كيف ستجعل اضطرابات المحيط الأطلسي مستقبل الطقس أكثر فوضوية
إن التيار الذي ينقل الماء حول المحيط الأطلسي يساهم في استقرار المناخ لملايين من البشر. ولكن هذا التيار يزداد تباطؤا الآن، وقد يؤدي ذلك إلى المزيد من موجات الحر الشديدة إضافة إلى فيضانات عاتية.
بقلم: مايكل مارشال
ترجمة: د. قصي كرم
نصف الكرة الأرضية الشمالي يتلظى. فاليونان تكافح حرائق الغابات القاتلة، وحتى الطقس في المملكة المتحدة صار حارا وجافا جدا لدرجة أنه أدى إلى اندلاع الحرائق محطِّمة للأرقام القياسية في مناخها الرطب عادة. وفي عُمان بشبه الجزيرة العربية كانت أسخن ليلة مُسجلة في أى مكان على سطح كوكب الأرض هي في 28 يونيو 2018: لم تنخفض درجة الحرارة عن 42.6 درجة سيليزية.
سارع علماء المناخ إلى الإشارة إلى أن الظروف القصوى يجب أن تكون أمرا متوقعا في عالَم يزداد دافئا. ولكن قد تكون هناك أسباب أخرى إضافة إلى ارتفاع درجة الحرارة. فلربما صارت موجة الحر الحالية التي تجتاح أوروبا أسوأ نتيجة لتغير المناخ الذي يطل برأسه بعد عقود من التحذيرات المشابهة لتنبؤات كاساندرا. ولأكثر من قرن من الزمن، والمحيطات آخذة بالتغيّر تحت أنظارنا مباشرة، ف بدأ الضعف يدب فيه شيئا فشيئا في تيار المحيط الأطلسي القوي. والنتيجة، التي تبدو أكثر احتمالا يوما بعد يوم، ارتفاع وانخفاض الحرارة والبرودة بدرجات متطرفة على جانبي الأطلسي؛ والمتوقع أن نشهد المزيد من التقلبات القصوى في الآتي من الأيام.
إن موضع القلق هو الحزام الناقل الأطلسي Atlantic ocean conveyor belt، والمعروف أيضا بدورة الانعكاس الجنوبي الأطلسي Atlantic meridional overturning circulation (أو اختصارا: الدورة AMOC). والحزام الناقل الأطلسي جزءٌ من شبكة تيارات عالمية تدفع بجميع الماء في المحيطات على طول وعرض وعمق مختلف الأحواض المائية المترابطة. فمن الجانب الاستوائي للمحيط الأطلسي قبالة سواحل أمريكا الجنوبية تتدفق المياه السطحية الدافئة شمالا نحو غرينلاند وأوروبا الغربية، مصطحبة معها مناخا دافئا غير معهود يحمله تيار الخليج Gulf Stream.
ويكون الماء أكثر ملوحة مع تبخره، ويبرد مع انتقاله نحو الشمال. وكل من هذين العاملين يجعلانه أكثر كثافة بحيث في الوقت الذي تصل فيه كتلة الماء هذه إلى بحر النرويج وغرينلاند، تكون قد هبطت إلى الأعماق بنحو 2 أو 3 كيلومترات. ومن هناك تتجه عميقا إلى الجنوب (انظر: الخريطة). والتغيرات في درجة الملوحة والحرارة في شمال المحيط الأطلسي هي الدافع لكل ذلك، وهو ما أثار مخاوفَ من الفوضى نتيجة تغير أي شيء في تلك المنطقة.
شرح الصورة: الحزام الناقل الأطلسي
المياه السطحية الدافئة لتيار الخليج تبرد وتهبط إلى القاع مع انتقالها نحو الشمال، ثم تتدفق نحو الجنوب مرة أخرى على شكل تيار الحد الغربي العميق Deep westren boundary current (اختصارا: التيار DWBC).
