بقلم: مارك هارس
ترجمة: د. محمد الملا
أدركت آيشتان شاكاريان Aishtan Shakarian أن بإمكانها جني المال من خلال الإنترنت، فأخذت مجرفة إلى الغابة القريبة من المكان الذي تعيش فيه الواقعة على بعد نحو 50 كم خارج العاصمة الجورجية تبيليسي. كانت المرأة البالغ عمرها 75 عاما تأمل باستخراج الأسلاك النحاسية لبيعها كخردة. لكن بدلا من ذلك قطعت كابلًا من الألياف الضوئية – لا قيمة له عندها، ولكن لا يقدر بثمن لدى ملايين الأشخاص في أرمينيا المجاورة الذين ظلوا يحدقون في شاشات سوداء لمدة 12 ساعة. لقد قطعت الإنترنت عن البلد.
تُشير حادثة عام 2011 إلى مدى سهولة حدوث ذلك مع الكابلات الأرضية، والكابلات الموجودة تحت سطح البحر أكثر عرضة للخطر. كل بضعة أيام نسمع عن زلزال أو مرساة أو قارب يلحق الضرر بأحد الكابلات الـ 430 الموجودة في قاع البحر. أضحت تونغا Tongaغير متصلة بالشبكة لمدة أسبوعين تقريبا في يناير 2019 بعد أن قُطِع الكابل البحري.
تونغا أمة معزولة نوعا ما في جزيرة، حتى وإن كانت تونغا محظوظة باتصالها بالشبكة. فتكلفة مد الكابلات إلى أماكن نائية تعني أن نحو 10% فقط من سطح الكوكب لديه روابط أرضية للاتصال بالشبكة. ووفقا للأمم المتحدة، فإن نصف سكان العالم لم يسبق لهم الاتصال بالإنترنت.
للوصول إليهم وللتأكد من أن لدى كل شخص وسيلة اتصال موثوقا بها، يخطط بليونيرات مثل إيلون ماسك Elon Musk وجيف بيزوس Jeff Bezos وريتشارد برانسون Richard Branson لإعادة اختراع الإنترنت – لتحريرها من الجذور الأرضية وإنشاء شبكة لاسلكية فوق رؤوسنا، سواء عن طريق مناطيد في طبقة الستراتوسفير أم كوكبة من الأقمار الاصطناعية أم درونات (طائرات من دون طيار) – لا يوجد نقص في الأفكار. انجح في تحقيق هذا الأمر وأكبر مستودع للمعلومات البشرية سيجد موطنا مستقبليا رائعًا. ولتحقيق ذلك نحتاج فقط إلى تطبيق بعض من التكنولوجيا القديمة، وإن كان ذلك بطريقة غير تقليدية.
الإنترنت هي شبكة عملاقة من الحواسيب. وعندما تكتب عنوانًا في متصفح الإنترنت، فأنت تأمر الأخير بالاتصال بجهاز آخر (خادم) قد يكون في أي مكان بالعالم. ومعظم هذه الاتصالات تمر عبر الكابلات. حتى الهواتف الذكية تستخدم فقط الموجات الراديوية للاتصال ببرج خلوي يبعد مئات الأمتار، ويعتمد بدوره على الكابلات. لكن مد التوصيلات لمسافات أطول أمر متاح أيضاً. غالبًا ما تعتمد الإنترنت بواسطة الأقمار الاصطناعية على محطات ترحيل Relay stations بعيدة عن الأرض فتظل في ”مدار ثابت بالنسبة إلى لأرض“ Geostationary orbit: عندما نراها من الأرض، تبدو كأنها في وضع ثابت. ولأنها تدور بثبات على بعد 35 ألف كم فوق خط الاستواء، فإنها قادرة على أن تخدم مساحة واسعة من الأرض. لكن رحلة الذهاب والإياب البالغ طولها 70 ألف كم تضيف تأخيرًا بمقدار نصف ثانية أو أكثر إلى إشارات البث Signals، وهي مصدر إزعاج يشوش المكالمات الصوتية ويستحيل معه اللعب متعدد اللاعبين عبر الإنترنت أو التداول المالي عالي السرعة. إضافة إلى ذلك، تكون سرعات التنزيل Download speeds أبطأ من الاتصال عبر الكابلات الحديثة كما أن الاشتراكات بها أغلى ثمنا. هذا ويتطلب الإعداد لها أيضًا طبق استقبال Dish كبيرًا وإطلالة مباشرة على السماء.
