نساء في الفيزياء: لماذا هناك مشكلة وكيف يمكننا حلّها؟
لا تزال المرأة غير ممثلة بالقدر الكافي في الفيزياء - ولكن لا يجب أن تكون تلك هي الحال. ينظر تقريرنا الخاص إلى الخطوات التي يمكننا اتخاذها لتحسين الوضع
بقلم: فاليري جيميسون Valerie Jamieson
ترجمة: مي منصور بورسلي
عندما كنت في السادسة عشرة من العمر، تمت مقابلتي وصديقتي كارين من أجل فيديو تعليمي. وشرحنا من خلاله، مع شعرنا المليء برغوة التصفيف وعيوننا المزينة بالكحل الأزرق الباهت وغرور سن المراهقة الذي لم يكن في محله، لماذا اخترنا دراسة الفيزياء. كنا الفتاتين الوحيدتين في مدرستنا في تلك السنة ممن يرغبن في هذا التخصص. وكان هدف الفيديو إلهام البنات الأخريات لفعل الشيء ذاته. كنا سنُغير العالم.
وبعد مرور ثلاثين عامًا أظنّه من المناسب القول إنّ طموحنا قد خُذِل. وفي عام 2016، لم تدرس أي فتاة المستوى الأول في الفيزياء فيما يقرب من نصف المدارس في إنجلترا التي تقبل البنات. وفي العام ذاته، سجلت فتاتان أو أكثر لدراسة المادة في ثلث المدارس فقط. وينطبق الوضع ذاته على معظم أنحاء العالم. وعلى الرغم كل المبادرات لجذب المزيد من البنات لدراسة الفيزياء، تظل هذه النسبة منخفضة بإصرار.
وفي الأسابيع الأخيرة دخلت الفيزياء والتمييز ضد الجنس في دائرة الضوء بسبب التعليقات النارية للفيزيائي النظري البروفيسور أليساندرو ستروميا Alessandro Strumia. في ورشة عمل حول الجنوسة (الجنس الاجتماعي) Gender في الفيزياء، من بين كل الأماكن، في سيرن CERN بالقرب من جنيف في سويسرا، حيث ادعى أنّ النساء أقل أهلية من الرجال في أبحاث الفيزياء. وفي اليوم الذي تلا إيقاف سيرن للبروفيسور عن العمل، صارت دونا ستريكلاند Donna Strickland ثالث امرأة تحوز على جائزة نوبل في الفيزياء عبر تاريخ الجائزة الممتد لـ 117 عامًا، فتقاسمت الجائزةَ عن عملها الرائد في مجال الليزر.
كل هذا يرسم صورة غير مُرحّبة بالمرأة لتتخذ الفيزياء كمهنة ويعزل العديد ممن نجحن منهن في المجال. ولكن لِمَ تظل هذه هي الحال في عام 2018 – وماذا يمكننا أن نفعل حيال ذلك؟
يسار: فيليزي ألبرت Félicie Albert، عالِمة في فيزياء الليزر في مختبر لورانس ليفرمور الوطني Livermore National Laboratory بولاية كاليفورنيا: “أعتقد أنّ الفيزياء يُنظر إليها تقليديا على أنها مجال يهيمن عليه الرجال، ولذا فنحن بحاجة إلى إعادة التوازن إلى الأمور. وجائزة نوبل لهذا العام هي بالتأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح، ودعونا نأمل بألا نضطر إلى الانتظار لمدة 55 عامًا للمرحلة التالية!.” يمين: كارول مونديل Carole Mundell، عالِمة الرصد الفيزيائي الفلكي في جامعة باث University of Bath بالمملكة المتحدة: “في بلدان مثل المملكة المتحدة، كانت فترة قصيرة نسبيا منذ بداية قبول النساء في الجامعة، ومنحها درجات علمية، والسماح لها بمواصلة العمل بعد الزواج والعودة إلى العمل بعد الأمومة. لذا يستغرق الأمر وقتًا وجهدًا واعيًا لضمان أنّ هذه التغييرات تغذي المجالات التي يهيمن عليها الذكور تقليديًا مثل الفيزياء. والآن هو وقت حماسي لتحقيق ذلك.”
Left: Julie Russell Right: Nic Delves-Broughton/ IDPS, University of Bath 2016
دعونا نوضّح أمرًا. إذ تتمتع البنات بأهلية البنين نفسها في الفيزياء. ولست بحاجة إلى إجراء مسح للدماغ لمعرفة ذلك، ما عليك سوى الاطلاع على نتائج الاختبارات الدراسية. ويقول تشارلز تريسي Charles Tracy، رئيس قسم التعليم من معهد الفيزياء Institute of Physics في المملكة المتحدة: “مستوى أداء البنات هو بمستوى البنين نفسه على الأقل، إن لم يكن أفضل.” وفي هذا العام حققت 30 % من البنات درجتين أعلى من البنين في فيزياء المستوى الأول – تكون الأعمار التي تُسجّل فيها عادة من 16 إلى 18 سنة – مقارنة بنسبة 29.5 % من البنين. وليس صحيحا أن البنات لا يدرسن المادة. ففي عام 2018، اختارت أكثر من 8300 فتاة دراسة الفيزياء المستوى الأول، مقارنة بنحو 6 آلاف من الذين اختاروا الفرنسية.
تكمن المشكلة في أنّ هذا الأمر يُعدّ ضئيلًا للغاية بالمقارنة بـ 29400 فتى اختاروا المادة (انظر: الرسم البياني). كانت الفيزياء ثاني أكثر مواد المستوى الأول المحببة لدى البنين، ومع ذلك كانت بالرتبة 18 بالنسبة إلى البنات. وتقول جوليا هيغينز Julia Higgins، رئيسة معهد الفيزياء: “العديد من البنات اللواتي يمكن أن يلتحقن بمِهن في الفيزياء يتركن الدراسة. ومن المخجل أن نفقد هذا القدر من المواهب.”
يبدو أنّ هناك شيئًا ما يحدث حول سن 16 عامًا. حتى هذه النقطة، معظم البنات اللواتي درسن العلوم تكون درجاتهم في الفيزياء ضمن أعلى أربع درجات حققنها، ولكنهن يتركنها بعد ذلك. لماذا؟
وكان معهد الفيزياء يحاول معرفة السبب منذ ما يقرب العشرين عامًا. وتقول هيغينز: “عندما بدأنا نبحث عن الأسباب، وجدنا أنّ هناك القليل من الأدلة.”
وفي البداية، اعتقد المعهد أنّ الأمر متعلّق بالتمييز ضد الجنس Sexism والقوالب النمطية Stereotypes في تدريس الفيزياء. وبعض المبادرات المعنية بمعالجة هذه المسائل حظيت ببعض النجاح، مما دفع نسبة البنات اللواتي اخترن دراسة فيزياء المستوى الأول من 17 إلى 23 %. ولكن التقدّم تذبذب بعد ذلك حتى توقف. وبدأ المعهد يشتبه في أنّ المشكلة لم تكن مع مُدرسي الفيزياء أو حتى مع أقسام العلوم، ولكنها مشكلة مع المدرسة بأكملها.
وما أعقب ذلك هو أقرب إلى تجربة مُتحكم فيها Controlled experiment للبحث عن الأسباب. وابتداءً من عام 2014 شاركت 26 مدرسة في دراسة استغرقت سنتين واتخذت أربع مقاربات مختلفة. إذ عَمِلت المجموعة الأولى من المدارس على تحسين ثقة البنات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 13 و14 عامًا. وركّزت مجموعة ثانية على العمل مع معلمي الفيزياء. وعملت الثالثة على معالجة ثقافة المدارس ككل من خلال إشراك المعلمين والراعين والطلبة من كل مادة، وليس فقط في مواد العلوم. وشاركت المجموعة الأخيرة المكونة من ست مدارس في مشروع رائد تموله مؤسسة درايسون Drayson Foundation، جمع بين هذه المقاربات الثلاث وصممها خصيصًا لتلائم احتياجات كل مدرسة على حدة.
