بقلم: كلير ويلسون Clare Wilson
تُشير العناوين الباعثة على القلق إلى أنّ واحدة من كل أربع فتيات مراهقات في المملكة المتحدة تؤذي نفسها ذاتيا، إذ تحفزها القوالب النمطية الجنسية والضغوط التي تجبرها لتبدو جيدة في مجتمع يسوده الصور الملتقطة ذاتيا Selfieبكثرة. ربّما لا تكون الحقيقة قاتمة كما تظهر لأول مرة.
وتأتي هذه القصص من تقرير صدر عن جمعية خيرية بريطانية بعنوان مجتمع الأطفال The Children’s Society، والمستند إلى دراسة استقصائية أُجريت على أحد عشر طفلًا في سن الرابعة عشرة 14 عامًا، والتي تدعى دراسة جيل الألفية Millennium Cohort Study. ومن بين الفتيات قال اثنان وعشرون في المئة إنهن قمن بإيذاء أنفسهن ذاتيًا. أما الأولاد؛ فكانت النسبة تسعة في المئة.
وبينما يستحضر مصطلح “إيذاء الذات” صوراً للمراهقين الذين يجرحون أنفسهم، قد يكون ذلك، لحسن الحظ، مجرد النهاية الأكثر تطرفاً لطيف أوسع. وفي هذا الاستطلاع، سُئِل المشاركون فقط عما إذا كانوا قد “جرحوا أنفسهم عن قصد بأي شكل من الأشكال.”
وكان بإمكان البعض الإجابة بنعم عن أشياء مثل لَكُمْ جدار بدافع الغضب. وكان من الممكن أن يظن آخرون أنّ السؤال يشتمل على الأذى العقلي مثل: قضاء أمسية بائسة في تعقب صديق سابق على وسائل التواصل الاجتماعي. وكانوا بحاجة إلى القيام بشيء من هذا القبيل حتى ولو لمرة واحدة فقط في العام الماضي لكي يُحتسب.
ومن الطبيعي أن يكون هذا السلوك المدمِّر للذات مصدر قلق للوالدين، لكن ذلك لن يكون أمرًا غير معتاد في حالة المراهقين. إذ يعتقد ماكس ديفي Max Davie، وهو مسؤول عن تعزيز الصحة من الكلية الملكية البريطانية لطب وصحة الأطفال Royal College of Paediatrics and Child Health، أنّ الأذى الذاتي بين المراهقين آخذ بالارتفاع إلى حد ما، لكنه يعتقد أنّ السؤال في هذا الاستطلاع لم يكن محددًا بما يكفي للكشف عن مدى انتشاره الحقيقي.
وتنضم العناوين الإخبارية الأخيرة إلى سرد مستمر حول أزمة الصحة النفسية في شباب اليوم. ويلقي البعضُ اللومَ على انخفاض الخدمات الاجتماعية، بينما يشير آخرون إلى انحلال المعايير التي تضع المراهقين في خطر؛ أما الذين يشعرون بالقلق من التقنيات الجديدة، فهي وسائل التواصل الاجتماعي أو أحدث ألعاب الحاسوب الشائعة.
“أحدث العناوين الرئيسية تنضم إلى سرد مستمر حول أزمة الصحة العقلية في شباب اليوم.”
ولكن مثل هذه التقارير تستحق منا بعض التشكيك. وعادة ما تستند ادعاءات ارتفاع معدلات الاكتئاب إلى مسوحات ذات معايير فضفاضة وغير طبية. ولطالما كان المراهقون حزينين أو قلقين من وقت إلى آخر. ونحمد الله على أنّ حالات الاكتئاب السريري لا تزال نادرة في هذه الفئة العمرية.
وفي الواقع، فإن المسح المختلف والمتكرر بانتظام لم يجد أي تغيير في رضاء الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و 15 عامًا عن الحياة ككل بين عامي 1995 و 2016. وكما لم يتغير رضاهم عن مظهرهم؛ مما يجعل من الغريب إلقاء اللوم على ثقافة الصور Selfie في الانتشار الواضح لإلحاق الضرر الذاتي بالنفس.
حتى أنّ هذا المسح الذي أطلق عليه اسم فهم المجتمع Understanding Society قد وجد ارتفاعًا في السعادة مع الأسرة والعمل المدرسي خلال تلك الفترة. وهذه النتائج الأكثر تفاؤلاً كانت أيضاً في آخر تقرير لمجتمع الأطفال، ولكنها مدفونة في الجزء السفلي من بيانهم الصحفي.
ويعتقد ديفي أنّ الارتفاع في إيذاء الذات ربّما لا يكون نتيجة لزيادة التعاسة، ولكن ببساطة هذه الفئة العمرية ترى الآن أنّ الأذى الذاتي هو وسيلة مقبولة من الناحية الثقافية للتعبير عن الألم، إذ قال: “ربّما لا يعرف الناس في السابق أنّ هذا شيء يمكن القيام به. فإذا كان الناس يتحدثون عن شيء ما وتطبيعه؛ فمن المحتمل أن يقوم أقرانهم بذلك.”
وإذا كانت هذه هي الحال، فمن المهم عدم جعل الأذى الذاتي يبدو أكثر شيوعًا مما هو عليه في الواقع.
نُشرت المقالة في مجلة نيوساينتست New Scientist ، العدد 3194، 8 سبتمبر 2018