بعثة المريخ: الدليل الكامل للوصول إلى الكوكب الأحمر
ستتطلب بعثة الإنسان الأولى إلى المريخ صاروخًا كبيرًا ووقت فراغ كافياً وشركاء عمل يمكن الاعتماد عليهم والكثير من أموال الوكالة ناسا NASA. إليكم خطتنا المؤلفة من خمس خطوات لنقل البشر إلى المريخ والعودة بهم إلى الأرض.
بقلم: ليا كرين
ترجمة: مايا سليمان
فيما يهب الغبار الصَدِئ فوق سهول المريخ المقفرة وفوّهاته العميقة، يتمايل قليلًا فوق أشياء صنعتها أيادٍ بشرية كلوح شمسي لمسبار مثلًا أو دولاب مركبة سيّارة Rover. فقد علمتنا الروبوتات التي أرسلناها إلى كوكبنا الجار الكثير عنه. فهو يضم قمة الجبل الأكثر ارتفاعا في المجموعة الشمسية وربما بحيرات من الماء السائل تحت سطحه. في الماضي البعيد لم يكن هذا الكوكب صحراء متجمدة كما هو حاليا بل مكانًا دافئًا ورطبًا. ومع هذا، لم تطأ أقدامنا سطحه بَعدُ.
ولهذا سبب وجيه: الوصول إلى المريخ مهمة صعبة. فمنذ عام 1971، جرت 18 محاولة لهبوط روبوتات على سطح المريخ ولكن 11 منها تحطمت أو أصيبت بعطل كبير فور هبوطها أو فشلت أصلًا بالتوقف عند المريخ. ولكن إذا كانت حياة البشر على المحك، وجب تحسين فرص النجاح. وصول البشر إلى المريخ ليس بالأمر المستحيل، وتحقيق هذا هدف أساسي لناسا التي تطمح إلى إنجازه خلال أقل من عشر سنوات. وقد صرح إيلون ماسك Elon Musk مؤسس شركة سبيس إكس SpaceX مرارًا عن نيته بناء مستوطنات على المريخ. وأنظار الصين وروسيا والهند تتجه جميعها نحو الكوكب.
قد يكون الدافع الأهم للسباق نحو المريخ هذا هو المفاخرة، ولكن هناك دوافع علمية جيدة أيضًا. فبينما تمتلك المركبات السيّارة قدرات كثيرة، إلا أنها تفتقد إلى براعةً ومعرفةً وحدس الإنسان الذي يضفيها على أحد أكبر أسئلة نوعنا البشري: هل نحن وحيدون في هذا الكون؟ تعتقد العالمة في ناسا جينيفر هيلدمان Jennifer Heldmann أن المريخ هو أفضل الأماكن للإجابة عن هذا السؤال، وتقول: «إذا كنتم تريدون حقّاً التعرف على المريخ للإجابة عن هذه الأسئلة الوجودية، فعليكم بإرسال البشر إليه المريخ».
وللوصول إلى هذا الكوكب، فعلينا مغادرة الأرض بتجهيزات لم يسبق أن حملنا مثلها إلى الفضاء، وقطع ملايين الكيلومترات من الفراغ المهلك بين الكواكب والهبوط بسلام على الجهة المقابلة من الرحلة. إنها مهمة مرعبة، لكنها لا تقع خارج نطاق المعقول. إليكم دليلنا المُفصّل:
1. مغادرة الأرض
تفصل كوكب الأرض عن المريخ مسافةُ قدرها 55 مليون كيلومتر عندما يكون الكوكبان في موقعهما الأقرب. قد تبدو هذه مسافة كبيرة، لكن في سياق الأنظمة النفاثة التي نحتاج إليها، فإن قطع هذه المسافة في الفضاء ليس طلبًا صعبًا على تكنولوجيا الصواريخ المتوفرة حاليّاً.
وبمجرد أن تبتعد مسافة كافية من الأرض، يخف تأثير جاذبيتها بشكل ملحوظ ويصبح بإمكانك السفر نحو المريخ بدفع مخفّض. وستستغرق الرحلة نحو تسعة أشهر، أي أكثر بقليل من مدة البعثات المعتمدة لرواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية International Space Station التي تبلغ ستة أشهر. لسنا بحاجة إلى أن نحلم بأنواع جديدة من المحركات أو أن نقلق بسبب أمور كالأشرعة الشمسية التي يتطور تصنيعها ببطء شديد. فكل ما نحتاج إليه هو صاروخ كبير موجه بالاتجاه الصحيح.