وكانت النتائج إيجابية في جميع الحالات، ولكن ما برز بالفعل هو النتائج من المدارس المشارِكة في مشروع درايسون. فقد ازداد عدد البنات اللواتي بدأن بدراسة فيزياء المستوى الأول إلى أكثر من ثلاثة أضعاف في عامين، لترتفع بذلك النسبة من 16 إلى 52. “لقد بحثنا في الفيزياء ولم تكن الفيزياء هي المشكلة، إنها البيئة المحيطة،” كما تقول هيغينز. والآن يُخطط معهد الفيزياء لطرح نسخة أكبر من مشروع درايسون الرائد في 100 مدرسة في إنجلترا، بدءًا من مارس 2019.
حتى لو تعاملنا مع مشكلة تحفيز البنات ليخترن الفيزياء في المدرسة، فإنهن ما زلن يواجهن مشكلات أثناء تقدمهن أكثر خلال حياتهن المهنية. فقد افترقت عن كارين عندما تركنا المدرسة، هي درست الجيولوجيا وأنا درست الفيزياء في جامعة غلاسكو University of Glasgow. وبينما كان عدد الرجال يفوق عدد النساء، إلّا أنّني لم أكن وحدي بالتأكيد. فقد كان نحو 20 % من الطلبة الجامعيين من الإناث، وهو رقم نموذجي في بلدان أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة.
باستثناء إيران، حيث إنّ 60 % من طلبة الفيزياء الخريجين هم من النساء. “تقدم بعض بلدان الشرق الأوسط فرصًا متوازنة بشكل جيد في النظام التعليمي غير المختلط،” كما تقول غيليان بوتشر Gillian Butcher التي ترأس مجموعة عمل الاتحاد الدولي للفيزياء والفيزياء التطبيقية International Union of Pure and Applied Physics المعنيَّة بالمرأة. “لكن فرص ما بعد التعليم محدودة؛ مما يُقيّد النساء ليكنَّ فقط معلمات للجيل القادم من النساء.”
يسار: آغنيس موكسي Ágnes Mócsy، عالِمة الفيزياء النظرية من معهد برات Pratt Institute في نيويورك: “نحن نُحضر معتقداتنا الشخصية حول الآخرين وعن أنفسنا إلى الساحة. بعدئذٍ ننتهي بمعاملة وتقييم ومن ثم الحكم على الأشخاص المختلفين عنا بطُرق متفاوتة. وبعضنا يأتي من العديد أقليات ذات الهويات المختلفة، ومن ثم قد تصير الحواجز أكثر تعقيدًا.” يمين: شاندا بريسكود – وينشتاين Chanda Prescod-Weinstein، عالِمة الكونيات والفيزياء النظرية من جامعة واشنطن University of Washington في سياتل:” هنا في الولايات المتحدة، نعيش في مجتمع يُعادي الشعوب الأصلية ويؤمن بسيادة العرق الأبيض والمجتمع الذكوري، وبذلك قد وَرِثت الفيزياء كمجموعةٍ مشكلاتَ المجتمع.”
ومعظم البلدان لديها مشكلات في موقع ما على طول الخط، كما تقول بوتشر. ويمكن أن تشمل هذه توفير فرص مهنية محدودة أو بيئة معادية في العمل. وتقول إيما تشابمان Emma Chapman، زميلة الجمعية الملكية الفلكية Royal Astronomical Society من جامعة إمبريال كوليدج لندن Imperial College London: “تواجه النساء مجموعة كبيرة من العقبات في كل مرحلة من مراحل حياتهن المهنية.”
وعلى سبيل المثال، تُبيّن الأبحاثَ أنّ النساء في العلوم أكثر عرضة من الرجال لتجاهل رسائل البريد الإلكتروني عند طلب معلومات حول وظائف الدكتوراه المُحتملة. وفي المتوسط، يجب أن يكن قد نشرن ثلاث مقالات أكثر من الرجال في دوريات ذات مستو عالٍ ليحصلن على الوظيفة الأكاديمية نفسها. ومن المرجح أن يتركن حياتهن المهنية بسبب التحرشات والتنمر. وهذه المشكلات ليست فريدة من نوعها في الفيزياء: فالمرأة تواجهها عبر مجالات العلوم.