في عام 1961 بيّن عالِمُ المحيطات هنري ستومل Henry Stommel أنه يمكن -نظريا- أن توجد هذه التيارات في واحدة من حالتين بمياه تتدفق في اتجاهات متعاكسة اعتمادا على توازن الحرارة والكثافة. وفي ذلك الوقت، كان هذا الأمر مجرد فضول. وفي عام 1980 ظهرت على الساحة أدلة متزايدة على أن انبعاثات الغازات الدفيئة ساهمت في تسخين كوكب الأرض مثيرة القلق من أن كمية كبيرة من جليد القطب الشمالي ستذوب، بما في ذلك صفيحة الجليد في غرينلاند. وحذّر علماء المناخ من أن المياه العذبة المتدفقة في شمال المحيط الأطلسي ستبطئ عملية الهبوط الطبيعية للمياه في الدورة AMOC، كابحة جماح أحد أطراف الحزام الأطلسي الناقل.
بعد ذلك جاء اكتشاف أن الحزام الأطلسي الناقل قد توقف خلال العصر الجليدي الأخير، ما بين 11 ألف و12 ألف سنة مضت عندما كانت أغلبية شمال أوراسيا وأمريكا الشمالية مغطاة بالجليد. وانفصلت كتل كبيرة من الجبال الجليدية لتطوف حول المحيط الأطلسي بصورة دورية. ومع تدفق المزيد من المياه العذبة ضعفت عمليات الدورة AMOC.
ووفقا لما ذكره ديفيد ثورنالي David Thornalley من جامعة يونفيرسيتي كوليدج لندن University College London: “هناك أوجه تشابه بين ما حدث حينها وبين ما كنا نتوقع حدوثه في المستقبل، مما أثار قلقا من إمكانية ضعف الدورة AMOC في المستقبل.”
لقد اشتهرت هذه الفكرة في عام 2004 بسبب الفيلم السينمائي الكوارثي “اليوم بعد الغد” The Day After Tomorrow، والذي تتوقف فيه الدورة AMOC في غضون أيام باعثة عصرا جليديا مفاجئا عبر أوراسيا وأمريكا الشمالية ومحيطات تولّد عواصف هائلة. وفي واحد من العديد المشاهد المبالغ فيها، تهرب شخصيات الفيلم من موجة من البرودة الشديدة تجمِّد أي شيء في طريقها فورا.
“موجات الحراره الشديدة ربما تكون نتيجة لحزام ناقل ضعيف”
وفي الواقع، فقد يستغرق الانهيار التام عقودا أو قرنا من الزمن. والتأثير الأكثر احتمالا ربما سيكون ارتفاعا هائلا في مستوى سطح البحر على السواحل شرقي الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى الحرارة الشديدة في أوروبا وفوضى الرياح الموسمية في إفريقيا وآسيا (انظر: عواقب الانهيار).
بالصدفة، وبعد عام من صدور فيلم “اليوم بعد الغد”، صرح هاري برايدن Harry Bryden وزملاؤه من المركز الوطني لعلوم المحيطات National Oceanography Centre في ساوثامبتون بالمملكة المتحدة، أن التيار قد تباطأ مؤخرا بنسبة 30 %. وباستخدام البيانات التي جمعوها في خمس رحلات بحثية عبرت المحيط الأطلسي بين عام 1957 و 2004، وجدوا أن مقدار الحرارة المنقولة شمالا قد انخفض بشكل كبير. وتبعت ذلك التصريح عاصفةٌ إعلامية، ولكن أدلة برايدن كانت أدلة متناثرة. فقد كانت الحجة الرئيسية تشير إلى أن قوة التيار قد تتباين طبيعيا، من يوم إلى يوم آخر، ومن موسم إلى موسم آخر، ومن عقد إلى عقد آخر من الزمن. ومن المحتمل أن تكون دراسة برايدن قد حسبت خطأ ذبذبة مؤقتة على أنها انخفاض طويل الأمد. وفي الوقت نفسه، فقد أقرّت نمذجات المناخ بأن التباطؤ الذي أشارت إليه الدراسة كان في الواقع بسبب التقلبات الطبيعية.
