10 ألغاز كونية: هل الأرض مكان مميز؟
منذ عهد كوبرنيكوس تمسكنا بالفكرة القائلة إن الأرض مكان مميز في الكون، لكن الاكتشافات الحديثة تقترح أنّ تلك الفكرة ليست الحقيقة كاملةً.
بقلم: كولين ستيوارت Colin Stuart
كوننا بمجمله مبنيٌّ على الفكرة القائلة بعدم روعتنا، فلا شيء يُميزنا نحن، ولا الأرض كذلك. وتعود هذه الفكرة إلى عصر النهضة واكتشاف كوبرنيكوس أن الأرض تدور حول الشمس، فحينها وبشكلٍ مفاجئ لم نعد مركز الكون. ومنذ ذلك الحين صار من الواضح أن الأرض مجرد كوكب يدور حول نجم آخر وداخل مجرة كالعديد من المجرات الأخرى. وتحوّل اكتشاف كوبرنيكوس ذلك إلى المبدأ الكوبرنيكي الذي ينص أنه بالمتوسط لا يوجد مكان مميز بشكلٍ خاص في الكون. فكل شيء يبدو متشابهاً، ولا توجد أماكن خاصة. صُهر هذا الافتراض بشكلٍ مطلق داخل نماذجنا الحالية عن الكون والمبنية على نظرية النسبية العامة لآينشتاين.
ترتبط المركزية في مبدأ كوبرنيكوس بفكرة الأحجام. تخيل الكون على شكل حشد من البشر، فعندما تكون قريباً سيكون بمقدورك ملاحظة الشذوذات المنفردة. الآن ابتعد بشكلٍ كافٍ وحينها سترى المشهد وكأنه تكتل متجانس من الأشخاص. لذلك، وعلى الرغم من ظهور الكون متمايز جداً عند سلالم القياس الصغيرة ومؤلف من أنظمة نجمية منفردة، وكذلك مجرات وعناقيد مجرية، إلا أنه عند أحجام كبيرة كفاية، لنقل بليون سنة ضوئية، فإن تلك الاختلافات تختفي. وفي المتوسط فإن شبكة الأشياء التي تؤلف الكون تكون متجانسة حينها.
ظهرت العديد من التحديات لهذه الفكرة مؤخراً. وربما يكون أكبرها الجدار العظيم (BOSS) المكتشف عام 2016. وهذا الجدار، الذي سُميَّ كاختصار للأحرف الأولى من المسح الطيفي للاهتزازات الباريونيةBaryon Oscillation Spectroscopic Survey، عبارة عن فتيل عملاق مكوَّن من آلاف المجرات التي تصطف على طول بليون سنة ضوئية. كما أنّ عنقود العذراء المجري الفائق Virgo supercluster المكون من مجموعة من المجرات الكثيفة بما فيها مجرتنا ربما يكون جزءاً من شيء أكبر بكثير. ويقول أندرياس كوفاكس András Kovács من معهد فيزياء الطاقة العالية Institute for High Energy Physics في برشلونة بإسبانيا: “نحن نعيش في محيط عنقود مجريِّ فائق الكبر يُعرف بـ لانياكيا Laniakea.” يبلغ امتداد هذا العنقود، الذي جرى ترسيمه عام 2014 نحو 500 مليون سنة ضوئية، وقد اكتشفنا في ذلك العام أيضاً فراغا واسعا جداً يُعرف بالفراغ الفائق super-void الموجود في جوارنا والممتد على طول بليوني سنة ضوئية.
وبأخذ كل ذلك بالحسبان، فربما نحتل في الحقيقة بقعة استثنائية من الكون، وهي تقع بين العنقود المجري فائق الكبر من جهة، وبين الفراغ الفائق من جهة أخرى. ويعلق كوفاكس على ذلك بالقول: “قد يُمثل مثل هذا السيناريو تشكيلاً نادراً للشبكة الكونية.” لن يقود ذلك إلى نهاية المبدأ الكوبرنيكي وفقاً لبرنت تُولي Brent Tully من معهد علم الفلك Institute for Astronomy في هاواي، إذ من المحتمل أن موقعنا الغريب هذا يجعل من رؤية تجانس الكون أكثرَ صعوبة. ويعمل تولي حالياً على توسيع خرائطنا المتعلقة بالكون، ليضاعف بذلك المسافة التي يجري على طولها قياس التجانس.
ولكن عند نقطة معينة سنصل إلى الحد الأقصى لقدرتنا، إذ يضيف تولي: “إذا كانت الأجزاء غير المتجانسة أكبر من هذا الحجم، عندها سيشكل هذا تحدياً لنموذجنا القياسي الحالي.” إذا تمكنا من تحديد أي شيء أكبر بكثير من الجدار العظيم BOSS، فإن الاضطرابات الحاصلة في نسيج الزمكان والناجمة عن كتلته الضخمة قد تغير من حساباتنا لسرعة توسع الكون، ومن ثم عمره الحالي. في الوقت الراهن، هناك قياسان متنافسان لمعدل توسع الكون وهما لا ينسجمان. وقد تمثل هذه البنى الإضافية مفتاحاً لحل هذه المسألة، ومن ثم إقفال الباب أمام المزيد من التكهنات.