ولمعرفة المزيد عن التجارب التي يخوضها الفيزيائيون يوميًا، أجرى المعهد الأمريكي للفيزياء American Institute of Physics مسحًا لعدد 15 ألف شخص من 130 دولة. وكان هذا أول مسح من نوعه يستكشف ما إذا كان الرجال والنساء يتمتعان بفرص متساوية للوصول إلى الموارد التي يحتاجون إليها لإجراء الأبحاث وتقديم نتائجها. ومن دون تمويل كافٍ وعدم توفر مساحة في المختبر وميزانية للسفر وطلاب للمساعدة في البحث، على سبيل المثال، قد المسيرة المهنية للباحث. وفي الوقت ذاته، يمكن أن تساعد الخبرات، مثل تلبية دعوات للتحدث في مؤتمر أو العمل كمُحرر لمجلة، على التقدم في مهنة ما.
وكشف المسح أنّ النساء كُن أسوأ حالًا من الرجال على كافة الأصعدة. وعلى الرغم من وجود اختلافات بين الدول المتقدمة جدًا وتلك المتدنية جدّا في مستواها، إلّا أنّه في جميع أنحاء العالم تُعاق مسيرة الإناث الفيزيائيات. فعلى سبيل المثال، 17 % فقط من محاضري الفيزياء في المملكة المتحدة من النساء؛ مما يقلل نسبة الأساتذة إلى 7 %، وفي إيطاليا إلى 8 % فقط.
يسار: جيسي كريستيانسن Jessie Christiansen، عالِمة الفيزياء الفلكية، أرشيف الكواكب الخارجية التابع لناسا NASA Exoplanet Archive: “يتعلم الأطفال عن إنجازات الفيزيائيين التاريخيين الذكور، يربح الفيزيائيون الذكور الجوائز ويرأسون المناقشات ويظهرون في وسائل الإعلام. ويُنظر إليهم على أنهم شخصيات ذات السلطة في الفيزياء.” يمين: أثين دونالد Athene Donald، عالِمة الفيزياء التجريبية من جامعة كيمبردج University of Cambridge: “في المملكة المتحدة، من خلال السلوكيات والألعاب والتعليم ينقل مجتمعنا وثقافتنا ومدارسنا رسالة مفادها أنّ الفيزياء ليست للبنات. وإضافة إلى ذلك، على عكس معظم البلدان الأخرى، نحتاج إلى اتخاذ قرارات حول اختيار التخصص في وقت مبكر، حول سن 14. إذ يتعرض الأطفال في هذا السن للضغوط والرسائل الموجهة بصفة خاصة، سواء أ كانت من أقرانهم أو من البالغين.
وكل هذا مجتمعا يؤدي إلى معركة مستمرة مفروضة على النساء اللواتي يحاولن بناء مسيرة مهنية في هذا المجال. وتقول عالِمة الفيزياء جيس وايد Jess Wade في جامعة إمبيريال كوليدج لندن: ” تشعر النساء بالعزلة، إنه التحيز اللاواعي الذي يضفي الشعور بعدم الأهلية. ومقاتلة معارك التنوع Diversity إضافة إلى جهودك المصبوبة على بحثك هو أمر مرهق.”
في سبتمبروقد تحدّثت وايد ضمن ورشة عمل عُقدت في سيرن للنساء اللاتي في بداية مسيرتهن المهنية في الفيزياء. وقد ركّز الحدث على التطورات الأخيرة في الفيزياء النظرية عالية الطاقة وعلم الكونيات، مثل المادة المعتمة والثقوب السوداء والنيوترينوات. وكانت هناك أيضًا جلسات مُكرسة للبحث عن الجنوسة (النوع الاجتماعي) في الأوساط الأكاديمية بهدف وضع خطة عمل لدعم المرأة في الفيزياء.
ومع ذلك، فقد ألقى خطاب اليساندرو ستروميا بظلاله على ورشة العمل، الذي جادل في أنّ السبب الرئيسي وراء وجود عدد أكبر من الرجال في الفيزياء النظرية هو أنّ النساء بحكم طبيعتهن أقل كفاءةً على البحث في الفيزياء من الرجال. وليس هذا فقط، بل ادعى أنّ التحيز في الفيزياء قد صب في مصلحة النساء، وليس الرجال.
