الأحزاب البريطانية تعلن مواقفها إزاء العلوم في “انتخابات بريكست”
اختلاف صارخ في سياسات المتنافسين حيال بريكست
بقلم: إريك ستوكستاد
ترجمة: صفاء كنج
“نفِّذ بريكست”، “أوقف بريكست”، “دع الناس تقرر”. تبدو شعارات حملات المحافظين والديموقراطيين الليبراليين وحزب العمل وكأنها تخون القضية الأهم في انتخابات المملكة المتحدة الحاسمة في 12 ديسمبر 2019.
عندما اعتلى ممثلو كل حزب المنصة في أواخر نوفمبر (2019) في مقر الجمعية الملكية Royal Society بلندن، وعدوا جميعاً بزيادة التمويل وتسهيل هجرة العلماء الوافدين إلى المملكة المتحدة. لكن موضوع بريكست كان طاغياً على النقاش، كما تقول سارة ميْن Sarah Main، مديرة حملة العلوم والهندسة Campaign for Science and Engineering، وهي مجموعة تعمل على دعم العلوم في لندن. وتضيف: “للأمر تأثيرات ضخمة”.
يرى العديد من العلماء أن الفوائد الموعودة لن تفعل الكثير لتخفيف آلام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويوجد على المحك نحو 1.5 بليون جنيه إسترليني اعتاد باحثو المملكة المتحدة تلقيها كل عام من الاتحاد الأوروبي، وهو مبلغ يفوق ما ساهمت به المملكة المتحدة في برامج الاتحاد الأوروبي تلك. وحتى قبل أن تصل الأمور إلى مرحلة الحسم، يبدو أن مجرد احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بات يؤثر سلبًا في الأبحاث بالمملكة المتحدة. على سبيل المثال، تراجع احتمال مجيء الفائزين بالزمالات الأوروبية – وجلب الأموال المخصصة لهم – إلى مؤسسات المملكة المتحدة مقارنة بما كان عليه الأمر قبل بضع سنوات (Science, 4 October, p. 24).
ودعا رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون Boris Johnson إلى إجراء الانتخابات لكسر الجمود حول بريكست بعد أن تأجل مرتين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ إثر استفتاء عام 2016 وبات مقرراً حالياً في 31 يناير 2020. ولم يتمكن جونسون من إقناع البرلمان بالموافقة على اتفاق الانفصال، في حين قد يؤدي الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق إلى حدوث ركود اقتصادي.
يرغب جونسون والمحافظون في الحصول سريعاً على الموافقة على خطتهم. وقال ستيفن ميتكالف Stephen Metcalfe، النائب المحافظ في البرلمان وعضو لجنة العلوم والتكنولوجيا في مجلس العموم House of Commons Science and Technology Committee ، خلال فعالية الجمعية الملكية: “أعتقد أننا بحاجة إلى الانتقال لمعالجة القضايا الأكبر”. ويقول حزب العمل المعارض إنه سيتفاوض بشأن صفقة أفضل مع الاتحاد الأوروبي ثم يعرضها على الشعب في استفتاء آخر. أما الديمقراطيون الليبراليون، الذين يشغلون المركز الثالث في استطلاعات الرأي، فيريدون إلغاء بريكست.
وقالت جميع الأحزان إنه إذا حدث الانفصال فستحاول التوصل إلى اتفاق علمي مع الاتحاد الأوروبي، وستدفع المال للمشاركة في برامج تمويل العلوم. وإنها تريد إصلاح نظام الهجرة المطبق على العلماء للحد على السواء من البيروقراطية والرسوم التي سيتعين على علماء الاتحاد الأوروبي تسديدها بعد بريكست، ولجذب أصحاب الموهبة من أجزاء أخرى من العالم. يريد جونسون إلغاء القيود على التأشيرات الممنوحة لكبار الباحثين وتسهيل رعاية الجامعات لهم. خلال اجتماع الجمعية الملكية، قال حزب العمل والديمقراطيون الليبراليون إنهم سيدخلون تحسينات أيضًا. وقالت تشي أونفوراه Chi Onwurah، النائبة العمالية والمتحدثة باسم الحزب في مجال العلوم والابتكار: “من الواضح أن النظام برمته يحتاج إلى الإصلاح لأنه لا يؤدي دوره”.
