أهلا بكم في البعد الخامس: المصير الراديكالي الجديد لكوننا
تقترح أفضل نماذجنا الكوزمولوجية أن الكون سيستمر إلى الأبد أو ينفجر أو يمزق نفسه. اقتراح جديد يشير إلى مصير أغرب من ذلك
بقلم: أنيل أنانثاسوامي
ترجمة: أ. د. محمد قيصرون ميرزا
بعد تريليونات من السنين، وبعد أن تكبر الشمس بحيث تصير الأرض في داخلها، ثم تتقلص إلى بقية معتمة مما كانت عليه، سيدخل الكون Universe في تقاعد هادئ. وبفضل توسّعه المستمر ستبدأ عناقيد من مجرات، كانت متجاورة فيما سبق، بالابتعاد عن بعضها بعضا بسرعة كبيرة حتى إن الضوء لن يكون قادرا على سدّ الفجوات بينها. وستنطفئ النجوم وتموت ويغمر الظلام الكوزموس Cosmos كلّه.
على الأقل، هذا السيناريو هو الأكثر شعبية. والخلود الأبديّ البارد لهذا “التجمد الكبير” هو نتيجة مباشرة للنموذج القياسي في الكوزمولوجيا الذي يعد أفضل وصف لدينا للكون. ويعتمد على كل أنواع الفرضيات، وليس أقلها أنّ الطاقة المعتمة Dark energy، تلك القوة الغامضة التي يعتقد أنها سبب تمدد الكوزموس وتسارعه، ستحافظ دائما على الشدة نفسها التي لا تتغير.
غير أن بعض علماء الكوزمولوجيا يعتقدون أن الطاقة المعتمة قد تتضاءل مع مرور الزمن بدلا من بقائها ثابتة إلى الأبد، مما يؤدي إلى انهيار الكون على نفسه في انكماش كبير Big crunch معاكس للانفجار الكبير Big bang، في حين يعتقد آخرون باحتمال ازدياد الطاقة المعتمة في القوة مبشرة بمستقبل قد يتمدد فيه الكون بسرعة ومدى كبيرين لدرجة يبدأ معها نسيج الزمكان بتمزيق ذاته. ويطلق على هذه النتيجة اسم التمزق الكبير Big rip.
هل هو تجمد أم انكماش أم تمزق؟ أم أنه ليس أيا منها؟ إنّ الاحتمال الرابع هو النتيجة المذهلة لآخر محاولة لتصور نهاية الكون. لأنها تستحضر ظواهر غامضة أخرى تعتمل في الكون إلى جانب الطاقة المعتمة، وتقترح تحولات أكثر غرابة لما سيحدث: لعله ليس مقدرا للكون أن ينتهي تماما بل يتطور إلى حالة لا نمتلك الآن اللغة لوصفها.
إن الطاقة المعتمة هي أهم اكتشاف في الكوزمولوجيا الحديثة. فقد وجد الفلكيون في أواخر تسعينات القرن العشرين أن تمدد كوننا يتسارع بدلا من أن يتباطأ كلما تقدم في العمر. وكان حدسهم الأولي هو عزو هذا إلى طاقة فراغ الزمكان نفسه، الذي ربما يكون نتيجة الظهور والاختفاء الآني لجسيمات في فضاء فارغ فيما عدا ذلك.
لكن عند حساب طاقة الفراغ هذه باستخدام مبادئ فيزياء الكمّ، تبين أنها كبيرة لدرجة غير ممكنة. تقول كاثرين هايمنز Catherine Heymans، عالمة الرصد الكوزمولوجي من جامعة أدنبره University of Edinburgh في المملكة المتحدة: “إن طاقة الفراغ كانت ستؤدي إلى تسارع الكون إلى مقاييس كبيرة لدرجة لا يمكن أن تتشكل معها النجوم والمجرات الأولى”. ولتجنب هذه المشكلة فكر الفيزيائيون أن باستطاعتهم التوصل إلى عمليات كمّيّة تلغي بعضها بعضا لتنتهي إلى طاقة فراغ معدومة (صفر). وتقول هايمن إنه في الفيزياء النظرية: “من السهل نسبيا أن نُعيِّن شيئا على إنه مساوٍ للصفر”.