“كيف نتجه بعيدًا عن الادّعاء بأنّ الفيزياء للنوابغ؟”
وفي رسالة مفتوحة موقعة من أكثر من 4 آلاف عالِم في فيزياء الجسيمات وُصِمت حُججه بأنها “مستهَجنة أخلاقياً”. إذ تكشف الرسالة زيف كل واحدة من ادعاءات ستروميا. وعلى سبيل المثال، جادل في أنّ الرجال أفضل بطبيعتهم في الفيزياء لأنهم كتبوا الأوراق البحثية التي يُشار إليها في معظم الأحيان في العمل من قِبل باحثين آخرين. وهذا الدليل على التميّز منافٍ للعقل، لا سيما في فيزياء الجسيمات إذ من الممكن أن يصل عدد مؤلفي الورقة البحثية إلى الآلاف بسهولة نتيجة للممارسة الشائعة لإدراج كل عضو مشارك فيها. فالورقة التي تُفصّل اكتشاف بوزون هيغز Higgs في عام 2012، على سبيل المثال، تضم أكثر من 5 آلاف مؤلف. ولم يساهم العديد منهم كثيرًا في هذا التحليل بالتحديد.
والقضية الأخرى هي أنّ ستروميا تجاهل البحث الذي بيّن أنّ هناك تحيزًا في الطريقة التي يذكر بها المؤلفون المراجع التي استقوا منها عمل الباحثين الآخرين. وبشكل روتيني يجري تجاهل أوراق المؤلفين الإناث لصالح تلك التي كتبها الرجال، إما بوعيٍّ أو بغير وعيٍّ.
يسار: كاثرين هيمانز Catherine Heymans، عالِمة الفيزياء الفلكية في جامعة إدنبره University of Edinburgh، بالمملكة المتحدة: “الأمهات والجدات والعمات وبنات العمومة، هن أهم النماذج النسائية في حياة البنات الصغيرات، ويُقال لهن منذ سن مبكرة أن العلوم صعبة للغاية وليست لهن، مثلما قيل لهن عندما كن صغارًا.” يمين: سابين هوسنفلدر Sabine Hossenfelder، عالِمة الفيزياء النظرية في معهد فرانكفورت للدراسات المتقدمة Frankfurt Institute for Advanced Studies بألمانيا: “بشكل عام، يوفر تنظيمُ البيئة الأكاديمية القليلَ من الأمن الوظيفي في الوقت الذي يرغب فيه الناس بتكوين أسر، وهو عامل يثبط النساء أكثر من الرجال.”
في دائرة الضوء
In the spotlight
النساء اللواتي احتججن على حديث ستروميا، مثل وايد، وجدن أنفسهن هدفًا للإساءة عبر الإنترنت. وقد صدرت دعوة مشتركة للنساء لتقديم دليل على أنّ ستروميا كان مخطئًا.
هذا النوع من الثأر هو أيضًا السبب في أنّ الكثير من النساء في الفيزياء اللواتي يتعرضن للتحرش الجنسي من غير المرجح أن يشتكين رسميًا بشأن ذلك، وفقًا لما جاء في استعراض الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب National Academies of Sciences Engineering and Medicine في الولايات المتحدة في هذا العام. كما كُشف مؤخرًا عن عدّة حالات لفيزيائيين ذكور يتحرشون بطالباتهم، وأنّ الجامعات بطيئة بشكل فظيع في التعامل مع هذا الأمر. ووجد الاستعراض أيضًا أنّ أكثر من 50 % من المحاضِرات والموظفات في المؤسسات الأكاديمية قد تعرضن للتحرش.
وعلى الرغم من العناوين الكئيبة، يعتقد عالِم فيزياء الجسيمات جو كول Jo Cole من جامعة برونيل Brunel University في لندن أنّ المشكلات في الفيزياء ليست أسوأ مما هي عليه في أي مادة أخرى يهيمن عليها الذكور.
والأوقات تتغير للأفضل، كما يقول كول. إذ يُسلّط الضوء الآن على المشكلات التي كانت تُدارى في السابق والآن هي تخضع للمعالجة. “في أيامنا هذه، صار الناس أكثر وعيًا بقضايا التنوع في الفيزياء. فهم يأخذون الأمر على محمل الجد.” ولدى جميع من يعمل في التجارب الأربع في مصادم الهادرون الكبير Large Hadron Collider في سيرن لجنة متنوعة، إذ قدمت سيرن في عام 2010 أول مدونة سلوك تفرض على جميع الموظفين، بما في ذلك العلماء الزائرون اتباع ما جاء فيها.
