بحيرة عميقة تحت الغطاء الجليدي القطبي على المريخ
أداة الرادار الذي يدور حول المريخ عثرت على المثيل المريخي للبحيرات تحت الأنهار الجليدية في القطب الجنوبي
تقع بحيرة من المياه السائلة تحت الغطاء الجليدي المتجمد في القطب الجنوبي للمريخ، وهي أول بحيرة يُعثر عليها على الكوكب الأحمر. وقد اكتُشفت البحيرة من المدار باستخدام رادار يخترق الجليد، ومن المحتمل أن تكون باردة ومليئة بالملح، أي ربما لا تكون موطن محتملا للحياة. لكن من المؤكد أنّ هذا الاكتشاف الذي نُشِر على الإنترنت في مجلة ساينس Science هذا الأسبوع، سيُكثّف عملية البحث عن طبقات المياه المدفونة الأخرى التي قد تكون أكثر ملاءمة للحياة. إذ يقول العالم الجيوفيزيائي ديفيد ستيلمان David Stillman من معهد ساوث ويست للأبحاث Southwest Research Institute في بولدر بكولورادو ، والذي لم يكن جزءًا من الدراسة: “إنها نتيجة مثيرة للغاية: أول مؤشر لمَكْمَن مياه مالحة على المريخ.”
وتشبه البحيرةُ مجموعةَ البحيرات المترابطة التي تقع تحت عدة كيلومترات من الجليد في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، كما يقول مارتن سيغرت Martin Siegert، الجيوفيزيائي من إمبريال كوليدج لندن Imperial College London، الذي يرأس ائتلافا يحاول الحفر في بحيرة إلسورث Ellsworth في غرب القطب الجنوبي. ولكن من المرجح أن تكون العمليات التي أدت إلى تكوّن بحيرة عميقة على سطح المريخ مختلفة. ويقول: “سوف يفتح مجالًا علميا -مثيرًا جدًا للاهتمام- في دراسة كوكب المريخ.”
ويُعتقد أنّ المياه قد تدفقت على سطح المريخ منذ بلايين السنين، عندما كان غلافه الجوي أكثر سمكًا وأكثر دفئًا، مما أدى إلى حفر أخاديد وقنوات لا تزال مرئية. ولكن اليوم، تعني الضغوط الجوية المنخفضة أنّ المياه السطحية ستغلي. وتبقى المياه مجمدة في القمم الجليدية القطبية وفي رواسب الجليد تحت سطح الأرض. وقد رُسِمت خرائط لبعض الرواسب باستخدام رادار مارس المتقدم لسبر الغطاء الجوفي والغلاف المتأين Mars Advanced Radar for Subsurface and Ionospheric Sounding (اختصارًا: الرادار MARSIS)، وهو أداة في المركبة المدارية مارس إكسبريس Mars Express orbiter التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية ESA، والتي أُطلِقت في عام 2003. ويرسل الرادار MARSIS نبضاتٍ من الموجات الراديوية ثم يستمع إلى الانعكاسات. وتنعكس بعض الموجات عن السطح، لكن البعض الآخر يخترق أعماقًا تصل إلى ثلاثة كيلومترات ويمكن أن تعكسها الانتقالات الحادة في الطبقات المدفونة، كالانتقال من الجليد إلى الصخور.
وبعد عِدّة سنوات من بداية المهمة، بدأ علماء الرادار MARSIS برصد أصداء صغيرة وساطعة تحت الغطاء الجليدي القطبي الجنوبي – لدرجة أنّ الانعكاس يمكن أن يشير ليس فقط إلى صخور تحت الجليد، بل إلى الماء السائل. وقد شكّ الباحثون في أنّ تكون هذه الإشارة إشارة حقيقية، لأنها ظهرت فقط في الصور الملتقطَة أثناء بعض الدورات المدارية حول المريخ دون غيرها.
أدرك الفريق لاحقًا أنّ حاسوب المركبة الفضائية كان يحتسب معدّل وحدات البكسل لتقليل حجم تدفقات البيانات الكبيرة – وفي أثناء هذه العملية، كان يُقلل من قيم الانحرافات الساطعة المرصودة. ويقول روبرتو أوروساي Roberto Orosei، الباحث الرئيسي لرادار MARSIS من المعهد الوطني الإيطالي للفيزياء الفلكية Italian National Institute for Astrophysics في بولونيا: “لم نكن نرى ما كان تحت أنظارنا.”