غير أنه تبين أن الطاقة المعتمة، ومن ثم طاقة الفراغ، لا تساوي الصفر. وتوحي معظم البيانات المرصودة أن طاقة الفراغ لبعض مناطق الزمكان في كوننا – كثافة الطاقة المعتمة – ثابتة بمرور الزمن. ويطلق على هذا غالبا اسم ثابت الكوزمولوجيا Cosmological constant الذي يؤخذ على أنه يمثل شدة الطاقة المعتمة. لكن اتضح أنّ تفسير قيمته القريبة من الصفر، لكن الموجبة، في غاية الصعوبة.
كانت هذه الأوضاع المضطربة أرضية مثالية لمحاولة أخرى لوصف طبيعة الكون الأساسية: نظرية الأوتار String theory. ظهرت هذه النظرية أول الأمر كوسيلة لتفسير القوى داخل النواة الذرية، غير أنها سرعان ما تطورت إلى إطار للجاذبية الكمّيّة. وتسعى نظريات الجاذبية الكمّيّة إلى التوصل إلى رؤى جديدة للكون من خلال توحيد النسبية العامة، التي تصف الجاذبية وفيزياء الأجسام الكبيرة جدا، مع ميكانيكا الكم التي تحكم فيزياء الأجسام الصغيرة جدا.
مشكلات معقدة
صارت نظرية الأوتار في تسعينات القرن العشرين من أبرز المنافسين لما يسمى نظرية كل شيء Theory of everything. فبدلا من كوْن يتألف من جسيمات أساسية، تصف نظرية الأوتار كونًا مبنيّا من أوتار ضئيلة جدا تهتز في عشرة أبعاد، تسعة منها للمكان وواحد للزمن. ولجعل النظرية تتوافق مع الأبعاد المكانية الثلاثة والبعد الزمني الوحيد التي نلاحظها في الكون، يجب أن تكون الأبعاد المكانية الإضافية “مضغوطة” Compactified وملفوفة وصغيرة لدرجة لا يمكن اكتشافها. وتؤدي كلّ طريقة ضغط إلى كون مختلف. وكان التحدي الكبير يتمثل في إيجاد الحل الوحيد الذي يصف زمكاننا المُعيّن.
اصطدم هذا الجهد بمشكلة؛ فالكون الذي يبدو أننا نعيش فيه وبطاقته المعتمة الممثلة بثابت كوزمولوجي صغير وموجب، يعرف بزمكان دي سيتر de Sitter space-time. وعلى الرغم من كلّ ما في نظرية الأوتار من وعود فإنّ الفيزيائيين عانوا الكثير لبناء مثل هذا الكون باستخدام أبسط الطرق لضغط كون ذي أبعاد إضافية.
وعندها، في عام 2003، طرح شاميت كاشرو Shamit Kachru و ريناتا كالوش Renata Kallosh وأندريه لند Andrei Linde وسانديب تريفيدي Sandip Trivedi (لقبوا اختصارا بالفريق KKLT) طريقة معقدة لتشكيل زمكاننا نوعا ما من نظرية الأوتار. وهلل الجميع بعملهم كانتصار للنظرية غير أن ذلك جاء بتكلفة باهظة.
تعمل نظرية الأوتار عند طاقات عالية مماثلة لتلك عند اللحظات الأولى بعد الانفجار الكبير. لكن وصف زمكان معين عند الطاقات المنخفضة الحالية يتطلب استخدام النظرية للحصول على ما يسمى نظرية المجال الفعّال Effective field theory. ويعتمد الزمكان الذي نحصل عليه من الفريق KKLT على كيفية ضغط الأبعاد الإضافية بدقة وكيفية تداخل التدفق المغناطيسي والتدفق الكهربائي خلال هذه الأشكال الهندسية. وبحلول عام 2005 بيّن باحثو نظرية الأوتار أنه يمكن تحقيق ذلك بـ 10500 طريقة على الأقل، وتعطينا كلّ واحدة منها زمكان دي سيتر مقبولا ومختلفا عن غيره. وكان نتيجة ذلك بروز عدد كبير من أكوان محتملة، حيث يمكن لكلّ زمكان متوقع أن يوجد فيها. وعلى الرغم من أن الفريق KKLT اقترح طريقة لبناء نظرية مجال فعال قادر على وصف زمكان دي سيتر فإنها لم تؤد إلى نظرية متقنة خاصة بنا.
