بقلم: ليا كرين
ترجمة: مي منصور بورسلي
لقد سبرنا أغوار الفضاء للمرة الأولى؛ فقد رصد تلسكوب إيفنت هورايزون (أفق الحدث) Event Horizon Telescope (اختصارًا: تلسكوب EHT)، الذي يستخدم شبكة من التلسكوبات من جميع أنحاء العالم لتحويل كل أرجاء الأرض إلى تلسكوب راديوي هائل، أول صورة مباشرة لثقب أسود.
الضوء الذي يُكوّن الصورة لم يصدر عن الثقب الأسود – فالثقوب السوداء لا يصدر عنها أي ضوء، ومن هنا جاءت تسميتها بذلك. وإنما تُظهر صورة ظلية للثقب الأسود على خلفية مادة حارة ومتوهجة تجذبها قوة الجاذبية الهائلة للثقب.
في عام 2017، رصدت التلسكوبات الثمانية المشاركة في تعاون التلسكوب EHT ثقبين أسودين فائقي الكتلة: أحدهما في مركز مجرتنا، يسمى – ساغيتاريوس أ* (*(Sagittarius A، والآخر أضخم بكثير في وسط مجرة أخرى تدعى المجرة M87.
وتُظهر الصورة الحديثة الثقب الأسود في مجرة M87 الذي يبعد 55 مليون سنة ضوئية. وقال هينو فالك Heino Falcke، أحد علماء فريق التلسكوب EHT في مؤتمر صحافي في العاشر من أبريل 2019 في بروكسل: “ننظر إلى منطقة لم نرها من قبل، منطقة لا يمكننا أن نتخيلها حقًا… يبدو الأمر وكأننا ننظر إلى أبواب الجحيم ونهاية المكان والزمن.”
وتسهل مراقبة الثقب الأسود في المجرة M87 على الرغم من أنه أبعد بكثير من الثقب ساغيتاريوس أ*، إلا أنه أكبر حجما بكثير وله مادة أقل تدور حوله. قد تكون الصورة ضبابية، لكنها تعد إنجازا تقنيا لا يصدق ويتطلب مراقبات من حول العالم من أفضل التلسكوبات الراديوية.
ويقول ناتاراجان Natarajan: “لقد أعدنا تهيئة كوكب الأرض بكامله لاستخدامه كطبق إذاعي، ولن يصبح الأمر أفضل من ذلك إلا إذا وضعنا مرصدًا على القمر… لقد استخدمنا معداتنا كلها ووصلنا إلى الحدود القصوى لإمكاناتها وما يمكننا فعله”.
تبدو حلقة الضوء حول الثقب الأسود غير متوازنة قليلاً، كما هو متوقع. وهذا ما تنبأت به نظرية النسبية العامة لألبرت آينشتاين Albert Einstein: إن قوة سحب الجاذبية الشديدة للثقب الأسود تتسبب في انحناء الضوء حوله في الواقع، مما يجعل الضوء الذي يمر بسرعة على جانب الثقب الأسود الذي يدور باتجاهنا يبدو أكثر سطوعًا من الضوء الذي يمر على الجانب الذي يدور بالاتجاه البعيد عنا.
وتُعد صور تلسكوب أفق الحدث مهمة بشكل خاص عندما يتعلق الأمر باختبار نظرية النسبية العامة، التي تحكم سلوك الجاذبية والأشياء الكبيرة جدًا. ونعلم أنها لا تتوافق مع نظريات ميكانيكا الكم، التي تصف سلوك الأشياء الصغيرة جدًا، وحافة الثقب الأسود الفائق الكتلة، حيث تكون الجاذبية أكثر شدة من أي مكان آخر نعرفه، هي أفضل مكان لاختبار عدم التوافق هذا.
وهذا هو الدليل المباشر الأول على أنّ آفاق أحداث الثقوب السوداء حقيقية فعلًا. ويقول ناتاراجان: “أفق الحدث مثير جدًا، لأنه بمجرد مرور شيء ما عبره، فإننا لا نستطيع على يبدو أن نعرف أي شيء عنه…فهو الحد الذي يفصل بين ما هو معلوم وما هو غير معلوم.”
وهذه الصورة الأولى توسع حدود معرفتنا. وقالت فرانس كوردوفا France Córdova، مديرة المؤسسة الوطنية للعلوم National Science Foundation، في مؤتمر صحافي بواشنطن: “لقد درسنا الثقوب السوداء مدة طويلة إلى درجة يسهل معها في بعض الأحيان نسيان أنّ أيا منا لم يرَها فعليًّا”. أي إنه لا أحد منا رأى ثقبا أسود حتى الآن.
© Copyright New Scientist Ltd