أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أعمالرقمنة

بناء ثقافة جاهزة رقميّاً في المؤسسات التقليدية

لا يعني جعل شركتكم رقمية التخلص من كل ما جعلها قوية.

جورج ويسترمان، ديبورا إل. سول، أناند إسواران

على الرغم من أن الشركات التقليدية تجد كثيراً مما يعجبها وتتعلمه في ثقافات الشركات المولودة رقمية، فإن بعض الصفات المولودة رقمياً تثير القلق. مثلاً، تطلق أمازون دوت كوم Amazon.com أعمالاً جديدة بسرعة وتدفع إلى المزيد من المكاسب في كفاءة العمليات. ولكنها أقل إثارة للإعجاب على صعيد ما يمكن اعتباره علاقات لا هوادة فيها مع الناشرين والشركاء والمواقع المحلية والعاملين. وتحظى أوبر Uber بتقدير لقدرتها على ابتكار خدمات برشاقة. ولكن العديد من المراقبين يشعرون بخيبة أمل من الطرق التي بدا أن الشركة تنبذ من خلالها الجهاتِ التشريعية، وتستغل السائقين، وفي مجموعة من الحوادث التي غطتها الصحافة تغطية مكثفة وفشلت في حماية العاملين والعملاء من المضايقات.((On internal sexual harassment and subsequent
firings, see O. Solon, “Uber Fires More Than 20 Employees After Sexual Harassment Investigation,” The Guardian, June 6, 2017, www.theguardian.com.
On CEO Travis Kalanick’s resignation, see M. Balachandran, “A Timeline of Events That Led to the Downfall of Travis Kalanick at Uber,” Quartz India, June 21, 2017, qz.com; on Uber’s policies, see S.A. O’Brien, N. Black, C. Devine, et al., “103 Uber Drivers Accused of Sexual Assault or Abuse,” CNN Business, April 30, 2018, http://money.cnn.com; and S.A. O’Brien, “Uber Will No Longer Force Victims of Sexual Assault Into Arbitration,” CNN Business, May 15, 2018, http://money.cnn.com.))

وعندما صار جوناس سامويلسون Jonas Samuelson في عام 2016 الرئيس التنفيذي لإلكترولوكس Electrolux المصنعة للأجهزة المنزلية، التي تتخذ من ستوكهولم مقراً، أراد إعادة إحياء الابتكار والنمو من خلال بناء ثقافة تنظيمية أسرع وأكثر استعداداً رقميّاً. ولكن العديد من ممارسات سيليكون فالي لا تبدو مناسبة لشركته البالغ عمرها مئة سنة أو لثقافة المجتمع والأعمال في الدول الاسكندنافية. ولم يستطع سامويلسون مطالبة 55 ألف موظف بالعمل لمدة 70 ساعة في الأسبوع، ولم يتمكن من تحفزيهم بالملايين من خيارات الأسهم، ولم يستطع طرد موظفين لمجرد أن مهاراتهم الأساسية بدأت تتقادم، ولم يتمكن من إعادة تصميم عمليات الشركة ومنتجاتها باستمرار – تصنّع إلكترولوكس الأجهزة وليس البرمجيات، ويتوقع العملاء الاحتفاظ بمنتجاتهم لسنوات عديدة. ولكنه استطاع دفع تحول ثقافي كان من شأنه تنشيط الموظفين لتوليد مزيد من الابتكار والنمو المربح. واعتقد بقوة أن هذا مكّنَهُ من تغيير إلكترولوكس Electrolux إلى الأفضل من دون خسارة الصفات الرائعة بالفعل للشركة.((Source: author interviews with Electrolux executives. Vignette approved by company.))

وليست إلكترولوكس Elctrolux وحدها في هذا المسعى. فالعديد من الشركات تحاول احتضان جوانب الثقافة الرقمية من دون تعريض نفسها للعناصر المرغوب فيها بدرجة أقل من غيرها لدى الشركات الناشئة في سيليكون فالي. فقد أمضت هاير Haier، الشركة العملاقة للأجهزة الإلكترونية والأجهزة الاستهلاكية، سنوات في تغيير ثقافتها في مسعى إلى تحقيق مزيد من السرعة والابتكار مع الحفاظ على كفاءة عملياتها التقليدية في مجال التصنيع والخدمات اللوجستية واستقرارها. ويتكيَّف كاي بي سي بنك KBC Bank لمحاربة الجهات السريعة الحركة المُتضمَّنة مجال التكنولوجيا المتطورة مع الالتزام بالقواعد الأوروبية الصارمة لحماية الخصوصية والموظفين. ويدفع قادة شنايدر إلكتريك Schneider Electric تغييرات ثقافية من أجل أداء دور رئيسي في إنترنت الأشياء السريعة التطور، في حين لا تزال الشركة مزوداً موثوقاً به للأجهزة التي تعتمد عليها الآلاف من مباني المكاتب ومراكز البيانات.

سؤال أساسي
ما الذي يتطلبه الأمر لكي تصبح الشركات القديمة أكثر رشاقة وابتكاراً؟
* يمكنها البدء بفهم القيم الأساسية الأربعة للثقافة الرقمية: الأثر والسرعة والانفتاح والاستقلالية.
* يمكنها بعد ذلك تبني العديد من الممارسات المهمة أو تحسينها، بما في ذلك التجريب السريع، والتنظيم الذاتي، واتخاذ القرار المدفوع بالبيانات، والاهتمام بالعملاء والنتائج.
* لكن الشركات لا تحتاج إلى التضحية بالنزاهة أو الاستقرار أو معنويات الموظفين أو تراثهم (ولا ينبغي لها ذلك) في عملية التحول.

وبالنسبة إلى العديد من الشركات القديمة، يُعَد التغييرُ الثقافيُّ التحديَ الأكبر للتحول الرقمي. فكيف يمكن أن تصبح الشركة أكثر رشاقة وإبداعاً من دون تنفير أفضل موظفيها أو تدمير أفضل ممارساتها الحالية؟ وما معنى أن تكون لديكم ثقافة جاهزة رقميّاً Digital – ready culture ؟

لقد درسنا هذين السؤالين على مدى السنوات الثلاث الماضية. (انظر: حول البحث). وبناءً على النتائج التي توصلنا إليها، وضعنا إطار عمل لإرشاد الشركات التقليدية في أي صناعة. تبدأ العملية بفهم القيم المهمّة الأربع للثقافة الرقمية: الأثر Impact، والسرعة Speed، والانفتاح Openness، والاستقلالية Autonomy. وتتضمن التبني أو التحسين لمجموعة من الممارسات الجاهزة رقميّاً، تستند إلى هذه القيم، وستشكل إجراءات الموظفين والأداء التنظيمي. كذلك نقدم اقتراحات للبدء بهذا التغيير.

وعلى عكس كثير مما كُتِب، لا يعني إدراج أفضل للثقافة الرقمية في ثقافة قديمة التضحية بالنزاهة أو الاستقرار أو معنويات الموظفين أو تراث الشركة. وليست الشركات التقليدية الوحيدة التي يمكنها الاستفادة من هذا الإطار. فالتبصرات تنطبق أيضاً على الشركات الناشئة التي تسعى جاهدة إلى أن تصبح شركات ناضجة ومزدهرة في الأمد البعيد.

تحديد الثقافة

الثقافة هي ما يحدث عندما يغادر المدربُ الغرفةَ. وهذه الحقيقة الخاصة بمكان العمل مفيدة خصوصا للقادة الذين يفكرون في تحّول ثقافي مهم. وتُوصَف الثقافة في الأغلب بأنها «الطريقة التي نفعل بها الأشياء هنا»، وهي مجموعة من القيم والقواعد التي ترشد التفاعلات البشرية. وهي حاضرة في القيم التي تتبناها الإدارة، والافتراضات غير المعلنة للموظفين، والسلوكيات المقبولة بشكل شائع التي ساعدت المؤسسة على النجاح في بيئتها المختارة.

ويتلخص الجانب الجيد في الثقافة في أنها تقدم التماسك والاستمرارية. أما الجانب السيئ في الثقافة فيتمثّل في أنها تستطيع تكريس الشركة في ممارسات قديمة لم تعد مناسبة لعالم متغير.

والثقافة أصعب على التغيير من الاستراتيجية؛ لأن كثيراً منها غير واعٍ. إضافة إلى ذلك، يحتاج القادة إلى فهم الثقافة السائدة للشركة قبل السعي إلى تحديثها. فإذا وجهوا فجأة الموظفين لأداء أمور تتعارض مع القيم الراسخة، يمكن للمناقشات المنطقية أن تتحول بسرعة إلى مساجلات أخلاقية.

حول البحث
لفهم الثقافات في الشركات الرقمية والتقليدية، شاركنا في مرحلتين من الأبحاث. أولاً، أجرينا مقابلات مع مسؤولين تنفيذيين وموظفين في أكثر من 24 شركة رقمية ومتحولة، طالبين إليهم وصف كيفية عملهم، من دون التركيز على قيم أو ممارسات محدَّدة. وقرأنا أيضاً العديد من قصص الشركات الرقمية واستعرضنا الأدبيات المستفيضة حول الثقافة التنظيمية في الشركات التقليدية. ومكّننا التحليل النوعي الذي يبين التشابهات والاختلافات بين المصادر من تمييز مجموعة صغيرة من القيم والممارسات ذات الصلة والمشتركة بين المؤسسات الرقمية والمتحولة. وراجعنا إطار القيم والممارسات الرقمية هذا مع الموظفين والمسؤولين التنفيذيين في الشركات الرقمية والتقليدية للتأكد من صحته. بعد ذلك استطلعنا آراء الموظفين لدى أكثر من 500 شركة رقمية وتقليدية حول مدى كون هذه القيم والممارسات نموذجية على صعيد السلوك في شركاتهم. وتضمن كل مقياس للقيم والممارسات بنودا متعددة. وكان استطلاع القيم أصعب من استطلاع الممارسات، فالمستجيبون في كثير من الأحيان يوافقون ببساطة على كل عبارة إيجابية. وتخطينا هذه العقبة بأن قدمنا إلى المستجيبين قيماً إيجابية متنافسة وسألناهم: أيها كان أهم لشركتهم؟. مثلاً، طلبنا إلى الأشخاص تحديد موقع شركتهم على نطاق من تقدير السرعة إلى تقدير الكمال. ولتكملة أسئلتنا حول القيم والممارسات الرقمية، سألنا أيضاً عن الممارسات التقليدية المتعلّقة بالنزاهة والاستقرار والتوجيه وفق القواعد. وجمّعنا الاستجابات إحصائياً للحصول على نتيجة للقيم والممارسات. وأخيراً، سألنا المستجيبين عن الجوانب المختلفة للأداء النسبي لشركاتهم حتى نتمكن من الربط التجريبي بين عناصر الثقافة والأداء.

ومن المهم بالقدر نفسه أن يفهم القادة القدامى بالضبط القيم والممارسات الرقمية التي يأملون باحتضانها. فللوهلة الأولى، يبدو أن هناك العديد من القيم الواجب الاختيار من بينها. وفي لحظة من الزمن، نشرت نتفليكس Netflix مجموعة من أكثر من مئة شريحة لوصف ثقافتها. ولكن هناك قيماً أساسية، مثل الأداء العالي والحرية والمسؤولية وتفضيل السياق على التحكم، تدفع الممارسات التي تغذي إبداع الشركة ونموها.((Netflix has adjusted this over the years. For the original deck, see “Freedom & Responsibility Culture (Version 1),” Netflix, 2009, www.slideshare.net; for an updated version of the company’s culture code, see “Netflix Culture,” accessed March 29, 2019,
http://jobs.netflix.com.)) وتمتلك شركة البرمجيات هاب سبوت Hub Spot التي تتخذ من بوسطن مقراً كماً من «القواعد الثقافية»، لكن لا يبرز منها إلا بعض الخصائص تبرز. فالشركة «تلتزم بشكل مجنون» بمهمتها ومقاييسها. وتسعى دائماً إلى أن تكون «هاجس العملاء». والشركة «شفافة بشكل جذري وغير مريح» وتطلب إلى الموظفين أن يكونوا «انتقائيين بشكل غير معقول فيما يتعلّق بنظرائنا». وتعزز هذه الأقوال ثقافة مكان العمل الدافع بقوة والمبتكر باستمرار.((D. Shah, “The HubSpot Culture Code: Creating a Company We Love,” July 15, 2018, http://blog.hubspot.com.))