علمتنا عقود الاستكشاف الفضائي بعض الأشياء، أهمها كيفية صنع صواريخ كبيرة. توجد سبعة أنواع من الصواريخ حاليا يمكنها حملنا إلى المريخ. ويمكن لأقواها، فالكون هيفي (الصقر الثقيل) Falcon Heavy التابع لشركة سبيس إكس، حمل نحو 18.5 طن نحو المريخ. وهذا أكثر من كافٍ لأي مسبار أو مركبة سيّارة لكن أي مهمة بشرية ستكون أثقل. ويزن فريق مؤلف من ستة أشخاص مع طعام ومياه تكفي رحلتهم ذهابًا وإيابًا نحو 20 طنّاً على أقل تقدير. فقد قدر تقرير صادر عن ناسا عام 2017 أنه بمجرد إضافة المعدات العلمية والأدوات اللازمة لإبقاء المستكشفين على قيد الحياة على سطح الكوكب – كمولد كهرباء ومكان للعيش – يرتفع التقدير ليصل الى 100 طن. وهذا ليس تقديراً خياليّاً. فمن المخطط أن يكون صاروخان قيد التطوير – نظام الإطلاق الفضائي التابع لناسا Space Launch System وصاروخ بيغ فالكون هيفي Big Falcon Rocket – أقوى من كل ما أُطلق في السابق. وسيتمكن الأول من حمل ما لا يقل عن 45 طنّاً من الحمولة إلى المريخ ومن المتوقع أن يحمل الثاني أكثر من 100 طن. وبمعنى آخر، فقد صرنا بارعين في صنع صواريخ كبيرة ومحسنة. وبالإمكان دائمًا تخفيض وزن الحمولة عبر إرسال بعض المعدات قبل البشر. ويقول بروس جاكوسكي Bruce Jakosky من جامعة كولورادو University of Colorado في بولدر: «إن كل ما تبقى هو الجزء الأصعب».
2. العبور
قد يبدو أن البشر صاروا خبراء في البقاء على قيد الحياة خارج كوكبهم، فمحطة الفضاء الدولية لا تخلو منهم. لكن عند الحديث عن استكشاف الفضاء، تصبح زيارة محطة الفضاء مشابهةً للتخييم في الحديقة الخلفية لمنزلك. وقد تشعر بأنك بعيد عن منزلك، لكن والديك ما زالا يمدانك بالشطائر. وإذا كنت ذاهبًا إلى المريخ، فعليك إن تأخذ شطائرك الخاصة. لكن الطعام لن يكون همك الوحيد، إذ سيكون عليك حمل المعدات والقطع اللازمة لإصلاح المركبة حال تعطلها، كما سيكون عليك الحصول على الدواء الصحيح في حال مرضك. ولكن من غير المعقول حمل كل ما قد يلزم؛ فالوزن الزائد يعني زيادة في الوقود والتكاليف.
3- ما العمل إذًا؟
جزء من الحل سيكون إرسال طابعات ثلاثية الأبعاد تنتج قطعًا حسب الطلب. ولدى محطة الفضاء الدولية واحدة على متنها حيث تختبرها ناسا. لذا، بإمكان رحلة إلى المريخ حمل طابعة ومواد أولية بدل مجموعة قطع ربما لا تحتاج إليها الرحلة ،لكن تجهيز خزانة الأدوية سيكون أكثر تعقيدًا. وتظهر تجربتنا على محطة الفضاء أن الجراثيم تزدهر على المركبات الفضائية. وقد أثبتت دراسات عدة أن البكتيريا التي تنمو في جاذبية منخفضة يمكنها تطوير مناعة ضد طيف كبير من المضادات الحيوية، وتحتفظ بهذه المناعة لوقت أطول منه على الأرض. وهناك مشاريع قيد التطوير للتخفيف من هذا الأثر بما في ذلك طلاءات مضادة للبكتيريا للأسطح المعرضة للاتساخ كأبواب الحمامات. وهناك اقتراح يقضي بأن يأخذ رواد الفضاء معهم المكونات الدوائية الأولية بدل أدويةٍ كاملة التصنيع ليحضِّروا أدويتهم الخاصة حسب الطلب. وقد اختُبِر نموذج مبدئي عن نظام لتصنيع أدوية بسيطة أوتوماتيكيًا في الفضاء.
سواء مَرِض الرواد أم لم يمرضوا، بأنهم سيشعرون حتمًا بالآثار الجسدية للسفر عبر الفضاء. ومع غياب الحاجة لتحمّل وطأة الجاذبية، تبدأ العظام والعضلات بالضمور. وتُظهر الدراسات أن رواد الفضاء قد يفقدون نحو 20 % من وزنهم العضلي في أقل من15 يومًا حتى مع ممارسة التمرينات يوميّاً. والخبر السار أن هذا كله ربما لا يهم على سطح المريخ لأن جاذبيته أضعف بكثير من جاذبية الأرض، كما أن المشي على سطح الكوكب الأحمر ستكون أسهل بكثير مع هذا، سيكون علينا مواجهة هذه الآثار قدر المستطاع، وسيكون على الرواد التدرب لساعات يوميّاً واتباع حميات غذائية محددة. كما قد يتعين عليهم ارتداء بزات ضاغطة للعضلات.
إضافة إلى فقدان جاذبية الأرض، لن يكون رواد الفضاء في حماية حقل جاذبيتها الذي يحرف الأشعة الكونية المؤذية بعيدًا. وتحدد ناسا مقدار الأشعة التي يُسمح لرائد الفضاء الذكر بالتعرض لها بما يعادل 286,0000 صورة أشعة سينية للصدر، وينخفض هذا المقدار عند النساء بنحو 20% لأن أجسامهن قد تكون أكثر عرضة لضرر الأشعة. وقد يصل رواد المهمة المريخية إلى نحو 60% من هذا الحد خلال أقصر رحلة عودة نحو الأرض دون احتساب الوقت الذي سيقضونه على سطح الكوكب. ويقول لوسيان فالكوفيتش Lucian Walkowicz من قبة آدلر السماوية Adler Planetarium في شيكاغو إنه: «بناءً على الوضع الحالي، فعلى كل بعثة أن تحدد ما إذا كانت أهدافها تستحق انتهاك معاييره رائد أو رائدة الفضاء الصحية»، ويضيف قائلًا: «من المستحيل تحقيق الحدود الحالية خلال الرحلات الطويلة الأمد، ومن غير الممكن إجراء اختبارات لفهم المخاطر الفعلية دون إتمام المهمة نفسها».
وينطبق هذا أيضًا على مخاطر الصحة النفسية، إذ ترى نيكول سكوتNicole Scott، رائدة فضاء متقاعدة من ناسا، أن البقاء بعيدًا عن الأرض لدرجة تراها نقطة ضوء أخرى في السماء، قد يشكل تحديًا على الصعيد النفسي. وتقول: «كل ما أنجزناه حتى اليوم كان فيه منظر الأرض موجودا خارج نافذتنا…والأرض ليست كوكبًا جميلًا فحسب، بل مكانًا تربطنا به صلة. وتستطيع المحافظة على هذه الصلة ما دامت الأرض في مجال رؤيتك في الحاضر». ولكن تحتاج إلى شخص بإمكانه التأقلم مع غياب صورة الأرض.
.4. من نُرسل؟
سيكون على من سنرسلهم إلى المريخ اجتياز متطلبات الرواد حاليا بما فيها الاختبارات الجسدية والنفسية الشاقة. ولكن يجب أن تتخطى قدراتهم هذا كله. ولا يمكن لأي من أفراد الطاقم مغادرته ولن يكون بالإمكان إضافة أي أعضاء جدد. وسيكون بعض الأفراد على متن المركبة مسؤولين بالكامل عن استمرار البعثة.
ولن يكون بالإمكان الاستغناء عن بعض الأدوار كالمهندسين والأطباء والعلماء. لكن لن يكون من المنطقي البحث عن الأفراد المثاليين بل عن الطاقم المثالي. وتقول كيم بينستيد Kim Binsted من جامعة هاواي University of Hawaii: «إن الهدف هو تكوين صندوق معدات: لن تملأ صندوقك بالمطارق حتى لو كانت الأفضل في العالم».
تدرك بينستيد ما تتحدث عنه؛ فهي رئيسة محاكاة الاستكشاف الفضائي في هاواي Hawaii Spsce Exploration Analog and Simulation ، وهناك يعيش طاقم مؤلف من أربعة إلى ستة أفراد على أنهم على سطح المريخ. يبقى المشتركون لأشهر في بزات فضائية عند الخروج ويتحملون تأخرا مدته 20 دقيقة في كل تواصل لهم مع «الأرض».
تقول بينستيد إن أحد أكثر الأسباب توليدًا للخلافات هو شعور فرد أو اثنين من الفريق بأنهم مختلفون عن البقية. وقد يكون هذا اختلافًا يتعلق بالجنس أو الجنسية أو حتى الذوق الموسيقي. قد ينهار طاقم مؤلف من ثلاثة رجال وامرأة أو شخص يريد تشغيل موسيقى فرقة ميتاليكاMetallica دون توقف؛ لأن أفراد الفريق لن يشعروا بأنهم متساوون معهم، وتضيف: «بما أننا نريد أن نحقق قدرًا من التنوع، علينا تحقيق أعلى قدر منه».
في الغالب سيكون على فريق المهمة الخضوع لتدريبات جماعية أشد من تلك التي يمارسونها حاليا. وسيكون على الطاقم تعلم التعامل مع بعضهم بعضا لحل حتى أصغر النزاعات بين أعضائه، ويقول جيمس بيكانو James Picano، عالم النفس في ناسا: «تتعاظم الأمور في البيئات المتقشفة مع مرور الوقت»، ويضيف قائلًا: «سيكون عليهم التدرب كطاقم والعيش معا كطاقم ومحاكاة ظروف كهذه».
5. الهبوط على المريخ والعيش عليه
بعد مرور تسعة أشهر من السفر عبر الفضاء الفارغ وتفادي الخلافات، يصل المسافرون إلى أكثر مراحل رحلتهم خطورة. تكمن صعوبة الهبوط على المريخ في افتقاده أيَّ غلاف جوي يذكر – فغلاف المريخ أقل سماكة بمعدل 160 مرة من غلاف الأرض. وهذا يعني أن المظلات لا تولّد الجر اللازم لإبطاء المركبة كما يحصل عند الهبوط على سطح الأرض. ويمكنك استخدام المعززات Boosters لإبطائها كما فعل رواد أبولّو Apolo عند هبوطهم على سطح القمر. ولكن هذا سيتطلب جمعًا من المعززات؛ لأنّ جاذبية المريخ أقوى من تلك التي على سطح القمر.
نجحت هذه المقاربة لروبوت يزن طنّاً لكنها لن تكون بالأمر السهل لمركبة أثقل، وهو ما يدفع الباحثين إلى العمل على إيجاد طرق محسنة للهبوط. وإحدى هذه الطرق هذه هي المبطئات الهوائية فوق الصوتية القابلة للنفخ بالغاز Hypersonic Inflatable Aerodynamic Decelerators ، وهي سلسلة من الأجهزة المخصصة للهبوط التي تستخدم نسيجًا مقوّى بالكيفلر Kevlar لتشكيل بنية قادرة على التمدد كالمظلة الهوائية ولكن بصلابة أعلى تخولها إحداث قوة جر أقوى، وقد اختبرت الوكالة مجسمات مصغرة عنها على الأرض. ولكن السؤال الأصعب ليس «كيف نهبط» بل «أين نهبط». وسيكون أي موقع قريب من أحد القطبين الخيار البديهي؛ لأننا نعلم بوجود جليد تحت السطح وربما بحيرة سطحية من الماء السائلة تحت السطح مما قد يشكل موردًا رئيسيّاً. ويستخدم البشرُ الكثيرَ من الماء وهو سائل ثقيل جدّاً؛ مما يحد الكمية التي يمكننا حملها إلى المريخ. كما أن الكثير من مهمات المريخ المقترحة تستلزم استخدام الماء لصنع وقود للصاروخ كي يعيد المستكشفين إلى الأرض.
المشكلة تكمن في انخفاض حرارة منطقة القطبين إلى 195 درجة سيليزية تحت الصفر وتعرضها للعواصف؛ مما يزيد من صعوبة الهبوط. وتقول تانيا هاريسون Tania Harison من جامعة ولاية أريزونا Arizona State University : «إنها ليست منطقة مشوقة، فالسهول الشمالية للمريخ مسطحة بشكل عام ومضجرة». ومنطقة الاستواء في المقابل لا تنخفض حرارتها دون 100 درجة سيليزية تحت الصفر وقد تصل إلى 20 درجة سيليزية، كما تتعرض لأشعة شمس قد يستخدمها الرواد لتوليد الطاقة، ونادرا ما تتعرض لعواصف، كما تحوي جميع أنواع التضاريس المشوقة للاستكشاف. لكن يبدو أنها غالبًا لا تحتوي على مياه سهلة المنال. إنها مشكلة معقدة، لكن قد يكون من الأبسط للرحلات الأولى الهبوط في أماكن ذات طبيعة يسهل التتبؤ بها، وسبق أن استكشفتها المركبات السيّارة (انظر: مسيرة المريخ). وبعد هبوطهم، سيكون على المستكشفين البقاء قليلًا. حتى لو لم يكن هدفهم تأسيس مستوطنة دائمة، سيكون عليهم الانتظار لشهور على الأقل ليصطف كوكبا الأرض والمريخ مرة أخرى، ومن ثم يستطيعوا العودة إلى ديارهم في غضون أشهر بدلًا من سنوات. إن زيارة المريخ غير ممكنة من دون تشييد قاعدة.
