الخبراء يحذرون: الطاقة الحيوية ليست علاجا شافياً لمشكلات المناخ
تقرير الهيئة IPCC ينبه إلى مخاطر استخدام الأراضي لمكافحة ظاهرة الاحترار العالمي على الغذاء والماء
بقلم: إريك ستوكستاد
ترجمة: صفاء كنج
في إطار الجهود المبذولة للحفاظ على كوكب الأرض من بلوغ درجات حرارة خطيرة، برز نهج هجين يبدو جذاباً تحت مسمى “الطاقة الحيوية مع التقاط الكربون وتخزينه” Bioenergy with carbon capture and storage (اختصاراً: التقنية BECCS). فالمحاصيل تمتص ثاني أكسيد الكربون (CO2) من الجو، ومحطات توليد الطاقة تحرق الكتلة الحيوية Biomass لتوليد الكهرباء وتُلتقط الانبعاثات في مداخن، ومن ثم تضخ تحت الأرض حيث تخزَّن لفترة طويلة. وهكذا تُولَّد الطاقة مع إزالة ثاني أكسيد الكربون: إنها عمليةٌ تبدو كل مخرجاتها إيجابية وتصعب مقاومة إغرائها. لكن خلال الأسبوع الثاني من أغسطس 2019، دقت لجنة خبراء المناخ لدى الأمم المتحدة ناقوس الخطر من التوسع في إنشاء مزارع الطاقة الحيوية هذه؛ نظراً إلى أنها قد تهدد إنتاج الغذاء وإمدادات المياه و حقوق استغلال المزارعين الفقراء للأراضي.
“تقريرنا هو نوع من تسليط الضوء على الواقع”، كما يقول لينارت أولسون Lennart Olsson من مركز دراسات الاستدامة Center for Sustainability Studies في جامعة لوند Lund University بالسويد، وأحد الكتاب الرئيسيين لتقرير خاص نشرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي Intergovernmental Panel on Climate Change (اختصارا: الهيئة IPCC) في جنيف بسويسرا. ويضيف إنه بدلاً من المراهنة بكل شيء على الطاقة الحيوية، تحتاج الحكومات إلى التركيز على العلاج الصعب، ألا وهو تقليص استخدام الوقود الأحفوري: “لا يوجد طريق مختصر للتخفيف من ظاهرة التغير المناخي”.
يستعرض تقرير الهيئة IPCC التفاعلات بين المناخ والغابات والأراضي الزراعية، عبر استكشاف، على سبيل المثال، تأثير الجفاف الأكثر تواتراً في الزراعة. ويؤكد أن وقف إزالة الغابات والحفاظ على الكربون المخزن في التربة هما الخطوتان الرئيسيتان لمكافحة تغير المناخ. لكن لأن هذه التدابير لن تكفي وحدها لإعادة مناخ الكوكب إلى منطقة الأمان، فإنه يدرس كذلك جدوى تقنية الطاقة الحيوية مع التقاط الكربون وتخزينه، وهي عبارة عن استراتيجية “الانبعاثات السلبية” Negative emissions التي اختُبرت حتى الآن فقط في عدد قليل من محطات الطاقة (Science, 16 February 2018, p. 733).
في تقرير خاص سابق صدر في أكتوبر 2018، دعت الهيئة IPCC إلى الحد من الارتفاع في متوسط درجات الحرارة العالمية بما لا يزيد على 1.5 درجة سيليزية كحد أقصى مقارنة بما كانت عليه قبل المرحلة الصناعية لتجنب أسوأ عواقب تغير المناخ (Science, 12 October 2018, p. 134) وأكد الخبراء أن خفض الانبعاثات لن يكون كافياً لبلوغ هذا الهدف. وحتى الاستعاضة عن الفحم الحجري بمصادر الطاقة المتجددة وخفض استهلاك النفط والغاز بشكل كبير، سيعني أن الأنشطة البشرية ستستمر في ضخ كميات تقاس بعدة غيغاطن من الكربون في الجو. وتشير نماذج المحاكاة الحاسوبية إلى أن استخدام التقنية BECCS قد تزيل هذه الكميات، إذا خُصصت ملايين الكيلومترات المربعة – أي مساحة بحجم الهند على سبيل المثال- لمحاصيل الطاقة.
