عوالم غريبة ومختلفة عن الأرض أفضل رهاناتنا للعثور على حياة فضائية
ابتداءً من الكواكب الهائمة التي تجوب الكون وحيدة وحتى التاتوينات Tatooines التي تدور حول نجمين، يواصل العلماءُ العملَ على توسيع تعريفنا للكواكب النجمية Exoplanets الصالحة للحياة
بقلم: كولن ستيورات
ترجمة: همام بيطار
في كون معتم وموحشٍ، فإن النقطة الزرقاء الباهتة التي هي عالمنا تمثل منارة أملٍ على أنّ الحياة ممكنة، فالتقاء العوامل التي ساعدت على الحفاظ على الحياة هنا أمرٌ مذهل: انطلاقاً من القشرة الصخرية للكوكب، والمقسمة إلى صفائح تكتونية ساعدت على استمرار الاحتفاظ بغلافٍ جوي جيد التهوية جرّاء إطلاقها الغازات واحتجازها لها، ووصولًا إلى المسافة الملائمة التي تفصل كوكبنا عن الشمس.
فالأرض تدور عند الحافة الداخلية للمنطقة المعتدلة (منطقة غولدي لوكس) Goldilocks Region المعروفة أيضاً بالمنطقة الصالحة للحياة Habitable Zone وهي حلقة ضيقة ليست بالحارة جداً ولا بالباردة جداً؛ مما يسمح بوجود الماء السائل. فكل شيء حي، بدءاً بالبكتيريا وحتى الحوت الأزرق، بحاجة إلى الماء للبقاء.
ونظراً لذلك، ليس مفاجأ أن تنصب جهودنا في البحث عن الحياة الخارجية على اكتشاف نسخة كربونية أخرى من عالمنا. غير أنّ المحبط في ذلك هو أنّ مثل هذه العوالم متباعدة عن بعضها البعض وقليلةٌ جدا. فمن بين آلاف الكواكب النجمية Exoplanets المكتشفة حتى يومنا هذا، يُعتقد أن بضعةً منها يحظى بحد أدنى من الظروف المشابهة لما هو موجودٌ على الأرض. كما أنّ معظم مدارات هذه الكواكب إما قريبٌ جدا من نجمها المضيف، أو أنها تبعد عن نجومها مسافةً تجعلها عوالماً جليدية. هنالك أيضاً كواكب أخرى تتحرك في حلقات حول نجمين، أو تدور حول شموس ميتة منذ زمن بعيد، أو تلك التي تجوب الكون بمفردها دون أن تتمتع بأي حرارة نجمية على الإطلاق. اعتُبرت الحياة على هذه الكواكب مستحيلة في السابق، لكنّ هذه النظرة تتغير الآن.
يشير بحث أُنجر مؤخرًا إلى أن هذه العوالم الغريبة والمذهلة قد تدعم استمرار الحياة. وقد حانت لحظة تمزيق الدساتير القديمة والمضي في رحلة مذهلة بين الكواكب.
الجحيم أم الجنة؟ HELL OR HEAVEN
كواكب شديدة القرب من نجومها
إنّ الأدلة على وجود الحياة فوق كواكبٍ شديدة الاختلاف عن الأرض ليست بعيدة المنال. دعْ أمان كوكبنا جانبًا وسافر في اتجاه الشمس، حيث يدور كلٌ من الزهرة وعطارد، وحيث تقول الحكمة التقليدية إن درجات الحرارة المرتفعة ستجعل من وجود الماء السائل والحياة أمرين مستحيلين. حالياً، كوكب الزهرة جحيمٌ مستعر، إذ تتجاوز درجات الحرارة فيه 400 درجة سيليزية. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ البيانات التي جمعها مشروع بايونيرPioneer التابع لناسا في سبعينات القرن العشرين أشارت إلى ماضٍ أشد رطوبة بكثير. وعلى حد قول ميشيل وي Michael Way، من معهد غودارد لدراسات الفضاء Goddard Institute for Space Studies التابع لناسا في نيويورك: “ربما شهد الزهرة درجات حرارة معتدلة على مدار بلايين السنين”.
