داخل السباق الجديد نحو الفضاء: من سيكون أول العائدين إلى القمر؟
ثمة دول عدة، بدءًا من الولايات المتحدة وصولًا إلى الصين، وشركات مثل شركة إيلون ماسك Elon Musk سبيس إكس SpaceX تتنافس على مغادرة الأرض مجددًا. لكن ما السبب؟ وهل نحن جاهزون لعصر فضائي ثان؟
بقلم: ليا كرين
ترجمة: مايا سليمان
“أنا على السطح الآن. وفيما أخطو خطوات الإنسان الأخيرة من عليه عائدًا إلى بلدي حتى أمدٍ ما – لن يكون في المستقبل البعيد كما نعتقد – أود أن أقول ما سيدونه التاريخ كما أؤمن. إن تحدّي أمريكا اليوم شكل مصير الإنسان في الغد. وفيما نغادر القمر من وادي تاروس- ليترو، نغادر كما جئنا، وإن شاء الله، كما سنعود، حاملين السلام والأمل للبشرية جمعاء. وفّق الله طاقم أبولو 17 Apollo”
هذه الكلمات التي تفوه بها رائد الفضاء جين كيرنان Gene Cernan في ديسمبر من عام 1972 لا تقارب شهرتها كلمات نيل آرمسترونغ Neil Armstrong : “قفزة ضخمة للبشرية”. لكن فيما نستعد للاحتفال بالذكرى الـ 50 لأول هبوط على سطح القمر في شهر يوليو، تشيع هذه الكلمات جوًا من الرثاء. فالكلمات الأخيرة على سطح القمر جاءت في غضون ثلاث سنوات ونيف بعد الكلمات الأولى. ومنذ أن تم التفوه بها، لم تغادر البشرية مدار الأرض. وطموحنا للوصول إلى النجوم – أو أقله الأجزاء الأقرب من الفضاء الخارجي – انتهى فور بدئه.
لكن مؤخرًا، يبدو الفضاء مزدحمًا بعض الشيء مجددًا؛ إذ تتنافس وكالات الفضاء الوطنية وشركات خاصة في الولايات المتحدة والصين واليابان والهند وإسرائيل وغيرها على إرسال مهمات بلا طاقم نحو القمر والمريخ وما وراءهما. يتضمن الهدف المعلن في الولايات المتحدة، وهي إحدى القوتين الفضائيتين الأوليين، عودة البشر إلى القمر بحلول عام 2024. وهناك دول أخرى بدأت أيضًا تثير ضجة حول إنشاء قواعد فضائية دائمة لها. إذًا، ما السبب وراء هذا الازدهار الفضائي، ولماذا الآن؟ والسؤال الأكثر أهمية: هل نحن جاهزون له؟
سباق الفضاء الأول كان سهل الفهم: كان صراعًا مباشرًا بين معسكري الحرب الباردة وخاضاه بدوافع دعائية بشكل رئيسي. “كان الاتحاد السوفييتي يعاني الفقر والفساد لكنه استطاع تأسيس نفسه كقوة عظمى من خلال ما استطاع تحقيقه في الفضاء،” كما تقول لورا فوتشيسك Laura Forczyk من شركة الاستشارات الفضائية آستراليتيكال Astralytical في أتلانتا بجورجيا Atlanta ،Georgia . استطاع السوفييت إنجاز الخطوة الأولى مطلقين القمر الاصطناعي الأول عام 1957، وواضعين الرجل والمرأة الأولين في الفضاء أوائل عام 1960.
دفع هذا الأمر الولايات المتحدة إلى بذل الجهد، وضَمن برنامجها أبولَّو نجاح تلك الخطوة الصغيرة على القمر يوم 20 يوليو عام 1969. غير أن التكلفة المرتفعة والقيمة الدعائية المتناقصة للسفر إلى الفضاء المجهز بطاقم وضعتا القواعد الفضائية واستيطان المريخ في درج الأحلام.
لكننا لم نتخل تماما عن الفضاء؛ فالمحيط الفضائي المباشر للأرض أصبح مكتظًا بالمزيد من الأقمار الاصطناعية التي تجمع المعلومات عن الكوكب وتطلق الرسائل حوله، ويصاحبها في هذا كميات كبيرة من الخردة المرتبطة بها. ثم جاءت محطة الفضاء الدولية International Space Station ( اختصارا: المحطة ISS) وهي رمز لحقبة جديدة من التعاون الفضائي الذي أعقب الحرب الباردة بدءًا بإطلاق مركبتها الأولى إلى المدار عام 1988. تدير المحطة كل من ناسا، ووكالة الفضاء الروسية (روسكوزموس) Roscosmos ، ووكالة الاستكشاف الفضائي اليابانية (جاكسا) Jaxa، ووكالة الفضاء الأوروبية (إيسا)ESA ، ووكالة الفضاء الكندية. ومنذ عودة كيرنان مثَّل دورانها الذي بلغ 400 كيلومتر البقاء الأطول للإنسان خارج الأرض.
رسخت الصين نفسها كقوة فضائية عظمى، بقدرات تكافئ القوتين الأوليين لكن الزمن تبدل. ومن أبرز ما حمله هذا التبدل ترسيخ الصين نفسها كقوة فضائية عظمى ثالثة بقدرات تقارب قوة الاثنتين الأوليين. أرسلت وكالة الفضاء الوطنية الصينية رائدها الفضائي الأول إلى الفضاء عام 2003 . ونجحت حتى الآن في إنزال مركبتين دون طاقم على سطح القمر إحداهما تشانغي Chang’e 4, التي حققت الهبوط المتحكَم فيه الأول على النصف البعيد من القمر في يناير 2019. بعد نجاح قصير الأمد، تطمح الوكالة إلى تأسيس قواعد فضائية دائمة خاصة بها بحلول نهاية العقد الحالي. وبصورة إجمالية، توجد 13 دولة، إضافة إلى 22 أخرى تشارك في وكالة الفضاء الأوروبية، تمتلك قدرات إطلاق الصواريخ، وهناك أيضا 72 وكالة فضاء وطنية منفصلة.
أما لوري غارفير Lori Garver، نائبة المدير الإداري في ناسا سابقا، فتفسر هذا الانفجار وفق رأي المقدم العلمي نيل ديغراس تايسون Neil Degrass Tyson بأن الدوافع الوحيدة وراء الأمور الضخمة هي الخوف والطمع والمجد. وهي تقول: “أبولو كانت مزيجًا من الخوف والمجد،” مضيفة :” أعتقد أن هذه النهضة يحركها الطمع، وهذا ليس بالأمر الإشكالي بالنسبة إلي.” ينطبق هذا على الأقل على بعض الجهات التجارية التي تريد الدخول مبكرًا فيما تراه صناعة ستزدهر يومًا ما. أما بالنسبة إلى الأمم الصغيرة، فالمجد لا يزال المحرك الرئيسي.” بالنسبة إلى البلدان الجديدة في مجال التحليق في الفضاء، فإنها لم تحظ بمجدها بعد،” كما تقول غارفير.
أما بالنسبة إلى سؤال “لماذا الآن؟” فالقصة بسيطة. “إذا رأيت تغيرًا بسيطًا في تيار البحر، فاعلم أن الكثير يحصل تحت السطح،” كما تقول لين ديتمار Lynne Dittmar من تحالف استكشاف الفضاء العميق Coalition for Deep Space Exploration، وهي مجموعة ضغط مركزها واشنطن. قد تبدو القفزة فجائية غير أن البشرية تحضِّر لهذه اللحظة منذ عقود.
خذ القوة الفضائية “الجديدة”، الهند؛ فهي تطلق الأقمار الاصطناعية باستخدام صواريخها الخاصة منذ عام 1980. وكان دخول مسبار تابع لمؤسسة البحث الفضائي الهندية مدار المريخ في سبتمبر 2014 السبب في تسليط الضوء على الهند كرابع وكالة فضائية تصل إلى هناك بعد كل من ناسا والوكالة روسكوزموس والوكالة إيسا.
وبالمثل، أطلقت اليابان هايابوسا Hayabusa ، وهي أول مهمة تُحضر عينات من الغبار من كويكب، وهذا لم يكن بالأمس القريب بل عام 2003. و خليفتها هايابوسا 2 أطلقت تسديدة صاروخية نحو كويكب آخر لجمع عينات أخرى في شهر أبريل 2019. مهمات هايابوسا جزء من مقاربة صبورة هادفة وحذرة تقودها اليابان. “ستكون المهمات الصغيرة والمتواترة طريقنا الذي سنسلكه، وسيمكن هذا لاعبين جددا من المشاركة في مهماتنا،” كما يقول ماساكي فوجيموتو Masaki Fujimoto نائب مدير مؤسسة الفضاء وعلوم الملاحة الفضائية Institute of Space and Astronautical Science التابعة لجاكسا.
