كتُب توثّق سقوط وسائل التواصل الاجتماعي من قرية عالمية إلى شرير
هل يحتاج المجتمع إلى الحماية من فيسبووك Facebook؟ خمسة مفكرين يتخيلون كيفية إصلاح وسائل الإعلام الاجتماعية - وبأي ثمن
بالنسبة إلى وسائل التواصل الاجتماعي كانت السنتان الماضيتان أشبه بصداع شديد على وجه الخصوص. فلفترة طويلة كانت وسائل التواصل الاجتماعي تقيم أكثر الحفلات شعبية، ويُغدق عليها بالثناء على مساهماتها العديدة في المجتمع. لكن في أواخر عام 2016 انتهت الحفلة. فقد استيقظت وسائل الإعلام الاجتماعية لتترنح في شقة مبعثرة ببقايا الماضي المعجزة. ويتهم الضيوف مضيفهم بجرائم لا يتذكر هو ارتكابها، والأسوأ من ذلك، بانتهاك ثقتهم. بعد ذلك هددوا بعدم حضور أي حفلة أخرى في المستقبل إذا لم تتغير الأمور.
لقد ولَّت الأيام الخوالي السعيدة في أوائل عام 2010، عندما عُزي إلى فيسبوك وتويتر تحقيق بدء الربيع العربي. ويبدو أن المشكلات الجماعية التي تواجهها الصناعة -من التدخل الأجنبي في الانتخابات إلى فضائح الخصوصية- تتضخم بمرور الوقت، وصولا إلى النقطة التي يتورط فيها وادي السليكون في سقوط الديموقراطية نفسها.
سيفا فايدهيانثان Siva Vaidhyanathan أستاذ الدراسات الإعلامية في جامعة فرجينيا University of Virginia ومؤلف كتاب عولمة كل شيء The Googlization of Everything، يجادل في كتابه الأخير وسائل إعلام معادية للمجتمع Antisocial Media في أن فيسبوك قد جعل مستخدميه أقل تطبيقا لإرادتهم الحرة. و يتفق معه جايمي بارتليت Jamie Bartlett، مدير مركز تحليل وسائل الإعلام الاجتماعية Centre for the Analysis of Social Media في مركز أبحاث ديموس Demos think tank، في كتابه الناس مقابل التكنولوجيا People vs Tech، يقول بارتليت إن وسائل التواصل الاجتماعي تدمر إرادتنا الحرة، وتشجع السياسة القبلية، وتزيد من دعم الشعوبيين ومجموعات المصالح، وتسحب رؤوس الأموال من الطبقة الوسطى وتوسع الاحتكارات.
في عمل علمي رصين كان من الممكن القيام أن يستفيد من قدر أكبر من الإشارات التي توجّه القارئ، يخلص فايدهيانثان إلى أنه دون إصلاح كبير و شامل، بما في ذلك ضغط دولي منسق، فإن مشكلات فيسبوك غير قابلة للحل من قبل نفسها.
“إن إخفاقات فيسبووك متأصلة في انتشاره وحجمه، ومن ثم عدم القدرة على السيطرة على المحتوى الذي يولده المُستخدم. وباختصار، مشكلة فيسبوك هي فيسبوك نفسها”
يناقش بارتليت استخدام التكنولوجيا في حملة الانتخابات الرئاسية لترامب (على الرغم من أن حملة باراك أوباما تعتبر رائدة في العديد من هذه التقنيات)، ثم يقدم قائمة شاملة من وصفات السياسة العامة لإعادة بناء الأعمدة المتداعية للديموقراطية. ولكن هذه القائمة تُقرأ كأنها قائمة أمنيات ليوتوبيا تقنية-سياسية وذلك عند الأخذ بعين الاعتبار تحفظات شركات وسائل التواصل الاجتماعي حول الإصلاح والحالة المتوترة للحوكمة عبر الغرب.