ومع ذلك، بدأ الباحثون بالتركيز على رصد التغيرات التي قد تحدث في المستقبل. وفي عام 2004، استُخدمت أجهزة لمراقبة الدورة AMOC. وأحد أمثلة هذه الأجهزة هو ما يسمى المصفوفة RAPID التي تعتمد على وضع كيبل بحري وبالتحديد تحت التيار المائي، والذي امتد من ولاية فلوريدا إلى جزر البهاما. ولأن الدورة AMOC تحمل معها الكثير من الملح، فإن المياه تحتوي كذلك على الأيونات المشحونة، وعادة ما تولد حركتها جهدا كهربائي في ذلك الكيبل، والذي يمكن استخدامه لتقدير قوة التيار. وفي وقت لاحق أُقيمت مصفوفة ثانية امتدت من لابرادور في كندا إلى اسكتلندا.
وبفضل المصفوفة RAPID لدينا الآن قاعدة بيانات تمتد عبر أربعة عشرا عام. وتقول لورا جاكسون Laura Jackson من مكتب الأرصاد في المملكة المتحدة: “أظهرت المصفوفة تقلبات كبيرة في الدورة AMOC.” وشارك برايدن نفسه في تأليف دراسة نظرت في السنوات الأربعة الأولى من بيانات المصفوفة RAPID، والتي أشارت إلى أن التيار بنصف الكرة الأرضية الشمالي يكون أقوى ما يكون في فصل الخريف ويكون أضعف ما يمكن في فصل الربيع. وسلَّم في هذه الدراسة بوجود تقلبات “ربما كانت السبب في استنتاج التباطؤ.”
وتعزَّزَ هذا الاستنتاج بالمزيد من البيانات. ففي شتاء عامي 2010-2009 ضعفت الدورة AMOCبنسبة %30، ولكنها تعافت في العام التالي. ويعتقد أن رياح السطح القوية التي تهب عكس اتجاه التيار ربما تكون قد أدت إلى كبح سرعة التيار. وفي ضوء ذلك تقول جاكسون إن الكثيرين استنتجوا أن النتيجة الأصلية كانت مجرد “ ضربة حظ”.
لكن الأمور بدأت بالتتغير قبل ثلاث سنوات. وللتغلب على مشكلة عدم التوافق والوضوح في البيانات المرصودة، سعى الباحثون إلى البحث عن بيانات تغطي فترات زمنية أطول. فنظر شتيفان رامشتورف Stefan Rahmstorf وزملاؤه من معهد بوتسدام لتأثير المناخ Potsdam Institute for Climate Impact Research في ألمانيا إلى كيفية تنوّع درجات حرارة سطح البحر في جميع أنحاء العالم من عام 1901 إلى عام 2013. فوجدوا نزعة نحو التدفئة عموما، ولكن في شمال المحيط الأطلسي وجدوا منطقة تشبه الفقاعة كانت قد بردت منذ عام 1970. وتقترح نمذجات المناخ إلى أن هذه البقعة الباردة ما هي إلا علامة على ضعف الدورة AMOC.
وبعد أشهر فقط من نشر دراسة رامشتورف في مارس 2015، تعرضت أوروبا لفصل صيف لاهب حطم الأرقام القياسية السابقة لدرجات الحرارة القياسية المرصودة. وفي العام التالي، أثبتت أوريلي دوشيز Aurélie Duchez من المركز الوطني لعلوم المحيطات في ساوثامبتون بالمملكة المتحدة، أن سبب ذلك مرتبط بالبقعة الباردة في شمال المحيط الأطلسي. وفي الماضي، كان احتمال حدوث موجات الحر المماثلة أكثر إذا كانت البقعة الباردة ذات كثافة عالية. والآن نمتلك الدليل على أن هذه الآلية كانت مستمرة منذ آلاف السنين. ويبدو أن الدورة AMOC تسهم في اعتدال الطقس بأوروبا، فيتقلص عدد العواصف في فصل الشتاء وكذلك موجات الحر في فصل الصيف. وانهيار الدورة AMOC يطلق العنان لعواصف الشتاء وموجات الحر في الصيف على حد سواء. ويرتبط بذلك احتمال آخر: موجة الشتاءات الباردة جدا مؤخرا إضافة إلى العواصف الثلجية في شرق الولايات المتحدة قد تكون مرتبطة بضعف التيار. والفكرة هي أن المنطقة الباردة في شمال الأطلسي قد تؤثر في التيارات النفاثة Jet streams فوق أمريكا الشمالية، وتطلق العنان لمزيد من العواصف الثلجية عاصفة تلو عاصفة.