أماّ الآن، فلبُ المسألة يكمن في كيفية التوفيق بين الماضي السائل والقرب الشديد للزهرة من الشمس. يعتقد وي أن الإجابة تكمن في أيام الكوكب الطويلة التي يستمر كل منها نحو ثمانية أشهر أرضية. ووفقًا للنموذج المناخي للزهرة الذي اقترحه https://www.youtube.com/watch?v=qcqruy6SxdQ وي، والمنشور في شهر مارس 2020، يسمح الدوران البطيء للكوكب لسحابة كبيرة بالاستقرار مباشرة تحت وهج الشمس؛ مما يجعله قادرًا على عكس الكثير من الحرارة الواصلة إليه. ويضيف وي: “يعني هذا أن الزهرة أمضى الكثير من أيامه مع ماء سائل فوق السطح”. وستكون لذلك، إذا كان صحيحاً، آثار عميقة على طريقة تصنيف الكواكب على أنها صالحة للحياة. إذ يعلق وي: ” بالنسبة إلى الكواكب بطيئة الدوران كالزهرة، فإنّ المنطقة الصالحة للحياة تكون أقرب بكثير إلى النجم”.
“لقد تسرعنا جداً في استبعاد كواكب، كعطارد، من قائمة تلك الصالحة للحياة”
وإن صحَّ أحد تفسيرات عمليات الرصد الأخيرة، فربما يزداد اتساع هذه المنطقة ليشمل أماكناً أقرب إلى النجم كما هي الحال مع كوكب عطارد. تهيمن على أقرب كواكب نظامنا إلى الشمس ندبة اصطدام قديمة تُعرف بحوض كالوريس Caloris Basin، الذي تبلغ مساحته ضعف مساحة فرنسا. ففي عام 1974 اكتشفت بعثة عبرت بالقرب من عطارد ما سُمّي بـ “التضاريس الفوضوية” Chaotic Terrain على الجانب الآخر من الكوكب. وكان التفسير المعتاد هو أن الاصطدام قد ولّد موجات زلزالية انتقلت في اتجاهات متعاكسة حول عطارد؛ مما تسبب في تغضن السطح لدى التقاء هذه الموجات على الجانب الآخر من الكوكب.
أما أليكسيس رودريغيز Alexis Rodriguez، من معهد العلوم الكوكبية Planetary Science Institute في أريزونا؛ فلديه فكرة أخرى تعتمد على بيانات آخر البعثات إلى عطارد: ماسنجر Messenger. يقول أليكسيس: “الحوض أقدم من التضاريس الفوضوية بـ 2.5 بليون عام”. بكلمات أخرى، ليسا على صلةٍ ببعضهما البعض. ويشير عمل رودريغيز، المنشور في شهر مارس 2020، إلى سبب آخر لوجود التضاريس المختلطة: إنه انهيارٌ ناجم عن تبخر مواد كالملح والكبريتات، المعروفة عموماً بالمواد المتطايرة Volatile. وستكون العملية مشابهة لتشكل البالوعةSinkhole ، مع فارق: “أننا نتكلم عن انهيار سلاسل جبلية بأكملها” وفقاً لرودريغيز. كما أنّ المهم في الأمر هو أن هذه المواد المتطايرة ربما احتوت على لبنات بناء الحياة الأساسية، بما في ذلك الماء، ويضيف رودريغيز: “لقد تسرعنا في استبعاد كوكب كعطارد من قائمة تلك الصالحة للحياة”. ولهذا الأمر أهمية بالغة لأننا نعرف أن مثل هذه العوالم وفيرٌ خارج نظامنا الشمسي.
شموس توائم TWIN SUNS
كواكب تدور حول نجمين
تخيل عالمًا بشروقين وغروبين شمسيين، عالماً سيكون لك فيه ظلان. هذا ما ستكون عليه حقيقة العيش فوق كوكب يدور حول نجمين Circumbinary Planet.
