تلسكوب الأشعة السينية يُبقِي آمال علم الفضاء الروسي حيَّةً
سبكتر-أر جي المصمَّم لدراسة تأثير الطاقة المعتمة الغامضة في المجرات سيكون مرصد الفضاء الروسي الوحيد
بقلم: دانيال كليري
ترجمة: صفاء كنج
يأمل برنامج علم الفضاء الروسي المتعثر في تحقيق انتصار نادر هذا الصيف. ويهدف سبكتر-أر جي Spektr-RG (وهو اختصار: سبكتروم- روتغن-غاما)، وهو قمر اصطناعي يعمل بالأشعة السينية من المقرر إطلاقه في 12 يوليو 2019 من كازاخستان، إلى رسم خريطة تموضع جميع عناقيد المجرات Galaxy clusters التي يقدر عددها بـ 100 ألف ويمكن رؤيتها في جميع أنحاء الكون. ونظراً لاحتوائها على ما يصل إلى 1,000 مجرة وكتلة تساوي مليون بليون شمس؛ تعد عناقيد المجرات أكبر الهيكليات المترابطة فيما بينها بفعل الجاذبية في الكون. ويتوقع أن يسلط مسحُها الضوءَ على تطور الكون وطبيعة الطاقة المعتمة التي تعجّل في تمدده واتساعه.
يعود تاريخ مشروع القمر الاصطناعي سبكتر-أر جي إلى أكثر من 30 عاماً عندما اقتُرح كجزء من خطة سوفييتية لبناء سلسلة من «المراصد الكبرى» الطموحة على غرار تلسكوب هابل الفضائي التابع لإدارة الفضاء الأمريكية (ناسا). لكن القمر الاصطناعي سبكتر-أر جي وقع ضحية خفض التكاليف في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. غير أن القمر الاصطناعي الذي تبلغ تكلفته 500 مليون يورو وسيحمل تلسكوبين ألمانيّاً وروسيّاً يعملان بالأشعة السينية، كُتب له عمر جديد في أوائل العقد الماضي مع تكليفه مهمة جديدة. وكان هدفه الأصلي مسح السماء بحثاً عن مصادر للأشعة السينية تثير اهتمام العلماء، مثل الثقوب السوداء الفائقة الكتلة التي تلتهم المواد التي تسقط فيها؛ والآن، من خلال رسم خرائط عناقيد المجرات، سيُرسل لاكتشاف ما الذي يُحرّك الكون. ورسم الهدف الجديد عنى مزيداً من التأخير في بدء المهمة. ويقول بيتر بريدل Peter Predehl، قائد الفريق في معهد ماكس بلانك لفيزياء الفضاء الخارجي Max Planck Institute for Extra-terrestrial Physics (اختصارًا: المعهد MPE ) في غارشينغ بألمانيا، الذي بنى أحد تلسكوبي القمر الاصطناعي: «مررنا بمراحل مختلفة من النجاح والفشل. وكلما اعتقدنا أننا توصلنا إلى حل معضلة ما، ظهرت أخرى».
في أواخر ثمانينات القرن العشرين ولد مشروع القمر الاصطناعي «سبكتر-أر جي» عندما شجعت سياسة الانفتاح والشفافية التي انتهجتها القيادة السوفييتية وعرفت بغلاسنوست Glasnost الباحثين السوفييت على التعاون مع زملائهم في الغرب، وعندما أظهرت دراسات السوبرنوفا (المستعر الأعظم) SN 1987A؛ وهو الأقرب في عصرنا الحديث، قوة الأشعة السينية في تتبع مثل هذه الأحداث العنيفة. واقترح رشيد سونياييف Rashid Sunyaev، من معهد موسكو لأبحاث الفضاء Space Research Institute (اختصاراً: المعهد IKI) إنشاء مرصد للأشعة السينية يوضع في المدار فوق غلاف الأرض الجوي الذي يحجب الأشعة السينية.وبمشاركة 20 معهداً في 12 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، سرعان ما حظيت المهمة التي تزن ستة أطنان بخمسة تلسكوبات. ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كافحت وكالة الفضاء الروسية روسكوسموس Roscosmos لضمان استمرار محطة مير الفضائية Mir space station والمساهمة في محطة الفضاء الدولية الآخذة بالتطور International space station (اختصارًا: المحطة ISS). ويقول سونياييف الذي يعمل حاليا في معهد MPE: «أخبرونا بأن المركبة الفضائية تفوق قدرات روسيا، وأنها طموحة جدّاً. لقد تبخرت ببساطة».