وأعادت مايكروسوفت Microsoft تحديد ثقافتها حول تعزيز عقلية النمو لدى الأفراد والمجموعات. فقادة الشركة عملوا على نطاق واسع للتحول من مكافأة الأفراد فقط لمساهماتهم الفردية إلى إدراك أهمية الاستفادة من عمل الآخرين. وتشمل التغييرات المهمة الأخرى مناصرة الفضول، والسعي بنشاط إلى زيادة التنوع والشمول، وتعزيز نهج «الشركة الواحدة» على حساب كونفدرالية الإقطاعيات.

القيم الأربع الرئيسية

يزعم عدد كبير من الكتب والمواضيع الكشف عن الأسرار الثقافية للشركات الرقمية العملاقة. ولكن خلف هذا الكم من الثرثرة المؤسسية، نجد مجموعة صغيرة مشتركة من العناصر الثقافية التي تُعَد ضرورية لمساعدة الشركات على أن تصبح رشيقة ومبتكرة وسريعة النمو.

واستعرضنا الأدبيات الإدارية المتعلقة بالثقافة، وتفحصنا أطر العمل والقصص المنشورة عن ثقافات الشركات الرقمية، وأجرينا مقابلات مع العشرات من المسؤولين التنفيذيين لتحديد مجموعة صغيرة من القيم والممارسات المتسقة ذاتياً الخاصة بالثقافة الرقمية. وبعد ذلك أجرينا استطلاعاً لأكثر من 500 شركة رقمية وتقليدية للتحقق من صحة الإطار الثقافي وتقييم مدى ارتباط مختلف عناصر الثقافة الرقمية بأنواع مختلفة من الأداء المبلغ عنه ذاتيّاً. وفي النهاية، تبرز أربع قيم أساسية للثقافة الرقمية: الأثر، والسرعة، والانفتاح، والاستقلالية. (انظر: القيم الأساسية الأربع للثقافة الرقمية).

وإدراكا لقابلية التوسع الضخمة للحلول الرقمية، تركز الشركات الرقمية الرائدة عادة على توليد الأثر، على افتراض أن الأرباح ستتبع ذلك. وفي أفضل حالاتها تحدث هذه الشركات ثورة في كيفية تفاعل الأفراد والمؤسسات، وتعيد اختراع الصناعات، وتتغلب على حراس البوابات الراسخين. وتدعم القيم الثلاث الأخرى هذه المهمة. فالسرعة تساعد الشركات على البقاء في صدارة المنافسين ومواكبة الرغبات المتغيرة بسرعة للعملاء. ويشجع الانفتاح الموظفين على تحدي الوضع الراهن والعمل مع أي شخص يمكن أن يساعدهم على تحقيق أهدافهم بسرعة. وتمنح الاستقلالية الأشخاص حرية القيام بما هو صحيح للشركة وعملائها من دون انتظار موافقة رسمية في كل منعطف. ومعاً، يمكن لهذه القيم أن تعزز قوة عاملة متفاعلة ومتمكنة يشعر فيها الموظفون بمسؤولية شخصية عن التغيير المستمر للشركة – وفي كثير من الأحيان للعالم.

كيف تحيي الممارسات القيم

تحدَّد قيم الشركات الرقمية العالية الأداء ممارساتها الأساسية: التجريب السريع، والتنظيم الذاتي، واتخاذ القرارات المدفوع بالبيانات، وهاجس العملاء والنتائج. (انظر: طيف الممارسات الرقمية والتقليدية). وتوضح أبحاثنا أن هذه الممارسات تعزز بعضها بعضاً عندما تكون كلها موجودة، مما ينشئ ثقافة موحدة تكون تعبيراً فاعلاً عن القيم الرقمية الأربع الرئيسية.

إليكم إحدى طرق النظر إلى ذلك: تعني الاستقلالية أن للعاملين الحق في التركيز على المهام التي يعتقدون أنها مهمة للعملاء. ويمكنهم التجربة بسرعة من دون خوف من الفشل، مما يزيد من فرص تحقيق نتائج جديدة حقّاً. فلماذا لا تتحول الشركات الرقمية الناجحة إلى مجموعات لا يمكن التحكم فيها من فنانين منفردين ذوي طموحات لا تعرف حدوداً؟ ومن خلال تقييم الانفتاح والسعي إلى تحقيق الأثر الكبير، فإن هذه الشركات تشجع الأشخاص على البحث عن البيانات والخبرات ذات الصلة أينما كانت. ولتحقيق السرعة والأثر، ينظم العاملون أنفسهم سريعاً لإجراء التجارب وتحقيق أهدافهم، من دون الحاجة إلى القلق بشأن المسمى الوظيفي المتعاون أو وظيفته أو انتمائه المؤسسي. إضافة إلى ذلك، يؤدي الانفتاح، حتى بالنسبة إلى النقاط العكسية أو وجهات النظر النقدية، إلى حصول الأفراد والفرق على مزيد من المعلومات وإنتاجهم حلولاً أكثر فاعلية. وفي الوقت نفسه يدفع التركيز على البيانات والنتائج زيادة المسؤولية؛ ما يشجع على السعي المستمر إلى تحقيق نتائج قابلة للتطوير وتركز على العملاء. وقد يكون نظام القيم المترابطة والممارسات الممكّنة رقميّاً فاعلاً بشكل ملحوظ عندما تشغله الإدارة في شكل صحيح.

وتميل الشركات التقليدية إلى مشاركة تركيز نظيراتها الرقمية على العملاء والنتائج. وتختلف الشركات ثقافيّاً في كيفية استهدافها لتقليل المشكلات من خلال قواعد صارمة، ودفع النزاهة في كل السلوكيات اليومية، والعمل لتوفير الاستقرار للأطراف المعنية. وبينما قد تسخر بعض الشركات الرقمية أساساً من هذا المزيج بأنه ثقيل وبيروقراطي، فلا ينبغي القضاء على الممارسات التقليدية كلها في أثناء السعي إلى الثقافة الرقمية. وفي الواقع، يتضح كل يوم أن الاستقرار والنزاهة من الصفات التي يجب تقديرها.

مثلاً، كانت أمازون تُعَد على مرّ التاريخ شركة تعمل لرعاية بيئة عمل تتسم بالضغط العالي والجدل، معتقدة أن الاستمرار يجب أن يكون من نصيب الأصلح فقط في الأمد البعيد. ولكن هذا النهج الذي أدى إلى انتقادات صحافية وارتفاع معدل الدوران الوظيفي لمجموعات معينة، بدأ يتغير: فمن خلال تجريب مزيد من المرونة في جدول المواعيد والدعم الصريح لمزيد من التوازن بين الجنسين، بدأت الشركة بتحديد اتجاه أقل صلابة وأكثر شمولية.((In 2015, a New York Times profile of Amazon’s high-pressure work culture drew wide attention as well as pushback from CEO Jeff Bezos and some employees. Since then, the company has explored alternatives to its traditional full-time work schedule, such as shorter workweeks and flextime, and expanded its parental leave options. See, for instance, A. Bhattacharya, “Amazon, Known for Its Soul-Crushing Work Culture, Is Testing a 30-Hour Workweek,” Quartz, Aug. 29, 2016, http://qz .com; and S. Winter, “Two Years In, Our Parental Leave Policy Is Working for Parents,” Aug. 21, 2017, http://blog .aboutamazon.com.)) وأدركت غوغل أيضاً أن مزيداً من الاستقرار للموظفين قد يفيد استقرار الشركة؛ وبعدما أظهرت التحليلات الداخلية أن الأمهات الجديدات كن يغادرن بمعدلات أعلى من الموظفين الآخرين، عززت الشركة سياسات الإجازة العائلية، وقللت من الطلبات الفورية، وحققت انخفاضاً بنسبة %50 في استنزاف هؤلاء الموظفين.((S. Wojcicki, “Paid Maternity Leave Is Good for Business,” The Wall Street Journal, Dec. 16, 2014.)) وبعدما طورت هاب سبوت Hub Spot سمعة كمكان يصعب العمل فيه، مع ساعات طويلة وإعلانات «مغادرة» غير حساسة للموظفين الذين أُنهِيت خدمتهم،((D. Lyons, “Congratulations! You’ve Been Fired,” The New York Times, April 9, 2016.)) أجرى المؤسسون تغييرات لبناء مزيد من التعاطف في ثقافة الشركة.((D. Shah, “How We Fixed a Critical Bug in HubSpot’s Culture Code,” Feb. 15, 2018, www.hubspot.com.))

أما بالنسبة إلى النزاهة، فأوضحت سلسلة من العناوين الصحافية الرئيسية على مدار السنوات القليلة الماضية أن بعض الشركات الرقمية أساساً بحاجة إلى أن تصبح ذات مبادئ. وانتُقِدت فيسبوك Facebook على نطاق عريض بسبب لامبالاتها بخصوصية بيانات المستخدمين والموافقة المستنيرة Informed consent. في أوبر أدى التطبيق الضعيف للسياسات المتعلقة بالتحرش إلى فضيحة عامة، وفي نهاية المطاف، إلى رحيل الرئيس التنفيذي.((Balachandran, “A Timeline of Events.”)) ويمكن للاستقلالية والتجريب والتنظيم الذاتي أن تدفع الابتكار الرائع، لكن في حالة عدم وجود إرشاد سليم، يمكنها أيضاً أن تؤدي إلى سوء الاستخدام.

رعاية ثقافة جاهزة رقمياً

يتمثّل التحدي، إذاً، في تطوير عناصر الثقافة الرقمية للتشجيع على الابتكار من دون التضحية بالنزاهة والاستقرار. وهو هدف وجيه. وفي الواقع، تظهر أبحاثنا على أكثر من 500 شركة رقمية وتقليدية أن السعي إلى تحقيق النزاهة والاستقرار في ثقافة الشركة لا يضر بقياسات الابتكار والربحية ورضا العملاء المبلغ عنها ذاتيّاً. وهذه أخبار سارة للشركات التقليدية، والشركات الرقمية الناضجة، والعاملين من جيل الألفية الذين يهتمون الآن بالعائلات والمجتمعات الصغيرة المتنامية بقدر اهتمامهم بالأعمال المتنامية. فبدلاً من التخلص من الممارسات السابقة كلها، يتعين على الشركات التقليدية محاولة إنشاء ثقافة رقمية تحتضن أفضل ما في تراثها. ونسلط الضوء على ثلاثة مبادئ لتحقيق ذلك. (انظر: مبادئ إنشاء الثقافة التي تحتاجون إليها).

بناء الممارسات التي تميز الشركات الرقمية. أكبر ميزة للشركات الرقمية هي السرعة التي تولِّد بها الابتكارات وتختبرها. ويجب أن تحاول الشركات التقليدية رعاية عادات التجريب السريع والتنظيم الذاتي في إطار عملية صنع القرار المدفوعة بالبيانات. وقد تبدو هذه الممارسات غريبة على الشركات التي صُمِّمت هياكلها وقيمها وقواعدها الخاصة بالحوكمة من أجل الاستقرار الحذر. لكن تحليلنا يوضح أن التجريب السريع والتنظيم الذاتي يدفعان بقوة قياسات الأداء المبلغ عنه ذاتيّاً، بما في ذلك النمو والابتكار. إضافة إلى ذلك، لا يمكن للمؤسسات أن تجرب بفاعلية من دون بيانات لقياس التغيير.

الحفاظ على الممارسات التي تعزز النزاهة والاستقرار. يقدر العملاء والموظفون والجهات المنظمة والمساهمون لديكم بعمق هذه الصفات والممارسات التي تدعمهم. وكما أشرنا آنفا، تبلغ الشركات التي تعمل من أجل النزاهة والاستقرار عن أداء ليس أفضل ولا أسوأ من أداء الشركات التي لا تفعل ذلك. ولكن النتائج السلبية المترتبة على اهمال هذه الممارسات صارت واضحة في العديد من الشركات الرقمية أساساً. ولهذا السبب بدأ العديد من الشركات الرقمية الناجحة بتحسين ممارسات النزاهة والاستقرار فيما تستمر بالنمو.

أكبر ميزة للشركات الرقمية هي السرعة التي تولِّد بها الابتكارات وتختبرها. ويجب أن تحاول الشركات التقليدية رعاية عادات كهذه في إطار عملية اتخاذ القرارات المدفوعة بالبيانات.