اكتشف تلسكوب كبلر الفضائي Kepler Telescope التابع لناسا بضعة كواكب من هذه العوالم غير المألوفة، وقد عثر أيضا قمر مسح الكواكب العابرة الاصطناعي Transiting Exoplanet Survey Satellite (اختصارا: القمر TESS) على مجموعة أخرى منها في يناير 2020. وكان بعض هذه الكواكب في المنطقة الصالحة للحياة، ولكنّ جميعَها كان غازياً، دون أي فرصة لوجود الصفائح التكتونية التي أسلفنا أهميتها بالنسبة إلى الحياة على الأرض. كما أننا لم نعثر حتى الآن على كوكب صخري يدور داخل نظام نجمي ثنائي.
يعتقد أوثون وينتر Othon Winter، من جامعة ساو باولو São Paulo State University في البرازيل، أن بإمكانه تغيير ذلك. فهو جزء من فريق من علماء الفلك الذين نمذجوا مؤخرا عمليات تشكل الكواكب الأرضية في المناطق الصالحة للحياة والموجودة داخل الأنظمة النجمية الثنائية المعروفة. وتشير حساباتهم إلى أنه في حال العثور على كوكب يدور في نظام نجمي ثنائي، فإنّ فرصة إيجاد كوكب أرضي في المنطقة القابلة للحياة هي %50. ويراقب وينتر خصوصاً نظامين حظيا بتشكيلات لكواكب صخرية في كل عملية محاكاة أجراها هو وفريقه. ومن المثير أيضاً أن عمليات المحاكاة التي أجروها أشارت أيضاً إلى أن هذه الكواكب ربما بقيت صالحة للحياة على مدار بلايين السنين، إذ يقول وينتر: “لقد كانت مستقرة لزمنٍ طويل، زمنٌ يكفي لنشوء الحياة وتطورها”.
“الكواكب ثنائية الشموس ربما تبقى صالحة للحياة على مدار بلايين السنين”
ربما تكون الأدلة المتعلقة بالكواكب التي تدور داخل أنظمة نجمية ثنائية متوارية في نتائج الرصد الموجودة، وهي بانتظار اكتشافها وتعريفها. يقول دافيد مارتن David Martin، من جامعة ولاية أوهايو Ohio State University: “ربما تخفي بيانات تلسكوب كبلر ثلاثين أو أربعين منها”.
يستكشف تلسكوب كبلر الخفوت الواضح في سطوع نجم لدى عبور كوكب أمامه، وهو حدث يُعرف بالعبور الزوالي Transit. وبالنسبة إلى كوكب بحجم أرضنا، ويدور حول نجم بحجم شمسنا، سيكون معدل الهبوط صغيرا جدا- 0.01 %. ولاكتشاف مثل ذلك المعدل المنخفض جداً، يستخدم علماء الفلك تقنية تدعى الطي Folding ليتأكدوا من اكتشافاتهم ونتائجهم. وتتضمن الطريقة تجميع عمليات العبور المختلفة فوق بعضها البعض لتبدو درجات الانخفاض في السطوع أكثر وضوحا. ولكن وجود شمسين يُعقد من هذه العملية كثيراً. ويعمل مارتن بجد على تصميم خوارزمية تنجز هذا العمل، آملاً باستعادة الكواكب الصالحة للسكن والدائرة حول نجمين من أرشيف بيانات كبلر خلال الأشهر القادمة.
عوالم الزومبي ZOMBIE WORLDS
كواكب تدور حول نجوم ميتة
لن تستمر الشمس بالسطوع إلى الأبد. ففي غضون خمسة بلايين عام ستتمدد لتبتلع الكواكب الداخلية كما ستلفظ طبقاتها الخارجية نحو الفضاء بقوة، لتتبقى نواة صغيرة تُدعى قزمًا أبيض White Dwarf. ولا يبدو هذا محيطاً مثالياً لإيجاد الكواكب القابلة للسكن، لكن ما تعتقده ثيا كوزاكيس Thea Kozakis، من جامعة كورنيل Cornell University، مخالفٌ لذلك، فوفقاً لها “إنها في الواقع بيئة مستقرة جدًا”.
