بقلم: دوغلاس هيفين Douglas Heaven
ترجمة: آية علي
فيما يخص رؤية الحملة، فإنها رؤية تحظى بدعم معظم الأفراد. وكل ما تريده إليزابيث وارين Elizabeth Warren، المرشحة للانتخابات الرئاسية لعام 2020، هو أن تلتزم شركات التكنولوجيا بالقوانين.
وقالت العضوة الديموقراطية في مجلس الشيوخ أمام الجمهور في مايو 2019: “لا يمكن أن تكون حكما، و فريقك ينافس في المباراة”، معربة عن اعتقادها أن أمازون Amazon تستغل مكانتها في السوق لتضييق الخناق على المنافسين.
لكن الطريقة التي تريد من خلالها تحقيق هذا الالتزام قد تثير الانقسام. فقد قالت في بيان الحملة في وقت سابق من 2019: “ستُجري حكومتي تغييرات هيكلية كبيرة في قطاع التكنولوجيا لتشجيع المزيد من المنافسة- بما في ذلك تفكيك أمازون وفيسبوك وغوغل”.
ولم تكن وارين أول من دعا إلى اتخاذ هذا الإجراء. فعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، اتُّهِمت الشركات المُدرجة في قائمتها بعرقلة الديموقراطيات وتضخيم جرائم الكراهية وقمع المنافسين.
ويقول مارتن مور Martin Moore، من كلية كينغز كوليدج لندن King’s College London: “إلى أي حدّ يجب أن تصل ضخامة هذه الشركات قبل أن نعتقد أنها صارت مُفرطة الهيمنة؟”، ويُضيف قائلًا: “عندما يكون أكثر من ربع سكان الكوكب على منصتك، فهذا يعني، من منظور أي شخص، أنها مهيمنة”.
ومع ذلك، فإن معظم الشخصيات العامة التي تهاجم أولئك العمالقة، وفي مقدمتهم مارغريت فيستاغر Margrethe Vestager، مفوضة شؤون المنافسة بالاتحاد الأوروبي- لم تصل إلى حد فكرة التفكيك. وبدلاً من ذلك، شهدنا قوانين جديدة، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي General Data Protection Regulation، وفرض غرامات كبيرة.
فعلى سبيل المثال، تعرّضت غوغل لسلسلة من الغرامات الضخمة بسبب إساءة استخدامها لهيمنتها على السوق في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك 2.4 بليون يورو عام 2017 و4.3 بليون يورو عام 2018 -وهي أكبر غرامة على الإطلاق – و1.5 بليون يورو في مارس 2019. ولكن مقارنة بحجم الإيرادات السنوية لشركة ألفابيت Alphabet، الشركة الأم لغوغل (أكثر من 136 بليون دولار في عام 2018)؛ تبدو هذه الغرامات مجرد رسوم بسيطة من تكاليف ممارسة الأعمال التجارية.
وتقول كريستينا كافارا Cristina Caffarra، رئيسة قسم ممارسات المنافسة الأوروبية في شركة تشارلز ريفر وشركائه الاستشارية Charles River Associates: “لا أودّ تشبيهها بمخالفات الوقوف، لكن هذه الغرامات ضئيلة بالنسبة إلى شركات تولّد مثل هذا الدخل السنوي الكبير”.
إذًا، إن كانت الغرامات غير مُجدية، فهل وارين مُحقّة في دعوتها إلى التفكيك؟ لقد حدث الأمر من قبل؛ ففي تسعينات القرن العشرين، اتهمت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية مايكروسوفت Microsoft باكتسابها ميزة غير عادلة. فمن خلال إدراج متصفح الويب Web browser الخاص بها، إنترنت إكسبلورر Internet Explorer، على الحواسيب التي تعمل بنظام التشغيل ويندوز Windows الأكثر مبيعا، اعتُبرت مايكروسوفت بأنها تمنع متصفّحات الشركات الأخرى من الحصول على فرصة في المجال.
أُخبِرَت شركة مايكروسوفت بأنه لا يمكنها تجميع منتجات من برمجيات منفصلة في حزمة واحدة، واضطُرَّت إلى فتح نظام التشغيل ويندوز كي يتمكن مطوّرو البرمجيات الآخرون من كتابة برامجيات متوافقة معه بسهولة أكبر.
لكن تقسيم قطعة من برمجية مثل المتصفح أسهل بكثير من نحت من هم مثل أمازون وفيسبوك وغوغل. لذلك تقترح وارين منع إدارة المنصة من ممارسة الأعمال التجارية على تلك المنصة. مثلا، تدير أمازون سوقا وتبيع فيها منتجاتها ذات الأسعار المخفّضة، الأمر الذي يصعّب المنافسة على الآخرين.