إعادة توجيه الممارسات المهمة التي لا تزال مُؤَمْثَلَة Optimized للعالم ما قبل الرقمي. تتطلب سرعة العالم الرقمي وترابطه توجهاً جديداً إلى العملاء والنتائج والقواعد. ويجب أن يُستكمَل سؤال العملاء عن احتياجاتهم من خلال توقع رغبات العملاء وتجريب استباقي من أجل إسعاد العملاء. ويجب أن يُحَل محل تقديرات الأداء النادرة والمبهمة الانتباه المستمر للأهداف الشفافة ومقاييس الأداء أو استكمالها به. وحيثما كان ذلك ممكناً، يجب أن تفسح القواعد والضوابط الصارمة الطريق أمام مبادئ توجيهية أوسع ومراقبة شفافة. ويجب تقديم المشورة إلى الموظفين الذين يستخدمون القواعد لمنع التغيير من أجل أن يكونوا أكثر مرونة. مثلاً، تطلب غوغل إلى الموظفين اتباع معايير تقنية صارمة لكنها تشجع على الابتكار الذي يستند إلى هذه المبادئ التوجيهية. وتكون الأهداف والنتائج الرئيسية في الشركة والفريق والمستويات الفردية واضحة على نطاق واسع. وتشجع هذه الشفافية على الأداء العالي وتحسن التعاون.((Laszlo Bock, then Google’s senior vice president of people operations, discussed the company’s approach to performance tracking in L. Bock, Work Rules!: Insights From Inside Google That Will Transform How You Live and Lead (New York: Twelve, 2015).))

كيف بنى دي بي إس بنك ثقافة جاهزة رقميّاً

شهد واحد من أكبر المصارف في آسيا، دي بي إس بنك DBS Bank الذي يتخذ من سنغافورة مقراً، تغيرا مفاجئاً وجذريّاً. ففي عام 2009 صُنِّف دي بي إس بنك في المرتبة الأخيرة من بين أفضل خمسة أطراف فاعلة في المنطقة على صعيد تجربة العملاء. وقال عملاء مازحون إن دي بي إس اختصار لـ«بطيء لدرجة رهيبة» («damn bloody slow»). ولكن بحلول عام 2013، ومن خلال التركيز المستمر على الحد من فشل العمليات وتحسين السرعة ووقت التغير المفاجئ للعملاء، احتل دي بي إس بنك المرتبة الأولى في تجربة العملاء في المجموعة نفسها.((D. Gledhill, “Executing the Digital Strategy” (presentation at the DBS Digital Transformation Investor Day, Singapore, Nov. 17, 2017).))

ولم يكن ذلك سوى البداية. وكما تعلمنا في مناقشاتنا مع قادة الشركة على مر السنين،((Vignette developed from author interviews and external sources and approved by DBS executives.)) تصور مسؤولون تنفيذيون كبار دي بي إس بنك كشركة رقمية رائدة، وليس مجرد مصرف رائد. وتطلب تحقيق هذا الهدف الجريء مزيداً من التحسينات في المنصات التكنولوجية للمصرف وعمليات تطوير للمنتجات. واحتاج دي بي إس بنك أيضاً إلى تعزيز ثقافة رقمية، وتحسين ابتكاراته من دون تنفير أفضل عملائه أو المخاطرة بحدوث هفوات تنظيمية.

وبدأ الرئيس التنفيذي بيوش غوبتا Piyush Gupta والمسؤول الرئيسي عن المعلومات ديفيد غليدهيل David Gledhill بالترويج لفكرة مفادها أن دي بي إس بنك شركة ناشئة تضم 22 ألف شخص. وزارا الأطراف الفاعلة الرقمية الرئيسية على مستوى العالم لفهم ثقافاتها المؤسسية، ثم حدَّدا مجموعة من القيم والممارسات لتغيير ثقافة دي بي إس بنك. وأرادا أن يكون التركيز الحالي على العملاء على هاجس العملاء مدفوع بالبيانات. وحللت الشركة 250 تجربة شخصية من تجارب العملاء والموظفين لتحديد المسائل الخاصة بالعمليات، ثم وضعت نمذجات Models تحليلية لتحسين تلك العمليات وتحسين أداء الموظفين. مثلاً، من خلال نمذجة الطلب في شبكته لأجهزة الصراف الآلي، التي تقول الشركة إنها تعاملت مع معاملات شهرية أكثر من أي مصرف آخر في العالم، ضمن دي بي إس بنك عدم نفاد النقود قط في أجهزة الصراف الآلي التابعة له. وأثبتت نمذجة آخر طُوِّرت لتوقع دورة المبيعات الخاصة بمندوبي المبيعات بنسبة %85 نجاحه، ما سمح للمسؤولين التنفيذيين بالتدخل وإجراء محادثات مع كبار مندوبي المبيعات في المصرف قبل أن يقرروا ترك الشركة.

كذلك شجع قادة دي بي إس بنك على التفكير والتجريب عند المستويات كلها. وحضوا الموظفين على تحديد طرق لتقليص ملايين الساعات من وقت انتظار العملاء. ودفعت ورش العمل الاستراتيجية والملخصات اليومية وتبادل المعلومات مع المؤسسات الناشئة ومجموعة متنوعة من الدعم إلى أكثر من ألف تجربة أدى العديد منها إلى منتجات جديدة أو خدمات محسّنة. وكذلك أعاد المصرف تحديد العمليات الداخلية لبناء الرشاقة في وحدات تكنولوجيا المعلومات وفرق تطوير المنتجات. ويعمل موظفو تكنولوجيا المعلومات والمسؤولون عن منتجات الأعمال الآن بشكل وثيق لتطوير المنتجات واختبارها وصقلها بسرعة، مما يزيد من سرعة إطلاق المنتجات وجودتها. وقلصت الشركة أكثر من 250 مليون ساعة من وقت انتظار العملاء السنوي وأكثر من مليون ساعة من وقت انتظار الموظفين.((Gledhill, “Executing the Digital Strategy.”))

إضافة إلى ذلك، سعى القادة إلى بناء مؤسسة تعليمية حيث يمكن لكل عامل المشاركة في التحسين الذاتي المستمر. توسعت في تقديم الدورات التدريبية عبر الإنترنت وفي الفصول الدراسية. وساعدت فرص التعلم التجريبية، مثل مناسبات الابتكار التكنولوجي ومراقبة موظفين آخرين وخبرات الانغماس الموظفين، على اكتساب فهم أكبر لدي د بي إس بنك نفسه. ومكّنت منصات التعاون، وورش العمل العملية القصيرة، وزمالات الابتكار، و«أيام التعلم»، وجلسات بيتشاكوتشا PechaKucha sessions سريعة الوتيرة (هي أساساً عروض تقديمية سريعة جدّاً)، وغيرها من الأساليب الإرشادَ بين الأقران. وساعدت الأسابيع الدراسية وساعات التعلم ونوادي القراءة وتجمعات أخرى على جعل التعلم طقساً.

وحقق دي بي إس بنك خطوات كبيرة نحو التحول إلى مؤسسة بارعة رقميّاً. وهي تطلق بسرعة الابتكارات الرقمية لتلبية مجموعة متنوعة من احتياجات العملاء المعبَّر عنها وغير المعبَّر عنها. ويتحول عملاؤها بسرعة إلى العمليات غير النقدية Cashless Processes. وتختبر منتجات جديدة، مثل تطبيق ألعاب للهاتف المحمول لمساعدة الوالدين على تعليم الأطفال عن المدخرات، فرص السوق وتربط العملاء بشكل أوثق بالمصرف.

وظهرت فرصة أخرى غير متوقعة من التحسينات العملية العديدة التي حدَّدها الموظفون. وأدت التغييرات في الأتمتة والعمليات إلى تخفيض التكاليف تخفيضا كبيرا، لكن عمليتين – خدمة العملاء والتحقق من الهوية – لا تزالان تتطلبان إجراءات من الموظفين. وفي الهند استخدم دي بي إس بنك بوتات الدردشة Chat bots ونظام البلاد الخاص بالهويات البيومترية، إلى جانب تبسيط المنتجات وبعض الشراكات، لإنشاء مصرف رقمي لا يتطلب أي تدخل تقريباً من موظفي دي بي إس بنك. وبتكلفة هامشية تقترب من الصفر، تتيح عمليات المصرف الرقمي خدمة مئات الملايين من الهنود الفقراء الذين لا يمكن أن تخدمهم العمليات المصرفية التقليدية بشكل مربح.

البدء

وعلى غرار دي بي إس بنك، تُنمي شركات عديدة حول العالم ثقافاتِها الرقميةَ. وعلى الرغم من أن تغيير الثقافة ليس بالأمر السهل، فقد حدَّدنا الخطوات التالية لمساعدتكم على بدء إنماء جذور ثقافية متينة من أجل التحول الرقمي.

إعادة صياغة الرؤية حول الأثر الجذري. يميل الأشخاص في الشركات الناشئة الرقمية إلى فهم الغرض الذي يتجاوز جدران المكتب ويدفعهم إلى العمل الجاد والابتكار. لبدء تحولكم على صعيد الثقافة الرقمية، طوروا رؤية أكبر من مهامكم فقط. لا تحاول شركة نايكي Nike بيع الأحذية فقط؛ فهي تريد أن تكون جزءاً من حياة عملائها. وهي تريد أن تكون جزءاً من المحادثة حول أي رياضة في أي وقت وفي أي قناة. فنايكي تعرف كيفية بيع الأحذية. ولكن من خلال الترويج لمحادثة أكثر ثراء حول الرياضة، تقترب نايكي أكثر من عشاق الرياضة – عملائها – بجعلهم يشعرون بأنهم جزء من مجتمع صغير.

في الشركات الناشئة الرقمية يميل الأشخاص إلى فهم الغرض الذي يدفعهم إلى العمل الجاد والابتكار. ولبدء تحولكم على صعيد الثقافة الرقمية، أنشئوا رؤية أكبر من مهامكم.

وفي عالم الشركات التي تمارس البيع من شركة إلى أخرى B2B، تعيد الشركة ريو تينتو Rio Tinto تصميم المناجم بهدف ألا يعمل أي عامل منجم مرة أخرى في بيئة خطيرة تحت الأرض. ومن خلال تحسين حياة موظفيها، تزيد من الكفاءة والأرباح. وتربط شركات أخرى تمارس البيع من شركة إلى أخرى B2B عملها بالعملاء النهائيين؛ ويشعر الموظفون بمزيد من الارتباط عندما يخدمون البشر بدلاً من الشركات. فشركة شندلر Schindler، مثلاً، حولت رؤيتها من بيع المصاعد والسلالم المتحركة إلى تحويل Transforming التنقل الحضري. ففي المكتب أو الشقة أو المركز التجاري تهدف شركة شندلر إلى تحسين تجربة العملاء من خلال جعل المصاعد تصل عند الحاجة، وتقديم رحلة سلسة وسريعة، وإبراز وسائط ومعلومات مفيدة. وتساعد هذه الرؤية الموظفين على رؤية الكيفية التي يساعدون به الأفراد، وليس فقط المباني.((Source: author interviews with executives at each company.))

تعزيز القيم والممارسات الجديدة في شكل واضح. كقادة، يجب أن تعيشوا التغيير الذي تريدونه من شركاتكم. نادوا بالقيم الجديدة بصوت عال وفي كثير من الأحيان. وحدَّدوا قصص الشركة التي تساعد هذه القيم وتعززها على نطاق واسع. وشاركوا في محادثات مفتوحة حتى يتمكن الموظفون من التعبير عن آمالهم وشكوكهم ومخاوفهم حول ما قد يضيع، ولكي تطفو المعتقدات اللاواعية إلى العلن لإثراء النقاش. مثلاً، يشجع الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت ساتيا ناديلا Satya Nadella الموظفين على الانتقال من كونهم يعرفون كل شيء إلى كونهم يتعلمون كل شيء؛ مما يؤكد على التركيز الثقافي الجديد على التعلم والانفتاح والتعاطف.((Since becoming CEO, Satya Nadella has spoken extensively about these two types in discussions of the kind of culture he’s trying to build at Microsoft. He credits Stanford psychologist Carol Dweck for identifying them and for the insight that the “learn-it-all” will do better even if the know-it-all starts with more capability; see C.S. Dweck, Mindset: The New Psychology of Success, updated ed. (New York: Ballantine, 2007).))