تعتقد ثيا، معتمدة في ذلك على الحسابات المنشورة في أبريل 2020، أن الكواكب قد توجد في منطقة صالحة للحياة حول القزم الأبيض لمدة تبلغ نحو 8.5 بليون عام، وهي مدة أطول من تلك التي لا تزال الأرض تمضيها في المنطقة الصالحة للحياة حول الشمس. وفكرة ثيا في تقوم على أن تلك المنطقة ستكون أقرب إليها مقارنة بالنجوم العادية؛ لأنّ الأقزام البيضاء تُشع مقداراً من الحرارة أقل. وتضيف ثيا: “سيستغرق إتمام الكوكب لدورته حول نجمه أيام فقط”. وما لم تكن مدارات الكواكب دائرية تماما، فسيؤدي ذلك إلى قوى مدّية أقوى بكثير من تلك الموجودة على الأرض.
سيكون العثور على مثل هذه الكواكب أسهل بكثير من العثور على أنظمة نجمية ثنائية، فالمجموعة مؤلفة من نجم صغير وكوكب قريب منه ستنتج منها عمليات عبور يُحجب أثنائها 50% من ضوء القزم الأبيض، مقارنة بـ 0.01 % فقط بالنسبة في حالة نجم كالشمس وكوكب كالأرض. ولكن لم يبحث أحد في السابق عن هذا التركيب. ويمكن لهذا أن يتغير قريبًا، إذ تقول كوزاكيس: “بوسعنا العثور على هذه الكواكب باستخدام تلسكوب هابل الفضائي، أو تلسكوب جيمس ويب الفضائي المنتظر”.
يعتقد آخرون أنه باستطاعتنا تقصي وجود الحياة حول الأقزام البيضاء بطريقة أخرى، وذلك عبر البحث عن إشارات قادمة من حضارة تتعامل مع زوال نجمها. ففي ورقة نُشرت في نوفمبر الماضي لجون غريتز John Gertz – عضو مجلس إدارة معهد البحث عن كائنات عاقلة خارج الأرض Search for Extraterrestrial Intelligence Institute، وهي مؤسسة بحثية أمريكية- استقصى غريتز المعضلة التي ستواجهها حياة فضائية مع بدء أُفُول نجمها. ويقول غريتز: “لقد أردت استكشاف الأمر من وجهة نظر فيلم ET”، وكانت خلاصة بحثه أن الهروب من شمس محتضرة سيكون صعبًا للغاية، وسيجبر حضارة متقدمة على إنجاز مشاريع هندسية غير مسبوقة، وهو أمرٌ يعتقد غريتز أنه يمكن اكتشافه. ويقول غريتز: “أُضيفت الأقزام البيضاء إلى القائمة المستهدفة بمشروع السماع الخارق Breakthrough Listen”، وهو مشروع تكلفته 100 مليون دولار، ويهدف إلى مسح السماء بحثًا عن الحياة الفضائية.
ناجون وحيدون LONE SURVIVORS
كواكب من دون نجوم تدور حولها
إذا كنا نتحدث عن التخلص من القواعد الموضوعة مسبقًا، فلمَ نتعامل مع نجم من الأساس؟ يدرس جوزيف غليسر Joseph Glaser، من جامعة دريكسيل Drexel University في بنسلفانيا، الكواكب الهائمة Rogue Planets، وهي عوالم يتيمة طُردت من الأنظمة الشمسية التي وُلدت بداخلها لتجوب الفضاء وحيدةً.
وجدت عمليات المحاكاة التي أجراها غليسر، والمنشورة في شهر فبراير 2020، أن 38% من الأنظمة الشمسية تفقد كوكبًا في مرحلة معينة. ويشير هذا إلى أن الكون يعج بالهائمين المنعزلين، مع احتمال وجود عشرات البلايين منها في مجرتنا درب التبانة وحدهاMilky Way .
