تلف القلب الفيروسي قيد التمحيص
الباحثون يدرسون أسباب التهاب عضلة القلب لدى المتعافين من الإصابة بكوفيد-19
بقلم: جنيفر كوزان- فرانكل
ترجمة: مي بورسلي
في خريف 2020 سيؤدي سام محيي الدين Sam Mohiddin، طبيب القلب، دورًا جديدًا، سيكون موضوعَ بحث. فالتصوير بالرنين المغناطيسي (اختصارا: التصوير MRI) لقلبه – بمستشفى سانت بارثولوميو St. Bartholomew’s Hospital في لندن، حيث يعمل- سيساعد على الإجابة عن سؤال مُلح: هل يتعين على الأشخاص الذين تعرضوا لنوبة خفيفة أو معتدلة من كوفيد-19 (Covid-19) قبل أشهر، كما أصيب هو، أن يقلقوا بشأن صحة قلبهم؟
فقد تزايدت مؤخرا المخاوف من أن كوفيد-19 قد يسبب التهابا في القلب يعرف بالتهاب عضلة القلب Myocarditis، إذ ذكر الأطباء أن أشخاص أصحاء سابقًا صاروا يعانون قصورا في عمل القلب بفعل التهاب عضلة القلب بعد إصابتهم بكوفيد-19. وكان محيي الدين قد عالج مؤخرًا أبا القاسم البالغ من العمر 42 عامًا الذي ظهرت عليه أعراض كوفيد-19 نموذجية في أبريل 2020، بما في ذلك فقدان حاسة الشم وضيق خفيف في التنفس. وبعد شهر أصيب أبو القاسم بحالة حرجة من التهاب عضلة القلب الحاد. ويقول أبو القاسم الذي قضى أكثر من أسبوعين في وحدة العناية المركزة: “أنا ممتن لكوني على قيد الحياة”. وهو يتساءل، لماذا حدث هذا؟
‘كيف يمكن للفيروس أن يدمر عضلة القلب’ هو أحد الأسئلة التي يدرسها الباحثون حاليا. فهناك دراسات متعددة تتابع المرضى أثناء وبعد الإصابة الحادة بالمرض وذلك لمعرفة مدى انتشار التهاب القلب بعد كوفيد-19، وما إذا كان مزمنا، أو يستجيب لعلاجات محددة. ويرغب الباحثون أيضًا في معرفة ما إذا كانت هذه الإصابة تشبه حالة المصابين بالتهاب عضلة القلب بفعل أسباب أخرى – مثلا بفعل العلاج الكيماوي Chemotherapy أو الفيروسات الأخرى. وفي أكثر من نصف الحالات التي يسببها الفيروس، يزول الالتهاب دون عواقب تذكر.
ولكن بعض الحالات تؤدي إلى عدم انتظام ضربات القلب Arrhythmia واختلال وظائفه، أو في حالات نادرة الحاجة إلى زراعة قلب. ولأن الملايين يصابون حاليا بالفيروس التاجي Coronavirus، فحتى النسبة القليلة ممن سيطورون التهابا حادا في عضلة القلب يعني زيادة في أعداد المصابين بقصور في القلب. “فهل سيزداد عدد المرضى الذين يعانون قصورا في القلب نتيجة لذلك؟”، كما يتساءل بيتر ليو Peter Liu، طبيب القلب وكبير المسؤولين العلميين من معهد القلب في جامعة أوتاوا University of Ottawa Heart Institute.
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الفيروس سارس-كوف-2 (SARS-CoV-2)، الفيروس الذي يسبب مرض كوفيد-19، قد يتسبب في إصابة القلب بما في ذلك التهاب عضلة القلب في كثير من الحالات، أو في درجة أكبر من الفيروسات الأخرى. ونظرًا لأن الفيروس سارس-كوف-2 قد يؤدي إلى استجابة مناعية شديدة في كامل الجسم، فقد يكون الناجون أكثر عرضة لخطر الإصابة بالتهاب القلب. وتقترح فرضية أخرى أن مرضى كوفيد-19 قد يكونون عرضة لهذه الحالة؛ لأن الفيروس يدخل الخلايا عن طريق الارتباط بمستقبل الإنزيم المحول للأنجيوتنسين Angiotensin-converting enzyme 2 (اختصارا: الإنزيم ACE2)، الموجود على خلايا عضلة القلب. ولكن الباحثين يحذرون من استباق تفسير البيانات. وتقول ليزلي كوبر Cooper Leslie، طبيبة القلب في مستشفى مايو كلينك Mayo Clinic بجاكسونفيل في فلوريدا، حول الإنزيم ACE2: “إنها فرضية جيدة، لكنها لم تُختبر”.