وقد بدأت منظمات التمويل بالتعامل مع التحرش والتنمو بشكل جاد أيضًا. وفي مجال العلوم الطبية الحيوية، على سبيل المثال، تتطلب وقفية ويلكوم Wellcome Trust من المنظمات التي تدعمها وضع سياسات واضحة وفي حال إدانة المنظمات والأفراد بالتنمر، فستسحب التمويل منها.
يسار: سان لان وو Sau Lan Wu، عالِمة في فيزياء الجسيمات في جامعة ويسكونسن – ماديسون University of Wisconsin-Madison: “في مجال عملي، لا يمكن إجراء التجارب المهمة جدّا إلا في عدد قليل من المختبرات في العالم. لقد عملتُ لأكثر من 30 عامًا لاكتشاف جسيم هيغز، وهو اكتشاف ضم 6 آلاف عالم فيزياء ولايمكن أن يحدث إلّا في سيرن. لا يمكن تفادي فترات الغياب الطويلة عن المنزل والسفر المتكرر. وهذا يجعل الحياة شبه مستحيلة بالنسبة إلى امرأة لديها أطفال صغار.” يمين: سامايا نيسانكي Samaya Nissanke، عالِمة الفيزياء الفلكية والفيزياء النظرية من جامعة أمستردام University of Amsterdam بهولندا: ” يبدو أنّ المرأة في الفيزياء تعاني تحيزا لا شعوريا وتحرشا أكثر بكثير من سائر البيئة الأكاديمية – خاصة عندما تؤدي الفروق في القوة دورًا – إضافة إلى التنمر المباشر.
وبالنسبة إلى النساء اللواتي يعملن في الفيزياء، فإنّ العثور على موجهات قد مررن بالتحديات نفسها قد يكون مصدر عون كبير، كما تقول سامايا نيسانكي Samaya Nissanke من جامعة أمستردام University of Amsterdam في هولندا. وتُضيف قائلةً: “الشعور بأنك لست وحدك وأنكِ تستطيعين مناقشة التحديات التي تواجهك على المستوى اليومي قد أحدث أثرًا هائلًا في نفسي.” وقد يمكن أن يكون الرجال أيضًا مدافعين أقوياء.
وتقول عالمة الفيزياء النظرية تريسي سلايتر Tracy Slayter من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology: “لم يكن من الممكن تحقيق نجاحي الخاص بي دون موجهيّ الرائعين، ومعظمهم من الرجال.” وهي تشجع الزملاء الذكور على التعبير عن رأيهم صراحة عندما تُساء معاملة النساء أو يُشار إليهن بطرق لا يتفقون معها؛ وكما تقول: “لصوتك قوة، جزئيا بسبب جنسك.”
نحن بحاجة أيضا إلى التخلص من الفكرة القائلة إنّ الفيزياء هي مكان للعبقري الوحيد، كما تقول آغنيس موكسي Ágnes Mócsy، من معهد برات Pratt Institute في نيويورك.
وبالنظر إلى التحديات، لِمَ تفكر البنات في مهنة بالفيزياء؟ ببساطة لأنّ المكافآت التي تأتي من ورائها يمكن أن تكون ضخمة. “غالبًا ما أتلقى تعليقات من الشابات تقول إنّ مقابلتي وعلمهن بوظيفتي جعلتهن يدركن أنّ هذا التخصص قد يكون مناسبا لهن أيضًا – لنكون جزءًا من شيء كبير سيحسن مستقبلنا، ونجوب العالم، ونحدث فرقاً،” كما تقول سيري برينر Ceri Brenner، عالِمة في فيزياء الليزر من مجلس مرافِق العلوم والتكنولوجيا Science and Technology Facilities Council في المملكة المتحدة. وتُضيف قائلةً: “يمكنك الحصول على حياة مُرضية. بالطبع يأتي هذا مع القليل من التسوية، لكن أي مهنة لا تشمل ذلك؟”
بعض التجارب الحقيقية المجهولة لنساء في الفيزياء
Some Anonymous Real-Life Experiences from Women In Physics
- حاول أحد الزملاء من ذوي النفوذ إقناعي بأنه من المقبول أن يكون عدد النساء في الفيزياء أقل، لأن أدمغتنا تختلف اختلافاً جوهرياً. واقترح أن أذهب أقرأ الأدبيات المتعلقة بذلك.
- كانوا يستقبلونني بأصوات التصفير ودكِّ الأقدام عند ذهابي لمحاضرة الفيزياء.
- أخبرني زملاء أنني حصلت على الترقية إلى منصب أستاذ فقط لأنني امرأة.
- غالبًا ما يلتبس عليهم بأنني سكرتيرة المجموعة.
- قيل لي ألا أغيّر اسمي بعد الزواج؛ لأنه سيؤثر في سجل منشوراتي في حال حدوث طلاق.
- عندما أخطئ، يجعلونني أشعر بأنّ السبب هو أنّ النساء لا تُجيد الفيزياء. أنا أتحمل مسؤولية الجنس بكامله.
الأفضل في الفصل
Best in Class
تبتعد البنات عن الفيزياء في سن 16 (انظر: المقالة الرئيسية)، ولكن مدرسة واحدة تخالف الاتجاه هي مدرسة كندريك Kendrick School في ريدينغ بالمملكة المتحدة. لدى هذه المدرسة الثانوية للبنات التي تديرها الولاية 270 تلميذة في السنتين الأخيرتين. من بينهم 79 يدرسن الفيزياء. وبالمقارنة، فإنّ 68 % من المدارس التي تقبل البنات في إنجلترا وويلز وأيرلندا الشمالية ليس لديها أكثر من فتاة واحدة تدرس الفيزياء.
الشعار في كندريك هو “الفيزياء ممتعة”. وقد يبدو الأمر تافه، إلّا أنّ رئيسة قسم الفيزياء في المدرسة، تيريزا كونلون Theresa Conlon، تهدف إلى جعل الطلبة يعيشون ويفكرون في الفيزياء دون أن يكونوا تحت وطأة أي ضغط.
إذ يدير التلاميذ أندية العلوم الأسبوعية الخاصة بهم. وهي وسيلة لمن لديهم ميول مشتركة إلى التجمع وتبادل الأفكار وتشجيع اهتمامات بعضهم البعض. وتقول كونلون: “إنهم لا يشعرون بغرابة الأطوار أو العزلة؛” وتُضيف قائلةً: “ولا توجد مشاعر سلبية نحو الفيزياء أو الهندسة.”
ما الذي يمكننا فعله حيال هذا؟
What can we do about it?
بعض وجهات النظر من النساء في الفيزياء حول كيفية معالجة المشكلات التي تواجههن في هذا المجال
- نحن بحاجة إلى مزيد من نماذج القدوة، ونحن بحاجة إلى دعم بعضنا البعض.
- أبدأ وأنهي العديد من محادثات التوعية التي ألقيها مع رسالة استعرتها من آلبرت آينشتاين Albert Einstein – “الخيال أكثر أهمية من المعرفة” – بهدف إثارة النقاش حول دور الإبداع والخيال في الفيزياء، كما أعتقد حقاً أنها هي مهاراتنا الأساسية. وبتسليط الضوء على هذه الأمور باعتبارها مهمة مثل المهارات التقنية والمعرفية، فإننا سنجذب ونحتفظ بمجتمع فيزيائي أكثر تنوعًا واستباقية وتقدمية وفعّالية.
- هناك العديد من الدراسات التي تُبين طرق زيادة التنوع في تعيينات الفيزياء، بما في ذلك وجود معايير موضوعية محددة سلفًا، ووجود لجنة توظيف متنوعة وتوظيف مجموعة من الأشخاص دفعة واحدة بدلاً من التعيين الفردي.
- لا يكفي مجرد زيادة عدد النساء والاعتقاد أنّ ذلك هو الحل لهذه المشكلة. نحن بحاجة أيضا إلى تغيير سلوكياتنا اللاشعورية. وإدراك التحيز اللاوعي. تأخذ هذه العملية جهدًا وقد تكون غير مريحة، ولكنها ضرورية.