“إن تباطؤ المحيط الأطلسي هو أمر غير مسبوق في الألف عام التي مضت”
كما حقق فريق رامشتورف كشفا آخر مهما. فقد سبق وأن قدّر مايكل مان Michael Mann، من جامعة ولاية بنسلفانيا Penn State University، إلى أي مدي تغيّرت درجات حرارة السطح منذ عام 900 ميلادي، وذلك باستخدام السجلات المحفوظة في حلقات الأشجار، والرواسب البحرية، إضافة إلى العينات الإسطوانية من لب الجليد Ice cores والشعاب المرجانية. وعند مراجعة تلك البيانات لم يجد الفريق أي دليل يشير إلى أن وجود بقعة باردة في شمال المحيط الأطلسي. واستنتجوا أن الدورة AMOC قد بدأت تتباطأ وتضعف منذ عام 1970 وهو “حدث غير مسبوق في الألفية الماضية.”
وتقول جاكسون: “وعندما ظهر ذلك كان أمرا مثيرا للجدل جدا.” وتساءل البعض عما إذا كان شيء آخر قد تسبب بظهور تلك المنطقة الباردة.
غير أن احتمال وجود أسباب أخرى آخذ بالتناقص باستمرار. فمن جهة، تَبيَّن أن النمذجات المناخية القديمة –والتي اقترحت أن الدورة AMOC كانت مستقرة خلال القرن العشرين – ربما كانت منحازة نحو إنتاج تيار مستقر. فعلى سبيل المثال، أثبت وى ليو Wei Liu من معهد سكريبس لعلوم المحيطات Scripps Institution of Oceanography بكاليفورنيا في العام الماضي أن النمذجات لا تفسر كيفية تحرك الملح حول المحيطات. وعندما حُلّت هذه المشكلة، صارت المحاكاة الرقمية القديمة للدورة AMOC أكثر عرضة للانهيار. وقد أظهرت نمذجات أخرى أفضل أنه يمكن دفع التيار إلى وضعية“الإيقاف”بفعل المياه العذبة النابعة من ذوبان القطب الشمالي على سبيل المثال – وسوف تبقى بعد ذلك في وضعية “الإيقاف” لأكثر من 400 سنة.
وفي وقت سابق من هذا العام، قدمت ثلاث دراسات دليلا حاسما على أن التباطؤ يحدث بالفعل. وقادت الدراسة الأولى ماريلينا أولتمانز Marilena Oltmanns من مركز غيومار هيلمهولتز لأبحاث المحيط GEOMAR Helmholtz Centre for Ocean Research في مدينة كيل بألمانيا. فقد ركّزت هي وزملاؤها على بحر ايرمينجر في جنوب غرينلاند من عام 2002 إلى العام الحالي. ووجدوا أن مياه هذا البحر دافئة بصورة غير معتادة كما أن كمية الملح فيها منخفضة لعدة فصول من فصل الصيف، لا سيما بالتحديد في عام 2010 – بالضبط الظروف التي من شأنها إضعاف الدورة AMOC. وإضافة إلى ذلك، فقد كانت الشتاءات التي أعقبت ذلك معتدلة جدا؛ فلم يبرد الماء فيها بما يكفي حتى يهبط إلى الأعماق بقدر ملائم. وفي الغالب، كان ربع كمية المياه العذبة موجودا في مكانه مع حلول فصل الربيع، وذلك يشير إلى أن تيارات الحمل Convection current لم تعد تعمل كما ينبغي.