يوضح هذا عنصرًا رئيسيًا في سباق الفضاء الجديد؛ وهو جاهزية الدول الصغيرة للتعاون مع القطاع الصناعي. ويمكن رؤية مثال واضح عن هذا في مهمة بيرشيت Bersheet التي اصطدمت بسطح القمر في 11 أبريل بعد وصولها إلى مداره بنجاح. أشرفت على المهمة سبيس SpaceIL ، وهي شركة إسرائيلية تأسست بهدف المشاركة في جائزة لونر إكس Lunar X التابعة لغوغل والتي عرضت مبلغ 20 مليون دولار لأول مشروع خاص ينجح في الهبوط على سطح القمر. ومع أن معظم تمويلها كان من متبرعين من القطاع الخاص، فقد تلقت المهمة بعض التمويل من الحكومة الإسرائيلية ورفعت العلم الإسرائيلي على قمرها الاصطناعي.
وعلى الرغم من فشلها في الهبوط، بسبب ما وصفته فشلا في المحرك عند اللحظات الأخيرة للهبوط، “فإن بيرشيت تمثل شاهدًا على أن الهبوط على سطح القمر لا يتطلب أن تكون الدولة قوة عظمى،” كما يقول جون ثورنتون John Thornton الرئيس التنفيذي لشركة الروبوتات الفضائية الأمريكية آستروبوتيك Astrobotic . ويضيف قائلا: “يمكن لهذا أن يتكرر في أي مكان في العالم.” تعتزم وكالة الفضاء المكسيكية التي تأسست عام 2010 إرسال أداة علمية إلى القمر على متن ناقل من آستروبوتيك هذا العام.
صواريخ جاهزة
وإذا بحثت بصورة معمقة ستجد أن هذه التطورات تعكس تآزر قطاعات مختلفة من التقدم لتمنحنا وسائل أكثر للعب في الفضاء. فقد أدت عقود من تصغير الإلكترونيات والمكونات الأخرى، إضافة إلى تطورات أخرى في مجال الطباعة الثلاثية الأبعاد والروبوتات، إلى انخفاض في تكلفة مكونات المركبات الفضائية وتسهيل تصنيعها. “في عصر أبولو، كانوا يخترعون التكنولوجيا للمرة الأولى ويستخدمون الإصدارات الأولى من كل شيء،” كما يقول ثورنتون. “وحاليا صار بإمكاننا ببساطة شراء كل ما نحتاج إليه، مما يمكِّننا من بناء المركبات الفضائية بسرعة كبيرة.”
وتشهد شركات التكنولوجيا الفضائية زيادة عددية لتملأ وفرة من التخصصات حتى لا يقضي مغامرو الفضاء وحدهم سنوات من البحث والتطوير، كما فعلت الشركات الضخمة في أوائل الألفية الثانية. ويقول إيريك ستالمير Eric Stallmer من اتحاد الطيران الفضائي التجاري Commercial Spaceflight Federation في واشنطن العاصمة: ” صار باستطاعتهم تحصيل مبالغ مخصصة للتأسيس ثم إجراء بعض التطوير لإيصال منتجهم إلى الأسواق في مدة وجيزة، وأعتقد أن منبع النهضة يكمن هنا.”
ودعامة الثورة هذه تكمن في سوق الإطلاق. في السابق، كان إيصال أي رحلة لمركبة من ناسا إلى المدار يكلف نحو 1.5 بليون دولار حتى إيقافها عام 2011. أمّا أي إطلاق مماثل باستعانة بصاروخ أريان Ariane 5 من الوكالة إيسا فيكلف حاليا نحو 200 مليون دولار. وهناك شركة سبيس إكس التي أسسها رائد الأعمال ماسك والتي تطلق صواريخ كبيرة نحو المدار منذ عام 2010. ولديها صاروخ يدعى فالكون Falcon 9 يمكنه إيصال مهمتك بتكلفة قدرها 62 مليون دولار.
وإذا كنت مستعدًا لمشاركة رحلتك، أي إطلاق مركبتك ضمن حزمة من الأقمار الاصطناعية الأخرى على متن الصاروخ نفسه، فستنخفض الكلفة أكثر فأكثر. وإذا كان لديك قمر اصطناعي يزن أقل من 100 كيلوغرام، فيمكن لأحد صواريخ إلكترون Electron الأصغر حجمًا التابعة لشركة روكيت لاب Rocket Lab الأمريكية إطلاقه من منشأتها في نيوزلندا بتكلفة قدرها خمسة ملايين دولار فقط. وقد أطلقت عام 2019 أكثر من 114 صاروخا باستخدام 23 نوعًا مختلفًا من الصواريخ. وتقول غارفر:” إنها تمثل حلقة إيجابية، كلما أطلقوا المزيد انخفضت التكلفة وفكر الأفراد بأمور أخرى ليطلقوها بسبب انخفاض الكلفة.”
لعل سباق الفضاء يحتدم بين الشركات الخاصة الضخمة التي توفر خدمات الإطلاق الدولي. يعمل كل من سبيس إكس واتحاد يونايتد للإطلاق United Launch Alliance وبلو أوريجين Blue Origin التابعة لجيف بيزوس Jeff Bezos مؤسس أمازون Amazon على تطوير صواريخ للنقل الثقيل، لنقل الحمولات إلى الفضاء الخارجي، مع أن فالكون هيفي Falcon Heavy التابع لسبيس إكس يبقى الوحيد الذي أُطلق حتى الآن.
ليس هناك وجود للبشر على متن مركبات السباق حتى الآن. لكن، إضافة إلى شركات الصواريخ الكبيرة، هناك شركات أخرى صغيرة تعمل على تطوير التكنولوجيا اللازمة لسفر الإنسان إلى الفضاء، بدءًا بمسابير للهبوط على سطح القمر بأسعار مقبولة وصولًا إلى مساكن قابلة للنفخ أو أخرى يمكن طباعتها بأبعاد ثلاثية باستخدام الغبار المريخي.
وحتى الآن، لا يزال زبائن الشركات التجارية، الكبيرة والصغيرة، من الحكومات، وأهمها الحكومة الأمريكية عبر وكالتها الفضائية ناسا. فقد حملت أكثر من نصف إطلاقات سبيس إكس حمولات من وكالات تابعة للحكومة الأمريكية. ويقول ديتمار: “تشكل ناسا العمود الفقري.” ويضيف:” أراه تطورًا طبيعيًا: الأموال تتدفق من الحكومة إلى المشاريع التي تطوِّر بدورها التكنولوجيا لتتابع الحكومات في النهاية تقدمها.”
ولم تتقدم الحكومة الأمريكية بعد بالتأكيد؛ إذ قال نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية مايك بينس Mike Pence في شهر مارس 2019 إن الرئيس سيوجه إلى ناسا طلب إطلاق رواد فضاء إلى القمر بحلول عام 2024 “مهما كلف الأمر”. وهذه مهمة صعبة: فعادة ما تستخدم ناسا صاروخا تابعا لنظام الإطلاق الفضائي الخاص بها، لكن الوكالة غارقة الآن في تأخيرات في الجدول والميزانية منذ أن تعاقدت مع بوينغ Boeing لبدء أعمال البناء عام 2012. و يمكن لناسا استخدام صاروخ من سبيس إكس أو بلو أوريجين لكن الأمر سيتطلب تعديلًا على عملية وضع الحمولة على هذه الصواريخ، كما قال المسؤول الإداري في ناسا جيم بريدنستين Jim Bridenstine شهر أبريل 2019.
إن موعدا نهائيا طموحا كهذا سيتطلب زيادة في التمويل. وسيشكل حصول ناسا على هذه الزيادة، حال حصولها، تغيرًا في مشهد قطاع الطيران الفضائي. يقول آندرو راش Andrew Rush المدير التنفيذي في شركة التصنيع الفضائي صُنع في الفضاء Made in Space.: ” إذا كان هذا تصريحًا راسخا، فسيكون دفعًا للجميع وسيشكل خلاصة هذه النهضة.”
لكن مخططات ناسا التي تشمل محطة فضائية في مدار القمر ليست فريدة من نوعها، فالقمر خطوة أولى بديهية في محاولتنا الثانية للوصول إلى الفضاء. إذ يقول ثورنتون: “أرى القمر بمثابة مساحة تدريب لنوعنا Species.” ويضيف:” إذا استطعنا تعلم كيفية العيش بالكامل من أرض كوكب آخر واستخدام موارده، عندها يمكننا أن نغدو مستكشفين حقيقيين لنظامنا الشمسي.”
أعلن ماسك عام 2017 عن طموح سبيس إكس استحداث محطة قمرية. والأسبوع الماضي، أعلن جيف بيزوس خطة بلو أوريجين لتطوير مركبة بطاقم للسفر نحو القطب الجنوبي للقمر بحلول موعد بينس النهائي عام 2024.