دخول المستنقعات
أزعجت هذه النتيجة كمرن فافا Cumrun Vafa الباحث في نظرية الأوتار من جامعة هارفارد Harvard University ليس لأنه وجد مشكلة في العدد الكبير للأكوان إذ يقول: “لم أتحسس من ذلك”. غير أنه لم يكن راضيا باقتراح KKLT نفسه. فإضافة إلى أنه لم يؤد إلى النتيجة المرجوة، فقد كان معقدا جدا من الناحية الرياضياتية بحيث يتعذر التحقق منه، كما يقول فافا، في حين اضطر آخرون لأخذه كما هو من باب الثقة بأنّ الطريقة ناجحة.
وبدأ فافا بدراسة المسألة بشكل آخر متسائلا عما إذا كان ممكنا لكل نظريات المجال الفعال أن تنتج من نظرية الأوتار أم أن النظرية تحظر أنواعا معينة من المجالات ومن ثمّ أنواعا معينة من الأكوان. ولاحظ أنه إذا أرادت نظرية الأوتار أن تبقى منافسة كنظرية لكلّ شيء فعليها أن تمنع بعض نظريات المجالات الفعالة التي تفشل في وصف كوننا بدقة حال دمج الجاذبية فيها، وهو فشل مشترك. ويجب خفض مرتبة تغيرات كهذه مباشرة إلى منطقة ممنوعة من فضاء الأوتار. أطلق فافا على هذه المنطقة اسم أرض المستنقعات Swampland، وهو مستنقع موحل بالأفكار التي لا يمكن تحقيقها.
“قد يؤول بنا الأمر إلى كون جديد لا يمكن وصفه بلغة كوننا الحالي”
يقول إيران بالتيEran Palti ، الباحث في نظرية الأوتار من معهد ماكس بلانك للفيزياء Max Planck Institute for Physics في ميونخ، إنّ فكرة أرض المستنقعات بقيت في سبات لعقد من الزمن. غير أن علماء الكوزمولوجيا أعادوها عام 2014 عن غير قصد إلى الواجهة باستخدام تلسكوب في القطب الجنوبي يدعى التلسكوب BICEP2. وادعوا أنهم شاهدوا برهانا على موجات جاذبية أولية نتجت عن التضخم، وهو التوسع الأسي للزمكان الذي يعتقد أنه حصل في الأجزاء الأولى من الثانية بعد الانفجار الكبير. كان هذا سيمثل أول رؤية للتموجات في نسيج الزمكان، وهو ما توقعته نظرية آينشتاين في النسبية العامة. واحتفل علماء الكوزمولوجيا بذلك. غير أن نظريي الأوتار أصيبوا بإحباط لأن نظريتهم لم تستطع توليد موجات جاذبية كهذه.
على وجه الخصوص، كان لنماذج نظرية الأوتار القادرة على تفسير موجات الجاذبية من التلسكوب BICEP2 تأثير جانبي واضح يتمثل في إيقاف التضخم قبل أوانه. يقول بالتي إن: “موجات جاذبية أولية بهذا الحجم تتعارض تماما مع نظرية الأوتار”. بمعنى آخر، قد تقع نظريات المجال الفعال، التي تتنبأ بهذه الموجات، في أرض المستنقعات الممنوعة.
ثم في يناير عام 2015 تراجع باحثو تلسكوب BICEP2 عن ادعائهم، لأن الإشارات التي اعتقدوا أنها ناجمة عن موجات الجاذبية كانت نتيجة غبار في مجرة درب التبانة التي لم يأخذوها بعين الاعتبار بشكل صحيح. ومع ذلك، كان هذا الخطأ أخبارا جيدة لبعض الباحثين في نظرية الأوتار، لأنها بينت أن نظريتهم كانت محقة في التنبؤ باستحالة هذه النتائج. واجتازت فكرة فافا عن أرض المستنقعات امتحانا كبيرا. يقول بالتي “أدى هذا إلى إحياء فكرته”.
ثم اقترح فافا أمرا أعطى الفكرة دعما إضافيا. يقول أندريه لندي Andreei Linde من جامعة ستانفورد Stanford University في كاليفورنيا: “إنّ ما حدث الصيف الماضي كان مدهشا نوعا ما”.
بعد نحو عقدين من الزمن من فشل الباحثين في نظرية الأوتار لوضع أي نموذج بسيطة لزمكان دي ستر، تساءل فافا عما إذا كان مثل هذا الشيء مستحيلا فعليا. وبما يطلق عليه اسم تخمين دي ستر Sitter conjecture، تكهن فافا وزملاؤه بجرأة بأن كل نظريات المجال الفعّال، القادرة على وصف كون تكون الطاقة المعتمة فيه هي ثابت الكوزمولوجيا، تنتمي إلى أرض المستنقعات. ويستحيل على كون دي ستر أن يكون حلا لمعادلات نظرية الأوتار.
