الأقمار الاصطناعية الصغيرة عابرة الكواكب مُستعدّة للانطلاق
بأنظمة التوجيه والدفع المصغرة تهدف المركباتُ الصغيرة إلى وجهات ما بعد الأرض
بقلم: إريك هاند Eric Hand
ترجمة: مي منصور بورسلي
خلال العقد الماضي ملأت الأقمار الاصطناعية غير المُكلفة مدار الأرض، مما أدى إلى خفض تكلفة دراسة كوكبنا من الفضاء. والآن، صارت هذه المركبات الفضائية، التي لا يتعدى بعضها حجم حقيبة اليد، قادرة بما يكفي لأن تُغامر بالتحليق في الفضاء السحيق، أو على الأقل عبر النظام الشمسي الداخلي. واثنان منها في منتصف الطريق إلى المريخ Mars، وأكثر من اثني عشر مِجسًا كوكبيًا هي الآن في مرحلة التطوير، كما يأتي العلماء بأفكار جريئة أكثر من أي وقت مضى لعلم كواكب غير مُكلف وعالي المخاطر.
في الأسبوع الماضي قالت لوري غلايز Lori Glaze، رئيس قسم علوم الكواكب في وكالة ناسا، في ندوة حول المسابر الفضائية الصغيرة بمركز غودارد لرحلات الفضاء Goddard Space Flight Center في غرينبيلت بولاية ماريلاند: “من المؤكد أنّ جماعة علم الكواكب متحمسون.” وفي وقت سابق من هذا العام بدأت ناسا بقبول المقترحات الخاصة بسلسلة من مهام صغيرة للكواكب، على ألا تتجاوز التكلفة لكل منها 55 مليون دولار. وتقول غلايز أنّ 12 فريقًا قد قدموا المقترحات، وتخطط الوكالة لاختيار العديد من المتأهلين للتصفيات النهائية في فبراير 2019. وحتى أوروبا لديها خطط لمسابير كوكبية صغيرة، تعرف أيضًا بكيوب سات CubeSats (قمر اصطناعي صغير مُكعّب الشكل) بسبب الوحدات ذات الشكل المكعب التي تُبنى منها. ويقول روجر ووكر Roger Walker، مدير تكنولوجيا كيوب سات لدى وكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency في نوردفيك بهولندا: “ندرك الآن إمكانات الكيوب سات عابر الكواكب.”
“لقد سافر القمر الاصطناعي كيوب سات المرتبط بمدار المريخ أبعد من أي قمر اصطناعي في أي وقت مضى.”
لوري غلايز من ناسا
ويمكن تجميع الأقمار الاصطناعية الصغيرة من مكونات منخفضة التكلفة وإطلاقها بالعشرات على صاروخ واحد. غير أنّ الأنظمة الأساسية للتحليق بين الكواكب، بما في ذلك نظام الدفع والاتصالات والملاحة، تقليديًا كان حجمها كبيرا جدا وغير مُلائم للتثبيت داخل الشحنات الصغيرة.
والجدير بالذّكر أنّ بعثة المركبة الفضائية المسماة مارس كيوب ون Mars Cube One (اختصارًا: بعثة المركبة MarCO)، وهي مركبة مُزدوجة أُطلِقت في شهر مايو مع مركبة الهبوط مارس إنسايت Mars InSight، قد كسرت حاجز الحجم. إذ بنيت من ستة مكعبات قياسية كل واحدة منها بحجم 10 سنتيمترات، وتهدف إلى توفير مُرَحّل اتصالات Communication relay لمركبة الهبوط InSight أثناء نزولها إلى السطح. ولكن غلايز تقول إنّ المركبتين اللتين اجتازتا منتصف الطريق في رحلتهما الأسبوع الماضي صارتا رائدتين بالفعل. وتقول: “أنّ قمري الكيوب سات قد حلّقا إلى مكان أبعد مما وصل إليه أي قمر اصطناعي في أي وقت مضى”. وتُضيف قائلةً: “لقد برهنا بالفعل على قدرتهما على القيام بترحيل الاتصالات.” وتنقل لوحة الهوائي اللاسلكية غير المنشور، وهي ثلاثة أضعاف حجم قمري الكيوب سات معًا، كميةً ضئيلةً من البيانات مباشرة إلى الأرض باستخدام الطاقة الشمسية المحدودة للكيوب سات.