أحد البدائل التي درستها شركات التكنولوجيا مؤخرًا هو طبقة الستراتوسفير على بعد يتراوح بين 10 و 50 كم فوق سطح الأرض، فهذه الطبقة من الغلاف الجوي مرتفعة بدرجة كافية ليتمكن أي جهاز بث من إرسال إشارات يمكنها الوصول إلى مساحة تغطي مدينة في الأسفل، لكنه منخفض بدرجة كافية لكي يتمكن أي هاتف خلوي من الاتصال به دون الحاجة إلى طبق استقبال. والأفضل من ذلك، أن وضع الأشياء في الستراتوسفير سهل مقارنة بوضعها في الفضاء.
وفي بحثها الحثيث عن المزيد من العملاء، طورت فيسبوك Facebook وغوغل Google درونات تعمل بالطاقة الشمسية يمكنها أن تبقى على ارتفاع 20 كم لأسابيع عدة، تبث خلالها الإنترنت إلى الأرض. لكن هذه المشاريع معلقة الآن بعد الأعطال والأضرار الناتجة عن سقوط تلك الدرونات. وتعمل شركات أخرى مثل بوينغ Boeing وإيرباص Airbus على تطوير درونات مماثلة، ولكن هذه التكنولوجيا لم تثبت كفاءتها بعد.
أما فكرة غوغل التالية فهي أغرب: أسطول من المناطيد العائمة في الهواء ترسل البيانات إلى أخرى موجودة في الأسفل. أمّنت هذه المناطيد الاتصال بعد الكوارث الطبيعية في بيرو وبورتوريكو، مما شجع شركة تدعى لوون Loon على الإعلان عن إطلاقها قريبا خدمة 4G تجارية باستخدام هذه الطريقة في كينيا. لكن من غير المرجح أن تفعل المناطيد أمورا كثيرة لبلايين الأشخاص غير المتصلين بالإنترنت، حيث تفتقر العديد من الأماكن التي يوجدون فيها إلى رياح موثوق بها أو إلى أماكن إطلاق مناسبة. إذا كنت بليونيرا تقنيا ذا رؤية عالمية، فإنك لن تقدم سوى الخدمات ذات الجودة العالية.
لحسن الحظ، هناك حل وسط. ماذا لو وضعنا أجهزة البث على بعد أدنى من المدارات الثابتة بالنسبة إلى الأرض، وذلك للتخلص من تأخيراتها غير المحبذة، ولكن أيضاً على بعد أعلى من طبقة الستراتوسفير وطقسها المتقلب؟
لكنَّ هناك ثمنا يتعين دفعه عند استخدام مدار الأرض المنخفض Low Earth orbit هذا (اختصارا: المدار LEO). من السطح، يبدو أن الأقمار الاصطناعية الموجودة في المدار الأرضي المنخفض LEO تنتقل بسرعة من الأفق إلى الأفق خلال عشر دقائق. للحصول على خدمة مستمرة، فأنت بحاجة إلى عدة أقمار اصطناعية تطير في تتابع سريع مُغلِّفة العالم بأجمعه، وكلها ترسل إشارات من قمر إلى آخر في تتابع سلس. لدى كل من الشركات إيريديوم Iridium وغلوبالستار Globalstar أوربْكوم Orbcomm بضع عشرات من الأقمار الاصطناعية التي تقدم بالفعل خدمات إنترنت أساسية وبطيئة. إذا توفرت لديك التقنية الصحيحة، فإنك ستحول هذه الخدمات المحدودة إلى لعبة أرقام تعتمد على عدد ما هو موجود هناك حتى لو كان ذلك العدد أكبر مما ترغب فيه. وإذا كان هناك شيء وحيد يعتقد بليونيرات التكنولوجيا أنهم يفهمونه، فهو الحجم الكبير.
“فقط 10% من الكوكب لديه روابط أرضية للاتصال”
أدرك بيل غيتس Bill Gates هذا بالفعل منذ سنوات. في تسعينات القرن العشرين، دعم شركة ناشئة تدعى تيليديسك Teledesic ارتأت استخدام كوكبة ضخمة من أقمار LEO 840 الاصطناعية وذلك لنقل إشارات الراديو من جزء من الأرض إلى آخر. كانت لدى الشركة خطط كبيرة كتقديم خدمة النطاق العريض Broadband بأسعار معقولة إلى %95 من سطح الأرض. لكن المشروع لم يرَ النور قط؛ إذ اختفت الشركة في عام 2002 دون إطلاق قمر اصطناعي واحد، كما لم تطوِّر أي تكنولوجيا، أو تجمع بلايين الدولارات المطلوبة لتحقيق ذلك. لكن هناك جيلًا جديدًا من البليونيرات على استعداد للمحاولة مرة أخرى، مدفوعين بتكاليف إطلاق أرخص وتكنولوجيا جديدة وأكثر كفاءة.
خذ مثلاً ونويب OneWeb، شركة مدعومة من إيرباص ومن مصنع شرائح الحاسوب وكوالكوم Qualcomm ورجل الأعمال ريتشارد برانسون. وضعت ونويب أول ستة أقمار اصطناعية – تكلفة كل منهما مليون دولار- في المدار في فبراير 2019. وتقول الشركة إن 600 من الأقمار الاصطناعية التي تربط المستخدمين بـنحو 40 محطة أرضية ستكون مثبتة في أماكنها وستوفر الخدمة بحلول عام 2021. ومع ذلك فإن أقمار ونويب تعمل فقط على سد الفجوات في إنترنت الكابلات، فقد تكون المحطة الأخيرة من رحلة كل حزمة بيانات تصل إلى المستخدم من الفضاء، ولكن في الأوقات الأخرى تنتقل حزم البيانات عبر الأسلاك نفسها مثل بقية الإنترنت.
تحاول شركات أخرى فعل شيء أكثر طموحًا، شركة إيلون ماسك سبيس إكس SpaceX، والشركة الكندية تيليسات Telesat وشركة لييوسات LeoSat التي تتخذ من لوكسمبورغ مقراً لها تخطط جميعاً لإنشاء نظام إنترنت متكامل مقره الفضاء في أوائل عام 2020. وكل من أقمارها الاصطناعية سريعة الحركة يجب أن يكون قادرا على التواصل مع الأقمار الأخرى في شبكاتهم المعنية، ونقل البيانات في قفزات من جانب واحد من العالم إلى الجانب الآخر. لدى الشركات الثلاث الفكرة نفسها عن كيفية فعل ذلك: الليزر.
من الناحية النظرية، يعتبر الليزر طريقة أكثر ذكاءً من الموجات اللاسلكية للاتصال بواسطة الفضاء، كما تقول مهندسة الملاحة الفضائية كيري كاهوي Kerri Cahoy من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology. فهي أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، لذلك لا يتعين أن تكون أجهزة الإرسال والمستقبلات كبيرة جدًا. وقالت: “الحجم الفعلي قد يكون أصغر مع نظام الليزر”. يتجنب الليزر أيضا الحاجة إلى العمل ضمن الطيف الراديوي المزدحم بشكل متزايد. الرسائل الراديوية منظمة جدا، وتم حجز الترددات التي من المفترض أن تكون أكثر فعالية للمستقبلات الصغيرة. في المقابل، أشعة الليزر، مع تركيزها العالي، لا تكاد تتسبب في أي تداخل مع الخدمات الأخرى وهي غير مُنظَّمة إلى حد كبير.