ولعل الحل الأكثر قابلية للتنفيذ، هو الحل البسيط الذي قدمه جارون لانيير Jaron Lanier، المُطَّلع من الداخل في وادي السليكون والمبتكر في الواقع الافتراضي في كتابه عشر حجج لحذف حساباتك في وسائل التواصل الاجتماعي فورا Ten Arguments for Deleting Your Social Media Accounts Right Now. ويصف لانيير منصات وسائل التواصل الاجتماعية بأنها “BUMMERs” (مخيبة للآمال)، اختصارا للعبارة “Behaviors of Users [are] Modified and Made into an Empire for Rent” (سلوكيات المستخدمين تعدِّل وتحوِّل إلى إمبراطورية للإيجار). لأن المنصات BUMMERs مغرورة جدًا بنموذج أعمالهما، والذي يعتمد على استخدامها لكل ما تعرفه عنّا لتقديم الخدمة للإعلانات شديدة الاستهداف لكل شخصية على حدة، ويجادل في أنه من المستبعد أن تتغير الشركات دون وجود دافع خارجي – ألا و هو انخفاض المشاركة على منصاتهم.
إن الحجة الأكثر إقناعا بحذف الحساب هو أن وسائل التواصل الاجتماعية تحرم المناقشات من السياق وتحدّ من قدرتنا على الاتصال بالآخرين. إنها تُبرز أسوأ ما في الطبيعة البشرية، فتزيد من قيمة الأخبار الخفيفة والمثيرة وتخفض درجة الدقة والتعاطف.
وكتاب عشر حجج مقنع أكثر من العديد من الأطروحات المماثلة حول وسائل التواصل الاجتماعية والتي نشرت منذ عام 2016 بسبب معرفة لانيير الحميمية بالقطاع. ومن المنعش أن تقرأ بديلاً للعذر السائد الذي يعذر أخطاء وادي السليكون. وبدلا من ذلك، يُمكّن لانيير القارئَ من تقرير كم من حياتنا يجب أن نعطيها إلى الكيانات التي تهتم فقط باكتساب الأرباح من بياناتنا.
وعلى الرغم من أن الأسلوب النثري للانيير يكون في بعض الأحيان مفعماً بالأسلوب المتقلب الذي يبدو أنه قائمة تعليمات من كتاب “تعلم بنفسك”، لكن كلمات محاضرته لها ثقلها. ربما جرعة قوية من التعلم بأنفسنا هي بالذات ما نحتاج إليه لنسعى إلى تحرير أنفسنا من التأثير غير المرئي الذي تمارسه وسائل الإعلام الاجتماعية في حياتنا.
وهو غير مبالٍ بحقيقة أن انتشار وسائل الإعلام الاجتماعية و الراحة التي توفرها جعلت من الصعب على الناس فعلاً التخلي عنها. وفيما وراء نطاق السهولة التي تقدمها، لم تعد الشبكات الاجتماعية اجتماعية تستخدم بشكل فردي. فمناقشات الأعمال تحدث عبر فيسبووك مسينجر Facebook Messenger وواتس آب WhatsApp، والغياب عن التويتر Twitter هو بمثابة انتحار وظيفي في بعض المهن. لانيير فقط يوجّه القراء إلى إيجاد توازن في التفاعل يناسبهم، وهي نصيحة تتركهم مجالا مفتوحا للغاية للتلاعب به في المستقبل.
في حين يعتقد الكثيرون أن التكنولوجيا ربما تكون قد أضرت بالديموقراطية بشكل لا يمكن إصلاحه، فإن آخرين لديهم أفكار لإعادة تركيب عالم التكنولوجيا من أجل الخير. وفي كتاب كيفية تنتهي الديموقراطية How Democracy Ends، يقترح ديفيد رانسيمان David Runciman، أستاذ السياسة من جامعة كامبريدج University of Cambridge أنه في حين أن الديموقراطية المُمثّلة للشعب شهدت أيامًا أفضل، لا حاجة إلينا لأن نحزن عليها بعد. فعلى الرغم من أنه يعترف بالضرر الذي تسببه وسائل الإعلام الاجتماعية، فهو أكثر تسامحا (ربما متسامحا جدا لذوقي الشخصي) مع شركات التكنولوجيا المشاركة، ويقترح أن جرعة حازمة من تكنولوجيا التنظيم قد تساعد الديموقراطية على تجاوز أزمة منتصف العمر التي تمر بها بدلا من زوالها المبكر.