كما تعرض ماركو نظامًا مصغّرًا للتوجيه والملاحة والتحكم وضعته شركة بلو كانيون تيكنولوجي Blue Canyon Technologies، والتي تتخذ من مدينة بولدر بولاية كولورادو مقرًا لها. وقد ساعدت التكنولوجيا على جعل الكيوب سات جذابة لعلوم الفضاء، كما يقول دان هيغل Dan Hegel، مدير التطوير المُتقدّم في شركة بلو كانيون. “كانت الكيوب سات تتعثر ولا تحرز الكثير من التقدم،”، كما يقول. ويُضيف قائلا: “ولم يكن هناك دافع من قبل لمحاولة تقليص حجم آلاتك.” وقد قلّصت الشركةُ عجلاتِ الارتكاس، وأدوات تحديد الاتجاه، وتتبع النجوم في نظام يُباع بأقل من 150 ألف دولار ويَشغَلُ حجم نصف مكعب.
ونظام الدفع هو مصدر قلق مستمر. فقد تحتاج المركبة الصغيرة إلى تغيير المسار، أو التباطؤ في مدار حول كوكب أو قمر أو كويكب. وعلى الرغم من أنّ نظام الدفع لبعثة MarCO يشغل نصف المركبة، إلّا أنه يحتفظ فقط بالوقود الكافي لإجراء عمليات صغيرة لضبط المسار في طريقها إلى المريخ، وينفث الغاز المضغوط مثل طفاية حريق، وهذا نهج غير فعال. ونتيجة لذلك، فإنّ قمري الكيوب سات سوف يُحلّقان دون أي سيطرة متخطيين الكوكب الأحمر بعد الانتهاء من مهمتهما.
وقد قام قمرا الكيوب سات بتجربة الأشرعة الشمسية في مدار الأرض، وهي رقائق مرآة رقيقة تقدم دفعة لطيفة من ضغط أشعة الشمس. ويراهن المطورون الآخرون على أنظمة الدفع الكهربائي الشمسية. إذ يستخدم جهاز صنعته شركة إكسوتيرا ريسورس ExoTerra Resource في ليتلتون بولاية كولورادو الكهرباءَ من الألواح الشمسية لقذف “وقود” غاز الزينون بشعاعٍ من الإلكترونات لتوليد بلازما مشحونة. ويُطلق حقل كهربائي البلازما من الخلف؛ مما يولّد قوة دفع ضعيفة. ويستخدم الجهاز الذي لا يتعدى في حجمه قرصَ لعبة الهوكي، ويُطلق عليه اسم دفعة هول Hall Thruster ” (محرك دفع باستخدام ظاهرة هول Hall)، الوقود بكفاءة أعلى بكثير من الصواريخ التقليدية، على حسب قول رئيس إكسوتيرا ريسورس مايكل فان ووركوم Michael VanWoerkom. ويقول أيضًا: “يمكنك وضع الكثير من الوقود في مساحة صغيرة جدًا إذا كنت مستعدًا للانتظار فترة أطول للوصول إلى هناك.”
وسيأتي اختبار كبير لتكنولوجيات الدفع في نهاية عام 2019، عندما يحين موعد الرحلة الأولى لصاروخ ناسا للحمل الثقيل، أي نظام الإطلاق الفضائي Space Launch System. وسيحمل الصاروخ 13 من أقمار كيوب سات، وسيركز العديد منها على علوم القمر لمحاولة تأكيد وجود الجليد في المناطق المظللة بشكل دائم في الفوّهات القطبية بتوجيه أشعة الليزر عليها. وتقول باربارا كوهين Barbara Cohen، الباحثة الرئيسية لأحد البعثات، لونر فلاش لايت Lunar Flashlight: “يستخدم معظم الكيوب ساتات تقريبًا تقنيات دفع مختلفة.”
