لقاح كوفيد-19 من شركة فايزر: هل هو الاختراق العلمي الذي كُنَّا نسعى إليه؟
تقول فايزر Pfizer وشريكتها بيونتيك BioNTech إن لقاحهما لفيروس كورونا فعال بنسبة 90% في تجارب المرحلة الثالثة. ما مدى الحماس الذي يجب أن نشعر به إزاء هذه الأخبار، وما هي الأسئلة التي تبقى من دون إجابة؟
بقلم: غرايام لوتون
ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة
اليوم نشرت شركة تصنيع الدواء الأمريكية فايزر Pfizer وشريكتها الألمانية بيونتيك BioNTech نتائج يبدو أنها إيجابية من تجربة إكلينيكية (سريرية) للقاح كوفيد-19 (COVID-19) التجريبي BNT162b2.
ومع أن الرقم “90% من الفعالية” تصدر العناوين، إلا أن هذه الأخبار ربما لا تكون بالجودة التي تبدو عليها لأول وهلة.
ما الذي وجدته فايزر و”بيونتيك”؟
تعود النتائج المنشورة إلى تجربة سريرية في المرحلة الثالثة، وهي المرحلة النهائية في فحص إنْ كان اللقاح أو الدواء آمنًا وفعالًا. أعطت الشركتان الدواء أو الدواء الكاذب لـ43,538 مشاركًا في دراسة ثنائية التعمية، أي أن نحو نصف المشاركين حصلوا على الدواء الفعلي، أما النصف الآخر؛ فقد حصل على الدواء الكاذب، ولكن لا يعلم أحد مَنْ مِنْ الأشخاص حصل على أي الدواءين. وبعد ذلك انتظرتا حتى صارت هناك 94 حالة مؤكدة من كوفيد-19. وبحلول 8 نوفمبر كان 38,955 قد حصلوا على جرعتين.
ومن ثمَّ، جاءت لجنة مستقلة و”فكت التعمية” عن الدراسة، ووجدت أن نحو 90 في المئة من الحالات كانت في مجموعة الدواء الكاذب. ولم تُنْشر الأرقام غير المعالجة، ولكن الحسابات التقريبية تشير إلى وجود 85 حالة في مجموعة الدواء الكاذب وتسعة في مجموعة اللقاح الحقيقي.
هل يعني ذلك أننا نقترب من لقاح ناجح؟
ليس بعد؛ فهذا حكم مرحلي، وليس نهائيًا. و”النقطة النهائية” لهذه التجربة -أي المحدد الذي سيقرر النجاح أو الفشل بناءً عليه- هو الحد الأدنى تقريبًا. ويقيم هذا المحدد فقط مسألة إنْ كان الأشخاص سيكتسبون حماية من العدوى بالفيروس، وليس إنْ كان اللقاح سيمنع المرض الشديد أو الموت.
بالطبع، فإن الأشخاص الذين لا يصابون بالفيروس لا يمكن أن يمرضوا مرضًا شديدًا أو يموتوا بسببه. ولكن إن بقي 10 في المئة من الأشخاص الذين تلقوا اللقاح معرضين للمرض، فإن ذلك يعني عددًا كبيرًا من المرضى والمتوفين. وهذه التجربة ليست كبيرة كفاية لالتقاط مثل هذه الأعداد. “هذه الدراسات لا تمتلك أعدادًا كافية من المرضى لتكون قادرة على نحو موثوق به على معرفة إن كانوا يمنعون المرض الشديد أم لا. وسيتعين علينا إعطاء هذه اللقاحات إلى مجموعات سكانية أكبر بكثير من أجل الحصول على هذا النوع من البيانات”، هذا ما تقوله سوزان هودغسون Susanne Hodgson من معهد جينير التابع لجامعة أوكسفورد، العاملة في أبحاث اللقاح، وقد تحدثت إلى نيو ساينتست New Scientist حول تجارب لقاح كوفيد-19 عامة، وليس حول فايزر خاصة.
تعمل هودغسون على التجارب الإكلينيكية للمملكة المتحدة المتعلقة بلقاح مرشح ضد سارس-كوف-2 SARS-CoV-2، والذي تطوره جامعة أوكسفورد University of Oxford وشركة أسترازينيكا AstraZeneca، وليس لها أي علاقة بلقاح فايزر/بيونتيك.