“تهدف سبيس إكس إلى استقطاب 40 مليون مشترك في الإنترنت الفضائي بحلول عام 2025”
هذه الأقمار سريعة جداً. تخيل تاجراً ماليًا في لندن يرغب في إتمام عملية شراء من بورصة نيويورك. إذا كان اتصاله من خلال كوكبة الأقمار الاصطناعية الخاصة بـسبيس إكس المخطط لها، والتي ستضم نحو 12000 قمر اصطناعي من أقمار ستارلينك، فقد تصل البيانات إليه في 45 ملي ثانية، وفقًا للحسابات التي أجراها عالم الحاسوب مارك هاندلي Mark Handley من جامعة يونيفيرسيتي كوليدج لندن University College London. وهو نصف الوقت المستغرق حاليا عبر كابل الألياف الضوئية، وهي ميزة ربما تكون قيمتها الملايين. تتوقع سبيس إكس أن يجذب الإنترنت الليزري 40 مليون مشترك ويحقق 30 بليون دولار من الإيرادات بحلول عام 2025، وبشكل أقصى ستساعد ستارلينك على تمويل حلم آخر من أحلام ماسك – ألا وهو استيطان المريخ.
لكن لأشعة الليزر مشكلاتها الخاصة. والمشكلة الأهم هي النجاح في توجيه شعاع ليزر بسمك شعرة الإنسان إلى قمر اصطناعي آخر يتحرك بسرعة تتجاوز آلاف الكيلومترات في الساعة.
ومع ذلك، هذه ليست منطقة جديدة تمامًا. ففي وقت مبكر من عام 2001، أنشأت وكالة الفضاء الأوروبية أول حلقة وصل ليزر بين الأقمار الاصطناعية، تربط ما بين الأقمار الاصطناعية الكبيرة الموجودة بالقرب من الأرض وبين أقمار المدارات الثابتة بالنسبة إلى الأرض. وفي عام 2013، استخدمت الوكالة ناسا الليزر لنقل صورة الموناليزا من الأرض إلى مركبة فضائية تدور حول القمر.
تعمل كاهوي الآن في مهمة تسمى كليك CLICK سترسل حزم أشعة الليزر القادرة على الاتصال السريع عبر مئات الكيلومترات إلى أقمار اصطناعية بحجم مكعبات الروبيك. ستستخدم هذه الأقمار الاصطناعية أشعة الليزر العريضة كمنارات لتحديد مواقع بعضها البعض، ثم تنشيط أشعة ليزر ضيقة للربط بواسطة خطوط النطاق العالي. من المقرر أن تطلق ناسا اثنتين منها في عام 2020 لاختبار الفكرة، وربما يستخدم ماسك حالياً تقنية مماثلة في مشروع ستارلينك.
لدى شركة سبيس إكس بالفعل قمرا ليزر اصطناعيان أوليان في المدار – على الرغم من أن حجم كل منهما لا يتجاوز حجم السيارة. وتخطط الشركة لنشر أقمار اصطناعية تجارية أخرى في 2019، هي الأولى من مئات الإطلاقات في السنوات المقبلة.
رقص عالي السرعة
إن ربط قمرين اصطناعيين بأشعة الليزر يعد إنجازا كبيرا، في حين أن الحفاظ على الاتصالات بين الآلاف من الأقمار الاصطناعية 24 ساعة في اليوم، يعد إنجازا مختلفا تماماً.
تقول كاهوي: “إن التحدث إلى قمر اصطناعي أمامك أو خلفك تدور في المستوى المداري نفسه هو أمر سهل جدا، لكن عندما تحاول الانتقال من مستواك إلى مستوى مداري آخر، فإن هذا يشكل تحدياً أصعب”.
