العلماء يضعون بلازما دم الناجين من كوفيد-19 تحت الاختبار
تجارب عشوائية التصميم في الطريق بعد أن أشارت دراسات صغيرة إلى أن نقل الدم قد ينقذ الأرواح
بقلم: كاي كوبفرشميدت
ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة
تغطية ساينس Science لكوفيد-19 يمولها مركز بوليتزر Pulitzer Center
في 13 مارس، في الوقت الذي كانت فيه جائحة كوفيد-19( COVID-19) تتنامى والأدوية صعبة المنال، نشر أرتورو كاساديفال Arturo Casadevall، الاختصاصي بالأمراض المعدية من جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University ما يعتبره “ربما أكثر الأوراق العلمية من حيث الأهمية” في حياته المهنية الطويلة في دورية الأبحاث الإكلينيكيةThe Journal of Clinical Investigation، حيث جادل هو وليز آن بيروفسكي Liise-anne Pirofski من كلية طب ألبرت آينشتاين Albert Einstein College of Medicine في أن أحد العلاجات الفعالة قد تكون في متناول اليد؛ ألا وهي بلازما الأشخاص الذين تعافوا من المرض، والمليئة بالأجسام المضادة Antibodies للفيروس. ويبدو أن الاستراتيجية نجحت في علاج أمراض معدية أخرى، بحسب ما أشار الاثنان، كما أن البنية التحتية الضرورية لجمع البلازما وتقديمها كعلاج موجودة بالفعل. والأخطار معروفة وقليلة نسبيًا. ولذلك كتبا: ” ننصح المؤسسات … بأن تبدأ التحضيرات بأسرع وقت ممكن. لا وقت لنضيعه”.
وبعدها بعشرة أسابيع، حصل أكثر من 16 ألف مريض في مئات المستشفيات في الولايات المتحدة على العلاج التجريبي، والأمل بنجاح هذا العلاج سرعان ما قد يقدم الأدلة على نجاعته. ونشرت دراسة أجريت على مرضى تلقوا المصل في مستشفى ماونت سيناي Mount Sinai Hospital بمدينة نيويورك، كتجربة أولية بتاريخ 22 مايو، وهذه الدراسة تقدم أدلةً على أن العلاج قد ينجح، وكذلك الدراسات المحدودة الأخرى التي أجريت في أماكن أخرى. ولكن التجارب الإكلينيكية (السريرية) المُتحكَّم فيها عشوائية التصميم Randomized controlled clinical trials (اختصارًا: التجارب RCT) والتي ستعطي نتائج أكثر حسمًا، لا تزال جارية.
وقد سبق أن جُرِّب الدم أو البلازما من المرضى المتعافين كعلاج، وذلك على الأقل منذ الإنفلونزا الإسبانية Spanish flueعام 1918، وتشير التقارير من تلك الجائحة أن ذلك كان نافعًا. كما أنها استخدمت لعلاج الحصبة Measles، والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة Severe acute respiratory
syndrome، وأمراض أقل شهرة مثل الحمى الأرجنتينية النزفية Argentine Hemorrhagic Fever. وفي دراسة في سبعينات القرن العشرين أجريت على 188 مريضًا مصابين بهذا المرض، مات 1% فقط من الذين عولجوا بالبلازما، مقارنة بما نسبته 16.5% في مجموعة التحكّم (الضبط/المقارنة) Control Group. ويقول كاساديفال: “أظن أن هناك احتمالًا كبيرًا أن ينجح العلاج بناء على ما نعرفه من التاريخ”.
ولكن بعض الأمثلة أقل تشجيعًا؛ ففي عام 2015 في غينيا أجريت دراسة على 84 مريضًا مصابًا بالإيبولا Ebola، ولم ير الأطباء أي منفعة من علاج بلازما النقاهة Convalescent Plasma. (السبب غير واضح؛ ربما يقتصر الأمر على أن البلازما لم تحتوي على عدد كافٍ من الأجسام المضادة الفاعلة). أضف إلى ذلك أن هذا العلاج يحمل مخاطر؛ فنقل الدم قد ينقل عوامل ممرضة Pathogens محمولة بالدم، وفي حالات نادرة تؤدي إلى حالات مثل الإصابة الرئوية الحادة المرتبطة بنقل الدم Transfusion-Related Acute Lung Injury (اختصارًا: الإصابة TRALI)، والتي تتسبب فيها الأجسام المضادة المنقولة ضررًا للأوعية الدموية في الرئة، وهناك أيضًا التحميل الدوراني المفرط المرتبط بنقل الدم Transfusion-Associated Circulatory Overload (اختصارًا: التحميل المفرط TACO)، والتي تحدث عندما لا يتكيف جسم المريض مع حجم الدم المضاف، والذي قد يصل إلى نصف لتر. وكلتا الحالتين يمكنهما أن تسببا صعوبة في التنفس وتؤديا إلى الوفاة.
وفي 19 يناير بدأ الأطباء الصينيون بإجراء الاختبارات على بلازما المتماثلين للشفاء من مرض كوفيد-19. وفي أبريل نشرت دراسة في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم Proceedings of the National Academy of Sciences، أبلغوا فيها أن 10 من أصل 10 مستقبلين للبلازما تحسنوا، بينما توفي 3 من أصل 10 من المرضى المربوطين في أزواج توافقية (المتوافقين) Matched controls في مجموعة التحكم؛ وهم أشخاص لديهم المواصفات نفسها ولكنهم لم يتلقوا العلاج. كما أن هناك دراسات أخرى محدودة في الصين وإيطاليا وغيرهما، تظهر أيضًا أن العلاج واعد.
وسلسلة حالات مستشفى ماونت سيناي هي الأكبر حتى الآن. ولم يخصص الباحثون وقتًا لإعداد تجربة عشوائية التصميم؛ لأن “الوقت كان رفاهية لم نمتلكها في مدينة نيو يورك”، كما كتبت نيكول بوفير Nicole Bouvier، إحدى المشاركات في الدراسة، في رسالة إلكترونية. ولكن بسبب أن البلازما كانت شحيحة في المرحلة الأولى من الجائحة، فلم يعالج الكثير من المرضى بها، إلا أن الفريق تمكن من إجراء تجربة باستخدام أزواج من مرضى مرتبطين توافقيا بأزواج مُتحكّم فيها Matched control trial، قارنوا فيها 39 مريضًا مصابا بحالات شديدة من كوفيد-19 تلقوا العلاج بالبلازما بما يصل إلى أربعة أضعفاهم من المرضى الذين لم يتلقوه.
وكان الفرق في نسبة الوفاة؛ 12.8% في مجموعة البلازما، و 24.4% في مجموعة التحكم (الضبط/المقارنة)، ولم يكن الفرق ذا دلالة إحصائيا، ولكن عندما قارن الفريق حاجة المرضى إلى التنفس الاصطناعي بعد عملية النقل، كانت نتائج تعافي الذين استقبلوا البلازما أفضل بشكل ملحوظ. ويمكن لدراسات الأزواج المرتبطة توافقيا أن تؤدي إلى تحيزات Biases، كما تعترف بوفير، إذ تقول: “ولكن على الأقل أثبتنا أن هناك بعض الفائدة من بلازما النقاهة”. وتقول إن الباحثين أنفسهم يعملون على دراسةٍ تفحصُ بيانات نحو 275 مريضًا معالجًا.
وناهيد بهاديليا Nahid Bhadelia، وهي طبيبة أمراض معدية من جامعة بوسطن Boston University، تتفق على أن البيانات واعدة حتى الآن، ولكنها تقول إن التجارب الإكلينيكية المضبوطة عشوائية التصميم وحدها يمكنها أن تعطي إجابة نهائية. ومثل هذه التجارب تجرى الآن في ألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، ومن المتوقع أن نتوصل إلى النتائج في الأشهر القادمة.
وقد جمع الباحثون لتوهم بيانات أكثر حول المضاعفات [علاج بلازما النقاهة]، ويبدو أنها نادرة. فقد نشرت ورقة بحثية من الولايات المتحدة تبحث في مدى أمان العلاج، أنها قد وجدت 36 عارضاً سلبيا شديدًا في أول خمسة آلاف مريض، ومن ضمنها حالات الإصابة TRALI والتحميل المفرط TACO، ولكن بعضها قد يكون نتيجة لمرض كوفيد-19 نفسه. وهناك حادثان فقط “مرتبطان بشكل مؤكد” بنقل البلازما، وفقا للطبيب المعالج، أما الأحداث 23 الأخرى فكانت مرتبطة بشكل “محتمل” أو “مرجح”. ويقول مايكل جوينر Michael Joyner، من عيادة مايو كلينيك Mayo Clinic، أحد المشاركين في الدراسة: “لا أقول إننا قد أجبنا عن مخاوف [الأمان]، ولكنها في سبات”.
كما يمكن لمصل النقاهة Convalescent serum أن يساعد على منع العدوى في منهم الأعلى مخاطر High risk. وفي تجربة ينسقها مستشفى جونز هوبكنز، بعد أن تعرض 150 عاملًا في القطاع الصحي لكوفيد-19 نتيجة لعدم ارتدائهم الحماية اللازمة، سيحصلون فيها إما على مصل النقاهة أو على مصل جمع السنة الماضية. وسيقارن الباحثون عدد الأشخاص الذين يطورون المرض في المجموعتين.
وإذا ثبت أن بلازما النقاهة ذات أثر في منع العدوى، فسنحتاج إلى كميات أكبر بكثير، وقد يصير توفير تلك الكميات أمرًا صعبًا، وفقا لبهاديليا. فكل تبرع بالبلازما، والذي تختلف كميته وفقًا لوزن المتبرع ولكنه في العادة بين 690 و880 ميلليلترًا في الولايات المتحدة، يكفي لمريض واحد أو اثنين، ويجب أن يتوافق نوع دم المتبرع مع المُستقبِل. ولكن المرضى الذين شفوا يمكنهم التبرع بالبلازما عدة مرات. وفي مدينة نيو يورك هناك ما يزيد على الحاجة من البلازما، ويعود ذلك جزئيًا إلى تبرع المجتمع اليهودي الأورذوكسي Orthodox Jewish بالبلازما، والذي أصيب بكوفيد-19 بشدة.
والكثافة أيضًا مسألة مهمة؛ إذ إن تكوين الأجسام المضادة وتركيزها يختلف من متبرع إلى آخر، وهو “أحد الأسباب المؤسفة التي جعلت الأدلة الإكلينيكية التي جمعت حول بلازما النقاهة تبقى ضحلة”، وفقا لتوماس كريل Thomas Kreil، رئيس السلامة من العوامل الممرضة في شركة الأدوية اليابانية تاكيدا Takeda pharma company. والشركة تاكيدا تعمل مع عدد من الشركاء لإنتاج ما يسمى غلوبيولين المناعة الفائقة Hyperimmune globulin، إذ يُجمع الدم من مئات الأشخاص الذين شُفيوا، ويجرى تركيز الأجسام المضادة فيها بنحو 10 أضعاف. وغلوبيولين المناعة الفائقة لها فترة صلاحية أطول من البلازما، وسيتيح تركيزها الأعلى للأطباء إعطاء المزيد من الأجسام المضادة للمرضى من دون القلق من مشكلات الحمل المفرط TACO. وهناك تجربة للفعالية، تمولها معاهد الصحة الوطنية National Institutes of Health في الولايات المتحدة، قد تجري التجربة في هذا الصيف.
© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.