ولكن إعادة إحياء البرنامج بدأت في عام 2003 مع خطط أعُدت لبعثة أصغر من شأنها أن تحمل مرصداً للأشعة لكامل صفحة السماء من تصميم علماء من المملكة المتحدة وتلسكوب مسح الأشعة السينية من المعهد MPE يُدعى روزيتا ROSITA كان مقرراً وضعه على المحطة ISS، ولكن عُدل عن الأمر بعد كارثة مكوك الفضاء تشالنجر Challenger space shuttle. وكان علم الكونيات هو الدافع الجديد. وكشفت دراسات حول عدد من السوبرنوفا البعيدة في تسعينات القرن الماضي عن تعجيل توسع الكون. وأراد الباحثون معرفة المزيد عن الطاقة المعتمة والقوة الغامضة المسببة لذلك، وما إذا كانت تختلف في المكان أو مع مرور الوقت. ويقول أندرو فابيان Andrew Fabian، عالم الفلك المختص بالأشعة السينية من معهد علم الفلك Institute of Astronomy (اختصارًا: المعهد IoA) في كيمبريدج بالمملكة المتحدة، إن عناقيد المجرات تعد من بين أفضل المؤشرات، «فهي أكثر الأجسام كثافة في الكون وهي ذروة تكوين المجرة، كما أنها حساسة جدّاً للنماذج الكونية».
ويمكن رؤيتها بصورة أفضل باستخدام الأشعة السينية؛ لأن الفجوات بين المجرات ممتلئة بالغاز الذي يُسَخَّن إلى ملايين الدرجات في حين تتزاحم المجرات داخل التكوين العنقودي. وتقول إسراء بلبل Esra Bulbul، من مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية Harvard-Smithsonian Centre for Astrophysics في كيمبريدج بولاية ماساتشوستس التي انضمت مؤخراً إلى فريق معهد MPE، إنه من خلال رسم خرائط عناقيد المجرات، «سيدرس القمر الاصطناعي سبكتر-أر جي تطور بنية الكون».
وتَمثّل التحدي في زيادة قدرات تلسكوب روزيتا الحالي الذي لم يكن بوسعه تخزين إلا نحو 10,000 من عناقيد المجرات. وأفضت المناقشات إلى الحصول على تمويل قدره 90 مليون يورو من المعهد MPE والمركز الألماني للفضاء German Aerospace Center (اختصارًا: المركز DLR) خُصص لمشروع إي-روزيتا eROSITA «الموسع»، وهو مجموعة من سبعة تلسكوبات متطابقة تفوق مساحة التخزين الفعالة لديها خمسة أضعاف المشروع الأساسي. وقد وقعت روسيا وألمانيا اتفاقية في عام 2007 وحدد موعد الإطلاق في عام 2012.
لكن المهمة واجهت صعوبات؛ إذ فشلت الأداة التي اقترحتها المملكة المتحدة في الحصول على تمويل واستعيض عنها بتلسكوب روسي يكمل معدات إي-روزيتا عن طريق اكتشاف أشعة سينية «صلبة» أكثر ندرة. وبغض النظر عن صعوبة جمع هذه الفوتونات ذات الطاقة العالية، فهي تعد مفيدة بشكل خاص لرؤية الثقوب السوداء الفائقة الكتلة في مراكز المجرات؛ لأنها تخترق سحب الغاز والغبار التي تغلفها وتحجبها.
وطرح صنع مرايا إي-روزيتا تحدياً آخر؛ ونظراً لأنّ الأشعة السينية يمكنها اختراق مرآة التلسكوب المسطح في حين يتطلب التركيز البؤري صنع مرايا أسطوانية تجمع الفوتونات في
انعكاسات ذات زاوية سقوط متممة Glancing angle أو منخفضة عن الأسطح الداخلية. يحتوي كل تلسكوب من تلسكوبات إي-روزيتا السبعة على 54 مرآة أسطوانية مطلية بالذهب ومتداخلة ومصممة بدقة للسماح بتركيز الفوتونات. لقد كان صنع هذه المرايا وتثبيتها أمراً بالغ الصعوبة لدرجة اضطر معها فريق المعهد MPE إلى الاستغناء عن المقاول الرئيسي في منتصف المشروع، «لقد كاد الأمر يقضي على المشروع»، كما يقول بريدل.
وقد عنى قرار وضع التلسكوب في نقطة مستقرة متوازنة الجاذبية أبعد من القمر وخارج المجال المغناطيسي للأرض ضرورةَ جعل الأجهزة الإلكترونية قادرةً على مقاومة الإشعاع الشمسي. وأدى التباين في البرمجيات الإلكترونية الألمانية والروسية إلى تأخير الإطلاق، وكذلك مشكلات نظام اتصالات المركبة الفضائية وتغيير صاروخ الإطلاق.
الآن وبعد أن صار القمر الاصطناعي سبكتر-أر جي جاهزاً، باتت التوقعات المعلقة عليه عالية. ويقول جورج لانسبيري George Lansbury، عالم الفلك من المعهد IoA إنّ المهمة: «ستحدث ثورة من حيث الأرقام»؛ لأنها ستأخذ دراسات الأشعة السينية إلى «نظام البيانات الضخمة».
وقد يمثل أيضاً علامة فارقة نادرة في برنامج المراصد الروسية الكبرى التي لم يصل منها في السابق سوى واحد إلى المدار هو القمر الاصطناعي سبكتر-أر في عام 2011، وهي مهمة لعلم الفلك الراديوي كانت دون مستوى التوقعات ولم يتمكن العلماء من إعادة تشغيلها بعد تعطلها في وقت سابق من هذه السنة (Science, 29 July 2011, p. 512).
وقد يضطر علماء الفلك إلى الانتظار طويلاً قبل رؤية خلفاء القمر الاصطناعي سبتكتر-أر جي ومنها التلسكوب العامل بالأشعة فوق البنفسجية سبكتر-يو في Spektr-UV وسبكتر-أم Spektr-M، التلسكوب الراديوي المليمتري. وتحاشى سبكتر-يو الإلغاءَ مراراً وآخرها في عام 2014 عندما تسبب ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية في انسحاب الشركاء الأوكرانيين الرئيسيين. ومن المقرر الآن إطلاق هذه المهمة في عام 2025، لكن سونياييف يقول إنّ بعض المتعاونين انسحبوا منها بمن فيهم فريق ألماني يفترض أن يزودها مطيافاً بصريّاً. ويقول إن القمر الاصطناعي سبكتر-أم الذي يفترض أن يتبعه لم يحصل على كامل التمويل اللازم. وفي الوقت نفسه، فإن التلسكوبات المتنافسة التي أطلقتها بلدان أخرى قد تسبق المهمات الروسية في تحقيق الإنجاز العلمي الذي تصبو إليه.
ويقول رئيس فريق مشروع القمر الاصطناعي سبكتر-أر جي من المعهد IKI ميخائيل بافلينسكي Mikhail Pavlinsky إنّ: «روسيا تفعل قدر المستطاع ضمن الميزانية المتاحة». ويشير إلى أن على ميزانية الوكالة روسكوسموس الشحيحة، التي تبلغ 20,5 بليون دولار على مدى عشر سنوات، تلبية العديد من المتطلبات. وتبني روسيا نظام الهبوط لعربة الاستكشاف الأُوروبية إكسومارس ExoMars المقرر إطلاقها العام المقبل، ومثل الدول الأخرى، تأمل روسيا العودة إلى القمر عبر إرسال مركبة الهبوط لونا 25 في عام 2021. وهذا يعني، بالنسبة إلى علماء الفيزياء الفلكية الروس، كما يقول بافلينكسي: «تحقيق تقدم بطيء».
sciencemag.org