كيف نفكر في … الزمن
تقول الفيزياء إن انطباعنا عن زمن يجري بسلاسة هو حادثة كونية. ومن ثم لماذا نعتقد أن المستقبل يأتي بعد الماضي؟
لا تثق أبدا بأن يخبرك فيزيائيٌ بالوقت، كما تقول مارينا كورتيس Marina Cortes، من المرصد الملكي في أدنبرة Royal Observatory in Edinburgh في المملكة المتحدة. وتتابع قائلة: “إن للفيزياء فكرةً مختلفةً قليلا عن الزمن.”
لقد كنا نعتقد أننا حسمْنا هذا: كان الزمن هو دقات ساعة موجودة في مكان ما خارج الكون ويمكن قياس كلّ العمليات التي تجري بداخله بالنسبة إليها. وتحدد هذه الفكرةُ البديهية المستحبة للزمن المطلق أشياء مثل قوانين نيوتن التقليدية في الحركة، بل حتى أعمال معادلات ميكانيكا الكم غير البديهية، والتي هي أفضل ما لدينا لوصف تفاصيل الواقع بكلّ ما فيه.
لا تُلقِ بالا إلى مِنْ أين ستأتي هذه القراءات الخارجية، فقد أطاحتْ نظريات آينشتاين في النسبية بالفكرة كلها. فقد برهن آينشتاين على أن المكان والزمن هما نسبيان. وكلاهما جزءٌ من زمكان Space-time ملفوف بكل من الجاذبية والحركة بحيث أنه لا يستطيع أيٌّ من مراقبين اثنين الاتفاق أين ومتى يحدث أيّ شيء.
وهذه الاختلافات غير محسوسة لنا، لأننا نعيش حياتنا كلها في مجال الجاذبية نفسها تقريبا وبالسرعات الصغيرة نفسها تقريبا. فقد خُدِعنا بالتفكير في أن الزمن مطلقٌ نتيجة ظروف طارئة كما يقول كارلو روفيللي Carlo Rovelli من جامعة آي مارسيل Aix-Marseille University في فرنسا، ويتابع: “بحسب تجاربنا، فإن الزمن يمرُّ بالمعدّل نفسه. إلا أن هذا صحيحٌ فقط في التقريب غير النسبي الذي نعيش فيه.”
لذا، فالقاعدة الأولى في التفكير السليم بخصوص الزمن: استبعد الفكرة أنه يدقُّ بالمعدل نفسه دائما. والقاعدة الثانية: استعد لإنكار أنه يدق على الإطلاق.
إننا خلال تجربتنا محمولون في زورق حاضرٍ أبديًّ يسري بنا في جدول هادر من الزمن من الماضي إلى المستقبل. غير أن الفيزياء تقول “لا” لسريان الزمن. إذ توحي نظرية الكم أنه يجب على الأشياء أن تقع إلى الوراء (في الزمن) مثلما تقع إلى الأمام. في الوقت نفسه، فإن الصعوبة التي تواجهها النسبية لوضع الحوادث في اتجاه واحد لا لبس فيه تؤدي إلى دفع الفيزيائيين إلى اقتراح أنّ الواقع هو كتلةٌ ساكنةٌ رباعية الأبعاد من الزمكان، يوجد فيها كلّ الزمن دفعة واحدة.
القاعدة 1: استبعد الفكرة أن الزمن يسري بالمعدل نفسه.
القاعدة 2: إنسَ أنه يسري أصلا.
ويفسر معظم الفيزيائيين الوهم بأن الزمن يسري باستخدام التزايد الحتمي للأنتروبيا (انظر: كيف نفكر في… الأنتروبيا).
إذ يجب أن يكون الكون قد بدأ ببنية مرتبة بشكل لا يصدق، وما نسميه الزمن إنما هو الانجراف المستمر بعيدا عن هذه الحالة.
ففي حين تسري الأشياء في كتلة الكون، إلا أنّ الزمن لا يتحرك. يقول كريغ كالندر Craig Callender، فيلسوف الفيزياء من جامعة كاليفورنيا University of California في سان دييغو: “الزمن هو الاتجاه على تلك الكتلة والذي تعطينا فيه الفيزياء سردها الأكثر عمقا وقوة.” فالواقع الذي نعانيه “الآن” هو مثل صفحة من كتاب. ويتابع كالندر “أنت تقلب الصفحات بالاتجاه الذي تتطور فيه القوانين.”
مرتبة؟ ليس تماما. فمفاهيم الزمن في الفيزياء الحديثة لا تخالف بديهياتنا فقط، إلا أنها تخالف بعضها البعض أيضا. وهذا ليس بمستغرب بتاتا علما بأن كلاًّ من النسبية ونظرية الكم تفشلان في الاتفاق على أي شيء. ويعتمد الوصول إلى فكرة أدق عن كيفية عمل الزمن على إيجاد نظرية للجاذبية الكمية قادرةٌ على توحيدهما – و[فهم] ماهية الزمن حلمٌ بعيد المنال.
غير أن هذا ربما لايكون ذا أهمية. إذ يقول روفيلي: “يمكننا أن نستعمل مفهومنا التقريبي للزمن في حياتنا اليومية وهذا كاف. تماما مثلما أننا نستطيع الاعتقاد أن الأرض مسطحة في حياتنا اليومية، وأنها لا تدور.” وتقول كورتس: “عندما يتعلق الأمر بأجوبة أعمق، فإن تخمينك لا يقل قيمة عن تخمين أي شخص آخر. وبالنسبة إلي فإن الزمن هو أكثر أوجه الطبيعة غموضا، ولو توصلت إلى معرقة كيف أفهمه لتقاعدت حينها.”