10 ألغاز كونية: كيف بدأ كل شيء؟
التوهج اللاحق والخافت الذي نرصده في السماء يُخبرنا بأن الكون ظهر إلى حيز الوجود عبر انفجار حصل قبل 13.8 بليون عام من الآن، لكن لم نحصل إلى الآن على القصة الكاملة للانفجار الكبير.
بقلم: جوشوا هوغيغو Joshua Howgego
عندما أُسدِل ستار الكون، استمرت الأضواء لبرهة. فعلى مدار نحو 380 ألف عام الأولى، وهي مجرد لحظة من عمر المسرح الكوني، قارعت الجسيماتُ المشحونة الضوءَ الناجم عن المراحل المبكرة جداً من عمر الكون كما لو أنه داخل كتلة كبيرة من الضباب، ولم يتمكن من النجاة. وبعد ذلك، بردت الأشياء لدرجة كافية تمكنت معها الذرات من التشكل وتوقف التشتت -وانبعث الضوء.
ومن الملاحظ أنه مازال بإمكاننا مشاهدة ذلك الضوء. فنحن نعلم من عمليات الرصد التي نجريها على الحركات المجرية أن الفضاء يستمر بالتوسع منذ الفجر الكوني، وأن ذلك الضوء تمدد أيضاً وبَرُد في الوقت نفسه، وهو يغمر الآن كامل الفضاء على شكل حمَّام من الموجات الميكروية منخفضة التوتر تبلغ درجة حرارتها 2.7 كلفن.
ومنذ اكتشافها في عام 1964، وضعنا خرائط فائقة الدقة لتلك الخلفية الكونية الميكروية لكافة أرجاء السماء. وقد قاد أفضل عمليات المسح تلك، وهو الذي استكمله القمر الاصطناعي بلانك عام 2014، إلى إعادة التفكير قليلاً. فقد ألقى التوهج اللاحق للانفجار العظيم بظلالٍ من الشك عما إذا كان ذلك الانفجار كبيرا حقاً. وتكمن المسألة في فكرة التضخم Inflation، وهي نظرية وضعها عالم الكون آلان غوث وآخرين في ثمانينات القرن الماضي لتفسير سبب ظهور الأشياء في الكون متوزعة بشكلٍ متجانس في كل الاتجاهات. فأثناء حادثة الانفجار الكبير، لا بد أن الاضطرابات الكميّةّ (الكمومية) قد قادت إلى اختلافات في كثافة المادة نمت بدورها مع توسع الكون. وقد فسر غوث هذا التشابه الكوني عبر اقتراح وجود حقل “متضخم” ملأ الكون عند حصول الانفجار الكبير، ومن ثم أجبره على التوسع بمعدل أسرع من سرعة الضوء. وذلك يعني أن كل شيء نراه الآن نتج في الحقيقة عن منطقة صغيرة جداً ومتجانسة هي الفضاء الأصلي.
صارت نظرية التضخم عقيدة بشكلٍ سريع. ولكن كلما كانت طاقة حقل التضخم أكبر، وجب على الزمكان أن يتعرض لمزيد من الاهتزازات الناجمة عن موجات الجاذبية عند بدء الزمن. وإلى الآن لا نرى أية آثار لتأثيرات موجات الجاذبية في خريطة بلانك. وليس من المستحيل جمع ذلك من التضخم، لكنه صعب للغاية وفقاً لآنا إيجاس Anna Ijjas عالمة الكون في جامعة كولومبيا Columbia University بنيويورك، التي تقول: “ما تعلمناه من مهمة بلانك أن أبسط النماذج غير صالحة.”
ويعني هذا أن نظرية التضخم في وضع بائس، لكن إيجاس تُعلِّق على الأمر قائلةً: “يُمكننا محاولة إصلاحها، أو يُمكننا إيجاد شيء أفضل.” تُحفز خريطة بلانك هذه العالِمة وغيرها، بمن فيهم واحد من مهندسي نظرية التضخم وهو باول شتاينهاردت Paul Steinhardt من جامعة برينستون Princeton University، على إيجاد نظرة مختلفة للبداية. فهي لم تكن انفجارا وفقا لهم، وإنما ارتداد.
ظهرت النماذج التي تصف كون “دوري” يتوسع وينكمش ومن ثمّ يتوسع مجدداً منذ فترة ليست بالقصيرة، ومؤخراً تراكمت أدلة ظرفية تدعم هذه الفكرة (انظر: 10 ألغاز في الكون: ماذا جاء قبل الانفجار الكبير؟). تكمن جاذبية هذه الأفكار في أنه على الرغم من أنها تضغط الكون ليكون صغيراً جداً، فإنها في الوقت نفسه لن تصل إلى مستوى من الأحجام سنحتاج معها إلى إقحام التأثيرات الكّميّة التي لا يزال فهمنا لها ضئيلاً جداً في المشهد، فالتجانس ينتج بشكلٍ طبيعي من الضغط.
لم يستطع أحد حتى الآن تخمين الجواب الصحيح، لكن إيجاس تتوقع أنه سيكون بالإمكان وضع تنبؤات تعتمد على نماذج الارتداد خلال عامين من الآن، ومن ثمّ مقارنتها بنتائج عمليات رصد الخلفية الكونية الميكروية. ربما كانت بداية الكون معتمة، لكن من المحتمل أن نراها قريباً بضوء جديد.