إنّ الكواكب الأكثر عُرضة للطرد هي الأصغر ككوكبنا، وتحديداً تلك التي لديها قشرة صخرية. كما أن الوقت اللازم ليصير الكوكب غير مستقر وعرضة لذلك طويل. إذ يقول غليسر: “قد يستغرق ذلك أكثر من نصف عمر النجم”. إذاً، ما هي احتمالات أن تهيم كواكب صخرية بحجم أرضنا وتقع في المنطقة القابلة للحياة؟
يقول غليسر: “من الصعب حدوث هذا، لكنه ممكن بالتأكيد”. وفي الحقيقة، فقد عثرنا في السابق على كواكب هائمة بحجم أرضنا، ويعود الفضل في ذلك إلى تقنية تُعرف بتأثير عدسة الجاذبية (الثقالية) الميكروية Gravitational Microlensing. وتعتمد تلك التقنية على أن عبور كواكب أمام نجم بعيد ولا علاقة لها به، يقود إلى تضخيم شدة ضوء الكوكب؛ لأن جاذبية النجم عملت كعدسة مكبرة. ومدة هذه الأحداث التي قد تستمر من ساعات إلى أيام ترتبط ارتباطا وثيقاً بكتلة الكوكب. ويقول برزيميك مروز Przemek Mróz، من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا California Institute of Technology: “اكتشفنا مؤخرًا بضعة أحداث كهذه وقد دامت لساعات، كانت سببها كواكب بحجم أرضنا”. ويقدر مروز أنه في مقابل كل نجم موجود في مجرتنا درب التبانة، هناك ما بين واحدٍ إلى ثلاثة كواكب هائمة، علماً بأن مجرتنا موطنٌ لمئة بليون نجم على الأقل.
سنتمكن من العثور على المزيد من تلك الكواكب بفضل تلسكوب نانسي غريس رومان الفضائي Nancy Grace Roman space telescope الذي من المقرر إطلاقه عام 2026، والذي سيمكننا أيضاً من رصد تأثير عدسة الجاذبية. ويقول إتيان باتشيليت Etienne Bachelet ، من مرصد لاس كومبريس Las Cumbres Observatory، مشيرًا إلى اكتشاف كبلر لآلاف الكواكب النجمية التي تدور حول نجوم: “سيُحدث هذا التلسكوب ثورة مشابهة لتلك التي أحدثها تلسكوب كبلر منذ عشر أعوام”. وقد شارك باتشيليت في تأليف الورقة البحثية، المنشورة في عام 2019، والتي تناولت التأثير الذي ستحدثه البعثة الجديدة على اكتشاف الكواكب الهائمة. ويضيف باتشيليت: “سيكتشف الكثير منها، وستكون لدينا فكرة أفضل عن تعدادها داخل المجرة”.
أما السؤال الأكبر؛ فيتعلق فيما إذا كان بوسع الحياة البدائية الاستمرار فوق كوكبٍ لم يعد لديه مصدر طاقة أساسي متمثلاً بنجم. ولتواصل الحياة وجودها فوق كوكب كهذا، ربما عليه الاعتماد على الحرارة الصادرة عنه، والناتجة جزئيًا من التحلل الإشعاعي Radioactive Decay الحاصل تحت سطحه. وفي حالة الأرض، فإن هذه الطاقة أقل بـ 15 ألف مرة من الطاقة التي تصلنا من الشمس. ويتابع مروز موضحاً: “سيتجمد الكوكب ما لم يكن لديه غلاف جوي سميك. من يدري! فالطبيعة لا يمكن التنبؤ بها”.
