الغابات الاستوائية تخزِّن الكربون على الرغم من الاحترار
إذا وصلت درجات الحرارة العالمية إلى حدٍ حاسم؛ فستطلق الأشجار المحتضرة الغازات المسبِّبة للاحترار
بقلم: إليزابيث بنِّيسي
ترجمة: صفاء كنج
الغابات الاستوائية كانت من أفضل الدفاعات التي يمتلكها كوكب الأرض في مواجهة ارتفاع مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو. فالأشجار تمتص الكربون من الغلاف الجوي أثناء نموها، ويقدر الباحثون أنه على الرغم من استمرار إزالة الغابات Deforestation، فإن الغابات الاستوائية تخزِّن مقداراً من الكربون يتجاوز ما أصدرته البشرية على مدى الثلاثين عاماً الماضية عن طريق حرق الفحم الحجري والنفط والغاز الطبيعي. ولكن العلماء قلقون من أن قدرة الغابات الاستوائية على العمل كمصارف للكربون Carbon sinks سوف تتقلص، وسينعكس اتجاهها في نهاية المطاف مع استمرار الاحترار العالمي Global warming، إذ إن الأشجار تموت من جراء ضغوط الحرارة والجفاف وتحرِّر الكربون.
ويفيد الباحثون حالياً (SCIENCE: 2020, VOL 368 (6493): pp. 869) إن قياسات تخزين الكربون وظروف نمو نحو 500 ألف شجرة حول العالم تشير إلى أن بعض الغابات الاستوائية، وخصوصاً في إفريقيا وآسيا، ستستمر – إذا بقيت سليمة – باحتجاز كميات كبيرة من الكربون حتى مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية. ولكن ذلك سيستمر بالحدوث فقط إلى حد معين. إذ يقول وليام أنديريغWilliam Anderegg ، اختصاصي إيكولوجيا الغابات من جامعة يوتا University of Utah: “هناك مستويات معينة لا يمكن للغابات الاستجابة عندها”. إذ وجدت الدراسة إنه إذا وصل الاحترار إلى 2 سﹾ فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، فإن مساحات شاسعة من الغابات الاستوائية في العالم ستبدأ بفقدان الكربون بقدر أكبر مما تخزِّن منه. وقد وصلت أكثر غابات أمريكا الجنوبية احتراراً إلى هذه النقطة بالفعل.
والأشجار، بفضل عمرها الطويل وجذوعها الخشبية الضخمة، تضطلع بدور جيد بشكل خاص في تخزين الكربون. ولكن مقدار الكربون الذي يمكن أن تمتصه الغابات الاستوائية مع ارتفاع درجات حرارة الكوكب يعتمد على التوازن بين نمو الأشجار الذي يحفزه ارتفاع مستويات الكربون في الغلاف الجوي وما تتعرض له هذه الأشجار من ضغوط قد تؤدي إلى موتها جراء ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الجفاف. ويقول أنديريغ: “إن الأمر يشبه لعبة شد الحبل، بين فوائد غاز ثاني أكسيد الكربون والأثر المحتمل لتغير المناخ Climate change”.
ولمعرفة أي طرف قد يفوز في نهاية المطاف، فقد قاس فريق عالمي يضم أكثر من 200 باحث أكثر من نصف مليون شجرة في 813 غابة في 24 بلداً. وقد حسب الفريق – بقيادة أوليفر فيليبس Oliver Phillips ، الاختصاصي بعلم إيكولوجيا المناطق الاستوائية من جامعة ليدز Leeds University، ومارتن سوليفان Martin Sullivan، الباحث ما بعد الدكتوراه- كمية الكربون التي تخزنها حالياً الغابات المختلفة على أساس ارتفاع كل شجرة وقطرها ونوعها. وعاين الباحثون أيضاً الكيفية التي يختلف بها تخزين الكربون من مكان إلى آخر باستخدام بيانات من 590 قطعة أرض تغطيها الغابات المُخصصة للرصد طويل المدى.
ولتوقع الكيفية التي يمكن أن يتغير بها تراكم الكربون في المستقبل، افترض الباحثون أن الغابات الأكثر احتراراً والتي تقع معظمها في أمريكا الجنوبية، هي بمثابة مؤشرات تنبئ بما سيحدث لاحقاً. ومن خلال مقارنة تخزين الكربون في الغابات عبر مجموعة من المناخات المختلفة، أمكنهم استخدام المساحة كبديل للزمن. وقد حللوا الكيفية التي تؤثر فيها التغيرات بدرجة الحرارة وهطول الأمطار في تخزين الكربون، بحثاً عن تلك التغييرات التي تشرح على نحو أفضل ما لاحظوه في الغابات (يأخذ التحليل بالاعتبار الاختلافات في مزيج الأنواع المختلفة من الأشجار في الغابات).
وكانت دراسات سابقة قد اقترحت أن درجة الحرارة الدنيا التي تتعرض لها الغابات في الليل يكون لها الأثر الأكبر في قدرتها في تخزين الكربون على المدى الطويل، ربما لأن الليالي الدافئة تتسبب في تكثيف عملية التنفس وإطلاق مزيد من الكربون. غير أن هذه الدراسة وجدت أن درجة الحرارة القصوى أثناء النهار هي الأكثر أهمية، ربما لأن الأشجار في الأيام الحارة تمتص غاز ثاني أكسيد الكربون ببطء لتقليل الماء الذي تفقده عبر مسامات أوراقها.
والدراسة أظهرت، بشكل عام، إن الغابات تستهلك من الكربون قدراً أكبر مما تخسر منه. لكنها وجدت أنه عند نقطة تحول – عندما يرتفع متوسط درجة الحرارة اليومية القصوى خلال أحر شهر من السنة إلى 32.2 سْ – تنخفض قدرة الأشجار على تخزين الكربون بشكل حاد على المدى الطويل ويزداد فقدانها للكربون. ويشير سوليفان الذي يعمل حالياً في جامعة مانشستر متروبوليتان Manchester Metropolitan University بالمملكة المتحدة، إلى أن انخفاض القدرة على التخزين يكون أكبر في الغابات الأكثر جفافاً، وذلك على الأرجح لأن نقص المياه يجعل الأشجار أكثر عرضة للإجهاد والموت.
وقد حسَب الفريق، أن زيادة درجة الحرارة القصوى بمقدار درجة سيليزية في جميع أنحاء العالم تقلل من تخزين الكربون في الغابات الاستوائية بمقدار سبعة بلايين طن (أي ما يعادل تقريباً إجمالي انبعاثات الكربون الأمريكية على مدى خمس سنوات)، على الرغم من أن الكثير من هذه الخسارة تعوضه حالياً الزيادة في النمو. ووجد الباحثون أنه إذا ارتفعت درجات الحرارة العالمية بمقدار 2 سْ فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، فإن 71% من الغابات الاستوائية ستتجاوز نقطة التحول الحرارية Thermal tipping point. وسيكون مقدار خسارة الكربون أكبر بأربع مرات، وستسجل أمريكا الجنوبية القدر الأكبر من هذه الخسارة. وتقول جوليا بونغراتز Julia Pongratz، الاختصاصية بعلم المناخ من جامعة لودفيغ ماكسيميليان Ludwig Maximillian University في ميونيخ: ” إن تجميع البيانات الضخمة … يتيح لنا استخلاص الاستنتاجات بثقة أعلى بكثير مما تسمح به الدراسات الفردية”. ولكن لارا كويبرزLara Kueppers ، خبيرة النظم الإيكولوجية من جامعة كاليفورنيا University of California في بيركلي، تخشى من أن الدراسة قد تكون متفائلة جدًا عندما تتوقع أن الغابات الباردة، وخصوصاً في آسيا وإفريقيا، سيستمر فيها امتصاص كميات كبيرة من الكربون عند ارتفاع درجة حرارتها. وتلاحظ أنه ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الغابات ستتصرف مثل نظيراتها في أمريكا الجنوبية، أو أنها يمكن أن تتكيف مع سرعة حدوث التغير المناخي الناجم عن نشاط البشر. وتقول: ” لست واثقة من أن الغابات ستكون قادرة على التكيف ضمن النطاق الزمني المتاح لها”.
وينظر باحثون آخرون إلى النتائج على أنها جرس تنبيه للاستيقاظ والاجتهاد في العمل، مشيرين إلى أن حرارة العالم قد ارتفعت بالفعل بنحو 1 سْ فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ويقول ريتشارد بيتس Richard Betts، مطور نمذجات المناخ المختص بدورة الكربون العالمية من جامعة إكستر University of Exeter: “على الرغم من أن دور الغابات الاستوائية كمصارف [للكربون] سيضعف، إلا أن الحفاظ عليها لا يزال أفضل من عدم وجودها على الإطلاق وتحويلها إلى مصادر للكربون”. ويضيف قائلًا: “لم يفت الأوان بعد، … لتفادي أشد الآثار قسوة”.
© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.