وتقول هودغسون إننا يجب أن ننتبه لكون فعالية اللقاح في العالم الحقيقي قد تكون أقل من التي تجدها التجارب الإكلنيكية. وقد يكون ذلك بسبب أن اللقاحات لا تعمل جيدًا في الأشخاص الأكبر سنًا، علمًا بأنها تُختَبَرُ في العادة في الأشخاص الأصغر سنًا. ولم تصدر فايزر و”بيونتيك” أي بيانات محددة حول عمر الأشخاص في دراستهم.
إذن، هل ما زلنا بحاجة إلى انتظار النتائج النهائية؟
صحيح. ستستمر التجربة حتى تصير هناك 164 حالة مؤكدة من العدوى، وسيكون هناك حكم مرحلي آخر بعد 120 إصابة. ولكن احتمالية انقلاب النتائج متناهية الصغر. ويمكن تشبيه ذلك بعد الأصوات في الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة؛ فأعداد المصابين في مجموعة الدواء الكاذب وصلت لتوها إلى مرحلة لا يمكن لمجموعة اللقاح الحقيقي أن تتخطاها، وهي تقترب من الوصول إلى العتبة التي تؤهلها “للفوز”، على الأقل بحسب المحددات التي وضعتها منظمة الصحة العالمية World Health Organization (واختصارًا: المنظمة WHO) في تقييمها الرسمي الذي نشرته حول ما الذي يجب أن يكون عليه لقاح كوفيد-19 الآمِن والفَعَّال. وهذه العتبة هي تقليل بمقدار 50% من الاختطار النسبي، والذي يعني في هذه التجربة ألاّ يكون هناك أكثر من 54 حالة في مجموعة اللقاح الحقيقي من أصل 164 مصابًا في كلتا المجموعتين.
متى يمكن أن نصل لهذه النقطة؟
إن بقيت الأرقام بهذه الجودة، فإنه يمكن للشركات أن تقرر أن تقدم طلبًا إلى جهة منظمة كإدارة الغذاء والدواء الأمريكية US Food and Drug Administration (اختصارًا: الإدارة FDA) من أجل الموافقة، أو ما يعرف تقنيًا بــ “الترخيص”. وقد سبق وأن قالت الإدارة FDA إنها لن تتهاون في أداء عملها. ولم تضع جدولًا زمنيًا متوقعًا لعملية الموافقة، ولكنها تقول إنها ستلتزم بالإدراءات المعيارية: وهي مراجعة البيانات نفسها، طلب مشورة اللجنة الاستشارية للقاحات والمنتجات البيولوجية المتعلقة Vaccines and Related Biological Products Advisory Committee، وفتح فترة لعموم الناس من أجل التعليق. كما قد تطلب بيانات إضافية من الشركات.
بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum، عادة ما تحتاج الموافقة على اللقاحات إلى سنة أو سنتين. ولكن الإدارة FDA قالت أيضًا إنها ستسرع العملية من دون اختصارها. ويقول مفوِّض الإدارة FDA ستيفن هان Stephen Hahn في تصريح له في 29 سبتمبر: “لن تفوض الإدارة FDA ولن توافق على أي لقاح لكوفيد-19 قبل أن يكون قد وافق التوقعات الصارمة للوكالة فيما يتعلق بالأمان والفاعلية”.
وبعدها، هل ننجح في الحصول على مبتغانا؟
لا. حتى بعد موافقة المُشرِّعين، هناك عقبات يجب التغلب عليها، وبالأخص مسألة التزويد المحدود. “نتوقع إنتاجًا عالميًا يصل إلى 50 مليون جرعة لقاح في 2020 وما يصل إلى 1.3 بليون جرعة في 2021”، هذا ما قالته الشركتان في مؤتمر صحفي عند إعلان النتائج. نحتاج إلى نحو 14 بليون جرعة من أجل تلقيح الجميع، إذا ما أخذنا بالاعتبار نسبة الفقدان وحقيقة أن كل شخص سيحتاج إلى جرعتين.
