مجموعة غريبة من الناس مستمرة بالتسلل إلى شيرنوبل
يلتقي الفيلم الوثائقي التربص بشيرنوبل مجموعة متحمّسة مستمرة في زيارة موقع أسوأ كارثة نووية شهدها العالم. وهذا الفيلم الرائع جديرٌ بالإشادة، كما يقول سايمون إنغز Simon Ings
بقلم : سايمون إنغز
ترجمة: محمد قبازرد
التربص بشيرنوبل: الاستكشاف بعد الكارثة الكبرى
Stalking Chernobyl: Exploration after apocalypse
تقديم – ايارا لي
يعرض مجانا على فيميو ويوتيوب
إنّ دائرة مهرجانات الأفلام السينمائية معطّلة نظراً للحظر الراهن، إذاً كيف يتسنّى لمنتجي الأفلام المستقلين أن يمارسوا مهنتهم؟ فقد بثّت مؤسسة سلسلة الأفلام المعروفة بــ Resistance Films Cultures هذه التُحفة السينمائية وحمّلتها مجاناً على وسائل التواصل الحيّة. وحتى إن كنا لن نوفّيها حقّها، فهذه التحفة السينمائية جديرة بتسليط الضوء عليها.
التربص بشيرنوبل Stalking Chernobyl فيلمٌ أخّاذ واستكشاف دقيق يحكي الكيفية التي يتسلل بها أشخاص عاديون شيئاً فشيئاً وبحذر وخوف لا يخلو من الاعتراض وإثارة الجدل- إلى موقع الحادثة النووية الأفدح على مستوى العالم.
في عام 1970 شُقَّت الأرض وحُفرت لإنشاء مفاعل شيرنوبل المعقد على مقربة من الحدود الأوكرانية البيلاروسية ومدينة العمال المجاورة بريبيات Pripyat. وقد أُسس المفاعل تحت وقع سرعةٍ مقلقة، ولكن عمال بريبيات كانوا ودودين ومحل تقدير لدى كثيرٍ ممن يعيشون في المدينة. وكانت المدينة عائلية ومريحة ومصممة بمعمارٍ جيد تملؤها الأشجار والورود. كما كانت لديها وسائل نقل جيدة ونهرٍ جارٍ، وحضانات ممتازة ومدارس وحمامات سباحة .. والقائمة تطول.
لا تزال المدينة في مكانها وبالإمكان زيارتها. فقد زرتها قبل أربع سنوات في الشتاء القارس. وأشار المرشدون السياحيون حينها إلى المواقع الرئيسية المغطاة بالثلوج، كما زرنا كافتيريا على هيئة كهفٍ في ضواحي شيرنوبل، ثم انتهى بنا المطاف إلى مدينة بريبيات التي كان نصفها مغطىً بالغابة المجاورة لها. وكان المكان مهجوراً وبارداً، كما كانت الذئاب تتجول في تلك الأنحاء.
لقد تضاعف عدد الزوار سنوياً إلى المنطقة المحظورة منذ ذلك الحين. وهذا يعني أن هناك أربعة آلاف زائر – غير مدركين لأي شيء كما كنت أنا حينذاك- يجوبون المكان.
وتصاحبهم المضايقات والمشكلات. فالمتجولون هناك يشعلون النيران باستخدام أخشاب الغابات المحلية في الليل غير عابئين ولا واعين بمقدار الإشعاع الذي يطلقونه. كما يزين الزوار المواقعَ هناك لالتقاط الصور التذكارية. ويلقي السياح الدُمى التي تجدها متناثرة في المدارس المهجورة وكذلك نصف الكتب .
” يُظهر الأشخاص العاديون الحب والاهتمام، كلٌ على طريقته الخاصة، تجاه أحد الأماكن الأشد حزناً على هذا الكوكب”
تكمن قوة وروعة فيلم التربص بشيرنوبل في أنه لا يستعجل الحكم .أ ليس إلقاء دميةٍ هنا بمثابة ترك إكليلٍ من الزهور؟ ومنذ متى كان الاستكشاف جنايةً؟
يشتكي أهالي المنطقة المعمّرون هنا من عدم إدراك “المتجوّلين” الذين يخترقون متسللين إلى هذا المكان لضرورات السلامة. غير أن الكل، حتى عمدة بريبيات -المسؤول على إبقاء المنطقة مؤمنة، يتفهّم الدافع الذي أتى بهم إلى هنا.
ومن خلال مقابلتنا لمجموعات من المتسللين والسياح والمرشدين ، اكتشفنا أن هذه الفئات تتداخل ببعضها. إذ يريد متجولٍ ما هنا أن يكون مرشداً سياحياً، وتعبر مرشدة سابقة عن رغبتها في العودة إلى التجول كسائحةٍ فحسب. فالعديد ممن قابلناهم قالوا إن المكان مميز، وإنه سيعاقبهم إذا ما أساءوا إليه أو عبثوا به.
لم يترك الفيلم مجالا لتسليط مزيد من الضوء على إيجابيات وسلبيات الطاقة النووية. وبرأيي، فإن المخرجة ايارا لي Iara Lee قد أنتجت شيئاً قيّماً وأكثر تفردا بكل تأكيد. وقد أظهرت الكيفية التي يبدوا بها الأفراد العاديين -كممارسي التسلق Parkour وضباط الشرطة والقافزين المظليين Base jumber ومنظّمي المهرجانات ، كلٌ على سَواء-المحبة والاهتمام كلٌ على أسلوبه الخاص وبطريقته الخاصة تعاطفاً مع البقعة الأشد بؤساً على الأرض.
لقد جعلني التربص بشيرنوبل أثق بقدرة البشر على استخلاص الأفضل من أسوأ أخطاء مجتمعاتهم.
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC