تحليل الحمض النووي يكشف الجذور الأوروبية للفلستينيين القدماء
مدافن عمرها 3,000 عام تتعرف على أعداء بني إسرائيل التوراتيين وأدلة تدعم أساطير هجرات العصر البرونزي
بقلم: آن غيبُنز
ترجمة: صفاء كنج
تعلمت ميخال فلدمان Michal Feldman عندما كانت تلميذة في فلسطين أن قدماء الفلستينيين (الفلسطينيين)Philistines، قدعاشوا بين ما يعرف اليوم بتل أبيب وغزة خلال العصر الحديدي.
وقد وصفتهم التوراة بأنهم أعداء لبني إسرائيل القدامى وأنهم حاربوا جيوش شمشون Samson وأرسلوا بطلهم جالوت Goliath لمنازلة داود David -عليه السلام- في المعركة الفاصلة.
ولكن ميخال فلدمان التي تحضّر لشهادة الدكتوراه في ألمانيا توصلت إلى طريقة جديدة لفهم الفلستينيين. فمن خلال تحليل الحمض النووي من بقايا وجدت في مدافن تعود إلى القرن الـ12 قبل الميلاد في مدينة عسقلان الشهيرة التي كانت مركزاً للفلستينيين، توصل فريقها إلى أنهم كانوا وافدين على الشرق الأوسط القديم. أما أقرب أقربائهم المعروفين؛ فيعودون بأصولهم إلى جنوب أوروبا، وفق ما كتب الفريق في تقريره في مطلع يوليو 2019 في مجلة ساينس أدفانسز Science Advances.
وتقترح بيانات الحمض النووي وجود قدر من الحقيقة في الأساطير اليونانية والشرق أوسطية التي تحدثت عن ناجين انتقلوا جنوباً بعد الانهيار المدمر لحضارات العصر البرونزي العظيمة في حوض البحر المتوسط في أواخر القرن الـ13 وأوائل القرن الـ12 قبل الميلاد. ويقول دانييل ماستر Daniel Master ، المشارك في كتابة التقرير من كلية ويتون Wheaton College في ولاية إلينوي الذي يقود عمليات التنقيب في عسقلان: «إن القصة التي يرويها [الحمض النووي] عن الهجرة قريبة جدّاً من تلك المروية في الحكاية». ويضيف عساف يسور-لانداو Assaf Yasur-Landau، عالم الآثار من جامعة حيفا وغير المشارك في البحث: «يتعلق الأمر بأشخاص حقيقيين فروا من اضطرابات حقيقية ووجدوا أُسراً جديدة في وطن جديد. إنها قصة إنسانية في أبسط تعابيرها».
عرف علماء الآثار منذ قرنٍ أنّ الأواني الخزفية المميزة وغيرها من القطع الأثرية التي ظهرت فجأة في القرن الـ12 قبل الميلاد في المدن التي عاش فيها الفلستينيون تشبه المصنوعات اليدوية العائدة إلى الإمبراطورية الميسينية Mycenaean empire ، القوة الإغريقية القديمة التي حاربت، وفق الأساطير، مملكة طروادة. وتصور الكتابات الهيروغليفية المصرية معركة بحرية مع أشخاص من الشمال أطلق عليهم علماء القرن الـ19 اسم «شعوب البحر». لكن يعتقد علماء آخرون أن الثقافة الفلستينية انتشرت عندما تراجعت الإمبراطوريات القديمة في تركيا وسوريا وملأ السكان المحليون الفراغ.
دعا ماستر، يوهانس كراس Johannes Krause ، عالم وراثة الأحافيرPaleogeneticist من معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري Max Planck Institute for the Science of Human History في ينا بألمانيا وهو المشرفُ على رسالة فلدمان، إلى محاولة استخراج الحمض النووي من أسنان وعظام الأذن الداخلية لهياكل عظمية اكتشفت في عسقلان. فقد حلل الفريق 1,24 مليون موقع عبر جينومات عشرة هياكل عظمية. ولم يكن ممكنا تمييز ثلاثة من الكبار في العمر عاشوا قبل 3,500 إلى 3,700 سنة وراثيّاً عن سكان بلاد الشام المحليين. ولكن الحمض النووي المستخرج من هياكل أربعة أطفال صغار دفنوا تحت الطوابق الترابية لمنازل في عسقلان بعد 500 سنة من ذلك التاريخ، عندما ظهرت الثقافة الفلستينية لأول مرة، حمل لنا قصة مختلفة؛ لقد ورثوا بين 25% إلى 70% من حمضهم النووي من أسلاف من جنوب أوروبا، وكانوا أكثر تطابقاً مع الشعوب القدامى التي عاشت في بحر إيجه وسردينيا وإيبريا. أما الحمض النووي المتبقي؛ فكان من سكان محليين، الأمر الذي يشير إلى أن أسلافهم الأوروبيين تزاوجوا بسرعة بجيرانهم الجدد. وفي الواقع، يقترح نوعان من الفخار في المنازل المجاورة أن الفلستينيين وأهل الشرق الأدنى عاشوا متجاورين في عسقلان.
مع ذلك، بعد 200 عام فقط من ذاك التاريخ، تطابق الحمض النووي لثلاثة أشخاص بالغين يُفترض العلماء أنهم فلستينيون، تماماً مع الحمض النووي لسكان بلاد الشام المحليين. ويقترح كراس أن التزاوج طغى على الموروث الجيني للمهاجرين الأوروبيين.
ويقول كريستيان كريستيانسن Kristian Kristiansen، عالم الآثار في جامعة غوتنبرغ University of Gothenburg بالسويد الذي يشتبه في أن أصلهم يعود إلى إيطاليا: حصلنا من خلال الدراسة «أخيراً على دليل علمي حقيقي على انتقال الناس إلى عسقلان من أوروبا». لكن يتعين الحصول على حمض نووي قديم من جميع أنحاء جنوب أوروبا لتحديد موطنهم الأصلي بدقة.
sciencemag.org