في هذه الأثناء، توجه الصين عشية هبوطها الناجح على سطح القمر نظرها نحو مهمات بطاقم بشري وصولًا إلى محطة بحث قمرية في نهاية المطاف. أمّا وكالة إيسا فلديها مخططات طموحة في العقد الثالث من هذا القرن لمهمات روبوتية ورحلات بطاقم بشري نحو المريخ، وقد طورت مخططًا لمحطة فضائية. أما وكالة روسكوزموس فقد أعلنت خطتها لإنشاء مستوطنات قمرية بحلول عام 2040 ، على الرغم من شكوك الخبراء في قدرتها على تحقيق الخطة انطلاقا من غياب روسيا الكامل عن مشهد الاستكشاف الكوكبي منذ تفكك الاتحاد السوفييتي.
ويبدو أن الجميع لا يشعرون بالارتياح الكامل إزاء التوجه نحو تطور مشهد السفر إلى الفضاء؛ إذ يعبر المدير العام لوكالة إيسا يوهان دييتريك ويرنير Johann Dietrich Wörner عن قلقه لعودة محتملة لصياغة ” السباق نحو الفضاء”، ويراه عقبة في وجه التعاون الذي كان مثمرًا في مشاريع عدة كمحطة الفضاء الدولية. ويقول: ” أتمنى ألا نكون قد عدنا إلى السباق.” ويضيف:” إذا أنجزنا المهمة معا خارج الحدود الأرضية، خارج سياسات الأرض، وخارج أزمات الأرض، نكون قد قدمنا خدمة للبشرية.”
تتبع رؤية وكالة إيسا للمحطة القمرية المبدأ التعاوني هذا، كما يقول ويرنير. ” القرية القمرية فكرة مفتوحة ومتعددة الشركاء. ووكالة إيسا تؤدي دور ما يشبه الوسيط الذي يجمع مختلف اللاعبين.”
قوانين الطريق
إذا لم ننجز المهمة معا، فقد نعجز أصلًا عن إتمامها، كما يقول ويرنير. اختبرت الهند في مارس الماضي منظومتها المضادة للأقمار الاصطناعية – وهي رابع دولة تفعل ذلك– مدمرة أحد أقمارها الخاصة إلى فتات. ” سجلت الهند اسمها كقوة فضائية عظمى،” كما قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي Narendra Modi في كلمة تلت ذلك الاختبار. لكن التسجيل هذا لم يتحقق دون تكلفة: فمئات القطع من فتات الحطام السريع تشكل خطرًا على الأقمار الاصطناعية الأخرى ومحطة الفضاء الدولية نفسها.
“وعلى ضوء اختبار المنظومة المضادة للأقمار الاصطناعية بالتحديد، تبين بوضوح حاجتنا إلى قوانين تنظيمية،” كما يقول ستالمير. كلما أرسلنا المزيد من الأقمار الاصطناعية والمركبات الفضائية، زادت صعوبة مراقبتها جميعًا. يجب على تكنولوجيا التتبع والقوانين الدولية اللحاق بهبّة السفر التجاري نحو الفضاء. وتقول لورا غريغو Laura Grego من اتحاد العلماء المعنيين Union of Concerned Scientists في ولاية ماساتشوستس:”لا يمكنك توسيع قطاع الفضاء بأضعاف مضاعفة وإدارته كما تعودت إدارة غيره.”
لكن لو سلكنا الطريق الصحيح، سنكون جميعًا مستفيدين. لقد منحتنا زيادة الأقمار الاصطناعية شبكة إنترنت وتواصلًا أفضل وتوقعات طقس أكثر دقة ونظام تحديد المواقعGPS. وأدت الاختبارات على متن محطة الفضاء الدولية إلى تطوير نظم تعقيم للمياه أصغر حجمًا وأكثر فعالية من أي وقت مضى. وأسهم بناء المركبات الفضائية في تطورات كبيرة في مجال علوم المواد. يقول راش: “الفضاء رياضة جماعية. كلما زاد عدد من يفكرون باستخدامات للفضاء لفائدة مجتمعاتهم أو زبائنهم أو صناعاتهم، كان الوضع أفضل للجميع.”
إذًا، ما السبب وراء السباق الجديد نحو الفضاء؟ المجد؟ بالطبع. الطمع؟ لا شك. لكنه الحلم أيضًا، ورغبة في دفع حدود العلم والتكنولوجيا مرة أخرى. يقول ديتمار: “جميع من يجلسون على الطاولة اليوم تجذبهم الرؤية الكبيرة – رؤية أننا نخرج مجددًا للاستكشاف.” بعد مرور 50 عامًا على ذروة سباق الفضاء الأول، ها نحن ننصت إلى القمر منتظرين كلمات أخرى.
نبذة عن الكاتبة
ليا كرين Leah Crane مراسلة صحافية في مجال الفضاء لمجلة نيوساينتست New Scientist ومقرها في بوسطن.