بقلم: جوليا براون وريتشارد ويب
ترجمة: مايا سليمان
كيف نجلس؟
في يوم من الأيام كان إيداع الملفات يعني حرفيًا إيداعها: تنهض عن مكتبك وتتوجه إلى خزانة في الجهة المقابلة من الغرفة لتضع المستندات في مكانها المخصص. أما اليوم؛ فإنك تنجز هذه الأعمال أكثر الأحيان بنقرة على الفأرة.
هذا مثال واحد فقط من أمثلة كثيرة تبيّن لنا الكيفية التي تجعل بها التكنولوجيا من عملنا أكثر سكوناً، ندفع نظير ذلك فاتورة صحية ضخمة في الغالب. “جوهريا، يشكل جلوس الجسد البشري بلا حراك لفترات طويلة مشكلةً. أجسادنا لم تتطور لهذا الغرض،” كما يقول المعالج النفسي ليون ستريكر Leon Straker من جامعة كيرتن Curtin University في بيرث بأستراليا.
تظهر الدراسات ارتباطاً متسقاً بين قضاء وقت مطوّل جلوسا من جهة، والصحة المتدهورة في وقت لاحق وحتى الوفاة المبكرة من جهة أخرى. ووفقا لبيانات ستريكر، نحن نقضي أكثر من نصف وقت جلوسنا في العمل.
“إنها مشكلة إذا جلسنا بسكون لفترات طويلة، فإننا لم تتطور لمثل هذا.”
ربما لا يكون مجرد الوقوف هو الحل. ففي عام 2017 وجد ستريكر وزملاؤه ارتباطاً بين فترات الوقوف المطولة في العمل، أمام المكتب مثلا، ومشكلات العضلات والعظام كألم أسفل الظهر.
“ربما تجلس أكثر من اللازم، وربما لا تجلس بما فيه الكفاية،” كما يقول ستريكر. “عليك أن تخلق تنوعاً٠٠، ليس بين الجلوس والوقوف فحسب، بل التنقل أيضا.” علينا جميعاً أن ننوع أعمالنا قدر المستطاع ونأخذ الاستراحات باعتياد. ويمكن للمديرين المساهمة في هذا بتوفير مساحات متنوعة للعمل، لا جلوساً ووقوفاً أمام المكتب فحسب. “علينا أن نخلق بيئات عمل تسمح لنا باتخاذ وضعيات متنوعة،” كما يقول ستريكر.
جوليا براون
العبرة: تحرك قبل فوات الأوان.
كيف نشكل مكاتبنا؟
يرمقني آينشتاين بنظرات حاقدة فيما أفتح حاسوبي آملة بأن يعتريني إلهام ما. فلا حظّ كهذا: بضعة مشابك ورقية، نصف حاجب، وبقايا فطيرة اللحم المفروم. أرخي ظهري محبطاً، متسبباً بانهيار كومة صغيرة من الأوراق.
نعم، أنا الزميل ذو المكتب “المرتب” دائما. يعتقد البعض أني أفتقد ببساطة إلى مقومات ضبط الذات. وفي مرحلة ما، أقنعت نفسي بأنني غير قادر على العمل دون هذه الفوضى. أيّنا على حق؟
لطالما كان “عدم الترتيب” مصدر قلق لطبقة المديرين. في عام 1911 كتب المهندس الميكانيكي الأمريكي فيديريك وينسلو تايلور Frederick Winslow Taylor دراسة بعنوان «أسس الإدارة العلمية» The Principles of Scientific Management كان لها تأثير واسع وحثت على التخلص من جميع الأدوات غير اللازمة لإنجاز العمل بهدف زيادة الإانتاجية – وهو مبدأ اختزالي تبنته أجيال من خبراء الإدارة منذ ذلك الوقت.
وفي دراسة ستنشر قريبا تضفي كاثرين روستير Catherine Roster من جامعة نيو ميكسيكو University of New Mexico وزملاؤها بعض المصداقية على دراسة وينسلو تايلور. إذ يحددون في الدراسة الحلقةَ الشرسةَ التي تزيد من خلالها متطلبات العمل وضغوط من ترددنا وميلنا نحو مراكمة عدم ترتيب العمل.
يذكرنا عدم الترتيب هذا بالأعمال غير المنجزة بعد، رافعاً بذلك مستويات التوتر إضافياً.
لكن الحلول التي تشمل القوة العاملة بمجملها كقوانين منع الفوضى المكتبية تتجاهل أمراً رئيسياً، يقول ألكس هاسلام Alex Haslam، عالم نفس اجتماعي من جامعة كوينزلاند University of Queensland في أستراليا: “دفع الأفراد إلى الشعور بأنهم في المكان الخطأ، وأن هذا المكان ليس مكانهم، هو طريقة فعالة لتقويض أدائهم.”
وقبل عقد من الزمن منح هاسلام وطالبه حينها كريغ نايت Craig Knight من جامعة إكسيترUniversity of Exeter في المملكة المتحدة الموظفين درجات متفاوتة من التحكم في ترتيب أو فوضى مكاتبهم. فقد زاد السماح لهم بملئها بالصور والنباتات و”عدم ترتيب” آخر من اختيارهم عملهم المنجز اليومي بنسبة 30%. “السبب لا يكمن في الأثر المباشر للنباتات (أو غيرها من الأشياء) نفسها، ولكن في الرسالة التي توصلها عن أن عملك موضع تقدير.”
“المساحات المثلى هي تلك التي نشكلها بأنفسنا،”
وما إذا كانت كل هذه الفوضى ولوحة مفاتيحي نظيفة أم لا؛ هي قضية أخرى. ولكن فيما يخص أفضلية الترتيب على الفوضى أو العكس، فالمعسكران فائزان. “المساحات المثلى هي تلك التي نشكلها بأنفسنا،”، كما يقول نايت. “إذا كان الأفراد يفضلون المكاتب الفوضوية، فإن إجبارهم على تنظيفها سيقوض إنتاجيتهم.” وأما أنت يا آينشتاين، عزيزي آينشتاين اللعبة ذات الملمس الناعم والسترة الزرقاء المحاكة الأنيقة؛ فيمكنك البقاء.
ريتشارد ويب
العبرة: فوضوية كانت أم مرتبة، اجعل مساحتك لك.
New Scientist©