ويختبر التقرير الجديد عواقب نشر التقنية BECCS على هذا النطاق الواسع، ويخلص إلى أنه قد “يزيد بشكل كبير” الطلب على الأراضي الزراعية. إن الضغط على المحاصيل التقليدية قد يؤثر سلباً في الأمن الغذائي، كما حدث في عام 2007 عندما ساهم ارتفاع إنتاج إيثانول الذرة الأمريكي في ارتفاع أسعار المواد الغذائية. (في المكسيك، ارتفع سعر التورتيا، وهي عنصر غذائي أساسي للفقراء، بنسبة 69% بين عامي 2005 و2011.) ويمكن لمزارع الطاقة الحيوية أن تؤثر سلباً في التنوع البيولوجي – كما يحدث في جنوب شرق آسيا، حيث تحل المزارع التي تنتج زيت النخيل للديزل الحيوي وكذلك المواد الغذائية محل الغابات الاستوائية المتنوعة. ويقول تقرير خبراء المناخ كذلك إن بإمكانها امتصاص المياه الشحيحة في الأصل، ولا سيما في الأراضي الجافة، حيث قد يؤدي نفاد المحاصيل إلى نفاد الإمدادات المحلية.
ويشير أولسون إلى أن محاصيل الطاقة الحيوية الصناعية قد تؤدي إلى المشكلات نفسها الناجمة عن الإنتاج المكثف للغذاء، مثل تلوث المياه جراء الإفراط في استخدام الأسمدة. وتقول ماريا خوسيه سانز سانشيز María José Sanz Sánchez، عالمة فيزياء البيئة والمديرة العلمية في مركز الباسك لتغير المناخ بليوا في إسبانيا، إن توسيع نطاق الطاقة الحيوية في البلدان النامية قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية مثل فقدان صغار المزارعين أراضيهم. وتضيف سانشيز التي كانت بين مراجعي التقرير، إن تطبيق التقنية BECCS على نطاق واسع ربما لا يسهم بصورة جيدة كما هو متوقع: قد تدمر الآفات المزروعات أو تتحول إلى التقاط قدر أقل من الكربون مما هو متوقع. وتضيف: “إذا فشل الأمر، فسنكون في ورطة كبيرة”.
ويلاحظ عالم الكيمياء الحيوية وليام شليْزنغر William Schlesinger، المدير السابق لمعهد كاري لدراسات النظم الإيكولوجية Cary Institute of Ecosystem Studies في ميلبروك بنيويورك، أن بعض أنواع الطاقة الحيوية أفضل من غيرها. ويقول شليزنغر الذي لم يشارك في كتابة التقرير إن الأعشاب السريعة النمو، مثل الحشائش الفضية miscanthus والثمام العصوي switchgrass التي تزرع في الأراضي الهامشية، قد تتخمر لتعطي الإيثانول مع الحد الأدنى من الآثار السلبية. لكن الممارسة المتنامية المتمثلة في تحويل الأشجار إلى وقود خشبي لمحطات الطاقة (Science, 6 January 2017, p. 18) تأتي بنتائج عكسية، كما يقول: فالأشجار تنمو مرة أخرى (وتزيل ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي) ولكن ببطء شديد لا يكفي لتجنب الاحترار الخطير. إن التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون من محطات الطاقة، كما تتصورهما التقنية BECCS سيحلان هذه المشكلة، لكنني، “لا أعرف أي شخص بمقدوره أن يفعل ذلك بطريقة مجدية اقتصادياً”، كما يقول شليْزنغر.
إن الحد من مساحة الأراضي المحولة لزراعة محاصيل الطاقة الحيوية قد يقلل من الضرر غير المقصود، لكنه يقلل أيضاً من أي فوائد مناخية مرجوة. يقول روب بيلامي Rob Bellamy، عالم الاجتماع البيئي من جامعة مانشستر University of Manchester بالمملكة المتحدة: “هناك دور للتقنية BECCS بالتأكيد، لكن ليس على النطاق الذي تظهره النمذجات الحاسوبية”. ويقول كريستوفر فيلد Christopher Field، عالم المناخ من جامعة ستانفوردStanford University في بالو ألتو بكاليفورنيا، إنه قد يكون من الخطأ استثمار الكثير في التقنية BECCS قبل أن تتاح لتكنولوجيات الانبعاثات السلبية الأخرى فرصة للنضوج. وتشمل هذه التكنولوجيات المرافق التي تلتقط ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الهواء في المواقع ذات البصمة الكربونية الأقل. ويضيف: “من المهم ألا نستسلم لإغراء شيء مثل التقنية BECCS، إذ قد يكون العلاج أسوأ من المرض نفسه”.
©sciencemag.org