كيف نفكر في … الوعي
هل يمكن للعقل أن يعرف ذاته؟ ربما لا نريد أن نعرف الإجابة عن هذا السؤال: فحلُّ 'المسألة الصعبة' حول ماهية الوعي قد يُهدِّدُ إحساسنا بالذات والإرادة الحرّة.
هذا المبدأ هو مبدأ أساسي للغاية لنسيج واقعنا، لدرجة أن مجرد البدء بمحاولة تفكيكه تتركنا في حيرة. ويقول نيكولاس شي Nicholas Shea الذي يبحث في فلسفة العقل من جامعة أكسفورد University of Oxford: “نستطيع تعريف المقصود بكون شيء ما فيلاً بطريقة أفضل من قدرتنا على تعريف ما هو الكون واعيا.”
والوعي هو جوهر ما يجب أن يكون “أنت”. فهو كل تجاربك الشخصية – من الشعور بحرارة الشمس على جلدك إلى مرارة الحزن- يستحضرها عقلك جميعا بطريقة ما. “ولا يزال من الغريب جدا للبعض، وأحيانا لي، أن نفهم كيف يمكن أن تؤدي حوادث في العالم المادي إلى أي نوع من تجربة واعية على الإطلاق،” كما يقول عالم الأعصاب أنيل سيث Anil Seth من جامعة سسكس University of Sussex بالمملكة المتحدة.
وقد أُطلق على محاولة تفسير هذه الظاهرة ‘المسألة الصعبة’، والأمر المثير للقلق هو أننا قد نكون قريبين جدا من اكتشاف ماهية الوعي. والتفكير في الوعي يعني أنه عليك أن تكون واعيا. ولكنْ، هل بإمكان الدماغ البشري أن يفهم نفسه؟
إن الوعي يعني أن تكون واعيا، ولكن هل بإمكان العقل البشري أن يفهم نفسه؟
يعتقد شي ذلك ويقول: “إنها تبدو عميقة ومعقدة، إلا أن الناس يطبقون المنهج العلمي لفهم الوعي.” وإحدى المدارس الفكرية تذهب إلى أنه إذا تمكنت من فهم نشاط الدماغ المادي الذي يؤدي إلى، على سبيل المثال، التجربة البصرية لشيء بأنه أحمر، يمكنك عندئذ تعميم ذلك على تجارب واعية أخرى.
وهناك نهج آخر يُطلِق عليه سيث استراتيجيةَ “فرّقْ تَسُد”. والهدف هنا أن تُجزِّئَ الوعيّ إلى أشكال مختلفة من التجارب، ويقول: “ما يحدث عندما تنام وتسيقظ، والعلاقة بين الإدراك Perception وبين ماهو موجود حقيقة، كما تستطيع التفكير في النفس والعاطفة.” فالتعامل مع هذه المشكلات واحدة تلو الأخرى يجعل الوعي يبدو أسهل للفهم، ويتابع سيث قائلا: “إذا قمت بذلك، بعد فترة، لن يتبقى أيّ غموض.”
إلا أن آخرين يعتقدون أنه حتى ولو استطعت تخطيط الدماغ كله وما يقوم به، فإنكّ ستبقى في الظلام فيما يخص الوعي. ويقول سيث: “يبدو أنه عندما يتعلق الأمر بتفسير ما يعني أن أكون أنا وتكون أنت، فإننا نبحث عن نوع من الإجابة التي لا نسأل عنها حقيقة في الفروع الأخرى من العلم.”
من المحتمل أن سبب ذلك هو أنه لو استطعنا معرفة كيفية عمل الوعي، فإن هذا يهدد إحساسنا بالذات ومفاهيمنا عن الإرادة الحرة. ويقول سيث: “عندما تبدأ بتفسير تلك الأفعال الإرادية والتجارب التي تعيشها عندما تنوي القيام بأشياء، فإن هذا ليس أكثر من نوع آخر من التجربة التي تعتمد على الدماغ، وعندها تُجابَه بالكثير من المقاومة.”
وإحدى الوسائل للخروج من هذا المأزق، بحسب سيث، هو أن تتذكر دائما ما نوع حرية الإرادة المهم. ويجب أن يكون باستطاعتنا التصرف وفق معتقداتنا ورغباتنا، وهذا ممكن بغض النظر عن المصدر الذي تأتي منه تجربة الوعي. وبمعنى آخر، كما يقول: “باستطاعتي اختيار ما أريد أن أفعله، إلا أنني لا أستطيع اختيار ما أريده.”