكية طرحًا قائمًا، ويصف تيلوي هذا الوضع بالمثير للغاية.
وعمل تيلوي وحده يقترح اختبارات تجريبية أخرى، وعادة تتناسب شدة الجاذبية النيوتونية عكسًا مع مربع البعد عن المصدر. وتتنبأ معادلات تيلوي بانهيار قانون القوة الأساسي هذا عند سلم قياس يصل إلى 10-10، وهو سلم قياس مُعادل لحجم الذرة تقريباً. ويقول تيلوي: “هذا الحجم ليس بالغ الصغر، لكنه هكذا بالنسبة إلى الجاذبية. فلا يزال سلوك الجاذبية عند سلالم قياس أقل من الميكرومتر غير معروف.” ومستقبلًا ينبغي أن تكون التجارب الأكثر حساسية قادرة على اكتشاف أي انحرافات.
ويعتقد كارلو روفيلي Carlo Rovelli من جامعة إكس مارسيليا في فرنسا، أن مثل هذه التجارب ستظهر لنا فقط أننا ما زلنا بحاجة إلى نظرية كمِّيِّة في الجاذبية. ووفقًا للنسبية العامة، لا تختلف ديناميكا الجاذبية عن تلك الموجودة في الحقول الأخرى، كالحقل الكهرومغناطيسي. ويقول روفيلي: “لا أرى سببًا يدعوها إلى سلوكٍ مغاير لأي من الكيانات الديناميكية الأخرى في الطبيعة، وأن تكون حقلًا كمِّيا. وأراهن بنسبة 99 في المئة مقابل 1 بأن النتيجة ستكون متسقة مع الجاذبية ذات الخصائص الكمِّيِّة.”
ويبدي سودارسكي ارتيابًا مماثلًا على الرغم من عمله هو نفسه على نظريات الجاذبية شبه الكلاسيكية. فهو يعتقد أن الجاذبية هي ميكانيكا كمِّيِّة في جوهرها الأساسي، وعندما تصبح جاذبية من طبقة واقعية كما هو واضح حتى الآن، فإننا سنحصل على زمكان آينشتاين الكلاسيكي.
ويعي جميع الباحثون أنهم يخطون على أرضية من عدم اليقين في بحثهم عن نظرية جاذبية شبه كلاسيكية، لكن عظمة الجائزة المنتَظرة عصية على التجاهل: جاذبية تعمل كما تنبأ آينشتاين، لكنها أيضًا في العالم الكمِّيِّ.
ويبدو الأمر كوضع وتد مربع في تجويفٍ دائري، ويختم ديوسي قائلا: “ربما لا يشبه ذلك الواقع في أي شيء، لكن علينا الاستكشاف.