- تحدث إلى النساء عن علمهن – وليس التحيز الذي يواجهنه. وعلى الرغم من كل شيء، هن في الفيزياء لأنهن جيدات فيها ويستمتعن بها. انسبهن إلى أعمالهن وأثنِ على أصواتهن ولا تسرق أفكارهن!
- نحن بحاجة إلى تربية البنات والبنين بطريقة محايدة من حيث النوع طوال حياتهم، بحيث يكون من المحتمل أن تُعطى البنات ألعاباً تتطلب منهم التفكير في الشكل والهندسة (ويُعطى البنون ألعاب تُبدي مهاراتهم الشخصية العميقة)، وتشجيعهم على البناء والإبداع، واستخدام خيالهم.
- معالجة المشكلات النظامية مثل التحرش أمر لازم.
- نحن بحاجة إلى أن تؤجّل مدارس المملكة المتحدة وقت اتخاذ القرار بشأن خيارات التخصص وتوسّع نطاق الموضوعات التي يمكن دراستها حتى سن 18. وبحلول الوقت الذي يبدأ فيه الطلاب بالدراسة في الجامعة، نرى بالفعل نسبة غير متوازنة على نحو فادح في عدد الذكور والإناث في قاعات المحاضرات. وليس من المستغرب عدم وجود أعداد متساوية في القمة.
- ماذا عن أن نبدأ بالتوجه بعيدًا عن التسويق للفيزياء كمجال للعباقرة؟ وبدلاً من ذلك، فإننا نسرد القصة الحقيقية: إننا نجتاز الفيزياء بالعمل الشاق والجهد، بحيث نحقق الأشياء من خلال الاستمرار بنسق “العمل قيد الإنجاز.”
- أعتقد أنّ مسألة الرواتب والسلطة أكثر إلحاحاً من معالجة مسألة اهتمامات البنين والبنات. اليوم، تُشجّع العديد من البنات على تطوير اهتمام بالفيزياء، لكنهن سيجدن الصعوبات الوظيفية نفسها مثل جداتهن إذا لم نضع دور المرأة في المجتمع ككل بعين الاعتبار.
- أولئك الذين يتمتعون منا بالسلطة والتأثير في مجالنا – الفيزيائيون من كلا الجنسين وليس النساء فقط – عليهم أن يكونوا مستعدين للتصدي عندما يُعزّز زملائنا أو مؤسساتنا الرسائل المؤذية، عمدًا أو عن دون قصد.
- تتمثل إحدى الاستراتيجيات الجديدة التي تعمل عليها مجموعات عديدة في الوقت الحالي بالتحدث بالعلوم إلى الآباء الشباب في مجموعات الأطفال الرضع والأطفال الذين بدؤوا بالمشي. ومن خلال الوصول إلى جمهور جديد لا يرتبط عادة بالعلوم، يمكننا توضيح أنّ العلوم والرياضيات ليستا أصعب من أي مادة أخرى. وأنّ العلم رائع تمامًا للجميع بكل ما في الكلمة من معنى، وهما ليستا للبنين فقط. فقد يصبح عندئذ هؤلاء الوالدين قدوة مشجعة لا تثني أطفالهم عن السعي نحو مهن في العلوم.
- تحتاج النساء إلى مرشدين يمرون بالظروف نفسها بالفعل. تحتاج النساء ذوات البشرة الملونة إلى مرشدين يشبهونهم. وقد حُرمت معظم النساء السود والسكان الأصليون والأقليات النوع من فرصة الحصول على مرشد يتشارك في الهويات الجنسية والعرقية.
- يجب أن تعمل الشخصيات البارزة بجد على إصلاح المشكلات القديمة بحيث لا يقع الحمل على أكتاف العلماء الصغار. ويحتاج كل من الرجال والنساء إلى تنفيذ ذلك – فهي ليست مشكلة نسائية على النساء فقط إصلاحها.
- هناك حاجة لمزيد من النقاش حول التَّنمر والتحرّش، التي لا تزال لا تناقش علانية في مجتمع الفيزياء، لزيادة الوعي وتطوير طرق رسمية للتعامل معها، حيث لا يقع العبء على النساء اللواتي يقدمن الشكاوى.