وعلى القاعدة أن تكون مستعدة للتصدي لمجموعة متنوعة من الطرق المشوقة التي قد يستخدمها المريخ لقتلك. فإضافة إلى البرد القارس المذكور آنفا، لدينا الخطر الدائم لارتطام الجسيمات النيزكية الدقيقة التي عادة ما لا تحترق عند عبورها الغلاف الجوي الهزيل، إضافة إلى الإشعاعات الكونية التي لا يعكسها المريخ لافتقاده حقلاً مغناطيسيّاً يحيط به. ومع غياب أي غلاف جوي يذكر، يصبح الضغط الجوي الشديد الانخفاض مماثلًا لضغط الفضاء العميق
قد تكون المركبة الفضائية التي حملت المستكشفين هناك هي الحماية الأبسط من هذه المخاطر. لكن المركبة نفسها قد تكون ضيقة بعض الشيء لتصبح مسكنًا. قد يكمن خيار آخر في إحضار المستكشفين مسكنهم أو المواد الأولية لبنائه. وبهذا الخصوص تنظم ناسا مسابقة لتصميم مساكن مطبوعة بأبعاد ثلاثية، وتوجد الكثير من المشاركات فيها. وبعضها يستخدم أجزاء من مركبة الهبوط في تصميمهم لكنها تتطلب مواد أخرى مما يزيد من وزن المركبة المطلقة. ويحصل المشاركون على نقاط إضافية إذا استخدموا موارد موجودة على سطح المريخ؛ مما ألهم خططًا لصنع طوب من تربة المريخ المضغوطة وبناء مساكن مشابهة لبيوت الإيغلو Igloo. وقد تعاقدت ناسا مع عدة مجموعات تدرس الطريقة المثلى لبناء هذا الطوب باستخدام غبار مُهَندَس ليحاكي بدقة غبار المريخ. ولكن مع هذا، سيتطلب بناء بيت على المريخ غالبًا إرسال بضعة طرودٍ من مواد البناء مسبقًا. وقد يكون ممكنا أيضًا استخدام قشرة المريخ نفسها عازلًا طبيعيّاً للأشعة. ويتصور أحد الاقتراحات تأسيس البشر لمساكنهم في الكهوف الأسطوانية التي شكلتها مسارات الحمم البركانية قديمًا. ورأينا مداخل هذه الكهوف المريخية في صور الأقمار الاصطناعية ودرسنا بنى مشابهة لها هنا. فعلى الأرض، يبلغ عرض هذه الكهوف نحو 30 متراً، ولكن الدراسات تقترح أنها قد تبلغ عرضًا أكبر بثمانية أضعاف وتمتد إلى أميال بسبب ضعف تأثير الجاذبية في المريخ مقارنة بالأرض. وقد تسع يومًا ما صفّاً كاملًا من المساكن. وسيكون على الرواد البواسل التفكير في شؤؤن محورية إضافية. يمكن تجميد وتنشيف الطعام وتوضيب البذور وحمل الأكسجين في خزانات إذا صعب استخراجه من الغلاف الجوي للمريخ فور وصولهم.