وبعد ذلك في أبريل، عاد رامشتورف إلى ساحة المعركة، مسلَّحا بأدلة أفضل بأن البقعة الباردة في شمال المحيط الأطلسي ما هي إلا دلالة على تيار ضعيف. وقد أعاد فريقه أيضا بناء الطريقة التي تغير بها التيار من عام 1870 إلى 2016، وبيّنوا أن التيار قد ضعف بنسبة %15 منذ منتصف القرن العشرين، وبعد انتعاش قصير في التسعينات، تراجع بشكل مطرد طوال القرن الواحد والعشرين.
وأخيرا، درس ثورونيلي وزملاؤه ادعاء رامشتورف أن الضعف المرصود كان أكبر من أي شيء في الألف عام الماضية. وقد ركّز الفريق على جزء واحد من التيار ألا وهو : تيار الحد الغربي العميق Deep Western Boundary Current (اختصارا: التيار DWBC) الذي يحمل المياه الباردة إلى الجنوب (انظر: الخريطة).
ولمعرفة كيف تغيّر على مدى قرون ماضية، درس الفريقُ عيناتِ الرواسب المأخوذة من لب طبقات الطين والرمل من قاع بحر لابرادور. وقاسَ الفريق حبيباتِ الرواسب – الحبيبات الأكبر حجما تعني تيارا أسرع. ويقول ثورنالي: “إن جدولا جبليا يتدفق بسرعة يكون له قاع صخري، في حين أن نهرا ينساب متعرجا ببطء يكون قاعه مغطى بالرواسب.” وبهذه الطريقة، تقدم الرواسب دليلا مباشرا على ما كان يحدث في التيارات في أعماق البحار. واكتشف الفريق أن التيار DWBC بدأ يضعف تقريبا منذ عام 1750. وبحلول عام 1870 كان التيار في أضعف حالاته بكثير من أي فترة في الألف والخمسمئة سنة السابقة. كما أنه دخل في تباطؤ مستمر منذ ذلك الحين.
الانهيار التام Total collapse
وعند وضع جميع الأدلة مع بعضها البعض، فإن الاستنتاج أن الدورة AMOC قد بدأت تضعف يبدو استنتاجا راسخا جدا. ويقول ثورنالي: “إننا نحصل على الإجابة نفسها من مجموعة كاملة من أنواع مختلفة من الأدلة.” ويقول جيوفاني سوبين Giovanni Sgubin من جامعة بوردو University of Bordeaux في فرنسا: “إذا كان لا بد لي من التخمين، فسأقول إن الدورة AMOC مستمرة بالتباطؤ وهذه ليست مجرد تقلبات داخلية.” لكن كلا من جاكسون و أولتمان يظلان حذرين. إذ ترغب جاكسون بالحصول على مزيد من بيانات المصفوفة RAPID لسنوات أخرى، من بين جملة من أمور أخرى، قبل أن تقبل بأن تباطؤ واقع بالفعل.
لذا ربما تؤثر الدورة AMOC الضعيفة بالفعل في أنماط الطقس، ولكن ماذا عن أكثر الاحتمالات تطرفا ألا وهو احتمال : الانهيار مع المزيد من الآثار المناخية العنيفة التي من شأنها أن تحدث لاحقا؟ و يقول رامشتورف إن المشكلة الرئيسية في التنبؤ بمثل هذا الاحتمال أنه حتى وبعد عقود من الدراسة، فمن غير واضح عن ما هو مقدار “الدفعة” المطلوبة حتى يحدث هذا الانهيار. ومع استمرار الدورة AMOC في التباطؤ، فإنها تقترب أكثر فأكثر من نقطةِ تحولٍ Tipping point نظرية من شأنها أن تؤدي إلى ذلك الانهيار، ولكن “ما زلنا نجهل مدى قربنا من عتبة الانهيار تلك.”
وتقول جاكسون: “على الرغم من أننا نعتقد أنه من غير المرجح حدوث انهيار مفاجئ في الدورة AMOC، لكنه من الواضح من أنه تأثيرات مثل هذا الانهيار هائلة.” وتصف جاكسون ذلك بـ “حدث منخفض الاحتمال، لكنه ذو تأثير كبير”، فهو يشبه انهيار أسواق المال إلا أن عواقبه أسوأ بكثير.
