العرَافَة الجينيّة
يوما ما، سيحصل المواليد على بطاقات تقرير الحمض النووي عند الولادة، وستقدّم هذه التقارير تنبؤات حول فرص تعرّضهم للإصابة بأزمة قلبية أو بالسرطان، أو لإدمان المخدّرات، أو ما إذا كان معدّل ذكائهم أعلى من المتوسّط.
تطور هذا العلم -الذي يجعل من صناعة هذه البطاقات ممكنا- بصورة مفاجئة، وذلك بفضل الدراسات الجينية الضخمة، والتي تضّمن بعضها أكثر من مليون شخص.
وقد اتضح أن معظم الأمراض الشائعة، والعديد من أنماط السلوك والصفات، بما في ذلك الذكاء، ليس نتيجة جين واحد أو عدد قليل من الجينات فحسب، بل نتيجة مجموعة كبيرة تعمل معا في تناغم. وباستخدام بيانات من الدراسات الوراثية الحالية الضخمة، استطاع العلماء إنشاء ما يسمّى بـ «درجات الخطر الجينات المتعددة» Polygenic risk scores.
وعلى الرغم من كون اختبارات الحمض النووي الجديدة توفّر الاحتمالات لا التشخيصات، إلا أنّها قد تقدّم منفعة كبيرة للطب. ومن الأمثلة على ذلك: إذا حصلت النساء الأكثر عرضة للإصابة بالسرطان على مزيد من صور الأشعة السينية للثدي، في حين قلّ عدد الحصول على هذه الأشعّة لدى اللواتي يقلّ لديهنّ خطر التعرض للإصابة به، فإنّ هذه الاختبارات قد تكشف المزيد من الأمراض السرطانية الحقيقيّة، وتتجاهل الكثير من الإنذارات الخاطئة.
كما يمكن لشركات الأدوية استخدام هذه الدرجات في التجارب السريرية للأدوية الوقائية لمثل هذه الأمراض، مثل مرض آلزايمر أو أمراض القلب، فباستخدام المتطوعين الذين يزداد لديهم احتمال الإصابة بهذه الأمراض، سيصبح بإمكانهم اختبار مدى عمل الأدوية بدقّةٍ أكبر.
لكن المشكلة تكمن في أن التنبؤات أبعد ما تكون عن الكمال. فمن يرغب بمعرفة احتمال إصابته بمرض آلزايمر؟ وماذا لو تجاهل أحدٌ باحتمال منخفضة للإصابة بالسرطان القيام بالفحص، وأصيب بالسرطان رغما عن ذلك؟
وتعد الدرجات الجينية أيضا مثيرة للجدل لكونها لا تستطيع التنبؤ بالأمراض فحسب، بل والتنبؤ كذلك بأيّ صفة، إذ يمكنها مثلا التنبؤ بنحو 10% من أداء شخص ما في اختبارات الذكاء. ومن المرجّح أن تصبح تنبؤات الحمض النووي بشأن معدل الذكاء متاحة بشكل روتيني، وذلك مع تحسّن الدرجات. ولكن كيف سيستخدم الآباء والمعلّمون هذه المعلومات؟
بالنسبة إلى عالم الوراثة السلوكي إريك ترك هيمر Eric Turk-heimer، فإنّ فرصة استخدام البيانات الجديدة بطريقة جيدة أو سيئة هي ما يجعل هذه التقنية الجديدة «مُثيرة ومقلقة في الوقت ذاته.”