شكل تمويل الأبحاث نقطة أخرى اتفق المحاضرون بشأنها. بدأ المحافظون بزيادة الميزانية في عام 2016. وفي عام 2017، أعلنوا عن هدف مدته عشر سنوات لزيادة الاستثمار الوطني في مجال البحث والتطوير من 1.7 % إلى 2.4 % من إجمالي الناتج المحلي، وهي نسبة وسطية بين البلدان المتقدمة اقتصاديًا. وتعهد الحزبان الآخران بالحفاظ على هذا الزخم. وبهذا الصدد، قال جيمس ويلسدون James Wilsdon، خبير السياسة العلمية في جامعة شيفيلد University of Sheffield: “درجة الإجماع مذهلة بين الأحزاب الرئيسية الثلاثة”.
ولكن نظرة فاحصة تبيِّن أن هذه الأحزاب ستستخدم هذه الأموال بشكل مختلف. قال جونسون في أكتوبر (2019) إنه يريد إنشاء وكالة بريطانية لمشاريع الأبحاث المتقدمة Advanced Research Projects Agency، على شاكلة الهيئة العسكرية الأمريكية التي ساعدت على تطوير شبكة الإنترنت، عبر تكريس ما مجموعه 800 مليون جنيه إسترليني على مدار خمس سنوات للعمل على الأفكار الجريئة ذات التطبيق المدني. لكن سام جيما Sam Gyimah، النائب الديموقراطي الليبرالي ووزير العلوم السابق قبل أن يترك حزب المحافظين، أشار إلى أن الباحثين يتأقلمون بالفعل مع ممول جديد كبير، هو مؤسسة المملكة المتحدة للأبحاث والابتكار UK Research and Innovation غير الحكومية. وحذر من خطر “تقطيع وتغيير” الطريقة التي توزع بها الحكومة تمويل الأبحاث.
وطرح حزب العمل فكرة مثيرة للجدل وإن لم يُشر إليها كثيراً خلال نقاش الجمعية الملكية. ففي سبتمبر (2019)، دعا الحزب – الذي يؤيد تأميم السكك الحديدية والخدمات البريدية والمرافق العامة – إلى إنشاء شركة أدوية ذات ملكية عامة لتصنيع الأدوية غير المحمية بعلامة تجارية Generic drugs، بما في ذلك إصدارات الأدوية التي لا تزال تحت براءة الاختراع، من أجل نظام خدمات الصحية الوطنية National Health Service. على أن يدعم أي ربح يُجنى البحثَ والتطوير ضمن المؤسسات العامة. وفي بيان، رفض ريتشارد توربيتRichard Torbett من جمعية صناعة الأدوية البريطانية Association of the British Pharmaceutical Industry في لندن هذه الفكرة، قائلاً: ” إنها سترسل إشارة سلبية إلى حد كبير للعلماء البريطانيين وستثبط البحث العلمي”.
وفيما يتعلق بسياسة المناخ، فإن جميع الأطراف تتعهد بتخفيض صافي انبعاثات الكربون إلى الصفر وزيادة الطاقة المتجددة، ولكنها تختلف في وتيرة تطبيق ذلك. يهدف المحافظون إلى خفض الانبعاثات إلى الصفر في عام 2050، في حين يقول الديمقراطيون الليبراليون إن 2045 هدف ممكن. أما حزب العمال الذي عليه أن يراعي مؤيديه العاملين في قطاع استخراج النفط والغاز والصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، فتراجع مؤخراً عن هدف عام 2030؛ وركز برنامجه الذي صدر في أواخر نوفمبر (2019) بدلاً من ذلك على استحداث وظائف في مجال الطاقة المتجددة.
ستحدد الانتخابات مقدار تطبيق ذلك عملياً. فالأهداف الطموحة، مثل إنشاء مؤسسة تمويل جديدة أو سياسة جديدة للطاقة، تحتاج إلى موافقة البرلمان العاجز عن اتخاذ قرارات. وقد يستمر هذا الجمود إذا فشل الحزب الحاكم التالي في الحصول على أغلبية كبيرة في مجلس العموم. استبعدت الأحزاب حتى الآن تشكيل حكومة ائتلافية. وقد تكون النتيجة النهائية هي نفسها: استمرار المأزق بشأن القضية الأكثر أهمية للبلاد، وللعلوم.
© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.