ولتجاوز هذه المشكلة، فقد برمج الفريق شريحة ذاكرة على جهاز المركبة مارس إكسبرس لتخزين البيانات الأولية أثناء العبور السريع عبر مناطق مثيرة للاهتمام. وبين عامي 2012 و2015، أكّدت المركبة الفضائية وجود انعكاسات ساطعة خلال 29 ممرا فوق المنطقة القطبية الجنوبية. وقال أوروساي وزملاؤه إنّ أسطع بقعة، وتبعد مقدار 9 درجات من القطب، تقع على بعد 1.5 كيلومتر تحت الجليد وتمتد إلى مسافة 20 كيلومترا.
إنّ سطوعا على الرادار وحده لا يكفي لإثبات أنّ الماء السائل هو السبب. فهناك دليل آخر يأتي من النفاذية للمادة العاكسة: قدرتها على تخزين الطاقة في مجال كهربائي. ويتمتع الماء بدرجة نفاذية أعلى من الصخور والجليد. إذ يتطلب حساب النفاذية معرفة قوة الإشارة المنعكسة من البقعة الساطعة، وهو شيء استطاع الباحثون تقديره فقط. ولكنهم وجدوا أنّ نفاذية البقعة أعلى من أي مكان آخر على سطح المريخ – وأنها قابلة للمقارنة بالبحيرات تحت الجليدية على الأرض. وعلى الرغم من أنّ الفريق لا يستطيع قياس سُمك طبقة المياه، إلا أنّ أوروساي يقول إنها أكثر بكثير من مجرد طبقة رقيقة.
ولكن الجميع في فريق رادار MARSIS ليسوا مقتنعين. إذ يقول جيفري بلوت Jeffrey Plaut، وهو الباحث الرئيسي الآخر في الرادار MARSIS من مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory التابع لناسا في باسادينا، كاليفورنيا ، ولم يشارك في الدراسة المنشورة: “أود أن أقول إنّ التفسير مقبول، لكنه ليس جازمًا تمامًا حتى الآن.”
وعلى الرغم من كل ذلك، فليس من السهل شرح وجود الماء في القطب الجنوبي للمريخ. في المناطق القطبية للأرض، يخفّض ضغط الجليد المغمور من درجة انصهاره، من ثم تُسخّنه الحرارة الجوفية المنبعثة من الأسفل لتُنشىء البحيرات تحت الجليدية. ولكن هناك القليل من الحرارة المتدفقة من باطن المريخ الميت جيولوجياً، وتحت جاذبية الكوكب الضعيفة، فإنّ وزن 1.5 كيلو متر من الجليد لا يخفض درجة الانصهار إلى حد كبير. ويشك أوروساي في أنّ الأملاح، خاصة البيركلورات Perchlorates الموجودة في تربة الكوكب، ربما تُخفض نقطة انصهار الجليد. ويقول: “إنها المشتبه به الرئيس.”
ويقول ستيلمان إنّ المستويات المرتفعة من الملح وانخفاض درجات الحرارة لعشرات الدرجات تحت الصفر لا يُبشّران بالخير بالنسبة إلى أي ميكروب يحاول العيش هناك. “فإذا كانت الحياة المريخية مثل حياة الأرض، فإن هذه الظروف شديدة البرودة ومالحة للغاية.” ولكنه يقول إنّ الباحثين سيبحثون عن بحيرات أخرى تحت الجليد لمعرفة ما إذا كانت مُتّصلة – وما إذا كانت تُشير إلى مياه جوفية أعمق.
وقد تظهر البحيرات حتى عند خطوط العرض السفلية والأكثر دفئا ـ وهو موقع أكثر ملاءمة لميكروب مريخي، كما تقول فاليري سياريتي Valèrie Ciarletti من جامعة باريس – ساكلاي University of Paris-Saclay، التي تعمل على تطوير أداة رادار لمركبة الفضاء السيّارة الأوروبية إكسومارز ExoMars ، والتي من المقرر إطلاقها في عام 2020، “الاكتشاف الكبير حقا هو العثور على المياه في أعماق مناطق خارج الغطاء القطبي.”
شرح صورة: المياه السائلة غير المرئية تحت الجليد (أبيض) في القطب الجنوبي للمريخ في صورة من مارس إكسبريس Mars Express.