ستشمل كوكبة سبيس إكس الممتدة على كوكب الأرض طائرات مدارية متقاطعة مع أقمار اصطناعية تمر من أمام بعضها بعضا بسرعات عالية. يستلزم تنفيذ هذه الرقصة معرفة مكان وجود المركبات الفضائية بالتحديد في أي لحظة، والمكان الذي تتجه إليه. وفي اتفاقية وقعت عام 2018 طلبت الشركةُ إلى الوكالة ناسا الدعم الفني في اختيار أجهزة تحديد المواقع جغرافياً GPS، وفي تشغيل برنامج الحساب المداري للوكالة على حواسيب تحتوي على معالجات ستارلينك.
تخطط الشركة أيضًا ليكون لديها أكثر من 7500 قمر اصطناعي يدور على ارتفاع 340 كم فقط من سطح الأرض، أي أقل بكثير من أقمار الاتصالات الحالية. سيؤدي هذا إلى تقليل تأخير النقل إلى الحد الأدنى كما يحد من احتياجات الطاقة، لكنه سيعرض الأقمار الاصطناعية إلى زيادة في الانحراف بسبب التقلبات الطفيفة في الغلاف الجوي. ومن دون تشغيل محركاتها بانتظام، ستنحرف الأقمار الاصطناعية وتحترق أثناء سقوطها نحو الأرض خلال أسابيع. ومع ذلك، من المتوقع أن يستمر كل قمر ستارلينك بالعمل لمدة ست سنوات أو نحو ذلك قبل استنفاد الوقود الدافع له وسقوطه نحو الأرض . للحفاظ على أسطولها، يتعين على سبيس إكس الالتزام بمهمة استبدال جميع أقمارها الاصطناعية التي تعاود الدخول في الغلاف الجوي – بما يقارب خمسة أقمار في اليوم بعد السنوات الست الأولى.
القضية الكبرى هي كيفية وصول العملاء إلى الأقمار الاصطناعية في المدارات LEO من الأرض. على الرغم من أن الليزر ربما يعمل بترددات الأشعة تحت الحمراء الآمنة على العين، فإن أي غطاء سحابي خفيف سيحجب حزمَ الأشعة. لذلك تخطط جميع مشاريع الأقمار الاصطناعية الليزرية لاستخدام الموجات اللاسلكية للاتصال بالأرض من مداراتها، مما يعني استخدام هوائيات باهظة الثمن وقابلة للتوجيه .
تقول الباحثة الإعلامية ليزا باركس Lisa Parks من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT إن هذا يشوه أي ادعاء بأن أنظمة الإنترنت الفضائية تهدف إلى توصيل أفقر الأشخاص بالإنترنت. حتى جهاز الاستقبال بحجم البيتزا الذي يدعي ماسك أن سبيس إكس تطوِّره يكلف ما بين 100 إلى 300 دولار. سيكون هذا باهظًا للمستخدمين غير المتصلين في كثير من أنحاء العالم. “بينما يبدو توصيل غير المتصلين جيدًا من منظور التسويق، فإنه لا يوجد دليل واضح على أن مثل هذا النموذج يمكنه تحقيق أرباح للشركات والمستثمرين”.
وهناك أيضًا شكوك في أن العديد من المستخدمين في الدول الغنية لديهم شهية لأدوات وخطوط اشتراك إضافية. “بحلول وقت الانتهاء من تصميم أيٍّ من هذه الأبراج ونصبها لتكون على أهبة الاستعداد وجاهزة لتقديم خدمة مدفوعة للعملاء الحقيقيين، سيكون لدينا بنية تحتية من الشبكة 5G في الدول الغربية”. كما يقول زاك مانشستر Zac Manchester ، وهو مهندس طيران من جامعة ستانفورد Stanford University بكاليفورنيا، وحينها ستوفر أبراج الجيل الرابع التغطية للقارة الإفريقية، كما يضيف مانشستر.
