التدهور السريع لأشجار التفاح يحيِّر الباحثين
تسعى أبحاث حديثة إلى فهم المرض الغامض الذي قد يقضي بسرعة على الأشجار اليافعة
بقلم: إريك ستوكستاد
ترجمة: صفاء كنج
قبل ست سنوات كانت في انتظار عالِمة أمراض النبات كاري بيتر Kari Peter مفاجأة غير سارة عندما تفقدت بستاناً للأبحاث في ولاية بنسلفانيا؛ فقد كانت أشجار التفاح اليافعة تموت، وبسرعة. ففي البداية اشتبهت في أنها مصابة بعامل مُمرِض Pathogen شائع، لكن العلاجات الكيميائية لم تجدِ نفعا. وفي العام التالي بدأت تصلها تقارير عن موت الأشجار اليافعة المفاجئ من جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية وكندا. ففي ولاية كارولاينا الشمالية ظهرت الأعراض المثيرة للشبهة فيما يصل إلى 80% من البساتين. «ماتت صفوف من الأشجار دون سبب ظاهر»، كما تقول بيتر التي تعمل في مركز أبحاث الفاكهة والإرشاد الزراعي Fruit Research and Extension Center في بيغلرفيل بجامعة ولاية بنسلفانيا Pennsylvania State University.
«ماتت صفوف من الأشجار دون سبب ظاهر»
والآن، وفيما تستعد أشجارهم للإزهار، يتوقع منتجو التفاح في أمريكا الشمالية أن يُمنوا بخسائر جديدة، فيما ينهمك العلماء في البحث عن الأسباب المحتملة. فقد صار التفاح اليوم من أكثر محاصيل الفاكهة قيمة في القارة، إذ بلغت قيمة المحصول نحو أربعة بلايين دولار في العام الماضي في الولايات المتحدة وحدها. ويتطلع المزارعون بفارغ الصبر إلى معرفة ما إذا كان تدهور التفاح السريع أو المفاجئ، وفق الوصف المتداول لما يجري، يُشكِّل تهديداً خطيراً جديداً على القطاع.
أفاد باحثون هذا الشهر في مجلة بلوس وان PLOS ONE أن الإجهاد المرتبط بالطقس، الجفاف والبرد الشديد، ربما كان السبب الكامن وراء المرض. وقد بات الصقيع المبكر أكثر شيوعاً في جميع أنحاء شرق الولايات المتحدة، على سبيل المثال. لكن هذا لا يقدم إجابة وافية، لذلك ينكب العلماء على دراسة مجموعة أخرى من العوامل بما في ذلك: الآفات، والعوامل الممرضة، واللجوء المتزايد إلى أساليب الزراعة العالية الكثافة. «فهناك العديد من الأمور، وسيكون من الصعب حقاً التعرف على السبب الحقيقي،» وفقاً لديفيد روزنبرغر David Rosenberger، عالم أمراض النبات المتقاعد الذي عمل سابقاً في جامعة كورنيل Cornell University.
وأحد الأعراض الشائعة في الأشجار المصابة بالتدهور السريع هو موت الأنسجة في موضع التطعيم Graft union – الجزء من الجذع حيث يُلقَّم البرعم الحامل لفاكهة نوع من التفاح في الأرومة (الجذر) المقاومة للشتاء Hardy rootstock لإنماء أشجار جديدة. وموضع التطعيم حسّاس لصقيع أواخر فصل الشتاء؛ لأن هذا النسيج هو آخر قسم من الشجرة يدخل في مرحلة الكُمون.
ووجد فريق بقيادة اختصاصي أمراض النبات أويس خان Awais Khan من جامعة كورنيل نسيجاً ميتاً تحت موضع التطعيم في أشجار بستان مصاب في نيويورك. وهم يشتبهون بأن السبب هو الشتاء الشديد البرودة في 2014-2015 الذي تلته فترة جفاف. وربما تسبب النسيج الميت في إضعاف الأشجار مفسحاً المجال للآفات أو العوامل الممرضة لكي تغزوها. لكن خان وزملاءه لم يتعرفوا على أي عامل ممرض معروف في الأشجار المتضررة أو التربة القريبة منها وفق ما ذكروا في مجلة بلوس وان.
وتقترح ملاحظات من مناطق أخرى مشهورة بزراعة التفاح عدم إلقاء اللوم على الظروف الجوية القاسية بمفردها. ففي كندا، سُجل انتشار سريع جداً للتدهور السريع للتفاح في مقاطعة بريتش كولومبيا في صيف عام 2018، بعد تعاقب فصول شتاء لطيفة على غير العادة، وفق توم فورج Tom Forge، أحد علماء بيئة التربة من إدارة الزراعة والأغذية الزراعية الكندية Agriculture and Agri-Food Canada في سامرلاند. واستُبعد الجفاف كعامل في هذه الحالة نظراً لأن هذه البساتين مَروِّية.
ويتساءل بعض العلماء عمّا إذا كانت أرومات معينة أو التعرض لمبيدات الأعشاب هي التي تجعل الأشجار أكثر عرضة للمرض. وتقول بيرت إن التدهور أكثر شيوعاً على ما يبدو أرومة مُحبَّبة تُسمى الأرومة M9 التي قد يكون دخولها في حالة كُمون في الخريف أبطأ من غيرها. ولاحظ روزنبرغ أن التدهور يبدو أكثر شيوعاً في البساتين التي تنتشر فيها كمية أقل من الأعشاب الضارة، الأمر الذي يدفعه إلى الاشتباه في وجود دور ما لمبيدات الأعشاب.
وفي الوقت نفسه يتسارع البحث عن وجود عوامل مُمرِضة جديدة. وفي العام الماضي أفاد فريق ضَمّ بيتر وعالِم أمراض النبات روي لي Ruhui Li من وزارة الزراعة الأمريكية في بيلتسفيل بولاية مريلاند، في دراسة نشرتها مجلة فيرولوجي جورنال Virology Journal أنهم عثروا على فيروس من عائلة الفيروسات المصفرة Luteovirus، لم يوصف من قبل، يصيب الأشجار الميتة. وعثر سكوت هاربر Scott Harper، عالِم أمراض النبات من جامعة ولاية واشنطن Washington State University في بروسر كذلك على فيروسات لم توصف من قبل في الأشجار الميتة. وعمد فريق لي إلى إصابة أشجار يافعة بالفيروس لمعرفة ما إذا كان هذا الفيروس ضاراً، ويخطط هاربر لإجراء تجربة بيت دفيئة Greenhouse مماثلة. ولكن الحصول على إجابة قد يستغرق ما يصل إلى خمس سنوات، ويقول روزنبرغر: «في هذه الأثناء يقضم الناس أظافرهم قلقاً.»
وفي ولاية كارولاينا الشمالية التي مُنيت بأضرار كبيرة، عثر الباحثون على خنافس أمبروزيا Ambrosia beetles تغزو موضع التطعيم في الأشجار الميتة. وتحفر هذه الحشرات القصيرة والبدينة أنفاقاً في خشب الأشجار الضعيفة وتزرع فيها فطر أمبروزيا الذي تتغذى به يرقاتها. وقد تسبب هذه الفطريات أو فطريات الفطريات المُخزَّنة الضرر للأشجار، وهي فكرة ستبدأ بدراستها سارة فيلاني Sara Villani، عالِمة أمراض النبات في جامعة ولاية كارولاينا الشمالية North Carolina State University بميلز ريفر وزملاؤها بإجراء تجارب عليها في يونيو 2019. وسيختبر الباحثون هناك أيضاً طريقة لتعزيز جهاز الأشجار المناعي.
وقد تكون أساليب زراعة التفاح الحديثة أحد العوامل أيضاً؛ إذ إن التدهور السريع هو الأكثر شيوعاً في البساتين الكثيفة، وهي طريقة تلقى إقبالاً متزايداً عليها نظراً لإدارتها الفعالة؛ فبدلاً من نحو 250 شجرة في الهكتار الواحد، قد تحتوي البساتين عالية الكثافة على 1,200 شجرة أو أكثر. ولا شك في أن على الأشجار المتقاربة أن تتنافس للحصول على الغذاء والرطوبة. وهي أشجار ذات جذور ضحلة وهذا النظام يجعل تعرشها أسهل لكنه يضعفها أمام عوامل الجفاف، ويقول خان: «أنا لا أنتقد النظام، لكنه ليس قويًّا أمام مقاومة هذا النوع من التقلبات.»
ومع استمرار الدراسات يبقى الباحثون متيقظين، وتقول فيلاني: «لن أفاجأ إذا تلقينا المزيد من التقارير حول تدهور التفاح.»