وأحد أسباب صعوبة تحديد ما إذا كان كوفيد-19 يشكل خطرًا خاصًا للإصابة بالتهاب عضلة القلب هو عدم معرفة مدى انتشار الإصابة بالتهاب القلب بعد الإصابة بعداوى أخرى. إذ يقول ليو إن دراسات تخطيط سونار القلب Echocardiogram، بعد تفشي بعض حالات الإنفلونزا، تشير إلى أن ما يصل إلى 10% من مرضى الإنفلونزا يعانون تشوهات عابرة في القلب. ولكن مثل هذه الدراسات نادرة. وتقول فالنتينا بونتمان Valentina Püntmann، طبيبة القلب من مستشفى جامعة فرانكفورت University Hospital Frankfurt: “نحن لا نجري عادة فحصا لقلب للمتعافين بعد إصابتهم بالإنفلونزا”.
لقد أثارت بونتمان المخاوف من التهاب عضلة القلب عندما فعلت ذلك بالضبط مع مرضى كوفيد-19. إذ استخدم فريقها التصويرَ MRI لمسح قلوب 100 مريض مصاب بكوفيد -19 في المتوسط بعد 71 يومًا من نتيجتهم الإيجابية. وقد أظهرت الفحوصات وجود تشوهات في القلب لدى 78 شخصًا، وكان 60 منهم يعانون التهابا نشطا. وقد ذكر معظمهم أيضًا الأعراض المزمنة مثل التعب وضيق التنفس الخفيف، مما دفع بونتمان إلى التساؤل عما إذا كان التهاب القلب هو المسؤول عن هذه الأعراض.
على الرغم من الدراسة التي أجرتها بونتمان وزملاؤها -ونُشرت في يوليو في الدورية جاما كارديولوجي JAMA Cardiology، وأدت إلى عناوين رئيسية مثيرة للقلق في الصحف- إلا أن العديد من الباحثين يرون أن الدراسة بحاجة إلى إعادة في الظروف نفسها. ويحث أطباء القلب أي شخص يعاني أعراضا مثل ضيق التنفس أو ضيق في الصدر بعد الإصابة بكوفيد-19 على زيارة الطبيب، لكنهم قلقون من تدفق الأشخاص الأصحاء المتعافين الذين يطالبون بفحص القلب. ويقول ماثيو مارتينيز Matthew Martinez، مدير أمراض القلب الرياضية في مركز موريستاون الطبي Morristown Medical Center : “من الناحية الإيجابية: أننا سنكتشف” مدى احتمال الإصابة بأمراض القلب.
وبسبب المتطلبات البدنية للرياضة يتعين على أطباء الفرق الرياضية أن يتوخوا الحذر من التهاب عضلة القلب. ففي الأسبوع الأول من سبتمبر 2020 ذكرت ورقة بحثية -نشرتها الدورية جاما كارديولوجي- نظرت في حالة 26 رياضيًا من جامعة ولاية أوهايو Ohio State University بعد تشافيهم من الإصابة بكوفيد-19- أن أربعة منهم أصيبوا بالتهاب عضلة القلب. وكما أن القائمين على أي دوري رياضي للمحترفين يفحصون الرياضيين الذين أصيبوا بالفيروس سارس-كوف-2. وأولئك الذين يعانون التهابا في عضلة القلب، بغض النظر عما إذا كانت لديهم أعراضا، يوضعون على مقاعد البدلاء، جزئيًا بسبب الخوف من أن التهاب عضلة القلب قد يؤدي إلى الموت المفاجئ أثناء النشاط المكثف. أما مارتينيز الذي يساعد على تنسيق البحث لصالح الاتحاد الوطني لكرة السلة Basketball Association National ودوري كرة القدم الرئيسي Major League Soccer؛ فإنه يتوقع تدفق البيانات من الرياضيين خلال الأشهر المقبلة. ويقول: “إن العاملين منا في هذا المجال هم على استعداد للتضحية بإجازات نهاية الأسبوع لإنجاز ذلك”.