بالنسبة إلى لندي فإن تخمين دي ستر ليس أكثر من ذلك، تخمينا وتفسيرا غير مبرهن. وإلى أن يتحقق من صحته، فإنه، لندي، يتمسك باقتراح الفريق KKLT بما فيه من وعد بإمكانية وصف كون له ثابت كوزمولوجي باستخدام نظرية الأوتار. ويقول: “إنها قصة معقدة، ويجب عدم التخلي فجأة عما تحقق سابقا فقط استنادا إلى حجج غير مبرهنة”.
ويتفق معه فافا إذ يقول إن فكرة دي ستر: “قد تكون صحيحة أو لا تكون، لكننا سنكتشف ذلك عندما ندرسها أكثر”. وإذا تحققنا من صحتها، فسيكون لذلك آثار كبيرة على النموذج القياسي في الكوزمولوجيا. ليس أقلها، وفق فافا وغيره، أنها تقترح كثافة طاقة معتمة تتناقص، في تقريب أولي، مع مرور الزمن بدلا من أن تكون ثابتة.
إذا كان الأمر كذلك، فسيكون له تبعات مهمة. يقول تيم راز Timm Wrase، الباحث في نظرية الأوتار من جامعة فيينا للتكنولوجيا Vienna University of Technology في النمسا: “من المؤكد أن له تداعيات ضخمة على مصير الكون”، وقد تؤول الطاقة المعتمة إلى الصفر أو حتى تصير سالبة خلال عشرات البلايين من السنين المقبلة. ويتابع راز: “وعندها قد ينتهي الكون في انكماش كبير بدلا من التوسع إلى الأبد”.
يطلق على هذا الشكل من تغير الطاقة المعتمة اسم الجوهر Quintessence، وكانت هذه الفكرة شائعة قبل أن يصير ثابت الكوزمولوجيا نكهة اليوم المفضلة.
كان لندي من أوائل من عمل على نماذج للجوهر، غير أنه لم يقتنع، ويقول: “إن الجوهر محتمل بَيد أنه يسبب مشكلات أكثر من تلك التي يستطيع حلها”.
باستثناء أن الكون ربما يتحرك في ذلك الاتجاه، فقد ظهرت بوادر خلال السنوات القليلة الماضية توحي بأن كثافة طاقة معتمة متغيرة قد تحل فعليا تعارضا كوزمولوجيا مُدهشا.
يبرز التعارض من طريقتين مختلفتين لقياس التوسع الحالي للكون، وهو عامل معروف باسم ثابت هابل Hubble constant (اختصارا: الثابت H0.). تتضمن طريقة منها قياسه مباشرة من خلال دراسة النجوم والسوبر نوفا (المستعرات العظمى) Supernovae في المجرات القريبة، في حين تشمل الطريقة الثانية فحص إشعاع الخلفية الكونية الميكروي Cosmic microwave background، وهو أول ضوء انبعث بعد نحو 380 ألف سنة من الانفجار الكبير، ثم استخدام تلك البيانات لاستقراء الكون الحالي. وتولد الطريقتان نتائج مختلفة تماما.
الانحناء الكبير
وبينما يمكن عزو التناقض إلى الأخطاء التجريبية، فربما يمكن حله بالسماح للطاقة المعتمة بأن تتناقص بمرور الزمن، ومعاملتها كشكل من أشكال الجوهر.
قد تتوقع أن يهلل باحثو نظرية الأوتار الذين يؤيدون أفكار فافا لهذه الأخبار، بيد أنهم ليسوا كذلك. يقول وارز: “إن التوتر في الثابت H0 وفكرة دي ستر لأرض المستنقعات يسيران في اتجاهين متعاكسين”. فبينما تتطلب فكرة دي ستر أن تتناقص كثافة الطاقة المعتمة بمرور الزمن، فإنه لايمكن حل مسألة ثابت هابل إلا بتزايدها.