ومع ذلك، يعتقد البعض أن الشركات اللاسلكية سترحب بالكوكبات الضخمة كشركاء بدلاً من منافسين لها، فتتشارك معها في إشارات الأقمار الاصطناعية بحيث يمكن للعملاء الوصول إلى الإنترنت عبر الفضاء من هواتفهم، دون الحاجة إلى شراء هوائي باهظ الثمن.
وهناك فائدة محتملة أخرى لأولئك الذين يعيشون في البلدان القمعية هي أن الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية يمكنها أن تتجنب نظرياً تدابير الرقابة مثل الجدار الناري العظيم في الصين. لكن من غير الواضح الكيفية التي سيكون عليها ذلك. عندما أثار ماسك هذا الاحتمال في عام 2015، اقترح أن سبيس إكس لن تخدم المستخدمين في هذه البلدان. وقال: “يمكن لأي دولة أن تقول إن إقامة رابط أرضي هي أمر غير قانوني. يمكننا أن نتصور أن يستمر العمل، ولكن بعد ذلك سيكون لديهم خيار، هل يطلقون النار على أقمارنا الاصطناعية أم لا؟ يمكن للصين أن تفعل ذلك”.
في مكان آخر، قد تكون الإنترنت الفضائية أبسط وأكثر موثوقية من الكابلات الأرضية المعرضة للحوادث. إن أشعة الضوء غير المرئية محصنة إلى حد كبير ضد القرصنة أو التنصت، وإذا فشل واحد أو اثنان من الأقمار الاصطناعية، فيمكن إطلاق بدائلها وبسرعة.
لكن الرهان على ليزر الفضاء يضع الكثير من البيض في سلة واحدة. عاصفة شمسية قوية أو سلسلة من اصطدامات الأقمار الاصطناعية، كما عرض في فيلم الجاذبية Gravity، قد تؤدي إلى تلف أو تعطيل الأبراج بكاملها في غمضة عين. ومع ذلك، في عالم يسيطر عليه بالفعل عدد صغير من شركات التكنولوجيا، ربما يكون الجانب الأكثر إثارة للقلق من الأبراج الضخمة هو إمكانية السيطرة على هذه البنية التحتية الحيوية من قبل عدد قليل من الأيادي. إذا كنت تعتقد أن قصة مجرفة أيشتان شاكريان مثيرة القلق، فتخيل وجود بعض الأفراد الأقوياء الذين لديهم قوة السيطرة على مفتاح إيقاف الإنترنت الفضائية.
كل ما يصعد إلى الأعلى، يجب أن يهبط إلى الأسفل
إذا انتهينا من بناء جميع الأبراج الضخمة المخطط لها، فسيكون هناك عشرة أضعاف عدد الأقمار الاصطناعية العاملة التي تدور حول الأرض حالياً. عندما ينفد الوقود، وهذا يحدث عادة بعد نحو خمس سنوات، فإن الدفع نحو الأسفل الناتج من توقف محرك الدفع سيرسلها إلى موت حارق في الغلاف الجوي. ولكن يمكن لبعض المكونات المصنوعة من الستيل الصلب أو التيتانيوم المقاومة على طول الطريق حتى تصل الى سطح الارض، وسيكون لها ما يكفي من الطاقة لإحداث إصابات بالغة أو مقتل. قد يدخل الأرض في كل يوم نحو عشرة أقمار اصطناعية.
بناء على حسابات لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية، فإن الشظايا الناتجة من انفجار ستارلينك من سبيس إكس وحدها ستنافس عدد النيازك التي تضرب سطح الأرض بشكل طبيعي كل عام. منذ ذلك الحين، أعادت سبيس إكس تصميم أقمارها الاصطناعية بحيث لا يبقى أي شيء منها بعد الانفجار، ولكن لا يزال يتعين على المشغلين الآخرين اتباع خطواتها.
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.