وقد وصف بنديكت إيفانز Benedict Evans، المحلل في شركة رأس المال الاستثماري Venture capitalist firm أندريسن هورويتز Andreessen Horowitz في سان فرانسيسكو، اقتراح وارين بأنه: “مزيج غريب من عناصر مُحددة جدًّا وأخرى غامضة جدًّا”.
ويتساءل إيفانز عما إذا كان هذا التفكير ينطبق على أشياء مثل متجر تطبيقات أبل Apple’s App Store. هل يجب السماح لشركة أبل ببيع تطبيقاتها الخاصة عليه؟ ماذا عن محلات السوبر ماركت مثل وول مارت Walmart و سينزبري Sainsbury التي تبيع منتجاتها التجارية الخاصة بأسعارٍ أقلّ على مدى عقود. أليسَت أمازون تفعل الشيء نفسه ؟
يمكنك القول إن هيمنة أمازون غير المسبوقة على التسوق عبر الإنترنت تجعل الأمور مختلفة. وبالنسبة إلى كافارا، فالأمر يبدو كما لو أنّ وول مارت أو سينزبري كانتا قد اشترتا جميع تجار التجزئة الآخرين قبل أن تخفّض الأسعار، وهو ما لم يكن ليُسمح به في العالم الواقعي.
لنفترض أنك تريد تقسيم هذه الشركات، إذًا. فإن أفضل طريقة قد تكون إبطال عمليات الدمج Mergers، وهي عمليات ربما لا ينبغي لها أن تحدث من الأساس، كما تقول كافارا.
فغوغل تهيمن على الإعلانات التي تُعرض على الإنترنت هيمنة كبيرة لأنها اشترت سلسلة من الشركات مثل دبل كليك DoubleClick. وأُدمجت هذه الشركات حاليا في أعمال غوغل، وسيؤدي فصلها إلى الإضرار بالكُلّ، لكن ذلك لن يكون مستحيلا كما يقول مور.
وبالمثل، فقد نمت فيسبوك حتى سيطرت على منصات وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الاستحواذ على منافسيها مثل إنستاغرام Instagram وواتس آب Whats App، و قد ساعدتاها على كسب موطئ قدم في معظم هواتف العالم.
ولكن مرة أخرى، فإن فصل تشابك هذه التطبيقات عن جوهر أعمال فيسبوك سيكون أمرًا صعبًا، وهي الشركة التي تجمع أكبر قدر ممكن من البيانات عن الأفراد. بل يبدو أن الشركة تحاول تعزيز دفاعاتها ضد أي تفكيك محتمل: أعلن الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ مؤخرًا أنه سيدمج كود Code وبيانات كل من إنستاغرام وواتس آب دمجا محكمًا في جوهر تطبيق فيسبوك.
وحتى إن عُثر على طريقة لفعل ذلك، فإنّ تقسيم شركة كبيرة ليس بالحل السريع. وبالنسبة إلى المشرّعين، فإنّه خيارهم الأخير، وهو أقرب إلى تهديد منه إلى رد فعلٍ قابل للتطبيق.
وكانت المفوضية الأوروبية European Commission، بقيادة فيستاغر، أكثر صرامة من غيرها فيما يتعلق بمواجهة الشركات التقنية الكبيرة. ولكن من الناحية القانونية، فإن النظر في مسار عمل بعيد المدى على هذا النحو سيتطلّب منها إثبات أن التفكيك هو الطريقة الوحيدة للسيطرة على السلوك السيئ للشركة، وهو أمر لن يكون واضحا ومباشرا.
لهذه الأسباب، قد يتمثّل الخيار الأفضل في مضاعفة تطبيق الالتزام باللوائح. وقالت كافارا إن الدعوات إلى تفكيك شركات التقنية الكبيرة أكثر شيوعًا في الولايات المتحدة، حيث تُركت شركات التكنولوجيا لتفعل تقريبا كل ما يحلو لها منذ قضية مايكروسوفت قبل 20 عامًا. وأضافت: “يخيّم شعور بالإحباط في العديد من الجهات المعنية. ما من شيء يجري فعله حيال الأمر، ولن ينجح أي شيء أقل من تقسيمها”.
8.2 بليون يورو
المبلغ الإجمالي الذي غُرِّمَته غوغل بموجب قانون المنافسة في الاتحاد الأوروبي.
قد يكون هذا الأمر على وشك التغيّر. ففي أبريل 2019، حذّر فيسبوك المستثمرين من أنّه يتوقع غرامة بمبلغ يصل إلى خمسة بلايين دولار من لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية US Federal Trade Commission التي تحقق حاليًا في أعمال الشركة في أعقاب فضيحة بيانات كيمبريدج أناليتيكا Cambridge Analytica.
وتقول دايان كويل Diane Coyle، من جامعة كيمبريدج University of Cambridge، التي شاركت في إعداد مراجعة مستقلة للمنافسة الرقمية للحكومة البريطانية، إن بإمكان المشرّعين استخدام السُّلطات الموجودة على نحو أوسع. فعلى سبيل المثال، يمكن معاملة كل من فيسبوك ويوتيوب في المملكة المتحدة معاملة الناشر، ومن ثم تحميلهما مسؤولية محتواهما. وتضيف كويل قائلة: “سيكون عليهما بذل الكثير من العمل من أجل الامتثال لذلك”.
يناقش التقرير أيضا إصدار لوائح جديدة، مثل تسهيل استخدام الشركات الجديدة للمنصات المُنشأة كي لا يجري استبعادها من السوق، الأمر الذي سيسمح للمستخدمين بنقل البيانات من منصة إلى أخرى.
بلايين من بلايين
شركات التقنية مثل أمازون وفيسبوك وشركة غوغل الأم، ألفابيت، هي من بين الشركات الأنجح على الكوكب، ويعود ذلك جزئيا إلى كونها تقدم خدمات يستخدمها عدد كبير من الأشخاص.
ومن باب الإنصاف، فإن كلا من فيسبوك وغوغل ومايكروسوفت وتويتر Twitter يمثّل جزءا من مبادرة تدعى مشروع نقل البيانات Data Transfer Project، التي تعمل نحو تحقيق هذا الهدف. ولكن إذا أردنا أن تصبح خدمات كالبحث أو الشبكات الاجتماعية شبيهة أكثر بالبريد الإلكتروني -بمنتجات مختلفة، مثل جي ميل Gmail أو آوتلوك Outlook، تستخدم جميعها البروتوكولات الأساسية نفسها- فأمامنا طريق طويلة جدا.
وتقول كويل إن المنظّمين بحاجة إلى التفكير بشكل مختلف في عمليات الاستحواذ. لقد كانت معاملة إنستاغرام كمجرد منصة لتبادل الصور، وليس كمنافس لفيسبوك، أمرا ساذجا على حد تعبيرها.
ويقول مور: “إصدار اللوائح التنظيمية أمر لا مفر منه”، ويضيف قائلا: “لكن علينا أن نكون حذرين في كيفية فعل ذلك”. وهو يعتقد أننا بحاجة إلى فهمٍ واضح لنوع العلاقة التي ينبغي أن يتمتع بها المجتمع مع شركات التقنية الكبيرة قبل أن نبدأ بإصدار اللوائح التنظيمية. إنّ اختيار نوعية الخدمات التي نريد من أمثال أمازون وفيسبوك وغوغل توفيرها سيحدّد الطريقة التي سيجري من خلالها تشكيل سلوك الشركات من خلال اللوائح التنظيمية.
على سبيل المثال، إذا اعتقدنا -كما تعتقد وارين- أنّ على شركات التكنولوجيا هذه أن تكون أكثر شبهاً بشركات المرافق، فقد يصبح مزوّد محرك البحث خاضعا لمستوى عال من التنظيم، مثلها مثل شركات المياه أو الكهرباء. وإذا كنّا نهتم أكثر بأمر الخصوصية وبما يحدث لبياناتنا، فسنحتاج إلى لوائح محددة لفرض الشفافية أو قابلية التشغيل البيني للحواسيب Interoperability.
وبمجرد طرحنا لهذه الأسئلة، فقد نجد أنفسنا نعيد النظر في النموذج الاقتصادي الذي تُبنى عليه هذه الشركات. ويقول البعض إن البلايين التي حصلت عليها فيسبوك وغوغل هي نتيجة “رأسمالية المراقبة Surveillance capitalism”، حيث تُقدّم الخدمات في مقابل الحصول على البيانات الشخصية.
ويرى مور أن التعامل مع هذا النموذج الاقتصادي هو المشكلة الكبرى. ويقول: “إذا لم نفعل ذلك، فستكون هناك شركات أخرى بهذا القدر نفسه من الهيمنة في المستقبل”.
© 2019, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agenc LLC.