وعليكم أن تقرنوا القول بالفعل. أبرزوا صراحة تلك الحجج التي تحتاج إلى دعم من البيانات. وفي الاجتماعات التي يتخذ فيها المديرون قرارات بناءً على الخبرة أو الحدس، اسألوا عن التجارب التي قد يقومون بها لاختبار قناعاتهم. واتخذوا قرارات أساسية بناءً على مجموعة متنوعة من وجهات النظر، بما في ذلك آراء العملاء أو الشركاء. وعند النظر في تغيير رئيسي في السياسة الداخلية في مجال مثل تقديرات الأداء أو وضع الميزانية، أجروا مشاريع تجريبية وتجارب مرئية قبل إجراء أي تطبيق عالمي. كونوا شفافين في مكافأة الأشخاص الذين يشاركون في ممارسات قيمة وفي التشجيع على تغيير السلوك لدى أولئك الذين لا يفعلون ذلك. وقد تسفر قصة أو قصتان بارزتان عن سلسلة طويلة من المحادثات في كل أنحاء الشركة.

الانتقائية في اختيار نقطة البداية. ليست كل وحدة في الشركة بحاجة إلى ثقافة رقمية. ويُعَد التغيير أكثر إلحاحاً بالنسبة إلى الوحدات في البيئات الديناميكية مثل المبيعات أو التسويق أو تطوير المنتجات منه في المجالات الأكثر استقراراً مثل التمويل. ابدؤوا بالوحدة أو المجال الأكثر منطقية. وحتى إذا كنتم تعتقدون أنكم بحاجة إلى تنشيط الثقافة على مستوى الشركة، كما تفعل مايكروسوفت وإلكترولوكس،

لا تترددوا في إيلاء مزيد من الانتباه إلى بعض الوحدات أكثر من غيرها بينما تتعلمون ما هو الأفضل في شركتكم. وقد يبني التركيز على المكاسب السريعة والفرص ذات الإمكانات العالية زخماً لمواجهة التحديات الأوسع لاحقاً.

فكروا في إنشاء وحدة منفصلة يمكنها أن تختبر بأمان أساليب جديدة من التفكير والتمثيل مع البقاء على ارتباط ببقية المؤسسة. ويمكن لرؤية ثقافة جديدة تتشكل بنجاح في هذه الوحدة أن تحطم المقاومة في أي مكان آخر في المؤسسة. مثلاً، بدأت الوحدات الرقمية في شركات متنوعة مثل نستله Nestlé وبروكتر أند غامبل Procter & Gamble (P&G) ومجموعة لويدز المصرفية Lloyds Banking Group كمصادر مركّزة للمواهب والأدوات والثقافة من أجل دفع الابتكارات الرقمية، ثم بدأت في إعادة نشر هذه الممارسات في الشركة الرئيسية.((G. Westerman, D. Bonnet, and A. McAfee, Leading Digital: Turning Technology Into Digital Transformation (Boston: Harvard Business Review Press, 2014); and C. Stanway-Williams, “How Lloyds Are Embracing the Digital Age,” April 9, 2018, http://channels.theinnovationenterprise.com.))

إعطاء الموظفين الفرصة لإحداث أثر. حتى إذا أرادوا الابتكار، يشعر الموظفون المشغولون في الأغلب بأنهم لا يمتلكون الوقت للقيام بذلك. وتوضح قاعدة الـ%20 لدى غوغل أن لدى كل موظف الفرصة والتطلع إلى الابتكار. ولكن في الممارسة العملية، لا تقلل هذه السياسات من الوقت الإنتاجي بنسبة %15 أو %20، بل تضيف توقعاً بأن يبتكر الموظفون إضافة إلى أسبوع عمل كامل. ويمكنكم تغيير الموقف من خلال تقديم فرص للموظفين للمساهمة بطرق صغيرة ذات أثر تراكمي كبير. فمسابقات الابتكار والاختراقات والتعرف تقطع شوطاً طويلاً نحو ترسيخ فكرة مفادها أن الابتكار يجب أن يكون روتينيّاً وليس الاستثناء. وفي دي بي إس بنك شُجِّع الموظفون خلال ساعات العمل العادية على تحديد الظروف التي تجعل العملاء أو الموظفين ينتظرون، أو على اقتراح طرق محتملة لتقليل وقت الانتظار، حتى لو لم يتمكنوا من حل هذه التحديات بأنفسهم. وفي بعض الشركات يمكن للموظفين الذين اختيرَت اقتراحاتهم الابتكارية الحصول على مهمة مؤقتة في الفريق الذي ينفذ الابتكار قبل العودة إلى أدوارهم الأصلية.

التطلع إلى تكنولوجيا المعلومات (حيثما كان ذلك ممكناً). في كثير من الأحيان يمكن العثور على أفضل الأمثلة على التجريب السريع والتنظيم الذاتي في مكان غير 1متوقع – هو وحدة تكنولوجيا المعلومات IT. فأفضل وحدات تكنولوجيا المعلومات تجرب تقنية المعلومات الرشيقة Agile، إذ تمارس فرق من الموظفين التقنيين وموظفي الأعمال باستمرار التنظيم الذاتي والتجريب لتطوير ميزات البرمجيات المؤسسية الجديدة بسرعة. وسواء كان كبار قادة تكنولوجيا المعلومات يمارسون الرشاقة أم لا، فهم يفهمون ما يعوق الابتكار والسرعة ولديهم أدوات للمساعدة. ويفهمون صعوبة العمل مع الأنظمة القديمة الشبيهة بالإسباغيتي ويمكنهم مساعدتكم على إصلاحها.

لا تمتلك الشركات كلها قادة رائعين في تكنولوجيا المعلومات أو ممارسات رشيقة في مجال تكنولوجيا المعلومات. ولكن إذا كنتم تعتقدون أن شركتكم لا تمتلك ذلك، فمن الجدير أن تبحثوا في شكل أوثق لاختبار افتراضاتكم. فقد تجدون جيوباً من قادة تكنولوجيا المعلومات الذين يمكنهم تقديم المساعدة. وإذا لم يتمكنوا من ذلك، فقد تحتاجون إلى تحويل وحدة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بكم وقيادتها لكي يمكنها دعم أنواع التغيير التي تريدون أن تروها في شركتكم.

تقديم الأدوات الصحيحة. من الصعب اتخاذ قرارات مدفوعة بالبيانات من دون بيانات جيدة. ومن الصعب أيضاً العمل مع أشخاص من كل أنحاء العالم من دون الأدوات التي تسهّل التعاون. مثلاً، يحتاج الموظفون لديكم إلى طرق فاعلة لتنزيل البيانات بأمان، أو التعاون بسلاسة بين المواقع والمناطق الزمنية، أو فحص رحلة عميلهم بالتفصيل، أو مراقبة عملية الإنتاج في الوقت الحقيقي. اجعلوا هذه الأدوات جزءاً من العمل اليومي، بدلاً من كلمة مرور أخرى يجب تذكرها. لا تُعدوا موظفيكم للفشل من خلال مطالبتهم بالمشاركة في ممارسات القرن الحادي والعشرين باستخدام أدوات القرن العشرين.

الشفافية حول الأهداف والأداء. هل شركتكم شفافة مثل الشركة الرقمية المفضلة لديكم؟ هل هي ناجحة مثلها؟ تشكل الإجابة عن السؤال الأول الإجابة عن السؤال الثاني.

وفي العديد من المؤسسات تكون مجموعة العمليات أكثر شفافية من الأقسام الأخرى. وتساعد الشفافية حول المخرجات والجودة والسلامة عاملي المصانع على التعاون لحل المشكلات وزيادة الإنتاجية. ويؤدي عرض الأداء في الوقت الحقيقي في عمليات تكنولوجيا المعلومات إلى زيادة وقت التشغيل ومشاركة الموظفين. وفي المبيعات تساعد الشفافية حول أداء الأفراد والفريق كل مندوب مبيعات على تحديد ما يؤديه هو وزملاؤه لتحقيق أهداف الوحدة.

وفي لوكيولنت Luculent الصينية للتكنولوجيا، تحوي الأبواب الأمامية للعديد من الإدارات شاشات تعرض مؤشرات الأداء الرئيسية KPIs للوحدة وأداءها في الوقت الحقيقي لجميع المارة.((Source: author visit to Luculent headquarters, 2018.)) ويمكن للشفافية رفع الإنتاجية ومساعدة الفرق على مراقبة أنفسها وبناء مزيد من التفاهم والثقة بين الوحدات. ولكن يمكن للموظفين أن يشعروا بالخوف إذا شعروا بأنهم خاضعون للمراقبة المستمرة. ويمكنكم البدء بالتغلب على هذه المقاومة من خلال تحديد مؤشرات الأداء الرئيسية KPIs ذات المغزى الحقيقي واستخدام البيانات بوضوح للأغراض المتفق عليها. لكن في الأمد البعيد، لا يمكن تحقيق الشفافية الحقيقية إلا من خلال الجهود المستمرة التي يقودها شخصيّاً كبار قادة الشركة وتؤكد على قيمة الأداء والابتكار مع تعزيز الثقة.

لا حلَّ سحريّاً

الكلمة الأهم في التحول الرقمي ليست الرقمي بل التحول. فإطلاق مشاريع تكنولوجية هو مجرد نقطة انطلاق. أما الهدف النهائي؛ فهو الانتقال من بناء الأنظمة والعمليات إلى بناء القدرات – بناء ثقافة يكون فيها الابتكار هو القاعدة، وفيها يسعى الموظفون باستمرار إلى التعلم والنمو، والاستفادة من أفضل التكنولوجيات والتقنيات الجديدة.

وتتوافق الثقافة الصحيحة للعصر الرقمي مع السرعة والطبيعة المبتكرة للشركات الرقمية أساساً مع تجنب الثقافة الذكورية التي قد تسود في بعضها. وهي تشجع على التجريب السريع للمنتجات ونمذجات الأعمال مع الحفاظ على الإمكانات القيمة التي تساعد الشركة على الازدهار.

تُعَد الثقافة مسؤولية تنفيذية أساسية، لكن لا توجد حلول سحرية. فالأشخاص الذين يقدمون إجابات بسيطة عن تغيير الثقافة لا يعرفون ما الذي يتحدثون عنه. فالثقافة تشتمل على مجموعة من القيم والممارسات التي يعزز بعضها بعضاً، وبعضها فقط واعٍ. ويتطلب تغيير الثقافة جهداً مكثفاً وانتباهاً مستداماً. ويتطلب ضبطاً مستمراً لضمان استمرار تواؤم القيم والممارسات مع تغير المطالب التنافسية للشركة. ويتطلب إدارة مستمرة للأداء عند المستويات كلها. ويستلزم التزام جميع الأشخاص في الشركة بالعيش وفق الثقافة التي تريدون تحقيقها.

ولا يعني تطوير ثقافة الاستعداد الرقمي التخلص من كل ما هو جيد في الثقافة التقليدية للشركة. وبدلاً من ذلك، هو عبارة عن مسألة من مسائل الإبلاغ عن القيم المرغوب فيها ثم إدخال ممارسات جديدة مع صقل ممارسات أخرى. ويمكنكم تطوير نقاط القوة في الثقافة الرقمية من دون التضحية بالنزاهة والاستقرار. وتكون الشركات الداخلة إلى المجال الرقمي سريعة، لكنها نادراً ما تتمتع بحجم الشركات التقليدية وقوتها الراسخة. وقد يكون الجمع بين أصول الشركة التقليدية وكفاءاتها مع الثقافة الجاهزة رقميّاً صيغة رابحة للتنافس مع الشركات الداخلة إلى المجال الرقمي السريعة الحركة في أي صناعة.

جورج ويسترمان George Westerman

@gwesterman محاضر أول في كلية سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT Sloan School of Management ومدير الكلية لتعلم القوى العاملة في مختبر عبد اللطيف جميل العالمي للتعليم بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT’s Abdul Latif Jameel World Education Lab. ديبورا إل سول Deborah L. Soule مستشارة أبحاث في مدرسة سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT Sloan School of Management. أناند إسواران Anand Eswaran نائب رئيس الشركة للمشاريع في شركة مايكروسوفت Microsoft Corp. للتعليق على هذا الموضوع http://sloanreview.mit.edu/x/60404.

شكر وتقدير
أُجرِيت هذه الأبحاث بفضل الدعم المالي السخي من شركة مايكروسوفت Microsoft Corp.[/box

Related Articles

Back to top button