بقلم: دانيال كوسينز
ترجمة: ألطاف الزواوي
ربما كان رونالد ريغان Ronald Regan، الرئيس الراحل للولايات المتحدة، محقاً، فقد قال يوماً: “صحيح أن الاجتهاد في العمل لم يقتل أحدا قطُّ، لكنني فكرت لمَ المخاطرة؟”
أخبر إيلون ماسك Elon Musk بذلك. ففي عام 2017 اعترف الرئيس التنفيذي لشركة «تسلا» المصنِّعة للسيارات الكهربائية، الملياردير، أنه يعمل 120 ساعة في الأسبوع، مُصِّراً على أنها كانت الطريقة الوحيدة لكي تزدهر شركته. لقد فاز ريغان بالحرب الباردة، في حين يبدو أن معارك «تسلا» لا نهاية لها؛ انتصار كسول لسلوكيات عمل أكثر استرخاء؟ ذلك محتمل في الواقع.
وفي عالم العمل الحديث إذا كنت تريد مواكبة التطور؛ يبدو أن عليك أن تحتذي مثال إيلون مسك؛ عليك أن تحقق المستوى الأمثل من الإنتاج بالتخلي عن وجبات الغداء، وتبعث الرسائل الإلكترونية في المساء ونهاية الأسبوع. وقد صار الانشغال رمزاً قويًّا يدل على المكانة، في عام 2017، طلبت سلفيا بيليزا Silvia Belleza وزملاؤها من كلية كولومبيا للأعمال Columbia Business School في نيويورك إلى متطوعين في الولايات المتحدة تقييم مكانة شخصيات خيالية باستخدام وصف موجز. وأدى كل ما دلّ على أن الشخص مشغول جدا إلى تقدير أعلى لأهمية الشخص وإنجازاته.
ومما يثير الاهتمام أن بيليزا أنجزت الأمر ذاته مع مجموعة إيطالية؛ ووجدت التأثير عكسيًّا. وفي الواقع، فإن المفهوم الإيطالي dolce far niente، الذي يعني “إنه أمر رائع ألا تفعل شيئاً” يبدو معادلة ناجحة. وفي عام 2018، قام أرجيرو أبجوستاكي Argyro Avgoustaki من كلية الأعمال الأوروبية ESCP Europe في باريس، وهانز فرانكفورت Hans Frankfort من جامعة كاس لإدارة الأعمال CASS في لندن، بفحص بيانات 52000 موظف عبر أوروبا؛ فوجدا أن الأفراد الذين عملوا بشكل مكثف لفترات طويلة كانوا يعملون “بسرعة عالية جداً” أو ” للالتزام بالمهلة النهائية” حققوا نتائج أقل في مقاييس الصحة العقلية والبدنية. والأكثر استغراباً، أن هؤلاء الموظفين كانوا أقل احتمالاً من أن ينالوا الترقية أو أن يشعروا بالرضا والأمان في وظائفهم.
وبالنسبة إلى فرانكفورت، يبدو هذا منطقياَ، إن الهروب من العمل أمر أساسي للحفاظ على القدرات الإدراكية المطلوبة للإنتاج؛ لذلك اخرج لتناول الغداء، وخذ جولة حول الحي، وأطفئ رسائل العمل الإلكترونية في المساء، إذ يقول: “إذا أرهقت نفسك، فستقلل من جودة عملك، وفي النهاية ستخسر، نحن لا نقول إن القليل من العمل أفضل بل نقول إن تخفيف الجهد الإضافي في العمل أفضل.”
وفي الحقيقة، فإن المهملين نسبياً يكافأون أكثر، في المتوسط، من نظرائهم المدمنين على العمل. ويدل ذلك على أن مسؤوليهم ينظرون إلى المخرجات بدلا من المدخلات. ويقول كاري كوبر Carry Cooper، عالم النفس الصناعي من جامعة مانشستر University of Manchester في المملكة المتحدة: “من الصعب الحكم على الأداء في بعض الوظائف، لذلك لا يزال المسؤولون يميلون إلى النظر إلى الأمور الظاهرة كبقاء الشخص لوقت متأخر أو كمية الضغط التي يتعرض لها.”
ويرى كوبر أن مسؤولية التغيير تقع على الموظفين، إذ يقول: “غالباً ما تحتوي أماكن العمل السعيدة على مديرين تنفيذيين ذوي معدلات عالية من الذكاء العاطفي؛” ومعنى ذلك أن هناك من يدير العمل بالمدح والمكافآت بدلا من إيجاد الأخطاء. لكن لدى كوبر بعض النصائح العملية لأولئك الذين عانوا سوء الإدارة: “من الواضح أن الأشخاص يسيطرون على الوضع، بدلا من تقبل الواقع المرهق، ينتهي بهم الأمر إلى كونهم أكثر سعادةً وإنجازاً.” وإحدى الطرق لعمل ذلك هي إخبار مسؤولك بأن متطلباته (أو متطلباتها) مبالغ فيها (انظر: التفوق في العمل: كيف تتعامل مع مسؤولك… وتحصل على تلك العلاوة) ومن يعلم، ربما كانوا أكثر انشغالاً من أن يدركوا.
العبرة: أَحسِنْ التجنبَ، أَحسِنْ العملَ.
© New Scientist