وقد يساعد الدفع الأفضل على حل مشكلة أخرى تواجه الأقمار الاصطناعية الصغيرة العابرة للكواكب: عدم وجود وسيلة صاروخية للنقل. وغالباً ما تُحمل أقمار الكيوب سات على بعثات إطلاق أكبر، ولكن نصيبها من الجولات خارج مدار الأرض المنخفض نادر جدا. ويمكن لأنظمة الدفع الكهربائي الشمسية أن تساعد على انفلات المركبات المُطلقة في المدارات المنخفضة حول الأرض. ويُمكن لقمرٍ صغيرٍ مجهزٍ بمحرك دفع هول أن يبتعد لولبيًا من الأرض باتجاه القمر في غضون بضعة أشهر، كما يقول فان ووركوم. أمّا الوصول إلى المريخ فيستغرق بضع سنوات.
لقد بدأ العلماء بوضع آمال كبيرة على شحناتهم الصغيرة. ويريد تيلاك هيواغاما Tilak Hewagama، عالم الكواكب في جامعة ماريلاند University of Maryland في كوليدج بارك، إرسال قمر اصطناعي صغير لاعتراض مذنب عند وصوله إلى النظام الشمسي. وقد تأرجحت معظم المذنبات حول الشمس عدة مرات، فتعرّضت أسطحها الأصلية القديمة للتجوية. ولكن في كل عام تقريبا، يكتشف علماء الفلك عددًا قليلًا من المذنبات التي تقتحم النظام الشمسي للمرة الأولى. وبحلول ذلك الوقت، يكون الأوان قد فات لتطوير مركبة فضائية لدراستها، كما يقول هيواغاما. ولكن يمكن لقمرٍ اصطناعيٍ صغير متأهبٍ في مدار مستقر أن يناور في الوقت المناسب ليشهد مرور المذنب عن قرب – ويقول هيواغاما إنها خطة خطرة ولن تكون ناسا على استعداد للسعي فيها مع مركبة أكبر وأعلى تكلفة.
ويريد تيموثي ستبس Timothy Stubbs، عالم الكواكب في غودارد، استخدام قمرين اصطناعيين يبلغان من الوزن 30 كيلوغرامًا لاستكشاف أصل الدوامات Swirls البراقة المُثيرة للفضول على سطح القمر. وإحدى الأفكار هي أنّ الحقول المغناطيسية الضعيفة في صخور القمر – التي غُرِزت بفعل اصطدامات المذنبات أو بقايا المولد المغناطيسي البائد – قد تكون قادرة على صدِّ جزيئات الرياح الشمسية التي تُحلّل التربة المحيطة وتعتّمها. ولكن فهم التفاعلات بين الجسيمات والحقول يتطلب مسح القمر من مدار قريب وغير مستقر؛ مما يستدعي كميات كبيرة من الوقود للاستمرار في ذلك. وحَلُّ ستابس: اجعل قمرين صغيرين مترادفين في المدار مرتبطين بواسطة حبل من مادة كيفلار رقيق طوله 25 كيلومترًا، بحيث يمكن للقمر الواقع في المدار الأعلى أن يُثبّت زميله الواقع على ارتفاع كيلومترين فقط فوق سطح القمر.
ويعتزم الفريقان تقديم مقترحات لبرنامج التمويل الجديد لناسا، إذا استطاعا تخفيض التكاليف لتتناسب مع سقف الخمس وخمسين مليون دولار. قد تكون الأقمار الاصطناعية الصغيرة أقل تكلفة، لكن تطوير مهمة في الفضاء البعيد يتطلب عادة فريقًا كبيرًا والعديد من الاختبارات لتقليل المخاطر. ويقول منّظم الندوة جيرونيمو فيلانويفا Geronimo Villanueva، عالم كواكب في غودارد، إنّ مسؤولي ناسا يعملون على تغيير قواعد الأقمار الصغيرة المتجهة إلى الفضاء السحيق بحيث تكون مستويات المخاطر الأعلى مقبولة. “نحن بحاجة إلى تغيير طريقة عملنا،” كما يقول.
صورة:
بعثة مارس كيوب ون Mars Cube One – أوّل كيوب سات عابر للكواكب- سيحلق مارًّا بالكوكب الأحمر هذا الخريف.
IMAGE: NASA/JPL-CALTECH