عواقب الانهيار The consequences of collapse
يشتهر تيار الخليج Gulf Stream بالوهج الدافئ الذي يجلبه إلى المملكة المتحدة وبقية أوروبا الغربية. ولكن إذا كان الحزام الأطلسي الناقل (أو الدورة AMOC) من المقرر أن ينهار، فسيتوقف تيار الخليج مؤديا إلى تبريد يجتاح أوروبا وربما يصل مداه إلى أبعد من ذلك.
والبعض يصوّر هذا بأنه أمر جيد. فمع ارتفاع درجات الحرارة بسبب تغير المناخ، بالتأكيد إن القليل من الهواء البارد لا يمكن أن يؤذي أحدا؟ وتجادل إحدى الدراسات في أن تباطؤ عمليات الدورة AMOC سيحول دون العديد من الأضرار التي قد يطلقها احترار المناخ سريعا، والتي قد تجتاح أوروبا.
لكن الأمر ليس بهذه السهولة. أولا، ستسهم الدورة AMOC الضعيفة في تحويل المياه حول المحيط الأطلسي؛ مما يؤدي إلى ارتفاع سريع للغاية في مستوى سطح البحر على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة – مرتفعا ما مقداره من 15 إلى 21 سنتيمترا على شواطئ مدينة نيويورك بحلول عام 2100 وفقا لأحد التقديرات. وهذا سيتسبب بالمزيد من الفيضانات الشديدة بفعل العواصف.
وليس من المؤكد أيضا حدوث عملية تبريد. إذ تشير دراسة حديثة إلى أن ضعف الدورة AMOC سيسهم في تقليل قدرة المحيط العميق على تخزين الحرارة؛ مما يؤدي يزيد من احترار الغلاف الجوي.
وأي عملية تبريد قد حدثت بالسابق سينتهي بها المطاف إلى أن تكون متمركزه في مكان واحد. ويقول ثورنالي: “يجب على الحرارة أن تذهب إلى مكان ما، فقد يبرد شمال المحيط الأطلسي، ولكن هذا الأمر يعني بأن الأجزاء الأخرى ستكون أكثر دفئا؛” وآثار ذلك في بقية العالم مُهلِكة بلا شك. إذ يعتمد البلايين من البشر في أمريكا الوسطى وإفريقيا وجنوب آسيا على الأمطار الموسمية. وإذا ضعفت الدورة AMOC، فسيدفع هذا إلى انتقال هؤلاء البلايين من البشر إلى مئات أو آلاف الكيلومترات إما شمالا أو جنوبا، تاركا العديد من المناطق تعاني الجفافَ.
ويقول تيم لينتون Tim Lenton، من جامعة إكستر University of Exeter في المملكة المتحدة: “انهيار الدورة AMOC ربما سيكون خبرا سيئا فيما يتعلق بالأمطار الموسمية التي عادة ما تهطل على ساحل إفريقيا الغربي،” ويضيف قائلا إن الأفراد الذين يعيشون هناك بالفعل هم من بين أكثر الشعوب عرضة لمخاطر تغير المناخ.
وإذا عدنا إلى أوروبا، فإن درجات الحرارة الباردة ستعني تبخر مياه أقل لتكوين السحب؛ مما سيجعل كل شيء أكثر جفافا ويؤثر في المزارعين. وسوف تصيب هذه المنطقة موجات حر شديدة، إضافة إلى المزيد من العواصف والفيضانات في فصل الشتاء، وقد تعاني الولايات المتحدة أيضا فصولَ شتاء أكثر قسوة. وقد بدأنا نشعر ببعض ذلك بالفعل.
وأخيرا، سيؤثر ضعف الدورة AMOC في الحياة البحرية، بما في تلك التي نعتمد عليها. “وسوف تهاجر بعض الموارد السمكية المهمة مثل سمك القد Cod وسمك الأسقمري Mackerel مع تغير أنماط دورة المياه،” كما يقول ثورنالي، ويضيف قائلا ناهيك عن أن بعض التيارات تؤدي دورا رئيسيا في انتشار اليرقات.