وأما بالنسبة إلى مصير الكون، فإن تزايد كثافة الطاقة يعني أن تمزقا كبيرا Big rip يترصده بدلا من انكماش كبير. يقول آدم ريس Adam Riess، من جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University في ولاية ميريلاند الذي يقود أحد الفرق التي تدرس ثابت هابل “هذه نسخة عبارة عن مسرحية رعب”. وفي المحصلة، سيكون هناك فائض من الطاقة المعتمة في كل ركن من الزمكان قد تؤدي قوتها الطاردة إلى تمزيق كل شيء: المجرات والكواكب والجزيئات والذرات وفي النهاية الزمكان نفسه. ويتابع: “سيكون من المحال مقاومة الطاقة المعتمة”.
ومن ثم عدنا، كما يبدو، إلى نقطة البداية مع أفكار متعارضة توحي بطاقة معتمة إما متناقصة أو ثابتة أو متزايدة بمرور الزمن، ومصير الكون متعلق بها. وهنا حيث يعتقد فافا أن من المحتمل التوصل إلى اتفاق وسط يحل التعارض بين أرض المستنقعات والثابت H0.
إلى جانب الطاقة المعتمة هناك عنصر آخر غير مرئي من الكون هو المادة المعتمة، تلك المادة التي يعتقد أن جاذبيتها هي التي تحافظ على تماسك عناقيد المجرات ببعضها. يقول فافا إنه إذا فقدت الطاقة المعتمة قوتها فسيكون لذلك تأثير في المادة المعتمة. ويتابع: “تخبرك نظرية الأوتار بأنه يجب أن يكون هناك تفاعل”. ووجد هو وزملاؤه أن التفاعل يؤدي إلى تناقص كتلة المادة المعتمة بمرور الزمن. وهذا يغير قيمة ثابت هابل مما يؤدي إلى تقلص التعارض. ويتابع “لم نكن نحاول حل توتر الثابت H0 لكن النتيجة جعلته أقل، وهذا ليس بالأمر الذي يمكن إهماله أبدا”.
هل يعني هذا أننا نتجه بعد كل شيء إلى تجمد كبير بدلا من انكماش كبير أو تمزق كبير؟ ليس تماما. أمعن النظر وسترى أن عواقب أفكار فافا تجعل كل السيناريوهات الأخرى تبدو هزيلة. لأنها توحي بأنه بعد عشرات البلايين من السنين سيتحول الكون تحولا جذريا. ويقول فافا: “إن ما يعنيه هذا بالأساس في نظرية الأوتار هو أن بعدا جديدا سيبرز، ومن ثم كونا جديدا تماما لا يمكن وصفه بلغة كوننا الحالي. نحن الآن في فضاء ثلاثي الأبعاد، لكن في هذه النظرية الجديدة قد يكون هناك أربعة أبعاد فضائية مثلا”.
إن أي بعد فضائي جديد سيكون نتيجة لأحد الأبعاد الإضافية لنظرية الأوتار الذي يظهر فجأة متحررا من انضغاطها. ولن يكون الكون الناتج عن هذا التحول الكبير مثل عالمنا. يقول فافا: “ستسود مرحلة جديدة تماما”. لذلك، بينما يستمر الكون في الوجود، فإن خصائصه ومساره اللاحق لم يتضحا بعد. ويتابع فافا: “يجب معرفة المزيد من التفاصيل لبيان ما قد يحدث، وليست لدينا طريقة لمعرفة الكيفية التي ستبدو بها هذه المرحلة الجديدة بدقة”.
قد تساعد مجموعة كبيرة من التجارب المقترحة على التوصل إلى حل لهذا الجدل من خلال وضع ضوابط أشد على طبيعة الطاقة المعتمة. وسيراقب الباحثون في نظرية الأوتار هذا عن كثب. وسيمكنهم بعد عقود من اتهامهم بعدم تقديم أي تنبؤات قابلة للاختبار أن يكونوا على وشك التوصل إلى بعض منها، ولو خطوطها العريضة فقط. فعلى سبيل المثال، إذا استطاع الباحثون في نظرية الأوتار إثبات فكرة دي سيتر، فسيؤدي ذلك إلى التنبؤ بأن نوع الزمكان الذي تفضله الكوزمولوجيا التقليدية لا يمكن أن يوجد. لكن إذا وجدت التجارب أدلة لا تقبل الجدل تدعم ثابت الكوزمولوجيا وفراغ دي سيتر لكوننا: “فيمكننا القول إن نظرية الأوتار خاطئة”، كما يقول بالتي.
ومهما سيحصل فإن مستقبل الكون لن يكون مملا أبدا.
© Copyright New Scientist Ltd.