حياة قمرية LUNAR LIFE
أقمار في ظروف مناسبة جداً
ربما لا ينبغي التفكير بالكواكب فقط على أنها الأماكن المناسبة للحياة. يقول جيسبر تجوا Jesper Tjoa ، من معهد ماكس بلانك لأبحاث النظام الشمسي Max Planck Institute for Solar System Research في ألمانيا: ” قد تكون النسبة الأكبر من “العقارات” القابلة للسكن في الكون على هيئة أقمار”. فنحن نعلم الآن أن لدى بعض أقمار المشتري وزحل – بما فيها يوروبا Europa وإنسيلادوسEnceladus – محيطات من الماء السائل تحت سطحها، على الرغم من وجودها في أماكن بعيدة عن المنطقة القابلة للحياة حول الشمس. ويوضح تجوا: “إذا تكرر مثل ذلك حول نجوم أخرى؛ فعندها سيفوق عدد الأقمار الصالحة للحياة عدد الكواكب”.
وفي بحثٍ نُشر في شهر أبريل 2020 ناقش تجوا فكرة ” البنية تحت السطحية Subsurface للمناطق القابلة للحياة”. وقد اكتشف، بعد محاكاة البنى الداخلية للأقمار الجليدية الصغيرة، أن جاذبية الكوكب الذي تدور حوله تلك الأقمار هي أكثر أهمية من حرارة الشمس. فتلك الأقمار تتمدد وتُضغط أثناء حركتها المدارية، وتقود تلك التشوهات إلى ضخ طاقة مدية كافية لإذابة الجليد أسفل سطحها. ويتابع تجوا: “من حيث المبدأ، من المحتمل وجود قمر صالح للحياة عند مسافة أكبر بآلاف المرات من المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس إذا كانت الظروف الكوكبية ملائمة”. وكلما كان انحراف مدار القمر عن الشكل الدائري أكبر، كان الوضع أفضل.
سيكون باستطاعة التلسكوبات المستقبلية، مثل تلسكوب بلاتو PLATO وهو مرصد سيعمل من الفضاء ومقرر إطلاقه عام 2026، اكتشاف أقمار بحجم غانيميد Ganymede، الذي يُعد أكبر أقمار النظام الشمسي، ويدور حول المشتري، إذ يعادل نصف قطره نصف ذلك الذي للأرض.
مع ذلك، ليس من الضروري أن توجد كل الأقمار الصالحة للحياة في مثل هذه المواقع البعيدة. فالكواكب الغازية الموجودة في المنطقة الصالحة للحياة حول شمسٍ ما قد تأوي أقماراً صخرية ودافئة مشابهة للأرض.
كان خوسيه كاباليرو José Caballero، من المركز الإسباني للبيولوجيا الفلكية Spanish Centre of Astrobiology، جزءًا من فريق سلط الضوء على أقمار موجودة حول نجوم أصغر وأبرد ومعمرة جدًا تُدعى الأقزام الحمراء Red Dwarfs. وبدأ هذا الفريق عمله بالتركيز على أكثر من 100 قزم أحمر عُرفَ عنها وجود كواكب نجمية Exoplanets تدور حولها، وذلك قبل نمذجة الاستقرار طويل الأمد لأقمار افتراضية. ويعلق كابالير قائلاً: “ستكون باستطاعة أربعة كواكب في المنطقة القابلة للحياة استضافة أقمارٍ مستقرةٍ”. وهذا العدد منخفض نسبيا؛ لأنك تحتاج إلى كوكب كبير جدا ليمنع قذف القمر خارج المدار. ووفقا لكاباليرو أيضًا: “سيكون الأمر مشابهًا لكوكب بوليفيموس Polyphemus وقمره باندورا Pandora في فيلم آفاتار Avatar”.
“قد تكون النسبة الأكبر من “العقارات” القابلة للسكن في الكون على هيئة أقمار”
ووفقًا للدراسة المنشورة في ديسمبر 2019، فإنّ حجم تلك الأقمار الأربعة، إن وُجدت، يتراوح بين حجم قمر الأرض وحجم أكبر أقمار زحل: تيتان Titan. كما أنّ حسابات الفريق تتنبأ أيضاً بأن هذه الرباعيات من الأقمار قد تبقى حول عمالقتها الغازية لمدة زمنية تُعادل تقريباً عمر كوننا الحالي، وهي مدة كافية لظهور الحياة وتطورها.
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC