كيف نفكر في … قطة شرودنغر
قصة القطة الميتة والحية في الوقت نفسه، والتي تشكل مصدرا للكثير من الدعابات على القمصان القطنية، مألوفة تماما، إلا أن الخبراء منقسمون على معناها.
إنها أسوأ حالة للقسوة على الحيوان في الفيزياء. أم هل هي كذلك؟
لم يكن الفيزيائي إرفين شرودنغر Erwin Schrödinger الذي ابتدع هذه الفكرة الشهيرة في الثلاثينات من القرن الماضي حول قطة حية وميتة في آن واحد ليتصور أنها يمكن أن تغزو الوعيّ الشعبي، أو كم عدد النكات المريعة التي ستفرّخها.
ولكن ما رأيك بهذه النهاية: مازلنا حتى الآن لا نعرف ما تعنيه قطة شرودنغر. وما تفسره أنت عنها يعتمد على موقفك من السؤال الأساس عن مصدر الواقع.
في التركيبة الأساس للتجربة فإنك تأخذ قطة وتضعها في صندوق مفخخ بذَرَّة مشعَّة ومطرقة وقارورة من غاز سام. فتتحلل الذرة مؤدية إلى سقوط المطرقة، فتنكسر القارورة لتختنق القطة.
أم لا يحدث ذلك. فالتحللات الإشعاعية هي تحولات عشوائية تصفها نظرية الكم، ولذا لا يمكننا أن نقول متى ستحدث. وتقترح نظرية الكم بكلّ قوة، بأنه قبل رؤية أو قياس أي جسم فإنه يكون موجودا في “تراكب” Superposition لكل حالاته الممكنة. فقبل أن نفتح الصندوق تكون الذرة متحللة وغير متحللة، والقطة ميتة وحية.
طريقتان في وقت واحد
فبالنسبة إلى شرودنغر هناك طريقتان في آن واحد. وتوضح هذه الحالة غرابة تفسير “كوبنهاغن” السائد لنظرية الكم، والذي يسمح للأشياء بأن تكون في حالتين في الوقت ذاته إلى أن يقضي قياسٌ الغموضَ (ومن المحتمل القطة). ويقول روبرت شولكوف Robert Schoelkopf من جامعة ييل Yale University: “كان شرودنغر يحاول أن يجد مثالا مُغاليا يُلقي الضوء على الصعوبات المفاهيمية التي كان يتصارع معها.”
يقول أندرو برغز Andrew Briggs، من جامعة أكسفورد University of Oxford: “إننا لا نعيش في مثل ذلك الوضع، لا نعيش في تراكب من أن نصبَّ حليبا في وعاء الحبوب أو لا.” بالنسبة إليه هذا غير وارد: فالمفهوم غريب جدا من منطلق واقع تجارب حياتنا.
وهناك مشكلات أكثر جوهرية. إذ يوحي تفسير كوبنهاغن أن المراقب “يختزل” الشك الكمّيّ Quantum uncertainty الكامن إلى واقع أكيد بمجرد ملاحظته. هل يفترض أن يكون هذا المراقب بشرا؟ هل يمكن لأي كائن حي آخر له فكر واع أن يؤدي ذلك؟ أو آلة تصوير منصوبة على حامل؟ وكيف صار أيّ شيء محددا في الكون الأولي حيث لا شيء في الجوار لمراقبة أي شيء؟ يقول برغز: “بالنسبة إلي لا يزال ذلك سرا غامضا جدا.”
وللبدائل بالتأكيد مشكلاتها الخاصة بها. فتقترح فرضية العوالم الكمية المتعددة مثلا أنه في اللحظة التي يحصل فيها مراقب على معلومات كافية للاستنتاج فيما إذا كانت قطة شرودنغر حية أو ميتة، فإن العالَم يخرج بكونٍ موازٍ يحوي النتيجةَ الأخرى (انظر: كيف نفكر في … الأكوان المتعددة).
وهناك أيضا نظرية الاستدلال البايزي الكمي Quantum Bayesianism (اختصارا: الاستدلال QBism) إذ لا تكون حالة القطة، بحسب هذا الطرح، غير محددة بل إن حالتنا الفكرية هي التي تكون كذلك – وفي كلتا المقولتين يجب علينا قبول القيود الأساس على ما نعرفه عن الواقع. في حين ينساق فلاتكو فيدرال Vladko Vedral، من جامعة أكسفورد، وراء نظرية الانهيار الموضوعي Objective collapse theory. حيث لا تدمّر التراكبات، في هذه الصورة، نتيجة المراقبة، بل بدلا من ذلك تتسرب طبيعيا إلى الجوار المحيط وتختفي في النهاية. لا بأس بذلك – لكن ماذا يعني هذا للقطة؟
من المحتمل أن نفهم في النهاية هذه الحالة غير المُحدَّدة. حاليا، صارت التجاربُ التي تقترح أننا وضعنا الجزيئات والدارات كهربائية في حالات متراكبة تجاربَ شائعةً. وينمو مقياس التراكبات الكمية الحساسة التي نستطيع الحفاظ عليها نموا متصاعدا. بل اقترح الباحثون محاولة الشيء نفسه على الفيروسات التي هي كائنات حية تتأرجح على حافة الحياة. يقول فيردال: “لا يؤخر وصولنا إلى صنع تراكبات جهرية إلا مدى توفر النقود [لإجراء التجارب].” وعندئذ قد يقتل الفضول القطة فعلا.