ولكن قضية الماء أكثر تعقيدًا. فحتى لو هبط الرواد في مكان يحوي ما يكفي من الماء تحت سطحه، فسيكون عليهم إحضار معدات تنقيب ثقيلة للوصول إليه. ولا ضمان بأن يكون الماء صالحًا للشرب فور استخراجه. تقول هاريسون: «لا نعلم الكثير عن الجليد الموجود هناك»، وتضيف قائلة: «لا يمكنك أن تعلق آمالك على احتمال توفر مياه صالحة للشرب؛ لأننا في الواقع لا نعلم». وحتى لو كانت المياه صالحة للشرب، ستكون ممتلئة بالغبار الدقيق، لذا سيكون على الرواد إحضار أنظمة تصفية متطورة. وينطبق هذا على البزات الفضائية: يجب أن تكون مصممة لعزل الغبار خارجاً لا سيما أن تربة المريخ قد تحوي مواد كيميائية ربما تكون قاتلة إذا استُنشقت أو ابتُلعت. لقد بدأت ناسا العمل على بزات المستقبل وعلى مواد طلاء مخصصة لمجابهة مشكلة الغبار. وتقول هاريسون: «لا يوجد هامش للخطأ على المريخ… يجب أن يعمل كل شيء وإلّا ستموت».
6. وقت العودة إلى الأرض
قد يتمنى البعض أن نستوطن المريخ بشكل دائم على المدى الطويل. ولكن جميع الرحلات المريخية الجادة تخطط لإرجاع المستكشفين. يقول جاكوسكي : «إنها طبيعة شديدة القسوة ولا أعلم السبب الذي قد يدفعنا إلى العيش هناك». وهذا يعني أنه سيكون على الرواد تحمل إطلاق آخر ورحلة لتسعة أشهر إضافية وهبوط آخر. ولحسن الحظ، ستكون المرة الثانية أسهل، فغلاف المريخ الجوي الرقيق وجاذبية الكوكب الضعيفة يعدان بأن الوصول إلى الفضاء لن يكون بهذه الصعوبة. وستستغرق الرحلة الزمن نفسه، لكن الوهج السماوي المألوف لعالم ديارنا سيشتد يومًا بعد يوم. وسيكون الهبوط بسيطًا بمساعدة المظلات والغلاف الجوي السميك للأرض. وحين يطل الرواد من نافذة قمرتهم، ستكون قد غطست في المياه الباردة لمحيطاتنا الوفيرة وستحيط بهم ثرثرة غيرهم من الأشخاص. حينها سيكونون في ديارهم، وسيكون غبار المريخ قد غطى آثار أقدامهم. غير أنّ مسكنهم لا يزال صامدًا، جاهزًا ومنتظرًا الزوار القادمين بعدهم.
مسيرة المريخ
يوجد عدد كبير من الملامح الجيولوجية العجيبة التي تنتظر الاستكشاف على سطح الكوكب الأحمر.
أ. تطغى على النصف الشمالي من المريخ سهول شاسعة تخلو غالبًا من أي ملامح مميزة مثل فاستيتاس بورياليس Vastitas Borealis، وتنخفض هذه المساحة المسطحة الضخمة حول قطب الكوكب الشمالي أربعة أو خمسة كيلومترات تقريبًا عن معدل ارتفاع سائر الكوكب.
ب. يحوي النصف الجنوبي من المريخ مساحات ممتلئة بالفوهات مثل التيرا سيرينومTerra Sirenum ، لا يزال الاختلاف الشديد بين نصفي الكوكب الشمالي والجنوبي لغزًا، والاختلاف هذا سمة لا نراها في غيره من الكواكب.
ج. يقف على ارتفاع نحو 13 كيلومتر لجبل إيليسيوم Elysium Mons وهو رابع أعلى جبل على المريخ.
د. جبل أوليمبس Olympus Mons هو أعلى جبل معروف في المجموعة الشمسية، ويبلغ ارتفاعه نحو 22 كيلومترا، أي أطول بمرتين ونصف تقريبًا من جبل إيفرست Everest.
ه. تقع جنوب شرق جبل أوليمبس ثلاثة براكين ضخمة هامدة بما فيها جبل بافونيس Pavonis Mons الذي يمتد على مساحة مئات الكيلومترات، ويبلغ ارتفاع أعلاها نحو 18 كيلومترًا.
و. أودية فاليس مارينيريس Valles Marineris نسق ضخم ومعقد من الأودية التي تمتد على طول يتخطى نحو 4000 كيلومتر وعمق سبعة كيلومترات. ويعتقد معظم العلماء أن هذه السمة ربما تشكلت جرّاء شق في قشرة الكوكب من خلال الصفائح التكتونية.
ز. هيلاس بلانتينيا Hellas Plantinia حوض ارتطام بعمق ثلاثة كيلومترات يعتقد أنه تشكل منذ نحو أربعة بلايين سنة عندما اصطدم كويكب ضخم بالمريخ.
New Scientist