ولكن بمجرد أن نحقق السيطرة على الشبكات الاجتماعية، فديمون سينتولا Damon Centola، أستاذ مشارك من كلية أنينبيرغ للإعلام Annenberg School for Communication جامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania، لديه أفكار حول كيفية إعادة تركيبها. وفي كتاب كيف ينتشر السلوك How Behavior Spreads، يشرح سينتولا أن فهمنا العام للعدوى وسلوكها هو فهم مُضلَّل. فعلى الرغم من أن العدوى البسيطة، مثل الفيروسات، تنتشر بسهولة عبر الروابط الضعيفة والشبكات الهزيلة، إلا أن الشبكات المعقدة -مثل برامج التطعيم والسلوكيات الأخرى التي توقف نقل عدوى المرض – تستفيد من روابط قوية ووثيقة بشبكات المجتمع.
وتجاربه عبر الإنترنت تستخدم مجتمعات الصحة العامة لإظهار كيف تؤثر بنية الشبكة والعلاقات الاجتماعية في نشر السلوك الصحي الإيجابي، مثل اتباع نظام غذائي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام. كما قدم سينتولا وصفا للشبكات التي يمتلك مستخدموها درجة أكبر من التعاطف مع الآخرين، فضلا عن الوسائل لمقارنة أنفسهم ببعضهم البعض. ويمكن لمثل هذه الشبكات زيادة تبني العدوى المعقدة.
ولأفكاره آثار مثيرة للاهتمام من ناحية الهندسة الاجتماعية، سواء كانت متعلقة بتبني التطعيم في العالم النامي أم الحد من استخدام الطاقة في الغرب. ولكن يمكن أيضا تطبيقها على مشكلة الأخبار المزيفة.
وتركز المداخلات التي تبنتها الحكومات ومنظمات المجتمع المدني عبر الغرب لمحاربة الأخبار الكاذبة بشكل كبير على التحقق من الحقائق وزيادة الوعي. ويصنّف سينتولا انتشار المعلومات باعتبارها عدوى بسيطة، في حين أن هذه التصحيحات معقدة ودقيقة، ومن ثم فإنه من غير المرجح أن تنتشر بقدر أو بسرعة المعلومات التي يسعون إلى تصحيحها.
وعلى الرغم من أن أبحاث سينتولا تشير إلى أنه سيكون من المستحيل تقريبًا نشر المعلومات التصحيحية عبر الإنترنت، إلا أنه قد يكون من الممكن زراعة سلوكيات داخل شبكات جيدة النضج. ويمكن أن يعمل فيسبووك Facebook وتويتر Twitter مع الباحثين لتحديد وتعيين المجتمعات على الإنترنت التي يمكن أن تأخذ زمام المبادرة في بناء مهارات البحث ومحو أمية وسائل الإعلام بين شبكاتهم. وسيكون هذا النهج المستهدف أكثر عرضة لتغيير السلوك من مجرد إذاعة الرسائل العامة حول علل الأخبار المزيفة عبر جميع أنحاء الإنترنت.
“وسائل التواصل الاجتماعي تظهر الأسوأ في الطبيعة البشرية، مفضِّلة ما هو مثير ومُسلِّي”
تقدم أفكار سينتولا إمكانية جذابة لمواجهة أحد تحديات الديموقراطية في عصر الإنترنت، ولكنها مع الحلول الأخرى المقدمة هنا تعتمد على المشاركة النشطة، أو على الأقل موافقة المستخدمين وشركات وسائل الاعلام الاجتماعية. غير أنه ليس لدينا بعد أيٌّ من ذلك. حتى في ذروة فضيحة شركة كامبريدج أناليتيكا Cambridge Analytica في أبريل، مازال فيسبووك يتمتع بنمو المستخدمين. وعلى الرغم من ضجيج صناعة وسائل الإعلام الاجتماعية مع إصلاحات تهدف إلى تقييد الجهات الفاعلة الخبيثة وزيادة شفافية الإعلان، وهذه التغييرات هي في معظمها بمثابة مستحضرات التجميل ولا تعتبر أكبر خطر تتعرض له منصاتها: ألا و هو نموذج أعمالها نفسه. والحكومات وحدها هي التي تستطيع إجبار هذه الشركات على إعادة النظر في ذلك. ربما لا ينتهي حزب الإعلام الاجتماعي، لكنه يحتاج إلى أكثر بكثير من مجرد ديكورات جديدة. يحتاج إلى بوابٍ ومضيفٍ أكثر مسؤولية وحضورٍ يحاسبون كل منهم إن أخطأ.