كما تحتاج اللقاحات إلى تقييمٍ دقيقٍ بعد الترخيص، وهو ما يطلق عليه عادة اسم تجارب المرحلة السريرية الرابعة، لأن التفاعلات الضارة للقاح قد تكون نادرة جدًا وأقل من أن تلتقطها التجارب الإكلينيكية، ولكنها قد تكون شديدة كفاية لأن تجعل اللقاح غير مناسب للاستخدام العام، بحسب هودغسون. وتقول إن بعض التفاعلات الضارة قد تحتاج إلى شهور أو سنوات قبل أن تكتشف.
تقول الشركتان إنهما لم تلاحظا أي مخاوف شديدة تتعلق بالأمان. ولكن اللقاح هو من نوع لم يسبق الموافقة عليه من قبل؛ فهو لقاح حمض نووي ريبي RNA vaccine يستخدم الحمض الننوي الريبي المرسال messenger RNA من الفيروس لتحفيز استجابة مناعية، بدلًا من الفيروس المضعف، أو البروتينات الفيروسية، والتي جرت العادة باستخدامها، ومن ثمَّ قد تكون هناك مفاجآت غير متوقعة. وتقول الشركتان إنهما ستراقبان المشاركين في التجربة لسنتين بعد حصولهم على الجرعة الثانية.
ماذا بشأن الموافقة من أجل الاستخدام الطارئ؟
هذه احتمالية بعيدة. فهناك إجراءات عند الإدارة FDA تسمى التفويض للاستخدام الطارئ emergency use authorization (واختصارًا: التفويض EUA)، والذي قد يعطي موافقة مؤقتة لأدوية لم تثبت فعاليتها في حالة طارئة. وتقول فايزر وبيونتيك إنهما تخططان لتقديم طلب من أجل لقاحهما ولكنهما لا يمتلكان بيانات كافية تتعلق بالأمان بعد. وتجمع الآن الشركتان هذه البيانات ويمكن أن تصير كافية في الأسبوع الثالث من نوفمبر. فقد أصدرت الإدارة FDA لتوها خمسة تفويضات EUA لعلاجات كوفيد-19. كما أن المنظمة WHO لها عملية خاصة بها تتعلق بالاستخدام الطارئ، وتسمى محددات الإدراج في قائمة الاستخدام الطارئ emergency use listing criteria، مع أن فايزر و” بيونتيك” لم تعلنا عن خطط للمضي فيها.
هل هناك أي سلبية أخرى؟
نعم. يجب أن يُعطى اللقاح على جرعتين، وهو ما تعتبره منظمة الصحة العالمية أمرًا مثاليًا. فلقاحات الجرعة الواحدة أفضل ﻷنها تتطلب تصنيع جرعات أقل ولا يمكن للناس أن يفوتوا أخذ الجرعة المعززة.
وهناك جانب سلبي آخر وهو أن النتائج تستثني الأشخاص الذي أصيبوا بالفيروس من قبل. وأي لقاح سينجح لا بد وأن يُعطى في النهاية إلى أشخاص أصيبوا بالمرض مسبقًا، ومن ثمَّ يجب أن نعلم كيف يؤثر فيهم أيضًا. ومجددًا، تقول الشركتان إن لديهما بيانات حول ذلك وستستمران بالتحري خلال هذه التجربة.
وهناك أيضًا حقيقة أن النتائج نشرت في مؤتمر صحفي، وليس في ورقة علمية، ومن ثمَّ يصعب على العلماء تقييم التفاصيل الدقيقة. وتقول فايزر و”بيونتيك” إنهما ستقدمان البيانات إلى مجلات مُحكّمة.
وأيضًا لا نعلم في هذه المرحلة كم ستطول فترة الحماية التي يقدمها اللقاح.
ما هو وضع اللقاحات الأخرى؟
بحسب المنظمة WHO، هناك حاليًا 46 لقاحًا مرشحًا آخر في التجارب الإكلينيكية، وسبعة منها في المرحلة الثالثة.
ولكن عامة هذه أخبار جيدة، صحيح؟
نعم. تقول هودغسون: “حتى اللقاح الفعال جزئيًا له أثر كبير في مسار الجائحة”.
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.