ومع ذلك، يشدد على أنه حتى ولو تمكن الباحثون من توضيح متوسط مدة التهاب عضلة القلب ومخاطره بالنسبة إلى رياضي شاب، فقد تكون تلك المخاطر مختلفة تمامًا بالنسبة إلى من يبلغ من العمر 50 عامًا أو مصابٍ بالسمنة أو بارتفاع ضغط الدم، خصوصا إذا كانوا ممن أصيبوا بإصابة حادة من كوفيد -19 أدخلتهم المستشفى. ويقول: “في هؤلاء الأفراد، سأكون أكثر حذرًا” وسأراقب إصابة القلب بعناية أكبر.
هذا، ويبحث آخرون عن أدلة حول الكيفية التي يتلف بها كوفيد-19 القلب، مما قد يقترح طرقا لتجنب الضرر. فيقول ليو: “إن الفيروس سارس-كوف-2 يتحدى جهازك المناعي بطرق غير تقليدية”. وقد كشف تشريح أنسجة القلب بعد الوفاة بسبب الإصابة بكوفيد-19 عن وجود التهاب في الأوعية الدموية للقلب وليس خلايا العضلات، والتي تكون موضع الالتهاب الناجم عن العداوى الأخرى. ووجدت دراسة تشريحية بعد الموت أن خلايا القلب الميتة تتناثر عبر نسيج القلب ككل، لكن المؤلفين أشاروا إلى أن آلية الإصابة غير معروفة. ويقول ليو: “دار الكثير من النقاش حول ما إذا كان هذا هو التهاب عضلة القلب” وفقا للتعريف الاعتيادي. وبغض النظر عن ذلك، يأمل هو وآخرون بإجراء تجارب إكلينيكية (سريرية) لاختبار ما إذا كانت الاستراتيجيات الوقائية، مثل تناول عقاقير حاصرات بيتا Beta blocker، قد تمنع الإصابة بفشل القلب بعد الإصابة بكوفيد-19 في الأشخاص من الفئات عالية الخطورة.
وبينما يتطوع محيي الدين للمشاركة في دراسة المتعافين، فإنه يشرف أيضًا على إحدى الدراسات ذات الصلة: تجربة تهدف إلى إشراك 140 شخصًا أثناء دخولهم المستشفى جرّاء إصابتهم بكوفيد-19 أو بعد فترة قليلة؛ 20 منهم مصابًا بالتهاب عضلة القلب الحاد والباقي غير مصابين. إذ سيبحث هو وزملاؤه عن مستويات الخلايا التائية T-cells غير الطبيعية في دم الأشخاص المصابين بالتهاب عضلة القلب، مما قد يساعد على تفسير ما إذا كان الجهاز المناعي يتسبب في إصابة القلب والكيفية التي يتسبب بها بذلك، وما إذا كانت أنماط الخلايا المناعية Immune cells في الدم تنذر بالتهاب عضلة القلب لاحقًا.
وحتى لو كان كوفيد -19 نادرًا ما يسبب التهابًا خطيرًا في عضلة القلب، فإن إحدى الفرضيات هي أن الحالات الخفيفة قد تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب بعد سنوات. فقد يتشكل النسيج الندبي Scar tissue عندما يشفى التهاب عضلة القلب، وقد أظهرت الدراسة السابقة أن التهاب القلب المتبقي يُنذر بصحة قلب أسوأ على المدى البعيد. ويقول محيي الدين: “بصفتنا أطباء قلب؛ فإننا نعمل على تحديد عوامل الخطر غير المصحوبة بأعراض”، مثل ارتفاع ضغط الدم. ويتابع قائلا: “وليس من الصعب تخيل أنه في المستقبل، سيسأل الممارسون الإكلينيكيون مريضًا جديدًا ‘هل أُصبت بكوفيد؟'”
© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved