مسارٌ ضيقٌ لتعديل جينات الأجنة البشرية
لجنة الخبراء تحدد الاستخدامات الأكثر تبريرًا إذا ضُمِنت السلامة
بقلم: جون كوهين
ترجمة: مي بورسلي
في عام 2018، عندما أعلن هي جيانكوي He Jiankui عن ولادة أول طفلتين معدلتين جينيًا، انتقد نطاقٌ واسع من المختصين والجمهور ذلك على أنه خطير وغير أخلاقي وسابق لأوانه. وبعد عامين من ذلك خلصت لجنة دولية إلى أن الأخطار تظل أكبر من أن يُحتَذى حذوه. ولكن تقريرها الذي صدر الأسبوع الأول من سبتمبر 2020، يحدد أيضًا ظروفًا نادرة قد تبرر “تحرير الجينوم البشري القابل للتوريث” Heritable human genome editing (اختصارا: التحرير HHGE) ويدعو إلى إنشاء هيئة علمية عالمية لمساعدة البلدان على تقييم المقترحات المستقبلية.
واللجنة التي نظمتها الجمعية الملكية في المملكة المتحدة U.K.’s Royal Society وفرعان من الأكاديميات الوطنية الأمريكية للعلوم والهندسة والطب U.S. National Academies of Sciences- Engineering and Medicine- استعرضت أحدث ما توصلت إليه: تقنية كريسبر CRISPER وطرق أخرى لتعديل الحمض النووي DNA؛ كما استشارت العلماءَ والأطباء وعلماء الأخلاق ومجموعات من المرضى. وتقريرها الذي وصفه ديفيد ليو David Liu، الباحث في تحرير الجينوم من جامعة هارفارد Harvard University، بأنه “مدروس ومتوازن ومحدد جيدًا”، يؤكد على أن إجراء تغييرات الجينوم الوراثي لا يزال محفوفًا بالمخاطر في الوقت الحالي. ويقول كاي ديفيز Kay Davis، الاختصاصي بعلم الجينات من جامعة أكسفورد الذي شارك في رئاسة اللجنة: “هناك الكثير من الثغرات في معرفتنا وهناك حاجة إلى مزيد من البحث”.
لكن ليو غيرَ مرتاحٍ لتحليل التقرير للوقت والكيفية التي يُنفّذ بها تعديل الأجنة. “ما زلتُ أكافح لتخيل الظروف المعقولة التي يوفر فيها تعديل السلالة الجنسية الوراثية الإكلينيكي Clinical germline editing طريقًا للمضي قدمًا لمعالجة الحاجة الطبية غير المُلبّاة”.
والتقرير يبتعد، إلى حد كبير، عن الآثار الاجتماعية والأخلاقية المعقدة لولادة أطفال معدلين جينيًا. ولكنه يطالب بوجود لجنة دولية من العلماء لتقييم الاستخدامات المقترحة للتحرير HHGE، ولتقديم تحديثات منتظمة حول التقنيات ذات الصلة، ولمراجعة النتائج الإكلينيكية في حالة ولادة جنين معدّل مزروع في الأم.
كما يصنف التقرير استخدامات التحرير HHGE في تسلسل هرمي يتراوح بين “من المحتمل تبريره” إلى “خارج المسموح قطعيا”. وقالت اللجنة إن الاستخدام الأكثر تبريرًا هو مساعدة الأزواج النادرين الذين حتى مع التلقيح الصناعي Vitro fertilization (اختصارا: التلقيح IVF) وفحص الأجنة قبل الزرع، لديهم فرصة ضئيلة أو معدومة لإنجاب طفل لا يرث حالة وراثية تؤدي إلى “المرض الشديد أو الموت المبكر”. مثال ذلك الزوجان اللذان تكون لدى أحدهما طفرة مرض هنتنغتون Huntington disease متماثلة الآلائل Homozygous ؛ دون تدخل، سيرث أطفالهم الطفرة ويصابون بالمرض القاتل.
والأمراض الوراثية التي لها تأثيرات أقل خطورة ويمكن تصحيحها أو علاجها بطرق أخرى، مثل الصمم، تأتي في المرتبة الأدنى. وفي الجزء السفلي من الهرم- أكثر المحظورات في نظر اللجنة – هو استخدام التحرير HHGE للتحسين الجيني، لولادة أطفال أكثر ذكاءً، وأفضل أداءً في الرياضة، أو مقاومةً لفيروس نقص المناعة البشرية (اختصارا: الفيروس HIV)، وهذا كان الهدف من تجارب الطبيب الصيني هي.
واللجنة قالت إنه إذا ُسمح باستخدام التحرير HHGE، فإن أي تعديل للجنين يجب فقط “أن يغير تسلسل واحد في الحمض النووي DNA إلى تسلسل مرغوب فيه محدد” على أن يكون هذا التغيير شائعًا في “السكان المعنيين”. وهذا يعني أن الشكل الأبسط والأكثر استخدامًا من كريسبر؛ والذي قد يشل الجينات ولكنه لا يصلحها، لا ينبغي أبدًا استخدامه في الأجنة. ولاحظت اللجنة أيضًا أنه قد تكون هناك، يومًا ما، طريقةٌ لتجنب خطر حدوث تغييرات غير مقصودة في الحمض النووي DNA. وقد اقترح العلماء تعديل الخلايا الجذعية Stem cells التي تنتج الحيوانات المنوية أو البويضات البشرية قبل تكوين أي جنين. وبعد ذلك يمكن اختبار التغييرات التي تطرأ على هذه الأمشاج Gametes التي تحيد عن الهدف قبل استخدامها في التلقيح IVF.
ويقول دينيس ريبريكوف Denis Rebrikov من جامعة بيروغوف الروسية الوطنية للأبحاث الطبية Pirogov Russian National Research Medical University، الذي واصل أبحاث مشروع لتصحيح طفرة الصّمَم في الأجنة في أزواج لديهم الجين المعيب: إن معايير التقرير للاستخدام المستقبلي للتحرير HHGE صارمة جدا لدرجة أن ” تعديل جينوم الجنين، من حيث المبدأ، محظور”. (لم يتقدم ريبريكوف في أبحاثه كثيرا لأنه غير راضٍ عمّا إذا كان قادرا على تعديل جنين بشري بأمان).
“إن تعديل جينوم الجنين، من حيث المبدأ ، محظور”
دينيس ريبريكوف، من جامعة بيروغوف الطبية.
وفيودور أورنوف Fyodor Urnov، الباحث في التقنية كريسبر من جامعة كاليفورنيا University of California في بيركلي، مسرور بأن اللجنة كانت مُقيِّدة جدا. ويقول: “تُظهر الإرشادات الدقيقة الواردة في هذا التقرير أن قائمة المشكلات التي يمكن معالجتها من خلال هذا التحرير، في الواقع، صغيرة جدًا…إنه سر معروف في مجتمع تحرير الجينات أن تعديل التكاثر البشري هو حل يبحث عن مشكلة”.
© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved