صانعو الشرائح يتجاوزون السيليكون وقانون مور
مواد جديدة لشرائح الحاسوب استُكشفت في برنامج للأبحاث العسكرية الأمريكية ذي 1.5 بليون دولار
ظلت شرائح الحاسوب المصنوعة من السيليكون تتطور وتزداد قدرة عبر نصف قرن. ولكن وتيرة الابتكار هذه قد بدأت تتباطأ. ففي هذا الأسبوع أعلنت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة Defense Advanced Research Projects Agency (اختصارا: الوكالة DARPA) -التابعة للجيش الأمريكي- عن عشرات المِنح الجديدة التي يبلغ مجموعها 75 مليون دولار في برنامج موجَّه إلى العلماء الأكاديميين والصناعيين. وهذا البرنامج الذي يُطلق عليه مبادرة إعادة الإنعاش الإلكتروني Electronics Resurgence Initiative، يهدف إلى تحفيز تصاميم ومواد جديدة للشرائح، مثل الأنابيب النانوية الكربونية. وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة سوف ينمو تمويل البرنامج إلى 300 مليون دولار في السنة، ليصل إلى ما مجموعه 1.5 بليون دولار على مدى خمس سنوات.
وتقول إيريكا فوكس Erica Fuchs، وهي خبيرة في سياسة علوم الحاسوب من جامعة كارنيغي ميلون Carnegie Mellon University في بيتسبيرغ بولاية بنسلفانيا: “إنها فترة حاسمة للقيام بذلك،” وتُضيف قائلة: ” كخطوة أولى هي خطوة جيدة .”
وفي عام 1965، رصد غوردن مور Gordon Moore، المؤسس المشارك لإنتل Intel، الملاحظةَ التي صارت تعرف بعد ذلك بـ “القانون” المُسمى باسمه: تضاعُف عدد الترانزيستورات Transistors على الشرائح كل عامين، وخُفّض الإطار الزمني في وقت لاحق إلى كل 18 شهرًا. ولكن المكاسب الناتجة من تصغير حجم الشرائح بدأت تتضاءل. فاليوم ثبتت سرعة تطور الشرائح ولا يُحقق كل جيل جديد من الرقاقات سوى تحسنا بنسبة 30% في كفاءة الطاقة، كما يقول ماكس شولاكر Max Shulaker، مهندس كهربائي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology في كامبريدج. ويقول غريغوري رايت Gregory Wright، خبير الاتصالات اللاسلكية من شركة نوكيا بيل لابز Nokia Bell Labs في هولمدل بنيوجيرسي، إنّ المُصنِّعين يقتربون من الحدود المادية للسيليكون. ويقول إنّ حركة الإلكترونات تكون قصرا على بقع من السليكون لا يتجاوز عرضها نحو 100 ذرة، مما يُقيّد التصاميم المُعقدة التي تمنع الإلكترونات من التسرب والتسبب في حدوث أخطاء. ويقول:”إننا ننفد من المساحة المتاحة.”
إضافة إلى ذلك، فلا تستطيع سوى حفنة من الشركات توفير مصانع تصنيع الشرائح والتي تُكلّف عدة بلايين من الدولارات، الأمر الذي يعوق الابتكار في مجال كانت تهيمن عليه الشركات الناشئة الصغيرة، كما تقول فاليريا بيرتاكو Valeria Bertacco، عالمة الحاسوب من جامعة ميتشيغان University of Michigan في آن أربور. وتقول فوكس إنّ بعض الشركات الكبرى صارت تسلك اتجاهات مختلفة عن بعضها مبتعدة عن بعضها البعض في تصاميم شرائح متخصصة لمهام محددة. وقد قلل ذلك الدافِعَ إلى تمويل الأبحاث الأساسية التي تشترك الشركات المتنافسة في إجرائها بغرض تطوير تقنيات جديدة قابلة للتطبيق التجاري. فوفقا لدراسة أجرتها فوكس وزملاؤها، فقد انخفض عدد الشركات المشاركة في شركة أبحاث أشباه الموصِّلات Semiconductor Research Corporation في دورهام بولاية نورث كارولينا، والتي تدعم هذا العمل، من 80 شركة في عام 1996 إلى أقل من نصف ذلك في عام 2013.
وتحاول الوكالة داربا الآن سد هذه الفجوة، بتمويل باحثين مثل شولاكر. فهو يصمم شرائح حاسوب ثلاثية الأبعاد باستخدام ترانزستورات مصنوعة من الأنابيب النانوية الكربونية، والتي تشتغل وتتوقّف بشكل أسرع وأكثر كفاءة من الترانزستورات السيليكونية. إذ تعمل الشركات اليوم بالفعل على تصنيع شرائح ثلاثية الأبعاد بالسيليكون كوسيلة لحزم وظائف المنطق والذاكرة معًا في الشريحة نفسها لزيادة سرعة المعالجة. إلا أن الشرائح تُبطئ بفعل الأسلاك الكثيفة والمُنتشرة في كل مكان والتي تنقل المعلومات بين طبقات الشريحة. ولأنّ طبقات الشريحة السيليكونية ثنائية الأبعاد يجب أن تُصنع بشكل منفصل عند أكثر من 1000 درجة سيليزية، لا توجد طريقة لصنع شرائح ثلاثية الأبعاد في خطة تصنيع متكاملة دون إذابة الطبقات السفلى.
ويقول شولاكر إنّ ترانزستورات الأنابيب النانوية الكربونية، والتي يمكن تصنيعها عند درجة حرارة الغرفة تقريبًا، تُقدّم مسارًا أفضل للشرائح ثلاثية الأبعاد المدمجة والمتكاملة. وعلى الرغم من أنّ الشرائح الثلاثية الأبعاد التي يعمل عليها فريقه ستحتوي على ميزات أكبر بعشرة أضعاف من أجهزة السيليكون الأكثر حداثة، فمن المتوقع أن تكون سرعتها وكفاءتها في استهلاك الطاقة أفضل بخمسين مرة – وهي غنيمة ذات إمكانات بالنسبة إلى مراكز البيانات المتعطشة للطاقة.
يدعم برنامج الوكالة DARPA أيضًا البحث في أسلوب بناء الشرائح المرنة. ويُريد دانيال بليس Daniel Bliss، خبير الاتصالات اللاسلكية من جامعة ولاية أريزونا Arizona State University في تيمبي، وزملاؤه تحسين الاتصالات اللاسلكية مع الشرائح التي يمكن إعادة تشكيلها بسرعة فائقة للقيام بمهام متخصصة. إذ يعمل بليس على شرائح الراديو التي تقوم بخلط وتصفية الإشارات باستخدام البرمجيات بدلاً من الأجهزة نفسها، وهو تقدّم يسمح لعدد أكبر من الأجهزة بنقل واستقبال الإشارات دون تدخل. وقد يُحسّن ذلك الاتصالات الجوالة وعبر الأقمار الاصطناعية، فضلا عن تمكين النمو السريع في “إنترنت الأشياء” Internet of things، حيث يتواصل عدد ضخم من الأجهزة مع بعضها البعض، كما يقول.
أما المنحة الأخرى من الوكالة DARPA، للباحثين في جامعة ستانفورد Stanford University في بالو ألتو بولاية كاليفورنيا، فسوف تذهب إلى تحسين أدوات الحاسوب المستخدمة في صناعة الشرائح. وتتحقق هذه الأدوات من تصاميم شرائح جديدة باستخدام شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي Artificial inteligence يسمى تعلّم الآلة Machine learning. وسيساعد ذلك على أتمتة العملية اليدوية إلى حد كبير لكشف خلل التصميم في الشرائح المكونة من بلايين الترانزستورات، مما يؤدي إلى تسريع قدرة عمليات تصميم واختبار وتصنيع أبنية شريحة جديدة.
وإذا نجح جزء من المشاريع الجديدة، فإنّ مشروع الوكالة DARPA “سيحدث ثورة كاملة في كيفية تصميمنا للإلكترونيات،” كما يقول سوبهاسيش ميترا Subhasish Mitra، مهندس كهرباء وحاسوب من جامعة ستانفورد، وباحث في مشاريع أنابيب الكربون ثلاثية الأبعاد والتحقق من الدارات. ويقول إنه سيشجع المهندسين أيضًا على النظر إلى ما وراء السيليكون الذي سيطر على الأبحاث لعقود. “عندما كنت طالبًا، كانت الحياة مملة،” كما يقول ميترا. كان من الواضح أنّ السيليكون يتحرك إلى الأمام على طول مسار معروف. ويضيف قالئلا: “والآن، من الواضح تمامًا أنّ هذا ليس المستقبل. “
شرح الصورة: تحتوي الرقاقة على مئات من شرائح الحاسوب المصنوعة من الأنابيب النانوية الكربونية Carbon Nanotubes، والتي تشتغل وتنطفىء بشكل أسرع وأكثر كفاءة من الترانزستورات المصنوعة من السيليكون.